شيطان اخرس
في ليلة من ليالي الشتاء الباردة جلست العائلة حول االمدفئة وكان البردعلى
غير ما عهدة سكان هذه المدينة فهو قارس هذه المره , انها نهاية عام 2002
كان ليث يجلس بملل واضح وهويحاول ان يعبث بكل شئ تتناوله يدة او يرمي اخته رغداء بقطع من قشور البرتقال التي خلفها بعد ان اكل عدة حبات ولم تكن الام مرتاحة لتصرفه هذا .
الام - الا تكف عن هذا يا بني كفاك مزاحا ..
لكن ليث استمرولم يبالي بل اخذ يمازح الام ايظا , وهو يضحك بصوت عالي
جمعت رغداء كل ما رميت به من قشور ونهضت واقفه ورمتها على ليث وهي
تقول له ابحث عن عمل او وضيفة احسن لك من هذا الضياع فالعمل عباده
الام - صدقتي يا ابنتي ,,الم يحن الوقت يا بني لتضع يدك بيد حازم وتعينه ماديا ومعنويا فالحياة صعبة , وانا اعرف ان اخوك بحاجة لمساند تك بالرغم من انه لايشتكي فاني احس بهذا جيدا فتوكل على الله وابحث لك عن عمل عسى ان يكون لك فيه خير ... اه كم انا متحمسه لان يتزوج حازم.. .
كان حازم الابن الاكبر للحاج ابراهيم وهو شاب ذو ثقافة عالية, متدين , طيب السمعه, دمث
الاخلاق, له منزله جليله عند جميع من يعرفه , وسيما طويلا, قوي البنيه ذو قوام متناسق وعمره 30 عاما....
اما الاخ الاوسط فهو ليث عمرة 24 عام كان قد حصل على بكالوريوس هندسة لكنة
لايريد ان يعمل او يتوظف في بلده بل كان يطمح با لحصول على فرصة عمل واقامه في دول الغرب
وكان صديقا حميما لااخته الصغرى رغداء ذات الثمانية عشرة ربيعا.
وبعد رغداء هناك الاخ الاصغر ايسر, وهو شاب بعمر 17 عاما رغم ان طبعه حاد وذو شخصية متذبذبة, الا انه وسيم في شكله . وقد ترك المدرسه بدون سبب يذكر فجلس عاطلا مشاغبا الى ان توسط حازم فحصل له على عمل في مكتب كبير لبيع الادوات المكتبية بالجملة, وهو العن من ليث ذلك لانه غامض ,غريب الاطوار ولا يتحدث مع احد من اهله رغم محاولات الجميع للتقرب منه ولكن دون جدوى على عكس ليث الذي لايفترق عن اخته بحكم جلوسه الطويل في البيت..
كثيرا ما كان ليث ورغداء يقضيان الوقت في الحديث , بل انهما كانا يناقشان اي حدث يمر
عليهما وغالبا ما ينتهي نقاشهما بجد ل وصوت عالي لااختلاف الاراء فيفترقا ويذهب
كل منهما الى غرفته . ولكن سرعان ما يعود ليث كانه قطة اليفة تتودد لصاحبها ,
وبما ان العائلة قد اعتادت على مثل هذا النزاع الاخوي , فعند بدا المشاجرة كثيرا ما نري الحاج ابراهيم يتبسم لاام حازم وهو يرفع قبضة يده لرغداء و يقول, بطلة يا ابنتي , عليك به , عاش الحق , عاش الحق, ذلك لان افكار ليث ومتطلعاته كانت غريبه نوعا ما , فلم يقدم للحصول على وضيفه, وتاخر كثيرا عن زملاءه الذين تخرجوا معه , وكانت افكاره وعاداته شبيهه بالغرب , فقد كرس حياته في التعرف والتطبع بتلك الافكار والعادات , حتى انه كان يلبس الجينز والالوان الغريبه ويحلق وجهه وراسه على نفس طرق الغرب , وكان للبشره البيضاء والشعر المائل للاشقر والعيون الملونه التي ورثها جميع الاخوه من الحاج ابراهيم اثرا في جعل ليث يتمادى في التعلق بهذه الامور خاصة ما يراه من نظرات الاعجاب والتشجيع من رفاقه الشباب فقد كانوا يقولون له لو مشيت الان في شوارع الغرب لضعت بينهم وهذا الكلام كان يبعث في نفسه الرضا , واهم شئ ان لاينسى تتبع اخر الموضات بعرق جبين حازم , ولم يكن هذا الامر يروق لهذه العائلة المتدينه بل كان حلمهم ان يضع الاخوه الثلاثه يدهم بيد بعض ليتعاونوا على هذه الدنيا التي تزداد قساوه يوما بعد يوم فهم عائلة متوسطه في كل شئ في عدد افرادها حجم البيت والدخل المادي كذلك.
اما الوالد فهو الحاج ابراهيم كان مدرس قدير للغه الانكليزيه ورجل متدين ذو سمعه طيبه عاش حياة مستقيمة وطيبة لا تشوبها شائبة.
لم يكن الحاج ابراهيم ليخرج من البيت بعد ان اقعدة المرض ,الا ان ملازمه صديقه ورفيق دربه الشيخ ايوب له كانت تخفف عنه الكثير, فقد كان يزوره كثيرا, وكانا يستعيدان ذكريات الشباب عندما كانا صديقين وزميلين منذ المرحله الابتدائية الى الان, فلم يفترقا عن الجلوس في نفس التختة في جميع المراحل الدراسية ما عدا الجامعة بعد ان اختار كل واحد منهما اختصاصه, فالعم ايوب هو مدرس قدير للغه العربية ومن يتكلم معه يستطيع ان يلاحظ كلماته الفصحى التي تخرج منسابه بسهوله وعذوبه من فمه --- كان العم ايوب رجلا قديرا, ثابتا , وسيما بوقاره, ذو لون اسمر ولحية بيضاء مرتبة تضفي علية الحنان والوقار, صوته ذو نبره مميزه تنم عن ثقة صاحبها بنفسه وكان بمثابة الاب الثاني لهذه العائلة فقد كانت له وقفات معنويه كان لهم فيها نعم السند ونعم الاخ والصديق الوفي للحاج ابراهيم, والاب المرشد الناصح لايسر وليث, والاب الحنون لرغداء, والسند القوي لحازم الذي نسي نفسه وشبابه بعد ان انخرط باداره امور العائله منذ اربع سنوات بعد الا زمة المرضيه لوالده, كان العم ايوب اكثر صحة وشبابا من الحاج ابراهيم بالرغم من انهما متقاربين في العمر الا انه مازال يتمتع بنظارة الشباب وقوة البنية والصوت الجهوري العذب الذي ظل يرتل المصحف على مسامع هذة العائلة لسنين, بل ان رغداء كانت تترجاه بين مدة واخرى لان تسمع صورة الكهف بصوته المميز.
وفي ليله بارده وعلى رائحة القهوه العربية والاحاديث الشيقة والنقاشات الدينيه بين العم ايوب والحاج ابراهيم وكذلك حازم انتفض الجميع على صوت رغداء وهي تصرخ بغيض , قام حازم مسرعا بالرغم من انه قد خمن السبب ذلك انها تجلس الان مع ليث..
حازم = ما الامر افزعتيني يا رغداء وكذلك فلا يصح ان يعلو صوتك فالعم ايوب في الصالون.
رغداء = اليك هذا الخبر ولنرى كيف لا تصرخ انت ايظا , ان اخوك يريد السفر لبلاد الكفر .
ليث = اريدالحصول على عمل .
رغداء = لا بل ليتسنى لك حلق شعرك وذقنك وشواربك بدون مراقبة من احد .
وهنا بدا ليث بالضحك ولكنه سرعان ما لاحظ الجدية في عيون حازم ورغداء فحاول ان يحبس ابتسامته.
حازم = ماذا تريد ان تفعل هناك .
ليث = لارى العالم واعيش يا ناس افهموني .
حازم = وما الفرق ان بدات بتكوين حياتك هنا , اعدك اني ساقدم لك كل مساعدة ستحتاج لها ولن اتركك حتى تقف على رجليك مهما كلف ذلك .
ليث = وهل العيش في الغرب يماثل العيش هنا كن واقعيا يا اخي .
رغداء = وماذا تعرف عن الغرب يا ليث والله انك بتفكيرك هذا فانك تثبت قدميك على حافة الهاويه
ليث = وماذا تعرفين انت عنهم .
رغداء = انا لست مثلك فانت اكتفيت بالنظر لاالوانهم البراقة, ولم تدقق في العمق ,فاصبت بالخداع البصري, اما انا فانك تعرفني جيدا, اني ادقق في كل صغيره وكبيره , لهذا فاني اعلم جيدا حجم الضياع والتشتت الذي يعيشونه, انهم اناس تافهون, يعانون من التفكك الاسري ,لايوجد عندهم رسميات او مناسبات عائليه كالتي عندنا , يعطون اكثر اهتماماتهم للمشروب والعلاقات المتجددة, يصرفون كثيرا من الاموال على القطط والكلاب , بل ان هناك صالونات خاصه لتزيين الحيوانات لان لديهم فراغ نفسي يحاولون سده,, وهذا كله نتيجة الحرمان الاسري والحرية المبالغ فيها.
حازم = هذا صحيح وهناك اكثر , ثانيا قول لي يا ليث انت الان معنا وتصلي الفجر عند الساعة العاشرة صباحا فما بالك ان ذهبت هناك .
احنى ليث راسه ولم يجب بكلمة.
