بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
سبق وأن كتبت موضوع عن الحيض ومن جزئين والغرض إفادة أخواتي بما تعلمته من مشائخي الفضلاء حفظهم الله وقد درسته من عدة مراجه أولاها :
دليل الطالب لنيل المطالب وكذلك كتاب زاد المستقنع وكتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع وبإذن الله سأبدأ بإنزال سلسلة دروس مبسطة لكتاب الطهارة فأسأل الله تعالى أن تكون ذخراً لي ولمن حثتني على انزلها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم سبحانه ،،،
ونبدأ مستعينين بالله وحده فإن كان من صواب فمن الله وإن كان من خطأ فمن نفسي والشيطان ،،،
أولاً مامعنى كتاب الطهارة ؟
الكتاب بمعنى مكتوب والمعنى هذا مكتوب في الطهارة
والطهارة لغة : النظافة وشرعاً تطلق على معنيين أولاهما: النظافة المعنوية وهي الأصل وهي نظافة القلب من الشرك وكل ما ينقص الإيمان من حقد أو غل أو بغضاء لعباد الله المؤمنين ولا يمكن أن تتحقق طهارة البدن إلا بالطهارة المعنوية وهي الطهارة من الشركيات بل لا يمكن أن تقوم طهارة البدن مع وجود نجس الشرك ( إنما المشركون نجس )التوبة 28
ثانيهما : الطهارة الحسية وهي فرع وهي طهارة البدن والثوب والمكان وهي أيضا نوعان : -
1- طهارة حدث بنوعيه (الأكبر والأصغر)
2- طهارة خبث أو (نجس).
وكتاب الطهارة يشمل الأبواب التالية وهي :
باب المياه ، باب الآنية ، باب الإستنجاء ، باب السواك وسنن الوضوء ، باب فروض الوضوء وصفته ، باب المسح على الخفين ، باب نواقض الوضوء ، باب الغسل ، باب التيمم ، باب إزالة النجاسة ، باب الحيض والنفاس .
ويبدأ عادة العلماء كتب الفقه بكتاب الطهارة لأن الطهارة مفتاح الصلاة والتي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين .
وسنبدأ بإذن الله بباب المياه .
معنى باب : هو ما يدخل منه إلى المقصود سواء كان حسياً كأبواب الدور أو معنوياً كأبواب العلم .
والمياه : جمع ماء وهي 3 أنواع :
الطهور : وهو الماء الباقي على أصل خلقته كماء البحر والمطر
الطاهر : وهو الذي تغيرت إحدى صفاته كلونه أو ريحه أو طعمه بشيء طاهر وكان تغيراً كثيراً بيناً كالشاي أو ماء طبخ فيه لحم .
النجس : وهو الماء الذي تغيرت إحدى صفاته وهي اللون والطعم والريحه بشيء نجس كبول أو عذرة وكان مقداره أقل من القلتين وتساوي القلتان باللتر مائة وستين لتراً ونصف اللتر تقريباً .
وقد بدأ العلماء بباب المياه في أول كتاب الطهارة لأن الطهارة تحتاج إلى شيء يتطهر به ويزال به النجس ويرفع به الحدث وهو الماء .
هذا مذهب الجمهور ، و هو المشهور في مذهب الحنابلة و أن المياه تنقسم إلى ثلاثة .
و القول الثاني في المسألة : وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية و الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب و الشيخ ابن سعدي و الشيخ محمد بن إبراهيم أن المياه إنما تنقسم إلى قسمين اثنين : ماء طاهر وماء نجس .
فالطاهر هو الطهور المطهر ، والقسم الثاني هو الماء النجس .
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - : " وإثبات ماء طاهر غير مطهر لا أصل له في الكتاب والسنة "
نبدأ بالتفصيل لأقسام المياه :
الطهور : فهو طاهر بنفسه مطهر لغيره .
بل لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس الطارئ غيره .
النجس الطارئ : يخرج بذلك النجس غير الطارئ الذي هو أصلي في العين .
