شرح كتاب عمدة الاحكام للشيخ بن باز رحمه الله

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((إنما الأعمال بالنيات وفي رواية بالنية وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلي دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلي ما هاجر إليه)
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى توضأ ))
3- عن عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ويل للأعقاب من النار ))

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد ...
فهذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالطهارة ,والطهارة هي رفع الحدث وإزالة النجس , فالوضوء من الأحداث يقال له طهارة , والغسل من الجنابة ومن الحيض يقال له طهارة , وإزالة النجاسة من البدن والثوب أو البقعة يسمى طهارة , فالطهارة في الشرع هي رفع الأحداث وإزالة الأخباث .
والطهارة طهارتان :
طهارة حسية وطهارة معنوية ,والطهارة الحسية شطر الإيمان كما في الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم "الطهور شطر الإيمان " , والطهارة المعنوية بالتوحيد والأعمال الصالحات الشطر الثاني , والله جل وعلا شرع لعباده الطهارتين , الطهارة من الأحداث والأنجاس بما شرع من الوضوء والغسل والتيمم عند العجز عن الماء أو فقده, وشرع لهم الطهارة الثانية بما أمرهم به من الطاعات وترك المعاصي وهي طهارة لقلوبهم وصلاح لهم , ففعل العبد للأوامر وتركه للنواهي طهارة لقلبه وصلاح لدينه وسبب لهدايته في الدنيا والآخرة .

والأعمال مبنية على أمرين : صلاح الباطن وصلاح الظاهر , والعمل لا يقبل إلا بأمرين :
بنية لله خالصة هذه فيما يتعلق بالباطن بالقلوب , ويتعلق بهذا حديث عمر رضي الله عنه "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ " فهذا يتعلق بالقلوب , فلا يقبل العمل إلا إذا صدر عن إخلاص لله , ولابد من أمر ثاني وهو موافقة الشريعة ولهذا قال جمع من أهل العلم أن حديث عمر يعتبر شطر الدين , لأن مبنى الأعمال أمرين : الإخلاص في الباطن وموافقة الشريعة في الظاهر , فكل عمل لا يكون خالصا لله يكون باطلا وكل عمل لا يوافق الشريعة يكون باطلا .

حديث عمر فيما يتعلق بالإخلاص , الأعمال بالنيات وليس للعبد إلا ما نوى , وحديث عائشة الآتي وهو ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وفي لفظ آخر ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) يتعلق بالظاهر , فجميع الأعمال التي يتقرب بها العباد إلى الله ويتعبدون بها لا تصح إلا بإخلاص لله وموافقة لشريعته التي جاء بها نبيه علية الصلاة والسلام . وقال بعض أهل العلم أن حديث عمر ربع الدين , وانشدو في ذلك :
عمدة الدين عندنا كلمات أربع من كلام خير البرية
اتق الشبهات وازهد ودع ما ليس يعنيك واعبدن بنية

والأول أظهر فهو في الحقيقة شطر الإسلام لأنه يتعلق فيما يصلح الأعمال في الباطن وهو الإخلاص لله في جميع العبادات , ولابد مع هذا من موافقة العمل لشريعة الله كما قال عليه الصلاة والسلام " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " " ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أي مردود .

وضرب مثالا لهذا فقال عليه الصلاة والسلام " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " وهذا مثال للنية , فالأعمال في الظاهر قد تكون مستوية متشابهة لكن (((كلمه غير واضحة))) على النيات , فالمهاجر إذا أراد الله والدار الآخرة فهذا هجرته إلى الله ورسوله وعمله صالح , وإن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فليس بمهاجر شرعي , وإنما هجرته إلى ما هاجر إليه من قصد النكاح أو الدنيا .

سفر الإنسان من بلاد إلى بلاد إن كان في طلب العلم والجهاد فله ما نوى وأن كان للدنيا والتجارة فله ما نوى , هكذا خروجه من بيته إن كان للمسجد أو لعيادة مريض فله ما نوى , وله أعمالة الصالحة في ذلك , وإن كان خروجا آخر لمعنى آخر لتجارة أو أسباب أخرى فله ما نوى , وله ما قصد .

و الحديث الثاني : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " , هذا الحديث يدل على أنه لابد من طهارة للصلاة , لا تقبل إلا بذلك فمن صلى بغير طهارة فلا صلاة له , وفي الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول " خرجه مسلم في صحيحه . فلا بد من طهور للصلاة طهورا كاملا من الحدث الأكبر من الجنابة والحيض والنفاس , ومن الحدث الأصغر ((( كلمه غير واضحة ))) الوضوء في الريح والبول ونحو ذلك . وفي الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم " مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم " فلا بد لها من مفتاح , ومفتاحها الطهور , وهو التطهر فمن دخلها بغير ذلك فلا صلاة له , إلا عند الضرورة كالذي لا يستطيع طهورا لا ماء ولا تيمما فهذا معذور كالمريض العاجز .
ملاحظة : شرح الحديث الثالث لم نجده في الشريط.

4- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر ومن استجمر فليوتر وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )) وفي لفظ لمسلم (( فليستنشق بمنخريه من الماء )) وفي لفظ (( من توضأ فليستنشق ))
5- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغسل فيه )) ولمسلم (( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ))
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً ))ولمسلم(( أولاهن بالتراب ))
7- وله في حديث عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعاً وعفروه الثامنة بالتراب )) .