حازم = نحن لانريد ان نضغط عليك لئلا يحصل ما لا يحمد عقباه, ولكني اقول لك تريث يا اخي واستخر ربك عسى ان يجعل لك مخرجا فيه خير, والاهم من هذا لاتغضب والدتك فهي تدعي لك الان وانا اخاف ان ينفذ صبرها فتدعي عليك.
ليث = اعلمو اني حزمت امري ولي صديق سيساعدني وسانتهز هذه الفرصة قريبا بعدها ستعلمون اني كنت محق في اتخاذ مثل هذا القرار.
------------------------------------------------------------------------------
كانت رغداء تجلس في الصالون لوحدها وهي تحتسي كوب ساخن من النسكافيه بالحليب الذي تحبه ,عندماعاد الاخ الاصغر ايسر من عمله وشحن الجو بالخربطه التي اعتاد عليها طيلة حياته . فبدا يعبث بهذه او يغير تلك, و رغداء تنظر اليه, وكم كانت تتمنى ان يتغير هو لاان يغير الجمادات .
رغداء = عن ماذا تبحث ?
ايسر = لاشئ لدي طاقه زايده واريد التخلص منها . اين امي ? رغداء = في زياره لزوجة العم ايوب .
ايسر بخبث= اذن احضري لي الطعام , اريده ساخن, كثير اريد السلطة مع الخل و ......... و
رغداء = كفى اني اعرف كل الشروط فلقد عشتها يوما بيوم , كان الله في عون امي
احضرت رغداء الطعام, وجلست امامه وهي تختلس النظرات اليه وتكتم غيضها منه, فلقد ترك التعليم بدون مبرر مما سبب ازمة عائلية كبيرة وقتئذ , وهو لايصلي كما انه عاق لوالديه , انه مثال للخربطة ها هي تنظر اليه وهو ياكل ببطئ وتاني فيسحب الشوك من السمك باطراف انامله وكانه عذراء تطرز بخيوط الحرير على قطعة من القماش على عكس حازم الذي يسابق الوقت في كل شئ حتى لايقصر باحد واجباته دون الاخر وليبقى ليله ملكا للرحمن فهو يتضرع يوميا بين يديه وكثيرا ما سمع الاهل صوت بكائه وهو يناجي ربه فاين هو من اخوه.
انهى ايسر طعامه بعد 30 دقيقة, وهنا دق جرس الباب ففتحه ليث الذي كان واقفا قريبا واذا بضابطان فارتبك ايسر كثيرا لسماعه بكلمة ضابط شرطة,, طبعا هذا ما لاحظته رغداء فورا ولكنها فضلت ان تنتظر لترى ما الامر وما هي الا
دقيقتان وعاد ليث ليخبر اخويه انهم يريدون بعض المعلومات وسيقف معهم خارجا لملئ الاستمارة ,,, وعندما سمع ايسر هذا تنفس الصعداء, مما زاد قلق اخته اكثر فظلت ترقب حركاته وما هي الا دقائق حتى دخل ليث بعد ان انتهى من وقفته معهم, فدخل الى غرفته. وخرج ايسر كعادته ليعود متاخرا في الليل, و رغداء تستلقي في غرفتها وهي شارده , وصورة ايسر لا تفارقها وسؤال كاد يفجر عقلها لما الارتباك, هل هناك ما لا نعرفه, ومئات الافكار تدور في مخيلتها وهنا
جاء ليث ومعه طبق مملوء بانواع الفاكهه فجلس على حافة السرير, ونهضت لتجلس معه عسى ان يعينها في تفسير هذة الطلاسم -- فقرب اليها الطبق ولم تاكل
ليث = الا تاكلين ?
رغداء = هل تعلم ان هناك سر لا نعرفه , وكم اتمنى ان اكون مخطئه .
ليث ما هو وبخصوص من ?
رغداء = لااستطيع التخمين ,الا انه يخص ايسر, فلو رايت فزعه من الضباط لعرفت ان هناك شيئا ما يخفيه عنا.
ليث = والله لااعرف من اين لك بهذه الافكار, فقط استعيذي بالله ولا تضخمي الامور فلنغير الموضوع يا اختي وجلسا , لساعة تقريبا دون ان يسمح لها ان تاخذ الموضوع على محمل الجد بعد ذلك
ترك غرفتها ونامت دون ان تتناول العشاء, رغم الحاح الام والاب الا انها اعتذرت فنامت ليلتها الحائرة
لتستيقظ على صوت والدتها وهي تتوسل بايسر ان يقوم ليستعد للذهاب الى ا لعمل .
ايسر = لقد تركت العمل يوم امس ولا توقضيني الا اذا نهضت انا .
وهنا جفلت رغداء بسماعها تلك الكلمات وتذكرت فزعه يوم امس من الضباط فنهضت على الفور وجلست في الصالون وهي تختلس النظرات في ارجاء البيت وكانها تبحث عن دليل تؤكد به شكوكها
وبعد العاشرة خرج ايسر كالعادة بلا هدف فقط للتسكع, وكان ليث قد استيقظ قبل قليل فعادت رغداء محاولتها معه مرة اخرى ولكن مع دليل, فمجرد تركه العمل لسبب مجهول يثير الشكوك فاقتنع ليث وبدا الاثنان بحثهما في غرفته وخزانته وما هي الا دقائق حتى وجدوا ظالتهم, فقد وجدوا كثير من المداليات الغالية, وارقى اقلام الحبر باعداد كثيرة, وادوات كثيرة اخرى وتحفيات لايقتنيها الا المترفين ومبلغ من المال لايعرفون ان كان قد جمعه او سرقه هو الاخر .
وهنا اخذ ليث ينظر لاخته بتمعن وقال ان نظرتك ثاقبة فالظاهر ان صاحب المحل قد اكتشف امس اختفاء هذة الاشياء, وربما حدثت بينهم مشاحنة فقام بطرده,, وبمجئ الشرطة تصور ايسر انهم يبحثون عنه لذلك كان مرتبك
رغداء = اعلم يا ليث ان مجئ الشرطه كان لصالحنا فلولا ذلك لما عرفنا شئ .
ليث = لا اعرف كيف سولت له نفسه ان يفعل مثل هذا الامر المخزي, لقد اكرمه صاحب المحل لاجل عيون حازم فماذا سيكون موقف حازم الان .
رغداء = ارى اننا سنكتم الامر قليلا فليس من الحكمة التسرع .
ليث = كما تحبين .
حزن الحاج ابراهيم كثيرا لعلمه ان ايسر ترك العمل, رغم انه لا يعرف الحقيقة الا انه يعلم جيدا ان الامور ستتازم في البيت بسبب هذا التصرف البعيد كل البعد عن مستوى الشعور بالمسؤلية.
عاد حازم من الجامعة فاخبرته والدته ان ايسر قد ترك العمل وخرج ليتسكع هنا وهناك
حازم = انما اشكو بثي وحزني الى الله .
وبعد انتظار كان طويلا بالنسبه للجميع, عاد ايسر فاجتمع الكل على السفره,, وبعد الانتهاء من تناول طعام الغداء الذي تاخر اليوم بسبب هذه المشكله بادره حازم بالكلام
حازم = هل تركت عملك يا ايسر .
ايسر= بلا مبالاة , نعم .
حازم = هل هناك سبب معين ? هل ضايقك احد , اعتقد انه عمل نضيف ومريح والمالك شخص محترم ومتدين .
ايسر = حصل هذا فقط لا ني اريد التغيير .
حازم = اعلم يا اخي انه بعد تركك التعليم الاعدادي بدون سبب يذكر ما كان لنا ان نساعدك او نقبل بهذا الوضع, فطلب العلم عبادة,, لكن ماذا نقول اننا نريد ان نصل الى بر الامان ولا نريد مشاكل عائلية , لقد قضى والدي حياته في تربيتا وان له ان يستريح الان وامك كذلك سهرت الليالي من اجل راحتنا فمن حقها ان تشعر الان بالراحة والطمانينة ,,ان صحتهم لا تتحمل مشكلة او نكبة ارجوك افهمني وقصر لي الطريق .
لا زال حازم يتكلم والكل يسمع ورغداء تختلس النظرات بين ايسر وليث الذي يعلم كل شئ وهي تقول في نفسها كيف لي ان اخبر العائلة, ستصبح مشكلة كبيرة , وسينتهز ايسر الفرصة ويبدا البيات خارج البيت بحجة انه غضبان, لا لن افشي هذا السر من اجل سلامة العائلة. وحسبي الله ونعم الوكيل لكل من تسول له نفسه العبث باموال او اعراض او امن الاخرين,, وهنا قد لاحظ الجميع ارتباكها فقد كانت تفكر بحركات لا ارادية .