و النجس الطارئ : هو الموقع أو المحل الذي وردت عليه النجاسة ، فهو في أصله طاهر لكن وردت عليه نجاسة، فهو يسمى النجس حكماً ، والنجاسة هنا طارئة عليه ، فهذا يطهر بالتطهير.
وأما النجس عيناً فهو الذي قد خلقه الله نجساً فهذا لا يطهر أبداً.
مثال ذلك : البول أو العذرة أو الكلب أو الخنزير أو نحو ذلك فهذه نجاستها نجاسة عينية.
إذن : الكلام إنما هو على المحل الذي ترد عليه النجاسة فهذا هو النجس حكماً لأنه طاهر في الأصل فالنجاسة طرأت عليه كثوب طاهر ووقع عليه بول أو عذرة .
و لو كانت هناك نجاسة فصُب عليها شيء آخر من المواد الكيمائية مثلاً ، أو أزيل بتراب أو نحو ذلك فإن النجاسة تبقى ولا تزول.
قالوا : لا تزول إلا بالماء ، وهذا هو مذهب الحنابلة .
فعلى ذلك إذا أزيل بحكه مثلاً وكان مما يقبل الحك ، أو أزيل بأي طريق أخر ، بمواد كيمائية أو نحو ذلك أو بتراب فإنه عندهم لا يطهر.
واستدلوا : بقول النبي صلى الله عليه وسلم- في دم الحيض يصيب الثوب - : ( تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه ) متفق عليه .
قالوا : فقد خصص النبي صلى الله عليه وسلم الماء بالذكر واستدلوا كذلك بالحديث المتفق عليه: ( في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يهراق على بول الأعرابي ذنوباً من ماء ) متفق عليه ، قالوا : فخصص النبي صلى الله عليه وسلم كذلك الماء بالذكر .
وذهب الأحناف إلى أن الماء ليس فقط هو المزيل للنجاسة بل أي شيء تزول به النجاسة فإن المحل يطهر ، كأن تزول بالتراب أو بالريح أو بالشمس وغير ذلك ، فمتى زالت النجاسة ولم يبق لها أثر يمكن إزالته طهر المحل هذا هو القول الراجح .
ودليله : قول النبي صلى الله عليه وسلم الثابت في سنن أبي داود : ( إذا وطئ أحدكم الأذى بنعليه فإن التراب لها طهور ) ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم التراب طهوراً للنعل إذا أصابها الأذى .
ومثل ذلك ما ثبت في أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام قال : ( إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإذا رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحهما ثم ليصل فيهما ) ، فهذا الحديث يدل على أن المسح كافٍ في إزالة الأذى في النعلين.
ثم إن النجاسة هي علة التنجس ، فإذا زالت هذه النجاسة بأي طريق فإنه فلا نجاسة لأن و هي قاعدة معروفه ، إذا ثبتت العلة ثبت الحكم وإذا انتفت العلة انتفى الحكم .
***وصفة هذا الماء الطهور :
وهو الباقي على خلقته التي خلقها الله عليها . من مياه الأنهار ومياه البحار ومياه الآبار ومياه الأمطار ونحو ذلك . فالباقي على خلقته هو الطهور ، ويدخل في ذلك البرد والثلج .
وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد ) .
لكن المراد هنا الذائب منه لأن الغُسل لا يثبت حتى يجري على الأعضاء لأن حقيقة الغُسل جريان الماء على أعضاء المغتسل أو المتوضئ ، فغسل الأعضاء حقيقة جريان الماء عليها .
فإذا كان البرد أو الثلج خفيفاً يجري الماء عند إدارته على الأعضاء فيصح الوضوء أو الغسل كما قرر صاحب المغني و النووي و غيرهما ، فإذا ماع فتوضأ أو اغتسل فإنه حينئذٍ يجزئه ذلك.
وهل يستثنى من الماء شيء ؟
ذهب بعض السلف إلى أن مياه البحار ليست بطهورة ، و جماهير الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن ماء البحر طهور .
وهذا هو الحق وقد دل عليه الحديث الذي رواه الأربعة وغيرهم وصححه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : يا رسول الله : إنا نركب البحر ونحمل معنا قليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماءالبحر فقال : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ).
