C_A_S_I_O @c_a_s_i_o
عضوة جديدة
شرطة فضائية للنفايات الكونية
شرطة فضائية للنفايات الكونية.................أبو خلدون
عندما أطلقت الولايات المتحدة مكوك الفضاء “أنديفور” أعلنت بعد دقائق من إطلاقه إنها اضطرت إلى تغيير مساره، لتفادي اصطدامه بقمر اصطناعي تائه ومهجور أطلقه سلاح الجو الأمريكي في مايو/أيار 1994 وتعطل عن العمل، وظل يدور في الفضاء كغيره من النفايات الكونية حول الأرض.
نفايات كونية حول الأرض؟
نعم، فالولايات المتحدة التي خاضت سباقا محموما مع الاتحاد السوفييتي، قبل انهياره، لتلويث الأرض بالنفايات الصناعية والذرية ومخلفاتهما، ولوثت الثقافة البشرية بثقافتها المضادة من البوب والروك والجينز والشكلس والهمبورجر، لوثت الفضاء أيضاً بما خلفته فيه من نفايات.
والنفايات الفضائية جليلة الخطر، فهي تدور حول الأرض بسرعة مذهلة إلى درجة أن قطعة من المعدن لا يزيد حجمها على حجم حبة العدس تستطيع، أثناء سباحتها في الفضاء، اختراق جدار من الإسمنت تزيد سماكته على 16 مترا. ومن أجل ذلك، تسلح الولايات المتحدة المكوكات التي تطلقها إلى الفضاء الخارجي بطبقة من المواد المركبة غير قابلة للاختراق، هي من النوع المستخدم في تسليح السيارة الرسمية التي يستخدمها الرئيس الأمريكي في تنقلاته.
والعلماء يستطيعون رصد مركباتهم الفضائية وأقمارهم العاملة، كما يستطيعون توجيهها من الأرض بالاتجاه الذي يريدون، بما يكفل عدم اصطدامها ببعضها البعض، وشيء من هذا القبيل يحدث بالنسبة للطائرات التي تحدد لها مسارات وارتفاعات معينة، ويجري توجيهها من أبراج المراقبة في المطارات، لمنع حوادث الاصطدام أثناء الإقلاع والطيران والهبوط. وتقضي الإجراءات المعمول بها في وكالة الفضاء الأمريكية بأن يبقى المكوك على مسافة 1،8 كيلومتر عن أية مركبة أخرى، وبأن لا تتبعه مركبة أخرى إلا إذا توفرت شروط السلامة في المسافة بينه وبينها، وإذا كان العلماء يستطيعون ضمان توفير هذه الشروط في المركبات الجديدة التي يجري إطلاقها، باعتبار أنهم يملكون السيطرة على حركتها، فكيف يضمنونها بالنسبة لقمر صناعي تائه هجره العلماء منذ فترة طالت أم قصرت، ولم يعودوا يتابعون حركته.
والمثال الذي ضربناه عن تغيير مسار أنديفور يطرح مشكلة أكثر تعقيدا تتعلق بالمسؤولية القانونية عن الحوادث التي تجري في الفضاء، فلو فرضنا مثلا أن مركبة أمريكية اصطدمت بقمر اصطناعي أطلقته كندا، فمن يتحمل المسؤولية القانونية عن تحطم المركبة والقمر الاصطناعي؟ ولو أصيب مكوك فضائي أمريكي بالعمى بعد أشهر من إطلاقه، وفقد العلماء السيطرة عليه، واصطدم بمحطة الأبحاث الفضائية الأوروبية وأحدث خللا كبيرا فيها، أو دمرها بالكامل، فهل تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية ذلك، باعتبار أن المكوك لها.
والأخطر من ذلك أنه لو فرضنا أن اليابان نفذت الأحلام التي تراود خيال علمائها وأقامت فندقا في الفضاء الخارجي يقضي أثرياء العالم فيه عطلة نهاية الأسبوع، وانطلق عدد من الأثرياء إلى الفندق، وفي الطريق، أو بعد الوصول، هاجمتهم نفايات كونية مجهولة الهوية لأنه لم يعد من السهل تحديد هويتها: هل هي أمريكية، أم روسية، أم غير ذلك، فمن يتحمل المسؤولية عن الأضرار التي تنتج عن حادث من هذا النوع؟
أخطر أيضا: لو أن جزءا من النفايات تعرض لظاهرة كونية لم تكن في الحسبان، أو غير معروفة، واختل مدارها (أي النفايات) واتجهت نحو الأرض، بدلا من البقاء سابحة في الفضاء، وسقطت فوق مدينة مثل لندن، أو موسكو، أو واشنطن، ودمرتها بالكامل، أو دمرت أجزاء كبيرة منها، فمن يتحمل مسؤولية ذلك؟
هذه الأسئلة وكثير غيرها التي لا يطرحها العلماء من باب الخيال العلمي، أو الرفاهية الذهنية، وإنما من باب إدراك الحجم الحقيقي للخطر، تبرز الحاجة إلى “شرطة فضاء” تنظم السير في الفضاء الخارجي كما تفعل شرطة المرور عندنا على الأرض، كما تبرز الحاجة إلى تنظيف الفضاء من النفايات.
وإذا كنا نسعى إلى أرض خالية من النفايات، فليشمل سعينا فضاء خاليا من النفايات أيضا.
منقول
0
523
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️