حازم = اهناك ما يشغلك يا اختي
رغداء = كلا انا فقط احب ان اضيف لاخي ان الله قد اعطانا عقل وشرع لنا امور الدين وبين الحلال والحرام والخير والشرفلماذا المراوغة
انتهت الجلسة دون الوصول
يتبع

اور 22 @aor_22
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

اور 22
•
اور 22 :
انتهت الجلسة دون الوصول الى نتيجة وقام ايسر لينام القيلولة وعلى محياه ابتسامة الحمقى . مرت الايام وكان حازم واخته ياملون ان يلمسوا تغييرات ايجابية من ناحية ايسر او ليث, عسى ان يعدل عن فكرته حول السفر وكانت رغداء تدخل كل يوم لغرفته املة ان تحضى بامل لكن دون جدوى فالجدران لا زالت مكتضه بصور رامبو وبعض الممثلين والعديد من الاعلام الغربيه وكاسيتات للغناء الغربي على عكس غرفة حازم فانها تبعث الراحة والطمانينة في نفس من يدخل لها فالى جانب السرير هناك خزانة الملابس ومكتبة تحوي على العديد من الكتب الدينية والعلمية . اما الجدران فهي خالية من اي صورة ما عدا لوحة خشبية مستطيلة خفيفة كان حازم قد كتب عليها الساكت عن الحق شيطان اخرس كان ذلك عندما كان عمره 15 عاما كتبها في ذلك اليوم بطلاء الجدران الاحمر وقام بتعليقها على الجدار قبل ان تجف فسالت منها بعض النقط كسيل الدماء وكانها تريد ان تخبر الناظر اليها ان من يسكت عن الحق هو شيطان اخرس يتسبب بازهاق دماء الاخرين , ولم لا انها حقيقة جريئة ومقنعة اليس الذي يسكت عن الجهر بالحق يقوم بفسح المجال للباطل فيغبن حقوق الاخرين, ومنهم من لا يسكت لاخذ حقه فيحاول انتزاعه بطريقه ما, مما يفتح بداية مؤلمة لا يعلم نتيجتها الا الله. مع حلول عام 2003 ازداد الجو برودة, لكن الاوضاع على حالها, حازم منهمك بعمله في الجامعة , ليث ينتظر فرصة السفر و يستيقظ متاخرا كالعادة الا انه يقوم باحضار رغداء من الجامعة بعد انتهاء الدوام, فليس لها زميلة او صديقة على نفس الطريق, فيوصلها حازم ويعود بها ليث بعد انتهاء المحاضرات,, كانت رغداء تدرس المرحلة الاولى في كلية العلوم قسم البايولوجي الذي طالما احبته . وكانت بارعة الجمال رقيقة المشاعر عفيفة عالية الاخلاق ,حافضة للكثير من كتاب الله حريصة على اخوتها متسامحة وتملك قلبا كبيرا بارة بوالديها , لا تترك التضرع لله لاجل ان يكون اخوتها متحدين مستقيمين لما يحبه تعالى ويرضاه . اما العم ابراهيم فلا يزال يقضي وقته بقراءة الكتب او يرتل ما تيسر له من القرءان الكريم او الجلوس مع العم ايوب وبالنسبة , لايسر فلا زال يتسكع من مكان الى اخر دون عمل فياتي الى البيت للاكل والنوم وطلب المال دون ان يفتح قلبه لاحد من العائلة او يسمح لاحد منهم ان يقتحم عالمه الغريب . تمر الايام متشابهه الى ان قطعتها الاخبار المخيفة عن العدوان الذي سياتي قريبا ليبعثر بانامله كل شئ جميل . انهار الحاج ابراهيم لسماعه هذا الخبرفاصبح متوتر لا يعرف كيف يجمع شتات نفسه . حازم = لاتقلق يا ابي انه امر الله وما علينا الا الصبر والاحتساب . ليث = عسى ان يكون خير يا جماعة انا متفائل كثيرا فربما يكون بقدومهم خير لنا او ربما يتطور البلد . حازم = كلا يا ليث انه العدوان, انه الدمار, انه الخراب, يكفيك تحايل على نفسك يا اخي فانت لست صغير وستثبت لك الايام صحة كلامي . حدث العدوان واجتاحت جبابرة الظلام كل شبر في هذا البلد . قتلوا ودمروا وخربوا وبعثروا وسرقوا حتى الامن والابتسامة التي كانت على محيا الابرياء, فتبخر كل شئ جميل واصبح مجرد ايام في ذاكرة الاصيلين. بدات الايام تمر كانها سنين والاخبار الحزينة تخيم على الاجواء والاحوال تسوء يوما بعد يوم واصوات الانفجارات المتتالية تقطع السكون , وعاش الناس ازمة كبيرة لابسط اساسيات الحياة كالماء والكهرباء وكذلك فقد تعطلت معظم الخدمات, ساد الخراب كل شئ وبدا شبح الموت يخيم على الاحوال العامة. وفي يوم اسود من الليل للعائلة وخاصة رغداء اخبرهم حازم انه حزم امره على ان تترك رغداء كليتها على الاقل لهذه السنة الى ان نرى الى ماذا ستصير الامور. رغداء = ولكن كيف ربما يفصلوني ولا يحق لي العودة بعد ذلك . حازم = ساطلب من صديقي الدكتور رافد ان يعمل لك تقرير طبي يثبت فيه بانك تحتاجين اجازة مرضية لتاجيل هذه السنة عسى ان يكون امرنا بعد ذلك خير , فلن يهدا لي بال ان تركتك تذهبين فجنود الاحتلال يملؤن المكان والفوضى تعم البلاد. بكت رغداء بمرارة وبكت معها الام وليث ساكت على مضض . الاب= قد يكون الامر صعب عليك يا ابنتي, لكنك تعرفين ان اخوك يحسب للامور الف حساب . رغداء = اني اعلم ذلك يا ابي وتاكد انه مع حبي لدراستي فلن اخالف راي حازم وان شاء الله تكون النهاية خير انتهت جلسة العائلة, وجلس حازم في غرفته يتصفح بعض الكتب, فاستاذنه ليث بالدخول وجلس بقربه ليث = اخي ما المانع من ذهاب رغداء للكلية طالما انت من ياخذها وانا من يعيدها حازم = اخي العزيز, قد كنا ناخذها ونعود بها عندما كان البلد بامان, خالي من احداث الجرائم والعنف, ولم يكن فيه كفار يرتعون هنا وهناك , اما الان وقد دنسه الاعداء فاعلم انه بخروجها لن يهدا لي بال, ولكن ومع الاسف يا ليث لا اضن انك تهتم لمثل هذه الامور فقد قضيت حياتك تحلم بهؤلاء الصليبيين الاوغاد , اما انا فنضرتي لهم مختلفة تماما, فهم اناس بلا رحمه, شهوانيين, وينظرون الينا نظرة ازدراء , فلا استطيع التجاهل او السكوت عن هذا الامر, فانا بذلك ساكون شيطان اخرس لاني ساتسبب بما لايحمد عقباه,,, فمكان رغداء المناسب هو هنا,, هذا البيت الذي ترعرعت فيه تحت حمايتنا الى ان تتطهر ارضنا . مرت الايام الاولى ثقيلة على رغداء, وكم تمنت ان تعود اليها صديقتها الحميمة ايمان ابنة العم ايوب التي تزوجت قبل سنه وسافرت مع زوجها الىاحدى الدول العربية لانها لم تحضى بمعدل عالي ليتم قبولها في الجامعة ,,, وبهذا افترقت عن صديقتها الحميمة رغداء ولم يبقى بينهم الا الرسائل . كان للعم ايوب الاثر الكبير في الترويح عن نفسية رغداء خلال تلك الفترة, فاعطاها الكثير من الكتب الدينية لتقضي وقت الفراغ الممل الذي لم تعتاد عليه , فكان ياتي يوميا اليهم وعلى ضوء الشموع يلقي عليهم نفحات من سيرة الرسول, او يروي الاحاديث الصحيحة او القصص الاجتماعية الهادفة, فلا يشبعون من الجلوس معة,, ما عدا ايسر الذي لا يحضر الا نادرا ,, بل كان ليث واخته يطلقون عليه الموسوعة الدينية لكثرة ما يحفظه من الاحاديث الصحيحة وسيرة الخلف الصالح واحكام الفتاوى فضلا عن حفضه لكتاب الله عز وجل. استمرت ايام الحرب متشابهة فتلتقي العائلة على الاخبار المحزنة نهارا وعلى ضوء الشموع ليلا,, كان حازم يحضر كل متطلبات البيت ورغم ظروف الحرب الصعبة ,,لا زالت الام تشترط عليه ان ياتي لها بنوعية البهار الفاخرة, وكل الاساسيات والثانويات التي تخص المطبخ ,لانها كانت تهتم كثيرا بانواع واصناف الطعام التي تقدمها لعائلتها بما في ذلك كوكتيلات العصائر الطبيعية الطازجة حيث ان اكثر دخلهم كان ينفق على مثل هذه الامور. ولم ينسى حازم يوما ان يحضر لوالدة صحيفة الاخبار وبعض الحلويات واحيانا الدواء ولرغداء التوت والتين المجفف مع انواع من الشوكولاتة,, وكان دائما يعطي لكل واحد اغراضه ليبقى ليث فيقول له ان طلبك بعيد فانت تحب الصليبيين فكيف لي ان احضر لك احدهم,, وكانو يضحكون لهذا ولكن هذه المره لم يقل له نفس الكلام, بل قال له الا زلت تحب الصليبيين يا ليث, لقد رايتهم خربوا ودمروا وعاثوا في الارض فسادا الا زلت تتمنى العيش هناك ,هل علمت الان انهم مجرمين , الم تغير رايك بعد الا تفضل شئ اخر لكي احضرة لك . كان ليث يعلم جيدا ان اخوه واهله والجميع على حق, ولكن افكاره الغريبة هي التي كانت تتحكم به وكانت رغداء دائما تقول له ان