واستثني بالنصوص الصحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام :
أولاً:آبار ثمود سوى بئر الناقة :
فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر قال : ( نزل الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم على الحجر أرض ثمود فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يهرقوا ما استقوا ويعلفوا الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة ) ، فهذا يدل على أنه لا يجوز للمسلم أن يتطهر بمياه آبار ثمود سوى بئر الناقة و لا يصح الوضوء بها سوى بئر الناقة و هو المذهب.
ثانياً : بئر بَرَهوت :
فقد كره الفقهاء أن يتوضأ منها أو يغتسل وهي بئر بحضرموت ، وقد روى الطبراني في الكبير ، و رواه الضياء في المختارة عنه أي من طريق الطبراني في الكبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( شر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت ) وهو حديث حسن وهي بئر معروفة في حضرموت ، فهذا الحديث يدل على كراهية الغسل أو الوضوء منها كما قال ذلك الفقهاء .
*** مسألة :
ماء زمزم هل يكره أن يتوضأ وأن يغتسل وأن يزيل الخبث منه أم لا يكره ؟
أما الوضوء منه ، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن ذلك لا يكره.
واستدلوا بما رواه الإمام عبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على مسند أبيه فهو في المسند من زوائد عبد الله بن الإمام أحمد : أن النبي صلى الله عليه وسلم- من حديث علي بن أبي طالب – : ( دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ ) هذا الحديث يدل على جواز الوضوء من ماء زمزم وأنه لا حرج في ذلك ولا بأس .
وعن الإمام أحمد خلاف المشهور في المذهب كراهية ذلك .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : بكراهية الاغتسال دون الوضوء وأن الغسل مكروه دون الوضوء .
أما القول بأن الوضوء مكروه فإنه لا دليل عليه والحديث النبوي الذي تقدم ذكره يرده .
وأما الغسل منه فليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل .
وهل هناك ما يمنع من الاغتسال أم يقال أن الاغتسال مثل الوضوء ؟
روى الفاكهي في أخبار مكة – وهو من علماء القرن الثالث – بإسناده الصحيح عن العباس بن عبد المطلب وابنه : والعباس هو ساقي الناس من ماء زمزم فكان على سقاية زمزم رضي الله عنه قالا : ( لا أحله لمغتسل وهو لمتوضئ وشارب حلٌّ وبلٌّ ) أي برؤ من الأمراض .
فهنا قال هذان الصحابيان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما قالا : ( لا أحله لمغتسل ) ولم يصب النووي عندما قال فيه : " أنه لم يصح ما ذكروه عن العباس" بل قد صح ذلك بإسنادين أحدهما إسناد حسن والاخر إسناد صحيح ، وقد احتج بهذا الأثر الإمام أحمد – رحمه الله تعالى - .
وهذا الأثر عن العباس وابنه يدل على النهي عن الاغتسال من ماء زمزم وأن ذلك منهي عنه وقد كرهه كما تقدم شيخ الإسلام ابن تيمية وحكى ذلك عن طائفة من العلماء ، ولم أر أحداً من أهل العلم صرح بتحريمه .
ثم أن هناك فارقاً بين الغسل والوضوء ، فإن إزالة الجنابة أشد من إزالة الحدث الأصغر ، فإن إزالة الحدث الأكبر أشد من إزالة الحدث الأصغر لذا لا تزال ألا بتعميم الماء في البدن كله ، بخلاف الحدث الأصغر فإنه يزول بغسل بعض الأعضاء التي أمر الله عز وجل بغسلها .
فما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله قوي في النظر وهو كراهية الاغتسال من ماء زمزم ، وأما الوضوء منه فلا حرج فيه.
وأعظم من الاغتسال أن يزيل به النجس فإن كراهيته أشد – كما نص على ذلك فقهاء الحنابلة - لأن هذا الماء ماء مبارك ، وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسلم ( أنها مباركة ، إنها طعام طعم ) وزاد الطالسي بإسناد صحيح : ( وشفاء سقم ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( ماء زمزم لما شرب له ) فهو ماء مبارك فلا ينبغي أن يزيل الخبث به ، فإزالة الخبث مكروهة وقد نص على ذلك فقهاء الحنابلة وغيرهم .
