شرح مبسط لأحاديث الأربعين النووية

ملتقى الإيمان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في البداية أخواتي المشرفات، أرجو منكم عدم حذف هذه المشاركة، فأنا أعلم ان احدى الأخوات جزاها الله خيرا قد وضعت برنامجا لشرح هذه الأحاديث، وقد اطلعت على البرنامج وفيه شرح مفصل والكلام فيه طويل جداً.
لذا قررت وضع شرح مبسط حتى يسهل على الأخوات قراءته والإلمام بمعاني الأحاديث.

الشروح منقولة من أشرطة لشرح الشيخ "محمد بن صالح العثيمين" رحمه الله
بالإضافة الى ذلك سأقوم بوضع الفوائد المأخوذة من كل حديث، حسب ما أوردها الشيخ.


اخواتي العزيزات في هذا الموضوع ان شاء الله سوف أضع في كل اسبوع شرحا مبسطاً لحديث من أحاديث الأربعين النووية، التي حث العلماء على حفظها لأنها منتخبة من أحاديث عديدة وفي أبواب متفرقة.



وشكراً
19
25K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الطيرالمهاجر
الطيرالمهاجر
بسم الله الرحمن الرحيم

يلا نبدأ.............

الحديث الأول


عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ أَبي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ تعالى عنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوله، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا، أَو امْرأَة يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.
رواه إماما المحدثين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَهْ البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجَّاج بن مسلم القشيري النيسابوري، في صحيحيهما اللَذين هما أصح الكتب المصنفة.

الشرح

(عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ)
وهو أبو حفص عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، آلت إليه الخلافة بتعيين أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - له، ولقد أحسن أبو بكر اختيارًا حيث اختار عمر بن الخطاب.

وفي قوله (سَمِعْتُ)
دليل على أنه أخذه من النبي - عليه الصلاة والسلام- بلا واسطة. والعجب أن هذا الحديث لم يروه عن رسول الله إلا عمر مع أهميته، لكن له شواهد في القرآن والسنة.
ففي القرآن يقول الله تعالى:"وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ " فهذه نية، وقوله تعالى:"مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا" وهذه نيّة. وقال النبي - عليه الصلاة والسلام- لسعد بن أبي وقاص: (وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِيْ بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلَهُ فِي فِيّ امْرَأَتِك)، فقوله: تَبْتَغِي بِها وَجْهَ اللهِ فهذه نية، فالمهم أن معنى الحديث ثابت بالقرآن والسنة. ولفظ الحديث انفرد به عمر، لكن تلقته الأمة بالقبول التام، حتى إن البخاري -رحمه الله- صدر كتابه الصحيح بهذا الحديث.

قوله: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)
فقوله: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) فيه من أوجه البلاغة الحصر، لأن (إنما) تفيد الحصر، فإذا قلت: زيد قائم فهذا ليس فيه حصر، وإذا قلت: إنما زيد قائم، فهذا فيه حصر وأنه ليس إلا قائمًا. وكذلك قوله: (وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى).
الأعمال: جمع عمل، ويشمل أعمال القلوب وأعمال النطق، وأعمال الجوارح، فتشمل هذه الجملة الأعمال بأنواعها.

فالأعمال القلبية:
ما في القلب من الأعمال: كالتوكل على الله، والإنابة إليه، والخشية منه وما أشبه ذلك.

والأعمال النطقية:
ما ينطق به اللسان، وما أكثر أقوال اللسان، ولا أعلم شيئاً من الجوارح أكثر عملاً من اللسان، اللهم إلا أن تكون العين أو الأذن.

والأعمال الجوارحية:
أعمال اليدين والرجلين وما أشبه ذلك.

الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ النيات:
جمع نية وهي: القصد. وشرعًا: العزم على فعل العبادة تقرّبًا إلى الله تعالى، ومحلها القلب، فهي عمل قلبي ولا تعلق للجوارح بها.
واعلم أن النية محلها القلب، ولا يُنْطَقُ بها إطلاقًا،لأنك تتعبّد لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والله تعالى عليم بما في قلوب عباده، ولست تريد أن تقوم بين يدي من لا يعلم حتى تقول أتكلم بما أنوي ليعلم به، إنما تريد أن تقف بين يدي من يعلم ما توسوس به نفسك ويعلم متقلّبك وماضيك، وحاضرك. ولهذا لم يَرِدْ عن رسول الله ولاعن أصحابه رضوان الله عليهم أنهم كانوا يتلفّظون بالنيّة ولهذا فالنّطق بها بدعة يُنهى عنه سرًا أو جهرًا.

وهناك قصة على هذا:
يُذكر أن عاميًا من أهل نجد كان في المسجد الحرام أراد أن يصلي صلاة الظهر وإلى جانبه رجل لا يعرف إلا الجهر بالنيّة، ولما أقيمت صلاة الظهر قال الرجل الذي كان ينطق بالنية: اللهم إني نويت أن أصلي صلاة الظهر، أربع ركعات لله تعالى، خلف إمام المسجد الحرام، ولما أراد أن يكبّر قال له العامي: اصبر يا رجل، بقي عليك التاريخ واليوم والشهر والسنة، فتعجّب الرجل.

وهنا مسألة:
اذا قال قائل: قول المُلَبِّي: لبّيك اللهم عمرة، ولبيك حجًا، ولبّيك اللهم عمرة وحجًا، أليس هذا نطقًا بالنّية؟

فالجواب:
لا، هذا من إظهار شعيرة النُّسك، ولهذا قال بعض العلماء: إن التلبية في النسك كتكبيرة الإحرام في الصلاة، فإذا لم تلبِّ لم ينعقد الإحرام، كما أنه لو لم تكبر تكبيرة الإحرام للصلاة ما انعقدت صلاتك. ولهذا ليس من السنّة أن نقول ما قاله بعضهم: اللهم إني أريد نسك العمرة، أو أريد الحج فيسّره لي، لأن هذا ذكر يحتاج إلى دليل ولا دليل.


قوله: (وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى).
والمقصود من هذه النية تمييز العادات من العبادات، وتمييز العبادات بعضها من بعض.

*وتمييز العادات من العبادات مثاله:
- الرجل يأكل الطعام شهوة فقط، والرجل الآخر يأكل الطعام امتثالاً لأمر الله تعالى في قوله: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا"، فصار أكل الثاني عبادة، وأكل الأول عادة.

*تمييز العبادات بعضها من بعض مثاله:
رجل يصلي ركعتين ينوي بذلك التطوع، وآخر يصلي ركعتين ينوي بذلك الفريضة، فالعملان تميزا بالنية، هذا نفل وهذا واجب، وعلى هذا فَقِسْ.

ثم ضرب النبي -عليه الصلاة والسلام- مثلاً بالمهاجر فقال:
(فمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ)

الهجرة في الشرع: الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام.

وهنا مسألة: هل الهجرة واجبة أو سنة؟
والجواب:
أن الهجرة واجبة على كل مؤمن لا يستطيع إظهار دينه في بلد الكفر، فلا يتم إسلامه إذا كان لا يستطيع إظهاره إلا بالهجرة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. كهجرة المسلمين من مكّة إلى الحبشة، أو من مكّة إلى المدينة.

فالهجرة إلى الله :أي يريد وجه الله ونصرة دين الله، وهذه إرادة حسنة.

ويريد رسول الله: ليفوز بصحبته( في حال حياته)، ويعمل بسنته ويدافع عنها ويدعو إليها والذبّ عنه، ونشر دينه، فهذا هجرته إلى الله ورسوله، والله تعالى يقول في الحديث القدسي مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا فإذا أراد الله، فإن الله تعالى يكافئه على ذلك بأعظم مما عمل.

*وهنا مسألة: بعد موت الرسول هل يمكن أن نهاجر إليه عليه الصلاة والسلام؟
والجواب:
أما إلى شخصه فلا، ولذلك لا يُهاجر إلى المدينة من أجل شخص الرسول ، لأنه تحت الثرى، وأما الهجرة إلى سنّته وشرعه فهذا مما جاء الحث عليه وذلك مثل: الذهاب إلى بلدٍ لنصرة شريعة الرسول والذود عنها.
فالهجرة إلى الله في كل وقت وحين، والهجرة إلى رسول الله لشخصه وشريعته حال حياته، وبعد مماته إلى شريعته فقط.