افعالك الظاهرة مقرفة ولكن انا اعلم جيدا ان لك قلب طاهر وساعمل جاهدة على ان يسيطر باطنك على ظاهرك لتصبح انسان يفتخر به المقربون جميعا فتكون عون لحازم فان حمله ثقيل وقد ان الاوان ان تخف مسؤلياته بعد ان حصلت انت على الشهاده لكنه مسكين لم يستطع ان يميز كلامها ذلك انه لم يحدد هدفه باتجاه معين لانه مخدوع ببهرجة الغرب وافلام الاكشن والالوان البراقه. مع حلول شهر نيسان بدات سحب الشتاء تنجلي شيئا فشيئا لتظهر السماء الزرقاء رغم انها مليئة باثار دخان القنابل الا انها تبقى جميلة , فاصبح الناس يسمعون زقزقة العصافير بعد ان رحل الشتاء القاسي الذي اضطرهم للسبات في البيوت بسبب الحرب المدمرة, وانقطاع التيار الكهربائي والماء وقلة التدفئة لشحة الوقود بانواعه اما الان فهاهم يفتحون النوافذ ليسمحوا لرائحة الربيع المميزة ان تدخل بيوتهم وتعطر الاجواء بشذى الازهار وعبير الورد الذي بدا يتفتح منذ ايام لتبعث في نفوس بعض الناس روح الامل بالخلاص من هذه الازمة الشديدة . ...................................................................................... بانتهاء الربيع الذي كان قصيرا جدا , دخل الصيف بحره الشديد دون استاذان, ليزيد الامور توترا وحده بشمسه المحرقة وقلة مياهه وجوه اللاهب, فاصبحت العائلة تنام في سطح البيت من اجل هواء طيب فالنوم داخل البيت كان صعبا بسبب الحر , وفي احدى الصباحات استيقضت رغداء مع اشراقة الفجر وما ان فتحت عينيها حتى رات ايسر وهو يتلصص بنظراته من خلال فتحات السياج على بيت الجيران او يقف على اطراف اصابعه ليرى من فوق الجدار الحاجز بين البيتين , وهنا قد تفاجئت فهي لاتدري ماذا يحدث بالضبط , نهضت فلم تره امامها , التفتت هنا وهناك لااحد,, فهمت بالنزول الى البيت, وادت صلاة الفجر ثم دخلت غرفته واذا به نائم والعرق يتصبب منه, فقالت في نفسها ايعقل ما رايت ان العرق يتصبب من جبينه نتيجه لحر الغرفة, ولكني متاكدة اني رايته لقد كان ينظر لهذه العائلة المسكينة وهنا تذكرت الضابطين وصاحب المكتبة الذي فوض امره لله والمسروقات الكثيره وحزمت امرها على ان تخبر الجميع فانتظرت حازم ليعود من صلاة الفجر وما ان عاد حتى اخبرتهم بما رات . الاب = في اي اتجاه كان ينظر يا ابنتي . رغداء = الى بيت ام حنان الارملة يا ابي ----- ,, فانتفض حازم واقفا وصرخ مستحيل , الام = تعوذي من الشيطان يا ابنتي فربما كنت تتخيلين . رغداء = بل انا متاكدة يا امي . كانت ام حنان ارملة ولها ثلاثة ايتام كلهن بنات اكبرهن بعمر 13 عاما وكلهم يعانون من مرض فقر الدم لضعف حالتهم المادية بل كانوا حقا مساكين وكانت ام حازم تساعدهم بما فضل الله عليها بين فترة واخرى بما في ذلك الزكاة وفطرة العيد . هنا اراد خازم ان يتاكد بنفسه فقد بدات نار الشكوك تلسعه فايقض ايسر ودعاه للحضور الى الصالة جاء ايسر وهو يتثاءب بلا مبالاة ., حازم = اين كنت . ايسر = نائم ا م ماذا ترى الام = هل صحيح انك كنت تنظر الى ام حنان وبناتها وهم نائمون ان هذا العمل مشين يا ولدي ايسر = هذه تهمه جديدة ام ماذا , فماذا تريدوني ان اقول فقد عملتم اجتماع مسبق. الاب = يا بني لاتقل شئ غير الحقيقة واخذ الاب يبكي وهو يرتجف وهنا قام حازم فقبل راس ابيه واحتضنه وهو يقول هون عليك يا ابي . ايسر = هذه اعمال رغداء انها تطاردني ولا اعرف ماذا تريد مني رغداء = وماذا اريد منك غير تربيتك وصلاحك , لاتراوغ لقد رايتك بام عيني وهذا حرام اتق الله في اعراض الناس وان لم يكن لهم اب فتذكر ان لهم رب ام تريدني ان اسكت على فعلتك واصفق لك عذرا يا اخي فلن اكون شيطان اخرس لاعين الظالم على المظلوم ما حييت. ايسر = انا برئ وهذه تهمة لن اقبل بها فانت تحلمين في النهار هنا تعجب الجميع وهم ينظرون اليها و لم تستطع النظر لاي منهم, فقد ساد صمت رهيب لا يقطعه الا صوت الاب الذي كان يحاول ان يكتم عبراته , وهي تقول في نفسها ايعقل ان اكون مخطئة , ولكني والله قد رايته . وما هي الا ثواني و دق جرس الباب ففتحة ليث الذي استيقظ على صوت ايسر وهو يدافع عن نفسه , وما ان فتح ليث الباب حتى دخلت الحقيقة التي لابد منها, لقد جاءت ام حنان مع شقيقها الاستاذ كامل تشكو من هذا البائس ايسر, وقد اقسمت لهم انها ليست اول مرة ولكنها لم تكن متاكدة كاليوم , لم يكن الاستاذ كامل يسكن في هذه المنطقة وعندما فتح ليث الباب طلب منه مقابلة الحاج ابراهيم بصوت لايكاد يخلو من العصبية وبمجرد سماع حازم لصوت الرجل ربت على ظهر والده وقال له ساتولى الامر فخرج اليهم . استقبل حازم الاستاذ كامل واخته في غرفة الحاج ابراهيم التي كانت قريبة من باب الدخول,,, واكبر مفاخئة كانت, عندما علم الجميع ان هناك معرفة سابقة بين حازم وكامل مما ادى الى التقليل من توتر الامور , على الاقل فالعتاب كان يحمل شئ من الاحترام . حازم = انك تعرفني جيدا يا استاذ كامل وتعرف والدي وكيف هي سيرتنا ولكننا والله لا نعرف اي لعنة وقعت علينا لينشا ايسر بهذا الشكل,, وبعد ساعة او اكثر من الحديث المؤلم لعائلة ابراهيم هم كامل واخته بالخروج بعد ان ابدى تفهمه للامور, فاعتذر منه حازم وابوه ووعدوهم ان يقوموا ببناء الجدار الفاصل بين البيتين ويجعلوه اعلى مما هو عليه مع مراقبة ايسر . بعد مغادره الضيوف, اجتمعت العائلة في الصالون وكل منهم يضرب كف بكف , ومما زاد الطين بلة ان ليث اخبرهم بان ايسر قد انتهز الفرصة ليهرب خارج البيت,, فقد اخذ ملابسه وما كان لديه من النقود وكان ذلك اليوم هو اسود من الفحم في حياة هذه الاسرة الطيبة,, ولم يقطع تلك الوصلة الحزينة الا مجئ العم ايوب فقد عاد الوضع الى طبيعته جزئيا. مر يوم واثنان ولم يعد ايسر, وسالوا عنه ولم يحضوا بالاجابة,, واستمرت الايام تمر ببطئ حيث كانو ينتظرون عودته,, فرغم عملته النكراء الا انهم يخافون عليه ذلك ان اوضاع البلد مخيفة وجنود الاحتلال يملؤن الطرقات. مع زوال الشمس ودخول الظلام كانت الام تجلس في الصالون وهي لا زالت تتجه الى القبلة بعد ان اكملت فريضة المغرب و ترفع كلتا يديها الى ربها و تقول يارب اهدي ابني وارفع الغمة عن بلدي ووفق اولادي والمسلمين جميعا لما تحب وترضى . وكانت رغداء تنظر اليها وهي تقول بمرارة, وقد ملئت الدموع عينيها الخضراوين امين . وبعد صمت دام عدة دقائق بادرت رغداء بسؤال الام يتبعانتهت الجلسة دون الوصول الى نتيجة وقام ايسر لينام القيلولة وعلى محياه ابتسامة الحمقى . مرت...
رغداء = هل هناك اختلاف في الطريقة التي تربى بها اخوتي يا امي
الام = والله يا ابنتي لقد ربيتكم جميعا على نفس المبادئ والاخلاق, ولا اعلم ما هذا الفرق في الطباع والتصرفات , اكيد ان هناك اختلافات بينكم عندما كنتم اطفال, لكنني لم اتوقع ان هذا سيحدد شخصية الانسان.
رغداء = كيف يا امي
الام= مثلا عندما ولدت حازم لم يبكي لثلاثة ايام, وقد خفنا عليه كثيرا, فاحظر والدك الطبيب, وبعد فحصه اكد لنا انه طبيعي ولا يجب علينا ان نقلق, وبمرور الايام عرفت ان طبعه هكذا, وبدا يكبر وهو مطيع , هادئ, خلوق, وخجول , لايؤذي احد ويفكر في الام الاخرين.
اما اخويك الاخران فانهما يختلفان كثيرا منذ الطفولة في طبيعتهما, خاصة ايسر, بحكم ابتعاده عن صحبتكم,,, ولا تنسي يا ابنتي فان طبيعة الانسان قد تطغى على ظروف تربيته .
رغداء = فقط ادعي لهم يا امي
وهنا دخل ليث واول سؤاله هل هناك خبر عن ايسر.
الام = كلا يا بني .
ليث = اتعتقدين ان ايسر عمل هذه المشكلة ليترك البيت ام حدثت الامور صدفة
رغداء = انا لا استطيع الجزم في هذا , ولكني في نفس الوقت اتعجب , فاي بائس هذا الذي يؤذي اعراض الناس ليحقق مصلحة مرضية مجهولة., فماذا سيكسب ان ترك البيت, من سيصرف عليه .