هذه الأحاديث كلها تتعلق بالطهارة , فالحديث الأول فيه دلالة على وجوب الاستنشاق في الوضوء , ولهذا قال عليه الصلاة والسلام " إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر " وفي لفظ " فليستنشق بمنخريه من الماء " فهذا يدل على وجوب الاستنشاق والإستنثار وأن الواجب على المتوضئ أن يستنشق ماء وينثره لما فيه من النظافة والنشاط وإذهاب الأذى , والواجب مرة واحدة وإذا كررها ثلاثا فهو الأفضل, وهكذا بقية فروض الوضوء - ماعدا مسح الرأس مع الأذنين- السنة ثلاثا والواحدة مجزئة كافية , فإن كررها ثنتين كان أفضل والكمال ثلاثا . أما الغسل الواجب فغسلة واحدة لوجهه ويديه وهكذا المضمضة , لأن الرسول توضأ مرة مرة , وتوضأ مرتين مرتين , وتوضأ ثلاثا ثلاثا .

وفيه دلالة على وجوب غسل اليدين إذا استيقظ من النوم ثلاث مرات لأن الرسول أمر بهذا عليه الصلاة والسلام , ونهى عن إدخال اليدين في الإناء إلا بعد غسلهما ثلاثا , فدل ذلك على وجوب غسل اليدين عند القيام من نوم الليل.

واختلف العلماء هل يلحق نوم النهار بذلك أم أنه خاص بنوم الليل , والأقرب والله اعلم أنه يعم , وأن التعبير بقوله " أين باتت يده " (( كلمتان غير واضحتان ولعه قال : قيد أغلبي )) لان الغالب أن النوم في الليل , فإذا استيقظ من نومه وجب أن يغسلهما قبل أن يدخلهما في الإناء كما دل عليه الحديث العظيم الصحيح.

الحديث الرابع فيه دلالة على أنه لا يجوز البول في الماء الدائم مطلقا ولا يجوز للجنب أن يغتسل فيه , ولهذا نهى النبي عن هذا وعن هذا عليه الصلاة والسلام فنهى عن البول في الماء الدائم و الاغتسال فيه من الجنابة , وما ذلك والله أعلم إلا لأن هذا وسيلة إلى تقذيره وتنجيسه , لأنه إذا توالى فيه البول والغسل من الجنابة أفضى إلى تنجيسه أو على تقذيره على الناس حتى لايشتهى بسبب ما يحصل فيه من الغسل من الجنابة والأبوال التي تتكرر وتكثر فتؤثر فيه في طعمه أو لونه أو ريحه فيكون نجسا , والغسل من الجنابة قد يؤثر في الماء بأن يكون عليه آثار من الجنابة من المني أو المذي فيؤثر ذلك في الماء كدرا وتقذيرا , وربما كانت عليه نجاسة فأثر في الماء أيضا فلهذا نهى النبي عن ذلك عليه الصلاة والسلام بالكلية , حسما لمادة إفساد الماء , فلا يبول فيه ولا يغتسل ولكن يغترف لحاجته, ومفهوم ذلك أنه إذا كان جاريا فلا يضر , فالاغتسال في الماء الجاري كالنهر أو البول فيه لا يضر ذلك وإنما يضر إذا كان الماء دائما , كالأحواض الدائمة , فلا يجوز البول فيها ولا الاغتسال فيها من الجنابة .

والحديث التالي حديث أبو هريرة فيه دلالة على وجوب غسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرات , وهذا من خصائص الكلاب فلا يقاس عليها غيرها , فلا يجب غسل الإناء من ولوغ الخنزير أو الذئب أو الأسد أو الحمار أو البغل , إنما هذا خاص بالكلب إذ ورد فيه النص وحده , فلا يلحق به غيره , وفي رواية لمسلم " طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب " دل على نجاسة الكلب وأنها مغلظة لابد فيها من سبع ولابد فيها من تراب في إحداهن , والأفضل أن تكون الأولى لقوله " أولاهن بالتراب " حتى يكون ما بعدها من المياه منظفا للإناء من التراب ومن الولوغ جميعا .

وفي حديث عبد الله بن المغفل " وعفروه الثامنة بالتراب " يعني ليكن إحدى الغسلات فيها تراب فتكون ثامنة بالنسبة إلى التراب , و إلا فهي سبع بالنسبة إلى الماء , وظن بعض العلماء أن المراد ثمان غسلات وليس له ذلك , وإنما المراد أن الثامنة بالنسبة إلى كونها من التراب تعتبر ثامنة وبالنسبة إلى كونها مخلوطة مع الماء تكون سابعة وهذا من باب التنظيف وإزالة آثار هذا الولوغ فيكون سبع غسلات إحداهن بالتراب والأفضل أن تكون الأولى حتى يكون ما بعدها منظفا للإناء مزيلا لآثار الولوغ , وإذا لم يتيسر التراب فما يقوم مقامة يكفي كالإشنان والصابون والسدر ونحو ذلك , لأن الرسول نص على التراب عليه الصلاة والسلام فينبغي الأخذ بذلك عند وجوده فان عدم التراب استعمل ما يقوم مقامه .


8- عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان رضي الله عنه دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثاً ويديه إلي المرفقين ثلاثاً ثم مسح برأسه ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً ثم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا وقال (( من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه ))
9- عن عمرو بن يحي المازني عن أبيه قال شهدت عمرو بن أبي الحسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بتور من ماء فتوضأ لهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكفأ على يديه من التور فغسل يديه ثلاثاً ثم أدخل يديه في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً بثلاث غرفات ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثاً ثم أدخل يده فغسلهما مرتين إلي المرفقين ثم أدخل يديه فمسح بهما رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ثم غسل رجليه وفي رواية (( بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلي قفاه ثم ردهما حتى رجع إلي المكان الذي بدأ منه )) (( أتانا رسول الله صلى الله وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر )) شبه الطست
10- عن عائشة رضي الله عنها قالت (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله ))
11-عن نعيم المجمر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل )) وفي لفظ لمسلم رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين ثم غسل رجليه حتى رفع إلي الساقين ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء )) فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل وفي لفظ لمسلم سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول (( تبلغ الحيلة من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ))

هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بالوضوء .

الحديث الأول حديث عثمان رضي الله عنه , وهو عثمان بن عفان الأموي القرشي رضي الله عنه ثالث الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عن الجميع .
يخبر أن الرسول صلى الله علية وسلم كان إذا توضأ غسل يديه ثلاث مرات وهذا الغسل سنة , ويستحب للمتوضئ أن يبدأ وضوءه بغسل الكفين ثلاث مرات , في جميع الأوقات إلا إذا قام من النوم فإنه يغسلهما وجوبا ثلاث مرات , ثم تمضمض واستنشق واستنثر , وفي حديث عبدالله بن زيد وحديث علي رضي الله عنه وأحاديث أخرى أنه تمضمض واستنشق واستنثر ثلاث مرات بثلاث غرفات , وهو السنة أن يتمضمض ويستنشق ويستنثر ثلاثا بثلاث غرفات , وإن اقتصر على واحدة أجزأ ذلك , ولكن الفضل والكمال ثلالثا , ثم غسل وجهه ثلالثا , وهذا هو الكمال وإن غسل واحده كفى لانه فرض , ثم غسل يديه , إما ثلاثا كما في حديث عثمان رضي الله عنه , وفي حديث عبد الله بن زيد غسلهما مرتين , وذلك يدل على جواز الاقتصار على اثنتين , وجاء في الحديث الصحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة , وهو في البخاري ويدل على جواز الاقتصار على مره واثنتان أفضل وثلاث هي الكمال , ثم مسح رأسه , وفي حديث عبد الله مرة واحدة , وفي حديث عبد الله بن عمرو وأحاديث أنه مسح رأسه وأذنيه , وغسل رجليه مع الكعبين ثلاثا هذا هو الأفضل وإن غسلهما واحدة أو اثنتين أجزأ ذلك .

وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أنه غسل ذراعيه حتى اشرع في العضد وغسل رجليه حتى اشرع في الساق , يعني غسل الكعبين مع الرجلين وغسل المرفقين مع اليدين فدل ذلك على أن المرافق تغسل وكذلك الكعبان يغسلان , فهذا معنى قوله جل وعلا ( وأيديكم إلى المرافق ) يعني مع المرافق , والمراد بقوله (إلى الكعبين) أي مع الكعبين كما تقدم .

وفي حديث عبد الله بن زيد أنه بدأ بمقدم رأسه عند المسح حتى ذهب إلى قفاه حتى ردهما إلى المكان الذي بدأ منه هذا هو الأفضل , وعلى أي صفة مسح أجزأه , بيد واحدة أو باليدين , بدأ بالمقدم أو المؤخر , كله يجزئ , ولكن يجب أن يعمم الرأس على الصحيح ولا يجزئ بعضه على الصحيح , قوله " الوضوء " بالفتح هو الماء المعد للوضوء , وبالضم هو نفس الوضوء ونفس الفعل .

والتور إناء من الصفر , ويدل على جواز استعمال الأواني من الصفر والنحاس , كما يجوز استعمال الأواني من الحديد والفخار ماعدا الذهب والفضة , فإنه لا يجوز استعمال أواني الذهب والفضة , فالرسول صلى الله عليه وسلم زجر عن ذلك فلا يجوز للمسلمين استعمال أواني الذهب والفضة رجالا ونساء .

وفي حديث عثمان دلالة على شرعية صلاة ركعتين بعد الوضوء , فيستحب صلاة ركعتين يقبل عليهما بقلبه وقالبه ويخشع فيهما لربه وأنها من أسباب المغفرة , فإذا توضأ الإنسان الوضوء الشرعي ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه , هذا فضل عظيم , وهذه يقال لها صلاة سنة الوضوء .

وفي حديث عائشة رضي الله عنها الدلالة على أن السنة التيامن في الوضوء وغيره لهذا قالت أن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن, وفي اللفظ الآخر يحب التيمن في تنعله وترجله و طهوره أي تطهره , وفي شأنه كله, فهذا فيه دلالة على شرعية التيمن في الوضوء والغسل , وهل هذا أمر واجب أم لا ؟ على قولين لأهل العلم , منهم من رآه واجبا في الوضوء , ومنهم من رآه مستحبا (كلمة غير واضحة) يستحب في الغسل يبدأ بشقه الأيمن قبل الأيسر , وهكذا في لباسه يستحب أن يبدأ باليمين, يدخل كمه الأيمن قبل الأيسر في القميص والسراويل والبشت , عند اللبس يبدأ بالأيمن وعند الخلع يبدأ بالأيسر , وفي النعلين والخفين كذلك .