وقوله: (مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ) الجواب: (فَهِجْرَتُهُ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ)
فذكره تنويهًا بفضله، أي بفضل الهجرة هنا.

(وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا أو امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيهِ)
من البلاغة: إخفاء نية من هاجر للدنيا، لقوله: فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ولم يقل: إلى دنيا يصيبها، والفائدة البلاغية في ذلك هي: تحقير ما هاجر إليه هذا الرجل، أي ليس أهلاً لأن يُذكر، بل يُكنّى عنه بقوله: إلى ما هاجر إليه. ففيه تحقير لشأن ما هاجر إليه وهي: الدنيا أو المرأة.

وغداً ان شاء الله سأذكر فوائد الحديث
[ طــوبــَــى ]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بارك الله فيكِ ..... أخيتي وجعل ماتكتبينه في موازين حسناتك.

والله اني كنت ناوية في ها اللإجازة إني أبحث عن هذه الأحاديث و حفظها... فبارك الله في خطاكِ.
الطيرالمهاجر
الطيرالمهاجر
فوائد الحديث:


1.هذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، ولهذا قال العلماء:مدار الإسلام على حديثين: هما هذا الحديث، وحديث عائشة: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلِيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ فهذا الحديث عمدة أعمال القلوب، فهو ميزان الأعمال الباطنة، وحديث عائشة: عمدة أعمال الجوارح،
مثاله:
رجل مخلص غاية الإخلاص، يريد ثواب الله تعالى ودار كرامته، لكنه وقع في بدع كثيرة. فبالنظر إلى نيّته: نجد أنها نيّة حسنة.
وبالنظر إلى عمله: نجد أنه عمل سيء مردود، لعدم موافقة الشريعة.


2. من فوائد الحديث:الحثّ على الإخلاص لله تعالى، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قسّم الناس إلى قسمين:

قسم: أراد بعمله وجه الله والدار الآخرة.
وقسم: بالعكس، وهذا يعني الحث على الإخلاص لله تعالى.

والإخلاص يجب العناية به والحث عليه، لأنه هو الركيزة الأولى الهامة التي خلق الناس من أجلها، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).

3. ومن فوائد الحديث: حسن تعليم النبي عليه الصلاة والسلام وذلك بتنويع الكلام وتقسيم الكلام، لأنه قال: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) وهذا للعمل (وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) وهذا للمعمول له.
وكذلك أنه قسم الهجرة إلى قسمين: شرعية وغير شرعية، وهذا من حسن التعليم.

4. من فوائد الحديث: قرن الرسول مع الله تعالى بالواو حيث قال: إلى الله ورسوله ولم يقل: ثم رسوله، مع أن رجلاً قال للرسول : مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، فَقَالَ: بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَه فما الفرق؟
والجواب: أما ما يتعلّق بالشريعة فيعبر عنه بالواو، لأن ما صدر عن النبي عليه الصلاة والسلام من الشرع كالذي صدر من الله تعالى كما قال: (مَنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ).

وأما الأمور الكونية: فلا يجوز أن يُقرن مع الله أحدٌ بالواو أبدًا، لأن كل شيء تحت إرادة الله تعالى ومشيئته.

فإذا قال قائلٌ: هل ينزل المطر غدًا؟
فقيل: الله ورسوله أعلم، فهذا خطأ، لأن الرسول ليس عنده علم بهذا.

وإذا قال: هل هذا حرامٌ أم حلال؟
قيل في الجواب: الله ورسوله أعلم، فهذا صحيح، لأن حكم الرسول عليه الصلاة والسلام في الأمور الشرعية حكم الله تعالى كما قال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ).

مسألة: أيهما أفضل العلم أم الجهاد في سبيل الله؟
والجواب:
العلم من حيث هو علم أفضل من الجهاد في سبيل الله، لأن الناس كلهم محتاجون إلى العلم، وقد قال الإمام أحمد: العلم لا يعدله شيئ لمن صحّت نيّته. ولا يمكن أبدًا أن يكون الجهاد فرض عين لقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً).