ساد الصمت والام المسكينة تنظر لولديها وكانها تريد منهم ان يسعفوها بالامل وباي طريقة ,
وهنا التحق بهم والدهم بعد ان انهى الصلاة, فجلس قريبا من زوجته , وما هي الا دقائق حتى فتح الباب واذا بايسر يدخل بلا سلام ولا كلام فاستقبلته الام بالبكاء والقبلات , رغم ان الجميع كان قد اكد عليها ان لا تضعف امامه حتى لا يتمرد اكثر .
ورغم ان الحاج ابراهيم لم يتحرك من مكانه او حتى يلتفت لابنه الا ان الراحة النفسية كانت قد تركت اثارها على محياه, ولم لا ,, انه ابنه الصغير, اخر العنقود كما يقول المثل , والحوادث التي ثحدث في البلد الان مخيفة وتقشعر لها الابدان, فمن حقه ان يقلق على ولده الصغير, بالرغم من انه عاق لوالديه
اما رغداء, فتود تقطيعه باسنانها لكنها كانت من الحكمة بحيث ذهبت لتسلم عليه, وعندما جلس لتناول الطعام جلست قريبة منه وتظاهرت بانها تتصفح كتابا ما , فقد كانت تامل ان يبدا معها بالحديث او ان يبدي ندمه , ولكن املها خانها بعد ان انهى طعامه, وخرج مرة اخرى وعلامات النصر تلوح على جبينه بعد ان كسب هذة الجولة ايظا فاصبح البيات خارج البيت امر عادي امام الجميع,, تاففت رغداء بمرارة وقالت في نفسها ان اعظم ما يؤذينا به جميعا هو صمته اللعين .
وتمر ايام الصيف الملهبة وجرائم العدوان تتزايد يوما بعد يوم , وها هو الخريف يرخي سدوله على الاجواء, وبدا العام الدراسي الجديد, وقطعت رغداء الشك باليقين انها خسرت دراستها للابد, فقد ساءت اوضاع البلد اضعاف عما قبل , واصبح الحزن يخيم على هذا البيت وكل فرد منهم يحاول ان يشد ازر صاحبه حتى لا تضيق بهم السبل .
وفي احد الايام وبعد ان ادى حازم صلاة الجمعة في المسجد وهو بجانب العم ايوب كالعادة. طلب العم من حازم بعض الوقت قبل ان يغادر فخرجا ليتكلمان وهما في طريق عودتهما,
العم ايوب = هل لي ان اسالك ان تسمح لرغده بالعوده للدراسه , واعدك باني ساخذها صباحا واعود بها بعد انتهاء المحاضرات , واعتبرها امانة في عنقي ما حييت .
حازم = اعلم يا عمي انك لو طلبت قلبي لفتحت صدري وقلت لك خذ, لكنك تعلم ان رغداء هي جوهرتنا المصونة .
انظر يا عمي الى الاوضاع السائبة واصوات الانفجارات التي تقظع السكون بين ساعة واخرى ,, انها جبهة قتال وليست مدينة. انظرالى اللافتات والاف الاحزاب والاسماء والصور والتوتر الذي يخيم على الاجواء , فاي دراسه هذه التي تجعلني اترك اختي الوحيدة على حافات الخطر,, على العموم هل ان رغداء هي التي طلبت منك ان تكلمني
على العكس يا بني فانها قد استسلمت كليا للامر رغم مرارتها ا لتي تكتمها و لاتبوح بها, لذلك قررت ان افتح معك الموضوع بعد ان استشرت اباك .
حازم = اعلم يا عمي ان تركها للدراسة ليس بالامر اليسير بالنسبة, لي خاصة وانها طموحه وذكية ولكن هذا ما قدره الله لها وعسى ان تكرهو شيئا وهو خير لكم .
بدات الامور تتغير مع مرور الايام, فحازم اصبح يتغيب كثيرا عن البيت لكثرة مسؤلياته, لكنه في نفس الوقت كان يحرص على ان يتناول غداء الجمعة مع اهله .
وليث ازداد ضياعا لا يعرف ماذا يريد بالضبط حتى بعد ان راى بام عينه الاساليب الوحشيه للصليبيين الا انه لم يحزم امره على قرار صائب ومفيد .
اما ايسر فتغيبه عن البيت اصبح يستمر لاسابيع عديدة , مما زاده غموضا اكثر من ذي قبل خاصة بعد ان اغلق بوجه اهله كل السبل المؤدية للتقرب اليه بل اصبح يضايق
امه واخته كثيرا عندما ياتي ولو لساعات.
وتمر الايام وها هم يعيشون شهر رمضان المبارك, وكانت ام حازم قد استعدت لزيارة زوجة العم ايوب فبادرها زوجها قائلا, ساتي معك ولناخذ رغداء ولتكن زيارة عائلية مباركة في هذا الشهر المبارك .
وقامت رغداء بدورها بدعوة ليث فوصل الاربعة وحضوا بالترحيب الحار من العم وزوجته وكعادة الكرام من العرب قد امسكو بهم ليفطروا معا,, لم تكن رغداء او ليث قد زارو هذا البيت مسبقا, رغم ان ابنتة العم ايوب كانت صديقتها الحميمة ,الا ان هذه هي اول زياره لها, ولهذا فهي مذهولة لما شاهدته فها هي تكتشف ان العم ايوب فقير جدا , و بيته صغير جدا وقديم وخالي تقريبا من الاثاث ,اخذت تنظر حولها فشردت بافكارها وهي تقول ايعقل هذا, ان من يرى العم ايوب يتخيله اغنى انسان على وجه الارض وها انا الان اكتشف انه فقير معدم يا الهي انه لم يشكي يوم او يطمع فيما عند غيره , بل ان الذي يراه يتوقعه من اغنى الاغنياء, ولما لا اليس الغنى هو غنى النفس, والقناعة كنز , والصبر هو زاد الؤمن. والاعجب من هذا كله فقد كان لوجبة الافطار طعم خاص رغم بساطة الاكل وعدم التكلف
اضن انه طعم الايمان الصادق بالله والقدر والابتسامه الدائمة نتيجة للرضا بالنصيب .
عاد الجميع الى البيت بعد ان قضو ساعات ممتعة مع العم وزوجته وكان حازم قد عاد وتناول وجبة الافطار لوحده .
فبادرته امه قائلة لماذا لم تلحق بنا يا ولدي
حازم= حصل خير يا امي في المرة القادمة ان شاء الله .
وما ان جلسو حتى انهالت رغداء على والدها بالاسئلة حول حياة العم ايوب
فاجابها الاب مقاطعا هل كنت تظنين يوما انه فقير, وهل لاحظت عليه شئ قبل اليوم
رغداء = قطعا لا
الاب = لان الغنى هو غنى النفس لا غنى المال يا ابنتي واعلمي ان اموره قد كانت على ما يرام ولكنه انفق كل ما يملك على ولده المريض قبل ان يتوفاه الله بعمر 20 عاما بعد ان عانى كثيرا لانه كان مصاب بمرض الهيموفيليا الوراثي,, ومع هذا فلم اسمع من عمك اي شكوى, بل اني كنت اكتشف يوما بعد يوم انه نعم المؤمن الصابر .
وهنا اتجهت رغداء صوب حازم وهي تقول عندما تذهب الى السوق لا اريدك ان تحضر لي شوكولاته او اي شئ خاص الا اذا طلبت انا ذلك منك.
نظر اليها حازم بتودد وقال لها كل يوم نستفاد من العم ايوب بحكمة او صفة مميزة اليس كذلك
رغداء= هذه فرصتي لاتعلم واصقل حياتي على الطريقة المثلى, فلا تنسى انتم السابقون ونحن اللاحقون
انتهى رمضان المبارك ولم يتذوق الناس حلاوة العيد كالسابق فاي عيد تحت وطاة الاحتلال واصوات الانفجارات المتلاحقة .
وتمر الايام والاسابيع والكل صابر ينتظر الفرج القريب باذن الله ولكن الحال يسوء يوما بعد يوم والامور تتازم بحدة.
وفي فجر يوم حزين صحت رغداء على صوت انفجار قوي هز اركان الغرفة فقفزت خارجة منها وما ان نظرت الى الساعة المعلقة امامها حتى علمت ان موعد صلاة الفجر قد حان منذ ساعة ولم يقم احد بايقاضها, فدخلت الصالون لترى الاب جالس فسالته اين امي, فاجابها انها تحضر الماء من حديقة الجيران , \ حيث تعاون حازم وليث وبعض شباب المنطقة على حفر بئر في حديقة احد البيوت ليستفاد منه الجميع في هذه المحنه وقلة الماء\ .
وفجاءه دخلت الام مفزوعة وهي تصرخ الله اكبر, يقولون ان احد المساجد قد تم قصفه والعم ايوب سقط شهيدا .
انتفض الاب واقفا لايعرف ماذا يقول,, بل انه لايستطيع جمع شتات نفسه .