والحديث الرابع حديث أبي هريرة فيه دلالة على أن هذه الأمة لها علامة يوم القيامة وأنهم يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء, هذه علامة لأمة محمد عليه الصلاة والسلام يوم القيامة يحشرون غرا محجلين من آثار الوضوء , الغرة في الوجه و التحجيل في اليدين والرجلين , يعني لهم أنوار في وجوههم وفي أيديهم و أرجلهم من آثار الوضوء الذي فعله في الدنيا , وفي الحديث " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " يحلون بحلية أعد الله لهم في الجنة إلى نهاية الوضوء , وفيه كما في رواية مسلم أن أبا هريرة كان يبالغ في الوضوء من اجل هذا الحديث , وكان إذا غسل يديه يكاد يصل إلى المنكبين وهكذا في الرجلين يبالغ , وهذا الذي يفعله أبو هريرة اجتهاد منه , والصواب خلاف ذلك , الصواب أن يكتفي بغسل المرفقين والكعبين ويكتفي بذلك و لا حاجة إلى أن يزيد إلى المنكب أو الركبة , فالسنة الاكتفاء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم يغسل رجليه مع الكعبين واليدين مع المرافق , أما قوله فمن استطاع منكم أن يطيل غرته و تحجيله فليفعل هذا فيه اختلاف بين أهل العلم هل هو من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم مرفوع أو من كلام أبي هريرة مدرج وقد رجح جمع من الأمة انه مدرج وانه من كلام أبي هريرة استنباطا من الحديث , فلا يستحب للمؤمن أن يزيد على الوضوء الشرعي , وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غسل يديه اشرع في العضد و إذا غسل رجليه اشرع في الساق ومعنى اشرع يعني أخذ بعض العضد عند غسل يديه , وهكذا بعض الساق حين غسل الرجلين وذلك لإدخال المرافق وإدخال الكعبين في الوضوء , فيكون معنى الآية " إلى المرافق " أي مع المرافق وكذلك قوله " إلى الكعبين " أي مع الكعبين كما قال الله تعالى " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" يعني مع أموالكم وهذا هو الصواب ...


1ـ باب دخول الخلاء و الاستطابة


12- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال (( اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث ))
13- عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا )) قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل
14- عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة .

هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بآداب قضاء الحاجة .

الرسول عليه الصلاة والسلام بعثه الله بالدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عن سفساف الأخلاق وسيء الأعمال , وهو صلى الله عليه وسلم يدعو إلى كل خير , وينهى عن كل شر, وقد دعا إلى الآداب الشرعية في قضاء الحاجة والصلاة والصوم و الصدقات والحج والجهاد وغير هذا من شؤون الإسلام , وهو دعا إلى كل خلق كريم ونهى عن كل ما يخالف ذلك , ومن ذلك انه كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد دخول الخلاء قال : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث , عند محل قضاء الحاجة وفي بعضها " بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث " والخبث بالضم جمع خبيث والمراد بذلك ذكور الشياطين و إناثهم , والخبث بالتسكين معناه الشر والخبائث أهله , والمعنى انه استعان بالله من شر الشر وأهله من الشياطين وغيرهم , هذا هو السنة لمن أراد أن يقضي حاجته عند دخوله الخلاء أن يقدم رجله اليسرى عند الدخول ويقول بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث , وان كان في الصحراء فعندما يريد قضاء الحاجة, إذا أراد المكان الذي يمكث فيه لقضاء الحاجة قال عند ذلك بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث , وعند الخروج يقدم رجله اليمنى ويقول غفرانك , وهي أسألك غفرانك عما قصرنا فيه من شكر نعمك , وعما قدمت من الذنوب , لان قضاء الحاجة من نعم الله والعبد من شأنه التقصير في شكر الله .


وحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أتيتم الغائط " أي محل قضاء الحاجة " فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا" هذا بالنسبة إلى المدينة ومن كان على سمتها فيشرق أو يغرب وهكذا في الجنوب , أما من كان في الشرق والغرب فإنه يجنب أو يشمل حتى لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها عند قضاء الحاجة , قال أبو أيوب رضي الله عنه " فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل" فأبو أيوب حمل الحديث على العموم وانه عام للمباني والصحراء , يشرع للمؤمن قضاء حاجته سواء في المباني أو في الصحراء فينحرف عن القبلة فيجعلها عن يمينه أو شماله عند قضاء الحاجة , لعموم الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم , فالأولى و الأفضل للمؤمن حتى في بيته أن يجعل محل قضاء الحاجة إلى غير القبلة , هذا هو المشروع وهذا هو الذي ينبغي , لكن في البناء يتساهل في ذلك , ليس بلازم في البناء , وإنما هذا في الصحراء عند جمع من أهل العلم لحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما انه قال " رقيت يوما " أي صعدت "على بيت حفصة " يعني بذلك بيت أخته حفصة رضي الله عنها " فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبلا الشام مستدبرا الكعبة " فهذا يدل على أن الاستدبار والاستقبال في المبنى أي المحل المستور ليس بلازم , وإنما ذلك في الصحراء , وهذه رجحه جمع من أهل العلم انه لا بأس أن يستقبل ويستدبر في المبنى, وهو قول البخاري رحمه الله وجماعة من أهل العلم لهذا الحديث حديث عبد الله بن عمر , ولكن الأفضل والأولى للمؤمن أن لا يستقبلها مطلقا , لان حديث عبد الله بن عمر يحتمل انه كان قبل النهي , ويحتمل انه خاص كما قال جماعة , فالأولى للمؤمن أن تكون مراحيضه منحرفة عن القبلة لا يستقبلها ولا يستدبرها أخذا بحديث أبي أيوب العام وما جاء في معناه , ولكنه في المبنى أسهل و أقل تبعة بسبب حديث عبد الله بن عمر المذكور فيكون خاصا وحديث أبي أيوب عاما .


15- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي معي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء
العنزة : الحربة الصغيرة والأداوة : إناء صغير من الجلد
16- عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمنه ولا يتنفس في الإناء ))
17 – عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال (( فقال انهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة )) فأخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة فقالوا يا رسول الله لم فعلت هذا قال (( لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ))

هذا الحديث حديث انس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يدخل الخلاء , فيحمل انس وغلام معه , وفي الرواية الأخرى انه من الأنصار , اداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء عليه الصلاة والسلام .
هذا الحديث يدل على فوائد منها شرعية الاستنجاء بالماء في غسل الدبر والذكر من آثار البول والغائط وانه كان يستعمله في بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام . وكان في بعض الأحيان يستجمر عليه الصلاة والسلام وكلاهما جائز , فإن شاء المؤمن استجمر بالحجارة ونحوهما , وان شاء استنجى بالماء , وان شاء جمع بينهما . والاستنجاء بالماء أنقى واذهب لآثار النجاسة , والاستجمار بالحجارة والمناديل الطاهرة ونحوها مما يزيل الأذى جائز أيضا عند أهل العلم وقد دلت عليه أحاديث كثيرة فعن الرسول صلى الله عليه وسلم " انه إذا أتى أحدكم الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه " وقال سلمان رضي الله عنه " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بأقل من ثلاثة أحجار " فإذا استنجى الإنسان بثلاثة أحجار أو أكثر أو أخشاب أو مناديل أو تراب أو غيرها مما يزيل الأذى وينقي المحل ثلاثا فأكثر أجزأه ذلك . وفيه من الفوائد جواز خدمة الشخص بحمل الماء معه لحاجته أو الحجارة كما في حديث ابن مسعود , فلا بأس أن يأمر الإنسان بعض أولاده وطلابه أن يتبعوه بما يحتاج إليه من الماء أو الحجارة ليستنجي بذلك . وفيه من الفوائد أيضا استصحاب العنزة وهي عصا صغيرة لها حربه , تركز أمامه إذا جاء يصلي عليه الصلاة والسلام سترة, وكان يستخدمها في السفر عليه الصلاة والسلام إذا أراد يصلي ركزت أمامه سترة له عليه الصلاة والسلام , والسترة سنة مؤكدة قال عليه الصلاة والسلام " إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها " .

والحديث الثاني حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه فيه مسائل : المسألة الأولى : انه لا يجوز للمسلم أن يمسك ذكره بيمينه وهو يتبول لأنه قد يناله شيء من النجاسة , واليمنى يجب أن تبعد عن هذا , فاليمنى للمصافحة والأكل والأخذ والعطاء , فإذا أراد أن يمسك ذكره فليمسك باليسرى لا باليمنى . المسألة الثانية : ليس للمؤمن ولا للمؤمنة أن يتمسح من الخلاء باليمين , ولكن باليسار وهذا من الآداب الشرعية , فالرسول صلى الله عليه وسلم علم أمته الآداب الشرعية في الوضوء والاستجمار وغير ذلك عليه الصلاة والسلام , فقد دعا الأمة إلى كل خلق كريم ونهاها عن كل خلق ذميم , فالله جل وعلا شرع لعبادة مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ونهاهم عن سفاسف الأخلاق وسيء الأعمال, ومن الآداب الشرعية في الشرب أن يشرب بيمينه وان لا يتنفس في الإناء , والأفضل أن يكون الشرب بثلاثة أنفاس , ويفصل الإناء عن فمه ويتنفس , ولا يتنفس في الإناء لأنه قد يشرق به او يخرج منه شيء يقذر الماء , والسنة الفصل فيفصل الإناء عن فمه ويتنفس .
والحديث الثالث حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عيه وسلم, يقول "انه صلى الله عليه وسلم مر بقبرين , فقال انهما ليعذبان وما يعذبان في كبير " وفي رواية قال " بلى انه لكبير " " أما أحدهما فكان لا يستتر من البول " وفي اللفظ الآخر "لا يتنزه من البول " "وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " .
هذا الحديث فيه دلالة على تحريم النميمة وتحريم التساهل بالبول, وان الواجب العناية بالنزاهة من البول والتطهر من البول في بدنه وثيابه, وفي الحديث الآخر " استنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه " , والنميمة فيها فساد عظيم , لأنها تثير الفتن بين الناس والشحناء , والنميمة هي نقل الكلام السيئ من زيد إلى عمرو, ومن جماعة إلى جماعة, ومن قبيلة إلى قبيلة, كلاما سيئا يثير الشحناء ويثير العداوات , فالكلام الذي تنقله من قوم إلى قوم , ومن شخص إلى شخص لا يرضى به المنقول إليه فيسبب فتنه يسمى نميمة , وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يدخل الجنة نمام " , والنميمة من الكبائر , ولهذا استحق العقاب من تعاطاها في قبره مقدما على عقاب النار , فالتنزه من البول أمر واجب والتلطخ به أمر محرم , ولهذا استحق من تلطخ بالبول ولم يتنزه منه استحق العذاب في القبر مقدما نسأل الله السلامة . وفيه انه اخذ جريدة فشقها نصفين وقال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا , هذا خاص بالقبرين ولا يشرع أن يفعل مع القبور , لان الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعله إلا مع القبرين اللذين أطلعه على اصحابهما , لم يفعل ذلك مع القبور الأخرى , فدل ذلك على انه لا يشرع أن تغرز الجرائد أو أغصان الشجر , فلا يشرع هذا الفعل لعدم الدليل , نعم لو اطلع إنسان على عذاب صاحب قبر فغرزه عليه فهذا مثل ما وقع مع النبي صلى الله عليه وسلم , ولكن الله أخفى علينا عذاب أهل القبور ولم يطلعنا على ذلك رحمة بنا , ولو اطلع الناس على عذاب القبور ما تهنؤا بنوم ولا راحة نسأل الله السلامة .