*** وهذا الماء الطهور،لو تغير لونه أو ريحه أو طعمه بغير ممازج يعني لا يختلط فيه مثل ورق الشجر والدهن والشمع وغيرها مما لا تمتزج فيه ويمكن ازاحتها منه وقد أثرت فيه كبعض أوراق الشجر تغير بلونه أو ريحه ففيها 3 أقوال :
القول الأول : هو طهور تصح الطهارة به ، فيصح أن يتوضأ به أو يغتسل به وتزال به النجاسة لكنه مكروه .
قالوا : هو طهور لأن هذا التغير لم يكن عن ممازجة وإنما كان عن مجاورة وهو مكروه قالوا : خروجاً من الخلاف ، هذا هو المشهور في المذهب.
القول الثاني : تحول من طهور إلى طاهر فلا يرفع الحدث ولا يصح الوضوء به .
القول الثالث وهو الراجح والصحيح وهو قول الجمهور : الماء طهور ولا يكره الوضوء فيه لأنه لم يتغير اسمه ويظل اسمه ماء فلم يتغير إلى مسمى شاي أو قهوة أو غيرها .
وكذلك الماء إذا تغير بسبب طول مكثه فهو ماء طهور ليس بمكروه وهو ما يسمى بالماء الآجن أي المتغير بسبب طول المكث كالماء في بعض الخزانات .
كذلك قد يتغير الماء في بركة بسبب تساقط أوراق الأشجار التي تحفه أو بسبب هبوب الرياح فتأتي بشيء من الأوراق أو نحو ذلك فتقع فيه أو بسبب ما ينبت فيه أو الطحالب أو نحو ذلك ، فإن الماء قد تغير لكن هذا التغير ليس بأمر يسهل الاحتراز منه بل هو بأمر يشق علينا الاحتراز منه – فهو باتفاق العلماء طهور وليس بمكروه لمشقة الاحتراز منه .
كذلك عند البعض كراهة الوضوء بالماء الذي سخن بالشمس ومذهب جمهور الفقهاء وأن الماء إذا سخن بالشمس فإنه لا كراهية فيه – إلا أن يثبت الأطباء أن فيه ضرراً - كما قال الإمام الشافعي : " لا اكره الماء المشمس إلا أن يكره من جهة الطب " ، لحديث : ( لا ضرر ولا ضرار ).
وكذلك الماء المتساقط من الأعضاء بعد الوضوء قد يجتمع في إناء اتفق العلماء على أن الماء المستعمل( الذي تساقط من الأعضاء ) ليس بمكروه بل هو طهور لا كراهية فيه
*** قاعدة فيما لوقعت في الماء نجاسة :
الماء إذا كان قليلاً أو كان كثيراً فوقعت فيه نجاسة فإننا – حينئذ – ننظر هل غيرته أم لا ؟
فإن غيرته فهو نجس ، وإن لم تغيره فهو طهور هذا هو الراجح وهو مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ، فلا فرق بين قليل الماء وكثيره .
وقد روى ابن ماجة من حديث رشدين بن سعد وهو ضعيف أن النبي e قال : ( إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه و طعمه و لونه ) والحديث ضعفه أبو حاتم لكن الإجماع عليه ، فالإجماع على إن الماء إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بالنجاسة فهو ماء نجس .
والراجح أنه إذا لم يتغير فإنه لا ينجس سواء كان قليلاً أو كثيراً .
نكمل بإذن الله البقية غداً إن تيسر لي ذلك وأسأل الله أن ينفع بها ،،،
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.




حياك الله أختي أم مجاهد وحيا الله جميع الأخوات وأعدك بإذن الله أن اكمل الموضوع وسأجعل له صفحة مستقلة واشكر لك اهتمامك على الخاص ،،،
الصفحة الأخيرة
ويعطيك العافية