رغداء = لااعتقد هذا يا امي فالانفجار حدث قبل دقائق فكيف يصل الخبر بهذه السرعة
يتبع

اور 22
•
اور 22 :
رغداء = هل هناك اختلاف في الطريقة التي تربى بها اخوتي يا امي الام = والله يا ابنتي لقد ربيتكم جميعا على نفس المبادئ والاخلاق, ولا اعلم ما هذا الفرق في الطباع والتصرفات , اكيد ان هناك اختلافات بينكم عندما كنتم اطفال, لكنني لم اتوقع ان هذا سيحدد شخصية الانسان. رغداء = كيف يا امي الام= مثلا عندما ولدت حازم لم يبكي لثلاثة ايام, وقد خفنا عليه كثيرا, فاحظر والدك الطبيب, وبعد فحصه اكد لنا انه طبيعي ولا يجب علينا ان نقلق, وبمرور الايام عرفت ان طبعه هكذا, وبدا يكبر وهو مطيع , هادئ, خلوق, وخجول , لايؤذي احد ويفكر في الام الاخرين. اما اخويك الاخران فانهما يختلفان كثيرا منذ الطفولة في طبيعتهما, خاصة ايسر, بحكم ابتعاده عن صحبتكم,,, ولا تنسي يا ابنتي فان طبيعة الانسان قد تطغى على ظروف تربيته . رغداء = فقط ادعي لهم يا امي وهنا دخل ليث واول سؤاله هل هناك خبر عن ايسر. الام = كلا يا بني . ليث = اتعتقدين ان ايسر عمل هذه المشكلة ليترك البيت ام حدثت الامور صدفة رغداء = انا لا استطيع الجزم في هذا , ولكني في نفس الوقت اتعجب , فاي بائس هذا الذي يؤذي اعراض الناس ليحقق مصلحة مرضية مجهولة., فماذا سيكسب ان ترك البيت, من سيصرف عليه . ساد الصمت والام المسكينة تنظر لولديها وكانها تريد منهم ان يسعفوها بالامل وباي طريقة , وهنا التحق بهم والدهم بعد ان انهى الصلاة, فجلس قريبا من زوجته , وما هي الا دقائق حتى فتح الباب واذا بايسر يدخل بلا سلام ولا كلام فاستقبلته الام بالبكاء والقبلات , رغم ان الجميع كان قد اكد عليها ان لا تضعف امامه حتى لا يتمرد اكثر . ورغم ان الحاج ابراهيم لم يتحرك من مكانه او حتى يلتفت لابنه الا ان الراحة النفسية كانت قد تركت اثارها على محياه, ولم لا ,, انه ابنه الصغير, اخر العنقود كما يقول المثل , والحوادث التي ثحدث في البلد الان مخيفة وتقشعر لها الابدان, فمن حقه ان يقلق على ولده الصغير, بالرغم من انه عاق لوالديه اما رغداء, فتود تقطيعه باسنانها لكنها كانت من الحكمة بحيث ذهبت لتسلم عليه, وعندما جلس لتناول الطعام جلست قريبة منه وتظاهرت بانها تتصفح كتابا ما , فقد كانت تامل ان يبدا معها بالحديث او ان يبدي ندمه , ولكن املها خانها بعد ان انهى طعامه, وخرج مرة اخرى وعلامات النصر تلوح على جبينه بعد ان كسب هذة الجولة ايظا فاصبح البيات خارج البيت امر عادي امام الجميع,, تاففت رغداء بمرارة وقالت في نفسها ان اعظم ما يؤذينا به جميعا هو صمته اللعين . وتمر ايام الصيف الملهبة وجرائم العدوان تتزايد يوما بعد يوم , وها هو الخريف يرخي سدوله على الاجواء, وبدا العام الدراسي الجديد, وقطعت رغداء الشك باليقين انها خسرت دراستها للابد, فقد ساءت اوضاع البلد اضعاف عما قبل , واصبح الحزن يخيم على هذا البيت وكل فرد منهم يحاول ان يشد ازر صاحبه حتى لا تضيق بهم السبل . وفي احد الايام وبعد ان ادى حازم صلاة الجمعة في المسجد وهو بجانب العم ايوب كالعادة. طلب العم من حازم بعض الوقت قبل ان يغادر فخرجا ليتكلمان وهما في طريق عودتهما, العم ايوب = هل لي ان اسالك ان تسمح لرغده بالعوده للدراسه , واعدك باني ساخذها صباحا واعود بها بعد انتهاء المحاضرات , واعتبرها امانة في عنقي ما حييت . حازم = اعلم يا عمي انك لو طلبت قلبي لفتحت صدري وقلت لك خذ, لكنك تعلم ان رغداء هي جوهرتنا المصونة . انظر يا عمي الى الاوضاع السائبة واصوات الانفجارات التي تقظع السكون بين ساعة واخرى ,, انها جبهة قتال وليست مدينة. انظرالى اللافتات والاف الاحزاب والاسماء والصور والتوتر الذي يخيم على الاجواء , فاي دراسه هذه التي تجعلني اترك اختي الوحيدة على حافات الخطر,, على العموم هل ان رغداء هي التي طلبت منك ان تكلمني على العكس يا بني فانها قد استسلمت كليا للامر رغم مرارتها ا لتي تكتمها و لاتبوح بها, لذلك قررت ان افتح معك الموضوع بعد ان استشرت اباك . حازم = اعلم يا عمي ان تركها للدراسة ليس بالامر اليسير بالنسبة, لي خاصة وانها طموحه وذكية ولكن هذا ما قدره الله لها وعسى ان تكرهو شيئا وهو خير لكم . بدات الامور تتغير مع مرور الايام, فحازم اصبح يتغيب كثيرا عن البيت لكثرة مسؤلياته, لكنه في نفس الوقت كان يحرص على ان يتناول غداء الجمعة مع اهله . وليث ازداد ضياعا لا يعرف ماذا يريد بالضبط حتى بعد ان راى بام عينه الاساليب الوحشيه للصليبيين الا انه لم يحزم امره على قرار صائب ومفيد . اما ايسر فتغيبه عن البيت اصبح يستمر لاسابيع عديدة , مما زاده غموضا اكثر من ذي قبل خاصة بعد ان اغلق بوجه اهله كل السبل المؤدية للتقرب اليه بل اصبح يضايق امه واخته كثيرا عندما ياتي ولو لساعات. وتمر الايام وها هم يعيشون شهر رمضان المبارك, وكانت ام حازم قد استعدت لزيارة زوجة العم ايوب فبادرها زوجها قائلا, ساتي معك ولناخذ رغداء ولتكن زيارة عائلية مباركة في هذا الشهر المبارك . وقامت رغداء بدورها بدعوة ليث فوصل الاربعة وحضوا بالترحيب الحار من العم وزوجته وكعادة الكرام من العرب قد امسكو بهم ليفطروا معا,, لم تكن رغداء او ليث قد زارو هذا البيت مسبقا, رغم ان ابنتة العم ايوب كانت صديقتها الحميمة ,الا ان هذه هي اول زياره لها, ولهذا فهي مذهولة لما شاهدته فها هي تكتشف ان العم ايوب فقير جدا , و بيته صغير جدا وقديم وخالي تقريبا من الاثاث ,اخذت تنظر حولها فشردت بافكارها وهي تقول ايعقل هذا, ان من يرى العم ايوب يتخيله اغنى انسان على وجه الارض وها انا الان اكتشف انه فقير معدم يا الهي انه لم يشكي يوم او يطمع فيما عند غيره , بل ان الذي يراه يتوقعه من اغنى الاغنياء, ولما لا اليس الغنى هو غنى النفس, والقناعة كنز , والصبر هو زاد الؤمن. والاعجب من هذا كله فقد كان لوجبة الافطار طعم خاص رغم بساطة الاكل وعدم التكلف اضن انه طعم الايمان الصادق بالله والقدر والابتسامه الدائمة نتيجة للرضا بالنصيب . عاد الجميع الى البيت بعد ان قضو ساعات ممتعة مع العم وزوجته وكان حازم قد عاد وتناول وجبة الافطار لوحده . فبادرته امه قائلة لماذا لم تلحق بنا يا ولدي حازم= حصل خير يا امي في المرة القادمة ان شاء الله . وما ان جلسو حتى انهالت رغداء على والدها بالاسئلة حول حياة العم ايوب فاجابها الاب مقاطعا هل كنت تظنين يوما انه فقير, وهل لاحظت عليه شئ قبل اليوم رغداء = قطعا لا الاب = لان الغنى هو غنى النفس لا غنى المال يا ابنتي واعلمي ان اموره قد كانت على ما يرام ولكنه انفق كل ما يملك على ولده المريض قبل ان يتوفاه الله بعمر 20 عاما بعد ان عانى كثيرا لانه كان مصاب بمرض الهيموفيليا الوراثي,, ومع هذا فلم اسمع من عمك اي شكوى, بل اني كنت اكتشف يوما بعد يوم انه نعم المؤمن الصابر . وهنا اتجهت رغداء صوب حازم وهي تقول عندما تذهب الى السوق لا اريدك ان تحضر لي شوكولاته او اي شئ خاص الا اذا طلبت انا ذلك منك. نظر اليها حازم بتودد وقال لها كل يوم نستفاد من العم ايوب بحكمة او صفة مميزة اليس كذلك رغداء= هذه فرصتي لاتعلم واصقل حياتي على الطريقة المثلى, فلا تنسى انتم السابقون ونحن اللاحقون انتهى رمضان المبارك ولم يتذوق الناس حلاوة العيد كالسابق فاي عيد تحت وطاة الاحتلال واصوات الانفجارات المتلاحقة . وتمر الايام والاسابيع والكل صابر ينتظر الفرج القريب باذن الله ولكن الحال يسوء يوما بعد يوم والامور تتازم بحدة. وفي فجر يوم حزين صحت رغداء على صوت انفجار قوي هز اركان الغرفة فقفزت خارجة منها وما ان نظرت الى الساعة المعلقة امامها حتى علمت ان موعد صلاة الفجر قد حان منذ ساعة ولم يقم احد بايقاضها, فدخلت الصالون لترى الاب جالس فسالته اين امي, فاجابها انها تحضر الماء من حديقة الجيران , \ حيث تعاون حازم وليث وبعض شباب المنطقة على حفر بئر في حديقة احد البيوت ليستفاد منه الجميع في هذه المحنه وقلة الماء\ . وفجاءه دخلت الام مفزوعة وهي تصرخ الله اكبر, يقولون ان احد المساجد قد تم قصفه والعم ايوب سقط شهيدا . انتفض الاب واقفا لايعرف ماذا يقول,, بل انه لايستطيع جمع شتات نفسه . رغداء = لااعتقد هذا يا امي فالانفجار حدث قبل دقائق فكيف يصل الخبر بهذه السرعة يتبعرغداء = هل هناك اختلاف في الطريقة التي تربى بها اخوتي يا امي الام = والله يا ابنتي لقد ربيتكم...