2ـ باب السواك


18- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ))
19- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك
20- عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته إلي صدري ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره فأخذت السواك فقضمته وطيبته ثم دفعته إلي النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استناناً أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده أو إصبعه ثم قال (( في الرفيق الأعلى ـ ثلاثاً )) ثم قضى وكانت تقول مات بين حاقنتي وذاقنتي )) وفي لفظ (( فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه (( أن نعم )) هذا لفظ البخاري ولمسلم نحوه
21- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك بسواك رطب قال وطرف السواك على لسانه وهو يقول (( أع أع والسواك في فيه كأنه يتهوع )) .
هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالسواك , والسواك سنه وقربة في مواضع كثيرة , منها الوضوء والصلاة , ومنها عند دخول المنزل ومنها عند القيام من النوم , فيستحب للمؤمن التسوك عند إرادة الوضوء , في أول الوضوء , وهكذا في أول الصلاة عندما يكبر , لأنه كان يفعله عليه الصلاة والسلام يقول (( لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )) وبلفظ(( مع كل وضوء)) , هذا يدل على شرعية السواك عند الوضوء وعند الصلاة .

والعود الذي يتسوك به يقال له سواك , ويقال للعمل سواك وتسوك , ويكون بالأراك وبغيره من الأعواد المناسبة التي تلين عند التسوك بها وتزيل الأوساخ , وأحسنها الأراك .
وكان النبي يحب السواك علية الصلاة والسلام ويستعمله ويحث عليه , وسئلت عائشة رضي الله عنها عن أي يبدأ به إذا دخل المنزل قالت بالسواك .

وفي حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الليل يشوص فاه بالسواك أي يدلكه بالسواك , فهذا يدل على شرعية السواك وتأكده وعند القيام من النوم , وهكذا يستحب عند تغير الفم وإطالة السكوت لأنه يطيب النكهة ويشد اللثة وينظف الأسنان وينشط ويطرد النعاس وفيه فوائد كثيرة .

وفي حديث عائشة رضي الله عنها انه عليه الصلاة والسلام استاك عند الموت , دخل عبد الرحمن صهر النبي صلى الله عليه وسلم ,أخو عائشة , ومعه سواك والنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه وكانت رضي الله عنها قد أسندته إلى صدرها , فلما رأته ينظر السواك , فأشارت إليه آخذه لك , قال نعم , وعرفت انه يحب السواك , فأرادته من عبد الحمن فأعطاها عبد الرحمن إياه , فقضمته ودفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم , واستن به استنانا حسنا ثم رفع بصره إلى السماء وقال " في الرفيق الأعلى " ثلاث مرات , يطلب ربه أن يكون في الرفيق الأعلى , مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين عليه الصلاة والسلام , ثم قضى أي توفي عليه الصلاة والسلام تلك الساعة فكان آخر عمله التسوك , فدل ذلك على شرعية السواك في كل وقت , ولا سيما عند الأمور التي ذكرت سابقا .

وفي حديث عائشة عند النسائي وغيره بسند صحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم " السواك مطهر للفم مرضاة للرب " فهذا يدل على شرعيته دائما .

وحديث أبو موسى يدل على هذا فإنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم , وهو يستن ولم يقل عند الصلاة , والسواك على طرف لسانه وهو يقول أع أع كأنه يتهوع , والظاهر والله اعلم أن ذلك من اجل ما قد يلحق بالحلق من شعرات السواك , فإن السواك قد ينتثر منه بعض الشعرات القليلة , فتؤثر على الحلق , فلعله كان يتهوع من اجل هذا , والمقصود من هذا انه رآه يستاك في مجلسه عليه الصلاة والسلام , فدل ذلك أن السواك أمر مشروع في المجالس وفي الطريق , وفي المنزل وغير ذلك فليس له وقت محدود , فمتى شاء استاك فعل , والسواك مطهرة للفم مرضاة للرب , ولكنه يتأكد في مواضع .


