السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
‘,‘
‘,‘
شقيقتان تلتقيان للمرة الأولى منذ النكبة

رغم مرور ستة عقود على وقوع الزلزال الكبير باحتلال الكيان الصهيوني لفلسطين العام ،1948 يتواصل الكشف عن مآس إنسانية وليدة النكبة تفوق واقعيتها الخيال.
في مدينة سخنين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 التقت الشقيقتان، آمنة (79 عاما) ونجاة (66 عاما) من عائلة خطيب، للمرة الأولى بعد 61 عاما من الانقطاع الكامل جراء التهجير والشتات، حيث تقطعت السبل بينهما بعد النزوح من الجليل إلى لبنان والإمارات والولايات المتحدة.
وما إن خرجت نجاة من المركبة التي أقلتها إلى مدينة سخنين حتى أحاطها حشد من النساء كن ينتظرنها وانقضضن عليها باللقاء والعناق الساخن. كانت نجاة تعانق وتصافح من دون معرفة الوجوه التي استقبلتها، وحينما اصطحبها “دليل” للقاء شقيقتها أم فؤاد التي انتظرتها داخل المنزل اقتحمت نجاة الصالون المكتظ بالأقارب والجيران وهي تسأل: من هي شقيقتي بينكم؟ وما إن أشاروا لها حتى غرقت الشقيقتان في عناق مبلل بالدموع.
وكانت عائلة خطيب قد اضطرت للنزوح عن قريتها، الرأس الأحمر، جراء النكبة عام 1948 واستقرت في لبنان عدا الحاجة آمنة التي كانت قد انتقلت للعيش في سخنين إثر زواجها شهورا قليلة قبل النكبة فانقطعت خيوط القرابة بين الطرفين.
وتؤكد آمنة أن أمنيتها الأخيرة في الحياة هي لقاء شقيقها راشد الذي رأته وهو في السابعة من عمره قبل نزوحه للبنان وبسبب كونه ممنوعاً من مغادرة البلاد فشلت محاولات لقائه في السعودية خلال أداء الحج.
تستذكر الحاجة آمنة وقوع الزلزال: “بعد أن هاجمت الدبابات والسيارات العسكرية قريتنا في ساعات الصباح الباكر، بعد أن حضّرت أمي الخبز، ووضعنا القمح على سطح البيت، وإذا بأحد جنود الجيش العربي يصرخ وينادي على والدي، يخبره بأن لا أحد في البلدة سواه، كان بيتنا متينا وصلبا وبعيدا عن باقي البيوت في البلدة، وفجأة إذا بالدبابات تحيط ببيتنا، فخرجنا ونحن نحمل زاداً للطريق، قالت أمي يومها إنها ستأخذ لبنة صنعتها بيدها والخبز الذي حضرته، وفي الظهيرة نعود للبيت ونتغدى فيه، لم ندرك أن الفراق سيطول، وبأن العودة إلى بيتنا أصبحت مستحيلة”.
وقالت نجاة إنها لا تستطيع التعبير عن مشاعرها وعن تأثرها البالغ بلقاء شقيقتها، خاصة بعد عقود من الحنين الكاوي لها وللوطن الذي هجرت منه وهي في السادسة من عمرها متنقلة من غربة إلى غربة. وتابعت “فلسطين هي الوطن الذي نحمله أينما سكنت أجسادنا، ونمضغ الغربة علقماً حتى لو كنا في بلاد العم سام، فليس أقسى من الرحيل وفراق الأهل والأرض، والغربة مرّة”.
وعبرت نجاة عن غبطتها بلقاء أهلها الطيبين في وطنها الأصلي، وهي مغمورة بحبهم ما زاد شعور الفراق فور انتهاء الزيارة مرارة. وتابعت “بعد ساعات من بلوغي سخنين أثقل عليّ مجرد التفكير بالرحيل بعد أسبوع لتبقى أم فؤاد هنا، فالفراق أصعب من اللقاء، وسأبقى حزينة عليها لكنني وعدت نفسي بتكرار زيارتها الصيف القادم”.
واستذكرت هجرة العائلة من قرية الرأس الأحمر قضاء صفد إلى جنوب لبنان في خريف 1948 واستقرت في صور. وتابعت “اعتقدنا أننا عائدون بعد شهر أو شهرين، لكن المراكب حملتنا وبقية اللاجئين نحو منطقة صيدا وبقينا في مخيم عين الحلوة”.
وقالت نجاة إنها تذكر دخولها مدرسة وكالة الغوث وتعلمها الرياضة، والزراعة، والتطريز والإسعافات الأولية قبل أن تتزوج من شاب لاجئ من بلدها واستقرت في شطورة اللبنانية قبل أن تهاجر بعد 20 عاما للإمارات مكان عمل زوجها، ثم انتقلت العائلة بعد ذلك إلى أمريكا، وهناك تمكنت من الاتصال بشقيقي في سخنين وعندما رفعت سماعة الهاتف وسألت من المتحدث قلت: أختك نجاة فصارت تبكي وطلبت تبليغ السلام لبقية شقيقاتنا في لبنان ووعدتها بزيارة قريبة فور حيازة جواز السفر”.
وزارت نجاة مسقط رأسها، الرأس الأحمر المهجرة وأكلت من ثمار أشجارها الباقي كالصبار والتين ولفها الحزن وهي تراه قد تحول لركام وأطلال تغرق بين الأشواك وتابعت “كاد قلبي أن يتوقف عن النبض وأنا أقف على تراب الرأس الأحمر”.
يا رب ردنا لبلدنا و وحد صفوفنا