رغداء = لااعتقد هذا يا امي فالانفجار حدث قبل دقائق فكيف يصل الخبر بهذه السرعة ?
الاب = لا يا ابنتي فان انفجارات عديدة حصلت قبل هذا ولكنك كنت نائمة , وهنا جاء ابن الجيران والذي كان صديق ليث لسنين ليؤكد لهم الخبر فقد عاد للتو من مكان الحادث .
انهالت صاعقة شديدة على الجميع, فهام الشيخ ابراهيم على وجهه بعد ان اخذ عصاه, لايعرف ماذا يفعل واين يتجه, انه يفقد رفيق دربه وصباه, وتبعته الام وكذلك ليث بعد ان طلب من رغداء ان لاتتحرك من مكانها وتنتظر حتى يعود اليها .
لم تتحرك رغداء من جلستها على البلاط المكشوف عند سماعها الخبر وهي تبكي العم ايوب وتتذكر كل مواقفه النبيله معهم, بل تذكرت مصداقيته مع الله ومع نفسه , وزهده في هذه الدنيا الغداره وبيته البسيط,, ووجبة الافطار البسيطه, بل ابتسامته المميزه و صدره الرحب الذي لم يجزع يوما رغم كل الضروف الصعبة التي مر بها.
وهنا تذكرت ان حازم يصلي في نفس المسجد ايمكن ان يكون قد استشهد هو الاخر وما بال اهلي قد نسو امر حازم .
مرت ساعات وساعات وهي تنتظر مجئ احد ليطفئ نار اللوعة التي تشعر بها,
وهنا جلست وهي تنظر من خلال النافذة عسى ان ياتيها الفرج , بل انها شعرت بالغثيان نتيجة للتوتر والبكاء المرير.
مرت الساعات طويلة على رغداء دون ان تاكل اوحتى تجلس. وما ان انتهت من صلاة العصر حتى عاد ليث وهو في حالة يرثى لها اشعث ,اغبر, مقطوع الانفاس, بل انه يلهث دخل وهو رافع ذراعه الايمن ليريها بضع قطرات من الدم ,
كانت قد التصقت على قميصه وهو يقول انه دم العم ايوب يا رغده فقد استشهد وهذه اول مرة يناديها بهذا الاسم حيث انه الاسم الخاص بالعم ايوب,, نعم فالعم ايوب كان يناديها رغده .
ثم استطرق حديثه قائلا, لقد وصلت الى المسجد وكان الجزء الاكبر منه قد تهدم, وبحثت لاجد احد ولم افلح,, وباتجاه اخر وعلى بعد امتار وجدت حازم جالس وبحضنه العم ايوب وكان قد لفظ انفاسه للتو وبجانبهم بعض السواق الذين توقفوا لنقل بقية الشهداء والجرحى, واخبرني حازم انه ما ان غادر بعد انتهاء الفريضة حتى سقطت القذيفة, قال فتوقفت في مكاني جنب الجدار, وبعد دقيقتان او اكثر قليلا سقطت القذيفة الثانية, فسكنت لدقائق معدودة ثم هرعت للمسجد فوجدت العم ايوب مع عدد من المصلين, شهداء وجرحى ولم يكن العم قد اسلم الروح , فقمنا بسحبه من تحت الانقاض فطلب مني ان لااحركه لان اصابته كانت بليغة جدا, فاخذ يقرا القران ونطق بالشهادتين, وسلم على الجميع خصوصا انت يا رغد,, وما ان بدا بقراءة سورة يس حتى صعدت روحه الطاهره الى الباري عز وجل .
بكت رغداء بمرارة وبكى ليث بمرارة اشد منها ,
وسكت ليث قليلا وتوسل اليها ان تجهز نفسها لانه يريد ان يقوم بتوصيلها الى بيت العم المرحوم لتساعد والدتها في استقبال النساء المعزيات.
ليث = ساستحم واصلي العصر واريدك ان تكوني جاهزة .
ولم تتحرك رغداء من مكانها, بل لولا الدموع التي تنساب من عيونها بصمت لتخيل الناظر اليها انها تمثال نسقه نحات متذوق للفن .
تركها ليث, وما ان دخل لغرفته حتى بدات الاصوات الغريبة تصدر منها, واستطاعت رغداء ان تميز صوت اللوحات وهي تتبعثر على الارض, بل سمعته يقول وبوضوح , لعن الله امثالكم ايها الاوغاد لعن الله ديمقراطيتكم اللعينة, فاتت اليه مسرعة اه لقد مزق جميع الصور, بل انه قطع الاعلام وبصق عليها
لقد كان هذا الحدث بمثابة امنية للعائلة, ولكن هل ان الظرف مناسب ليشعروا بان الله قد استجاب دعواتهم ويفرحوا بهداية ابنهم .
نظر اليها ليث والعبرات تملئ عينه وهو يقول, عندما رايت العم ايوب والدماء تنضح من جسده, تذكرت على الفور يوم قلت لي انهم يدللون الكلاب ويصرفون عليها مبالغ كثيرة, فثارت ثائرتي يا رغداء انهم يدللون كلابهم ويزهقون ارواح اسيادهم .
بكى ليث بصوت عالي ودموع مريرة, ورغداء مذهولة لما تراه, لكن شعور الالم بفقدان العم العزيز حال دون اظهار علامات الاستغراب. الا انها اخذت تبكي معه, وعندها سكت لبرهه ثم قال ان من شب على حال مات عليها,, انظري لحكمة الله,, فلقد شب العم ايوب وكبر وترعرع في المساجد, وها هو قد مات فيها بعد ان نطق بالشهادتين, فهل هناك اصدق واسمى من هذا الحدث,,,, لااله الا الله ,,لا اله الا الله,, لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين,,,,,, وخر ساجدا وهو يبكي عمه,, وماضيه المظلم,, وظلم العدوان,,,,, وبقي لدقائق على تلك الحال ثم نهض ليضيف,
تخيلي لو اني مت صباح اليوم فاين سيكون مصيري ,اكيد سيحشرني الله معهم فقد كانو المثل الاعلى بالنسبة لي فان الله يحشر المرء مع من يحب, وهذا ما علمنا اياه العم ايوب, وظل ليث يبكي طويلا كانه يريد ان يغسل اثار الزمن وما خلفة من شكليات سطحية كان قد تمسك بها لسنين دون ان ينتبه لحاله او ياخذ بنصيحة احد او يتذوق الطعم الاصيل للاسلام .
سرحت رغداء في خيالها وهي تقول سبحان الله كم انت انسان مبارك يا عم ايوب ,فقد كنت مرشدا لنا طيلة حياتك وباستشهادك من الله على ليث بالهداية لطريق الحق, وكانك قد غسلت بدمائك الطاهرة كل الغشاوة التي كانت على عيونه وضميره ,او ربما لانك كنت تدعي له ليل نهار بان يثبت الله خطواته على السراط المستقيم .
انتهت ايام العزاء وعادت الامور الى حالها مع كثير من الملل خاصة بالنسبة للحاج ابراهيم الذي تعود على استقبال صديقه يوميا ولكن ماذا يفعل انها مشيئة الله,,,, اما ليث فقد
تغيرت حياته جذريا بعد هذا الحادث فاصبح يصلي في المسجد مع اخيه حازم الذي ساعده في الحصول على
الوضيفة, والظاهر ان هذه العائلة لا تستطيع تدبير شئ بدون معونة حازم, لله درك ايها الشاب التقي فانت الاب, وانت الاخ والابن لهذه العائلة, وكم تمنى ليث ان يلحق بهم ايسر بعد ان ذاق حلاوة الاخوة الصادقة,, بل انه اخبر رغداء انه يحس بشعور غريب ورائع عندما يمشي جنبا الى جنب مع حازم خصوصا عند اقترابهم من صفوف جنود الاحتلال,, يقول احيانا بودي ان اصيح بهم لم ولن تفرقونا ما بقيتم هنا ايها الساديون .
كان لتغير ليث اثر كبير في اضفاء روح الحيوية والتجدد على حياة العائلة خصوصا بعد ان ظهرت عليه سمات حب الوطن والتمسك بالدين فاخذ يقرا ويسال عن كل ما يجهله في هذه النواحي فيساعده في ذلك ابوه واخته .
وكانت سعادة الوالدين كبيرة وهم يرون حازم وليث جنبا الى جنب,,, وكم تمنوا ان يكون ايسر ثالثهم ...
بعد غياب دام شهرين عاد ايسر,,, وقد تغيرت احواله وهيئته والظاهر انه قد حصل على عمل فلباسه الثمين يوحي بذلك .
اخبرته والدته بخبر العم ايوب فرد انه يعلم وقد تاثر كثيرا .
فامسكت به رغداء من ذراعه وقالت تعال معي لاريك شيئا فسحبته ودخلا لغرفة ليث ,
ايسر = الله الله الجدار نظيف لاصور ممثلين ولا مناظر غربية بل ولا حتى اعلام .