3ـ باب المسح على الخفين


22- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال (( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين )) فمسح عليهما
23- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فبال وتوضأ ومسح على خفيه مختصراً .
المسح على الخفين سنة مشروع ,لما فيه قبول رخص , ولما فيه من التسهيل والتيسير , لكن يشترط أن يلبسهما على طهارة , وان يكون الخفان ساترين , خفان من الجلد (بعض الكلمات الغير واضحة) إذا كانا ساترين و لبسهما على طهارة فإنه يمسح , ولهذا لما أراد المغيرة أن ينزع الخفين قل له " دعهما فاني أدخلتهما طاهرتين " وفي الحديث الآخر " إذا توضأ أحدكم فلبس خفه فليمسح عليهما" .


وفي حديث علي رضي الله عنه لما سئل عن مسح الخفين قال " يوم وليلة للمقيم وثلاثة للمسافر بلياليها", فالمسافر يمسح ثلاثا بلياليها والمقيم يمسح يوم وليلة , إذا كان لبسهما على طهارة , وكانا ساترين تستران الكعبين والقدم , ولو كان من غير الجلد , سواء كان ذلك عن ريح أو بول أو غائط , لكن إذا كان عليه جنابة فلابد من الخلع , فيغسل بدنه كله , و إنما يمسح إذا كان الحدث اصغر, فيتوضأ ويمسح.
والمبدأ من أول مسح بعد الحدث يحسب يوما وليلة من مسحه بعد الحدث و الحائض و النفساء أيضا لابد من الخلع .




يتبع ,,,,
1
570

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

*** أختكم في الله ***
4ـ باب في المذي وغيره


24- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كنت رجلاً مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال (( يغسل ذكره ويتوضأ )) وللبخاري (( توضأ واغسل ذكرك )) ولمسلم (( توضأ وانضح فرجك )).

في حديث علي رضي الله عنه يدل على أن المذي نجس , فإذا امذى يتوضأ وضوء الصلاة .
و المذي ماء لزج خفيف يخرج على طرف الذكر عند تحرك الشهوة , فإذا تحركت الشهوة وتحرك الذكر يخرج ماء يقال له المذي فهذا ينقض الوضوء ويوجب غسل الذكر والأنثيين , ولهذا قال لعلي " يغسل ذكره ويتوضأ "وفي اللفظ الآخر " اغسل ذكرك وأنثييك " وهما الخصيتين , فيغسل الذكر والأنثيين , ويتوضأ وضوء الصلاة سواء خرج من الرجل أو من المرأة .
أما المني فيوجب الغسل إذا خرج دفقا بلذة سواء في اليقظة أو في النوم , والفرق بينه وبين المذي أن المني ماء غليظ ابيض ثخين يخرج بقوة .
و المذي إذا اصاب الثوب أو البدن ينضح ولا يحتاج إلى غسل , فلو رشه بالماء كفى .

25- عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه قال شكي إلي النبي صلى الله عليه وسلم الرجل [ الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال (( فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )).

وحديث عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري رضي الله عنه انه شكى للنبي الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة , يخيل له انه خرج منه شيء في الصلاة , ريح أو بول , فالنبي عليه الصلاة والسلام قال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا , فيلغي الوساوس , لأن هذا يسبب عليه مشاكل ويجترئ عليه الشيطان ويؤذيه , فلا يلتفت إلى هذه الوسوسة حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا أو يتحقق شيئا وجزم انه خرج منه شيء فانه يتوضأ ,ولكن ما دام عنده شك أخرج منه شيء أم لا فان طهارته باقية وليس عليه وضوء , وهذا من رحمة الله وتيسير الله جل وعلا أن الإنسان لا يلتفت إلى .............(هنا قطع التسجيل )



26- وعن أم قيس بنت محصن الأسدية (( أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله ))
27- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه ولمسلم فأتبعه بوله ولم يغسله
28- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه
29- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط ))



هذا الحديث حديث أم قيس بنت محصن الاسدية وهي أخت عكاشة بن محصن الصحابي الجليل تقول أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم بصبي لها لم يأكل الطعام , أي صغير رضيع لم يأكل الطعام فبال على ثوب النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله, هكذا في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله
هذان الحديثان الصحيحان يدلان على أن بول الصبي الصغير الذي لا يتغذى إلا بالحليب بوله يرش وينضح ولا يحتاج إلى غسل لان نجاسته مخففة ولهذا في حديث أبي السمح رضي الله عنه خادم النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل " وهكذا في حديث علي رضي الله عنه " بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل " وهذه الأحاديث كلها تدل على أن الصبي الصغير الذي لا يأكل الطعام عندما يتغذى بحليب أمه يرش بوله إذا أصاب الثوب أو البدن من غير حاجة إلى غسل ولا عصر ولا دلك
أما الجارية فبولها أغلظ يغسل ولو كانت لم تأكل , يعني يغسل غسلا بالعصر والفرك,
هذا إذا لم يأكلا الطعام أما إذا أكلا الطعام وتغذيا بالطعام فإنه يغسل الجميع الذكر و الأنثى .