فلو كان فرض عين لوجب على جميع المسلمين: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ)أي وقعدت طائفة: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

لكن باختلاف الفاعل واختلاف الزمن، فقد نقول لشخص: الأفضل في حقّك الجهاد، والآخر الأفضل في حقك العلم، فإذا كان شجاعًا قويًا نشيطًا وليس بذاك الذكاء فالأفضل له الجهاد؛ لأنه أليَق به، وإذا كان ذكيًا حافظًا قوي الحجة فالأفضل له العلم وهذا باعتبار الفاعل. أما باعتبار الزمن فإننا إذا كنّا في زمن كثر فيه العلماء واحتاجت الثغور إلى مرابطين فالأفضل الجهاد، وإن كنّا في زمن تفشّى فيه الجهل وبدأت البدع تظهر في المجتمع وتنتشر فالعلم أفضل، وهناك ثلاثة أمور تحتّم على طلب العلم:

1. بدع بدأت تظهر شرورها.
2. الإفتاء بغير علم.
3. جدل كثير في مسائل بغير علم، إذا لم يكن مرجّحًا فالأفضل العلم.


5. ومن فوائد الحديث: أن الهجرة هي من الأعمال الصالحة لأنها يقصد بها الله ورسوله، وكل عمل يقصد به الله ورسوله فإنه من الأعمال الصالحة لأنك قصدت التقرّب إلى الله والتقرب إلى الله هو العبادة.


انتهى شرح الحديث الأول.
الطيرالمهاجر
الطيرالمهاجر
أختي الفاضلة

أم العصافير

جزاك الله خيرا على مرورك وتشجيعك وبارك فيك
الطيرالمهاجر
الطيرالمهاجر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخواتي، هذا هو الدرس الثاني، وسيتم تقسيمه الى أكثر من قسم لطوله.

ملاحظة:
وأود ان انبهكم الى أمر وهو اني أقوم بالنقل من أشرطة الشيخ ولكن باختصار فمن أراد الاستزادة فبإمكانه الرجوع الى الأشرطة

الحديث الثاني
الجزء الأول

عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيضًا قَال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَاب شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَ أَنَّ مُحَمَّدًَا رَسُولُ الله،وَتُقِيْمَ الصَّلاَة، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البيْتَ إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِيْمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِالله،وَمَلائِكَتِه،وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ،وَالْيَوْمِ الآَخِر،وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنْ أَمَارَاتِها، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرى الْحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِي البُنْيَانِ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثَ مَلِيًَّا ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ)

الشرح

إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ) الرجل هنا مبهم، وهو رجل في شكله لكن حقيقته أنه مَلَك.

(شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ) أي عليه ثياب .

(شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ) أي أنه شاب.

(لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ) لأن ثيابه بيضاء وشعره أسود ليس فيه غبار ولا شعث السفر.

(وَلا يَعْرِفْهُ مِنَّا أَحَدٌ): فهو غريب.

(حَتَّى جَلَسَ إِلىَ النبي صلى الله عليه وسلم) ولم يقل عنده ليفيد الغاية، أي أن جلوسه كان ملاصقًا للنبي عليه الصلاة والسلام .

ولهذا قال: (أَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلىَ رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ) أي كفي هذا الرجل (عَلَىَ فَخِذَيْهِ) أي فخذي هذا الرجل، وليس على فخذي النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا من شدة الاحترام.

(وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ) ولم يقل: يا رسول الله ليوهم أنه أعرابي، لأن الأعراب ينادون النبي باسمه العلم.

(أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًَا رَسُولُ اللهِ) تشهد أي تقرّ وتعترف بلسانك وقلبك.

وهنا مسألة:
لماذا جُعِلَ هذان ركنًا واحدًا، ولم يجعلا ركنين؟.

والجواب:
أن الشهادة بهذين تبنى عليها صحة الأعمال كلها، لأن شهادة ألا إله إلا الله تستلزم الإخلاص، وشهادة أن محمدًا رسول الله تستلزم الاتباع، وكل عمل يتقرب به إلى الله لا يقبل إلا بهذين الشرطين: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله.

