
شهر رجب ...
أحد الشهور الأربعة الحُرُم ، له فضله لكن لم يختص بعبادة دون
غيره من الشهور عظَّمته الجاهلية ،وعظيم في الإسلام وألحق
البعض به ما ليس فيه قال الله عز وجل فيها:
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} التوبة:36 ***
وها هو رجب يوشك أن ينقضي كعادة الأيام تجري مسرعة ..
فليس بينه وبين نفحات رمضان غير شعبان .. ورجب شبهه
البعض بالريح .. تسوق سحاباً .. والسحاب شهر شعبان .. وما أن
يهل رمضان حتى تمطر السحب المترعة فتخضر بيادر النفوس
وتزهر .. وتؤتي أُكُلها كل حين بإذن الله .
* وقال بعض السلف: شهر رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السَّقي للزرع، وشهر رمضان حصاد الزرع. **
لِمَ سُمِّي رَجَبٌ رَجَباً؟
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى : سمّي رجبٌ رجباً؛ لأنه
كان يرجب، أي يُعظَّم،
يُقال: رَجَبَ فلانٌ مولاه، أي عظَّمه. **
ذكر بعضهم أنَّ لشهر رجب أربعة عشر اسماً، هي
: (شهر الله - رجب - رجب مضر - منصل الأسنَّة - الأصمّ - الأصبّ - منفس - مطهر - معلى - مقيم - هرم - مقشقش - مبرئ - فرد). **
تعظيم أهل الجاهلية لشهر رجب:
كان الجاهليون يُعظِّمون هذا الشهر، خصوصاً قبيلة مُضَر، ولذا جاء في الحديث :
(رجب مُضَر)، قال ابن الأثير في «النهاية» :
(أضاف رجباً إلى مضر؛ لأنهم كانوا يُعظِّمونه خلاف غيرهم، فكأنهم اختصُّوا به). **
وكانوا يتحرَّون الدعاء في اليوم العاشر منه على الظالم، وكان
يُستجاب لهم!
وقد ذُكر ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:
إنَّ الله كان يصنع بهم ذلك ليحجز بعضهم عن بعض، وإنَّ الله
جعل الساعة موعدهم، والساعةُ أدهى وأمرّ. **
و في رجب كان المشركين يذبحون ذبيحةً تُسمَّى (العَتِيرة)، وهي شاة يذبحونها لأصنامهم، فكان يُصبُّ الدم على رأسها! وقد أبطلها الإسلام كما ذكر في الصحيحين : (لا فرْع ولا عَتيرة).
فإن قيل: لماذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم برجب مضر؟
فالجواب: فيها قولان:
الأول:
سمي رجب مضر لأن مضر كانت لا تغيره، بل توقعه في وقته،
بخلاف بقية العرب الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور
بحسب حالة الحرب عندهم، قال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي
الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } التوبه ٣٧. *
القول الثاني:
قيل ان سبب نسبته إلى مضر أنها كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنسب إليهم لذلك. * {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ}
المقصود بالآية في الأشهر الحرم. وقد ذكر العلماء أن الذنب فيها مضاعف،
قال قتادة رحمه الله: الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووِزْرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظِّم من أمره ما شاء. وقيل المراد لا تظلموا في الشهور كلها أنفسكم. **
هل يجوز القتال في رجب ؟
مسألة عدم القتال في الشهر الحرام ممنوعة ولكن إذا اقتضى
الأمر صار القتال {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}،
وبغير ذلك من العمومات التي فيها الأمر بقتالهم مطلقا.
والدليل أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل أهل الطائف في ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم.
ولكن ابتداء القتال في الأشهر الحرم وأما استدامته
وتكميله إذا كان أوله في غيرها فإنه يجوز.
وحملوا قتال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الطائف على ذلك لأن أول قتالهم في حنين في شوال.
وهذا إنما هو في جهاد الطلب، أما جهاد الدفع فمشروع في كل زمان، فإذا دهم العدو بلدا للمسلمين وجب على أهلها القتال دفاعا، سواء كان في الشهر الحرام أو في غيره.
* أخيراً ..
شهر رجب كبقية الأشهر، لم يخصه النبي صلى الله عليه وسلم بعبادة،
ومعلوم أن فعل العبادة شيء، وتخصيصها بمكان أو زمان شيء آخر يحتاج إلى دليل.
فتخصيص رجب بصيام أمر لا دليل عليه.
فمن اعتاد صياماً فعله في رجب وفي غيره، وأما من خصه بالصيام فهذا يُنكر عليه هذا التخصيص،
وليس له دليل من الشرع .
اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان .
جزاك الله خيراً على جهدك
وبارك الله بك ياحنين القوافي .