والحديث الثالث حديث انس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أعرابي بال في طائفة المسجد فزجره الناس يعني أنكروا عليه لخبث عمله وهو البول في المسجد , وكان جاهلا حديث العهد بالإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعوه , فلما قضى بوله علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من البول والقذر إنما بنيت لذكر الله و قرآءة القرآن والصلاة وقال للصحابة كما في الحديث الآخر حديث أبي هريرة " إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " ثم أمر بدلو من الماء فصبه على البول ولم يأمر بنقل التراب ولا تحجير الماء بل صب عليه الماء وكفى وهذا يدل على فوائد :
منها الرفق بالجاهل وعدم الشدة على الجاهل حتى لا ينفر من الإسلام ومنها تعليمه و إرشاده إلى الحكم الشرعي حتى ينتبه في المرة الأخرى لا يفعل ما فعل
ومن فوائد هذا الحديث حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وانه كان رفيقا لينا عليه الصلاة والسلام حليما كما قال عز وجل " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك " ولهذا أرشدهم إلى الرفق بهذا الجاهل وقال إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " رواه البخاري في الصحيح عن أبي هريرة وهذا يدل على انه ينبغي على الأمة أن يتأسوا به صلى الله عليه وسلم في ذلك وان يرفقوا و يحلموا ولا يعجلوا
وفيه من الفوائد أن البول إذا وقع في المسجد مثلا أو في أي بقعة يكاثر بالماء , يصب عليه الماء ويكفي , يعني يصب عليه ماء أكثر منه و يكفي لطهارته , ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب عليه سجلا من ماء, والسجل والدلو شيء واحد ولم يأمر أن ينقل التراب أو تحجر الأرض , بل يصب عليه الماء ويكفي, فيسيح به وبهذا تتفرق أجزائه ويغلب عليه الماء الطهور وينتهي الأمر, لكن لو كان للنجاسة جرم فانه يأخذ الجرم ويطرح بعيدا, مثل الغائط أو قطعه الدم فإنها ترفع ويصب الماء على محلها إذا كان محلها رطب, أما إذا كانت يابسة فإنها ترفع ويكفي ولا يحتاج إلى صب الماء , كأن تكون قطعة يابسة وقعت في المسجد فإنها ترفع عن المسجد و لا يحتاج إلى صب الماء على محلها لأنها يابسة, وهكذا لو كانت في بيت الإنسان أو في حوشه أو في سطحه أو في أي مكان إذا صب الماء على البول طهر, وكذا إذا كان في الفراش فإنه يصب عليها الماء وتكاثر بالماء ويطهر ولا يحتاج إلى دلك وغسل ولو كان على بلاط فانه يصب عليه الماء ويكفي .


والحديث الرابع حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الفطرة خمس " الفطرة أي السنة التي فطر الله عليها العباد خمس خصال " الختان و الاستحداد وقص الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط " فينبغي للمسلمين الأخذ بها
أولها الختان فيختن الذكر بأخذ القلفة التي على رأس الذكر, لان هذا أنظف له وابعد له عن آثار النجاسة و أعون له على جماع أهلة, فهو في الفطرة , والأنثى كذلك يؤخذ منها شيء يسير من اللحمة التي في مقدمة الفرج, لحمة حمراء يؤخذ منها شيء يسير فهو ختانها, إذا تيسر من يفهم ذلك, وهو سنه مؤكدة وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبه في حق الرجال وهو المشهور عن ابن عباس وجماعة والجمهور على أنة سنة مؤكدة
والثاني الاستحداد وهو حلق العانة الشعرة من الرجل والمرأة وهو سنة, وإذا أزيل الشعر بشيء من الأدوية بدلا من الاستحداد بالموس فلا بأس, فلو وضع على العانة والشعرة دواء يزيله مثل ما يفعل الناس اليوم كفى
والثالث قص الشارب , فالسنة قص الشارب ولا يجوز تطويله, بل يجب قصه ولهذا قال عليه الصلاة والسلام " ومن لم يأخذ من شاربة فليس منا " وقال " قصوا وأوفوا اللحى " وقال " أوفروا اللحى " وقال " أرخوا اللحى " فاللحى يجب توفيرها و إرخاءها و إعفاءها و لا يجوز حلقها ولا قصها فكثير من الناس اليوم ابتلي بهذا نسأل الله العافية وهذا منكر
الرابع قلم الظفر, فالسنة قلم الأظفار فلا تترك لتطول لا للرجال ولا للنساء فتقلم
والخامس نتف الإبط , وان أزاله بغير النتف بدواء مثلا كفى, وكذلك لو أزال الأظفار بالقص لا بالقلم كفى
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أوصى الصحابة بان لا تترك أكثر من أربعين ليلة قال انس رضي الله عنه " وقت لنا بقص الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة "فلا يجوز أن تترك فوق أربعين ليلة فيتعاهدها المؤمن فيقص شاربه ويقلم أظفره وينتف إبطه ويحلق العانة في اقل من أربعين ليلة....




يتبع ,,,