مسألة:
هل هذه الشهادة تُدخِل الإنسان في الإسلام ؟

والجواب:
نعم تدخله في الإسلام حتى لو ظننا أنه قالها تعوّذًا،فإننا نعصم دمه وماله؛ ولو ظننّا أنه قالها كاذبًا، ودليل ذلك قصة المشرك الذي أدركه أسامة بن زيد رضي الله عنهما حين هرب المشرك، فلما أدركه أسامة بالسيف قال: لا إله إلا الله، فقتله أسامة ظنًّا أنه قالها تعوّذًا من القتل، أي قالها لئلا يقتل فقتله، فلما أخبر بذلك النبي جعل يردد: (أَقَتَلتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلا الله؟ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذًَا، فجعل يردد: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال أسامة: فتمنيت أنني لم أكن أسلمت بعد) من شدة ما وجد رضي الله عنه.

وعلى هذا فالكافر يدخل في الإسلام بمجرّد أن يقول: لا إله إلا الله، فإذا كان يقولها لكنه ينكر رسالة النبي فلابد أن يضيف إليها شهادة أن محمدًا رسول الله، وفي الحديث الشريف: (اُدْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّيْ رَسُوْلُ الله) قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وقد عُلم بالاضطرار من دين الرسول واتفقت عليه الأمة: أن أول ما تؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فبذلك يصير الكافر مسلمًا وإذا كان مسلمًا وشهد أن لا إله إلا الله ومات على ذلك فإنه يكفي لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ مِنَ الدُّنْيَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله دَخَلَ الجَنَّة) وإنما اكتفي بلا إله إلا الله لأن هذا الميت يقر بأن محمدًا رسول الله وليس عنده فيها إشكال.

شهادة أن لا إله إلا الله تستلزم:
إخلاص العبادة لله، ويسمى هذا النوع من التوحيد توحيد الألوهية، ويسمّى توحيد العبادة، لأن معنى لاإله إلا الله أي لا معبود حقّ إلا الله، إذا لا تعبد غير الله، فمن قال: لاإله إلا الله وعبد غير الله فهو كاذب، إذْ ان هذه الشهادة تستلزم إخلاص العبادة لله عزوجل وطرد الرياء والفخر وما أشبه ذلك.

شهادة أن محمدًا رسول الله تستلزم أمورًا منها:
الأول:
تصديقه فيما أخبر، بحيث لا يكون عند الإنسان تردد فيما أخبر به، لا نشك فيه، ونعلم أنه الحق، لكن بيننا وبينه مفاوز وهو السند، لأن النبي عليه الصلاة والسلام ليس أمامنا لكن إذا ثبت الحديث عن الرسول وجب علينا تصديقه، سواء علمنا وجهه أم لم نعلمه، أحيانًا تأتي أحاديث نعرف المعنى لكن لانعرف وجهها، فالواجب علينا التصديق.

الثاني:
امتثال أمره ولا نتردد فيه لقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم) ولهذا أقول: من الخطأ قول بعضهم: إنه إذا جاءنا الأمر من الله ورسوله بدأ يتساءل فيقول: هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ كما يقوله كثير من الناس اليوم، وهذا السؤال لا يجب طرحه وأن لا يورد؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم إذا أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام لم يكونوا يقولون يا رسول الله: هل الأمر للوجوب أو الأمر للاستحباب أو غير ذلك؟ بل كانوا يمتثلون ويصدقون بدون أن يسألوا. نقول: لا تسأل وعليك بالامتثال، أنت تشهد أن محمدًا رسول الله فافعل ما أمرك به.
وفي حالة ما إذا وقع الإنسان في مسألة وخالف الأمر، فهنا له الحق أن يسأل هل هو للوجوب أو لغير الوجوب، لأنه إذا كان للوجوب وجب عليه أن يتوب منه لأنه خالف، وإذا كان لغير الوجوب فأمره سهل.

ثالثًا :
أن يجتنب ما نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عنه بدون تردد، لا يَقُلْ: هذا ليس في القرآن فيهلك، لأننا نقول: ما جاء في السنة فقد أمر القرآن باتباعه. ولقد حذّر النبي من هذا وأمثاله الذي يقول هذا ليس في القرآن فقال: "لاَ ألْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ عَلَى أَرِيْكَتِه أي جالسًا متبخترًا متعاظمًا يَأْتِيْهِ الأَمْرُ مِنْ عِنْدِيْ فَيَقُولُ مَا أَدْرِيْ، مَا كَانَ فِيْ كِتَابِ اللهِ اِتَّبَعْنَاهُ" أي وما لم يكن لا نتبعه.

رابعًا :
أن لا يقدم قول أحدٍ من البشر على قول النبي عليه الصلاة والسلام ، وعلى هذا لايجوز أن تقدم قول فلان - الإمام من أئمة المسلمين - على قول الرسول عليه الصلاة والسلام لأنك أنت والإمام يلزمكما اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام. وماأعظم قول من إذا حاججته وقلت: قال رسول الله ، قال: لكن الإمام فلان قال كذا وكذا، فهذه عظيمة جدًا، ذُكِر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يُوْشكُ أَن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله وتقولون قال أبوبكر وعمر ومن إمام هذا الرجل المجادل بالنسبة إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

خامسًا :
أن لا يبتدع في دين الله مالم يأتِ به الرسول عليه الصلاة والسلام، سواء عقيدة، أو قولاً، أو فعلاً، وعلى هذا فجميع المبتدعين لم يحققوا شهادة أن محمدًا رسول الله، لأنهم زادوا في شرعه ماليس منه، ولم يتأدبوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام.

سادسًا :
أن لا يبتدع في حقه ماليس منه، وعلى هذا فالذين يبتدعون الاحتفال بالمولد ناقصون في تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله، لأن تحقيقها يستلزم أن لاتزيد في شريعته ماليس منه.

سابعًا :
أن تعتقد بأن النبي عليه الصلاة والسلام ليس له شيء من الربوبية، أي أنه لا يُدعى، ولا يُستغاث به إلا في حياته فيما يقدر عليه، فهو عبد الله ورسوله : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) وبهذا نعرف ضلال من يدعون رسول الله، وأنهم ضالون في دينهم، سفهاء في عقولهم، إذ إن النبي لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا فكيف يملك لغيره؟
فمن الضلال البيّن أن يستغيث أحدٌ برسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هذا من الشرك، فلو جاء إنسان مهموم مغموم إلى قبر النبي وقال: يا رسول الله أغثني فإني مهموم مغموم، فيكون هذا مشركًا شركًا أكبر، لأنه دعا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ودعوة الميت أن يغيثك أو يعينك شرك، لأنه غير قادر، فهو جسد وإن كانت الروح قد تتصل بالجسد في القبر لكن هو جسد، وهذا لا ينافي أن يكون حيًّا في قبره حياة برزخية لا تشبه حياة الدنيا.

ثامنًا:
احترام أقواله عليه الصلاة والسلام، بمعنى أن يحترم أقوال النبي عليه الصلاة والسلام فلاتضع أحاديثه عليه الصلاة والسلام في أماكن غير لائقة، لأن هذا نوع من الامتهان، ومن ذلك: أن لا ترفع صوتك عند قبره، وقد سمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلين قدما من الطائف فجعلا يرفعان أصواتهما في مسجد النبي فقال: لَوْلاَ أَنَّكُمَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ لأَوْجَعْتُكُمَا ضَرْبًَا.

(َتُقِيْمَ الصَّلاةَ) أي تأتي بها قائمة تامة معتدلة. ولاتكون قويمة إلا بفعل شروطها وأركانها وواجباتها -وهذا لابد منه- وبمكملاتها، فهذا يكون أكمل.

(وتصوم رمضان) : وننبه الى شيء مهم بالنسبة للمفطرات وهي:
أن المفطرات لا تفطر الصائم إلا بثلاث شروط:
أن يكون عالماً
وأن يكون ذاكراً
وأن يكون مريداً

أما بالنسبة لباقي أركان الإسلام، فهي واضحة لا داعي لشرحها

يتبع