رغداء = ذلك لان الحقيقة قد ظهرت واضحة جلية مع انجلاء الشعارات البراقة التي روج لها الشياطين فانا كنت متاكدة ان ليث انسان رائع ومستقيم ولم يكن ينقصه الا الايمان والتوكل على الله وما عليك الان الا ان تحذو حذوه .
ايسر = انا لايوجد في غرفتي اعلام او صور او غناء غربي وحياتي اعتيادية .
رغد= بل يوجد في غرفتك مسروقات يا ايسر, انها حق الناس لقد سرقتها فقط بدافع اذية الاخرين فانك لم تستفد منها, قم باعادتها الى صاحبها واستسمحه واطلب من ربك الغفران عسى ان يعفو عنك ويهديك ابكي بين يديه ليغفر لك تجاوزك الغير مشروع على ام حنان وايتامها,, تضرع لربك قبل فوات الاوان فلا نعلم ماذا سيحل بنا .
ايسر= من قال اني سرقت انك تتجاوزين على خصوصياتي .
رغداء= اهذا الذي يهمك فقط ,الا يهمك بقية الكلام, الم تفكر بوالديك والقلق المستمر الذي يسببه غيابك عن البيت .
لماذا لاتجعلهم يعرفون اخبارك لكي يطمئنو عليك .
ايسر= وما يدريني باموري, فكل ما يحصل لي هو بمحض الصدفة ,هل تتوقعين اني اخطط , وهل اعلم الغيب. لو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير كما يقول المثل .
رغداء = كما يقول المثل واخذت تصرخ بصوت هستيري.
فجاء الوالدين وهم فزعين, فاشارت اليه رغداء وهي تقول ان ابنكم على حافة الهاوية فهو يردد ايه من سورة الاعراف على انها مثل ولننتظر ماذا سيحل بنا بعدها .
الاب = لو كنت على علم بامور دينك لما وقعت بمثل هذا الخطا الشنيع يا بني, فاستعذ بالله وصلي وتضرع اليه ليهديك, فانت ما زلت في عز الشباب فلا تضيع اخرتك ودنياك, فقط اعط لنفسك فرصة لتذوق حلاوة الايمان وطعم المغفره.
لم يروق لاايسر ما سمعه فخرج مسرعا ليترك الثلاثة في حيرة وحزن شديد.
عاد حازم في الليل فاخبره الجميع بما حدث, فلم يجب بكلمة فقد اصبح مذهولا لما سمع, وبعد ان سرح طويلا مع افكاره قال لوالديه ادعو له كثيرا فليس امامنا الا الدعاء, فدخل غرفته وهو مهموم وبعد لحظات نادى على اخته فحضرت .
فاستطرق قائلا لقد وصلتك رساله من ايمان بنت العم ايوب واليك بها, وما سمعت رغداء بهذا الاسم حتى اجهشت بالبكاء وهي تقول يا خيبتي الكبيرة كم انا مقصرة بحق هذه المسكينه وامها فلم اخبرها حتى بوفاة والدها ,
حازم = لله درك يا قرة عيني فبعد تحملك لهذه الضروف الصعبة من قساوة الحرب وترك الدراسة واستشهاد العم ايوب والاهم من هذا الاخذ بيد ليث وانتشاله من طريق الهلاك وازمات ايسر المتكررة فكيف لك ان تلومي نفسك على شئ.
اعلمي ان لك دور كبير في اصلاح ليث بعد الله تعالى, فبمتابعتك لكل صغيرة وكبيرة في حياته فقد ضيقتي عليه الخناق, وقمت بتوجيهه بدون تخطيط مسبق, فتقبل منك ما لم يتقبله مني بحكم تعلقة الاخوي بك والصداقة الحميمة التي تربطكما, لذلك اقول بارك الله بك يا اختي .
والان اريدك ان تكتبي لها الرد وتسلميه لي غدا واخبريها باستشهاد والدها وطمئنيها على والدتها
عادت رغداء الى غرفتها وشرعت بكتابة الاتي .....
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخت العزيزة ايمان , ارجو ان تصلك رسالتي وانت في اتم نعمة وعافية.
اما بعد .. من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا 23 الاحزاب .
لقد استشهد والدك على اثر جريمة نكراء استهدفت المصلين الامنين في مساجد الله تعالى, وقد لفظ انفاسه بعد ان نطق بالشهادتين , و اسلم الروح وهو في احضان حازم, , لاتحزني يا اختي انا لله وانا اليه راجعون.
والدتك بخير ولا تقلقي فهي في عيوننا .
اما احوال البلد فلا يوجد اسوا منها والحمد لله على كل حال .
لقد سلب العدوان امن اشيوخ , وقتل حلم الشباب , وبعثر براءة الطفولة .
لم تعد بغداد عاصمة المنصور , او دار السلام. كما عهدتيها سابقا.
لم يعد هناك شباب يتسلى بصيد السمك على ضفاف دجلة .
ولم تعد النخلة شامخة على ضفاف شط العرب .
لم تعد بساتين ابو الخصيب رمزا للخير والعطاء .
ولم يعد الاطفال يتلقون دروس تحفيظ القران في المساجد الحكومية بل اقتحم الدش والانترنيت عالمنا يا ايمان .
ولم نعد نذهب لغابات الموصل او غيرها, فالظاهر ان الاعداء يكرهون اللون الاخضر فاخذوا يقلعون كل ما يروه امامهم.
ولم يعد هناك من يذكرنا بفلسطين التي سلبها الصهاينه.
اما احوال الناس فاليك الاتي
والدي ووالدتي بخير ولاينقصهم الا راحة البال وسكون الاجواء بعد ان صمت اذانهم الانفجارات وافزعتهم الاحداث المرعبة, واحداث القتل والاجرام اليومي ومنهم في بلدنا الكثير.
اما انا فقد تركت دراستي لسوء الاحوال وللاسف فهذا ما يريده الاعداء ومن مثلي في بلدنا الكثير.
ليث عاد الى رشده بعد ان شاهد حجم الاجرام والنوايا المبيتة وندم كثيرا على ما فرط به بعد ان عرف قيمة الامان وحب الوطن وعاهد نفسه على انتهاز اول فرصة لتصحيح ما فات وفي بلدنا منه الكثير.
اما حازم فلا زال كما عهدتيه ثابتا مستقيما لايخاف في الحق لومة لائم وفي بلدنا منه الكثير والحمد لله.
اما ايسر فزاد عما علية من مغالطة للنفس ونكران لعقاب الله, وقد انتهز فرصة العدوان ليحقق رغباته الدنيئة ولم يقف
لحضة لمحاسبة النفس بل لم يعطي لاحد فرصة لتقويمه. وها هو يتخبط بين افكاره الدخيلة واطماعه ومعه شرذمة قليلون , واقول قليلون فمهما كثروا فهم قليلون بعون الله .
لقد نقلت لك الصوره وما عليك الا الدعاء .
اختك رغداء.
يتبع

اور 22
•
اور 22 :
رغداء = لااعتقد هذا يا امي فالانفجار حدث قبل دقائق فكيف يصل الخبر بهذه السرعة ? الاب = لا يا ابنتي فان انفجارات عديدة حصلت قبل هذا ولكنك كنت نائمة , وهنا جاء ابن الجيران والذي كان صديق ليث لسنين ليؤكد لهم الخبر فقد عاد للتو من مكان الحادث . انهالت صاعقة شديدة على الجميع, فهام الشيخ ابراهيم على وجهه بعد ان اخذ عصاه, لايعرف ماذا يفعل واين يتجه, انه يفقد رفيق دربه وصباه, وتبعته الام وكذلك ليث بعد ان طلب من رغداء ان لاتتحرك من مكانها وتنتظر حتى يعود اليها . لم تتحرك رغداء من جلستها على البلاط المكشوف عند سماعها الخبر وهي تبكي العم ايوب وتتذكر كل مواقفه النبيله معهم, بل تذكرت مصداقيته مع الله ومع نفسه , وزهده في هذه الدنيا الغداره وبيته البسيط,, ووجبة الافطار البسيطه, بل ابتسامته المميزه و صدره الرحب الذي لم يجزع يوما رغم كل الضروف الصعبة التي مر بها. وهنا تذكرت ان حازم يصلي في نفس المسجد ايمكن ان يكون قد استشهد هو الاخر وما بال اهلي قد نسو امر حازم . مرت ساعات وساعات وهي تنتظر مجئ احد ليطفئ نار اللوعة التي تشعر بها, وهنا جلست وهي تنظر من خلال النافذة عسى ان ياتيها الفرج , بل انها شعرت بالغثيان نتيجة للتوتر والبكاء المرير. مرت الساعات طويلة على رغداء دون ان تاكل اوحتى تجلس. وما ان انتهت من صلاة العصر حتى عاد ليث وهو في حالة يرثى لها اشعث ,اغبر, مقطوع الانفاس, بل انه يلهث دخل وهو رافع ذراعه الايمن ليريها بضع قطرات من الدم , كانت قد التصقت على قميصه وهو يقول انه دم العم ايوب يا رغده فقد استشهد وهذه اول مرة يناديها بهذا الاسم حيث انه الاسم الخاص بالعم ايوب,, نعم فالعم ايوب كان يناديها رغده . ثم استطرق حديثه قائلا, لقد وصلت الى المسجد وكان الجزء الاكبر منه قد تهدم, وبحثت لاجد احد ولم افلح,, وباتجاه اخر وعلى بعد امتار وجدت حازم جالس وبحضنه العم ايوب وكان قد لفظ انفاسه للتو وبجانبهم بعض السواق الذين توقفوا لنقل بقية الشهداء والجرحى, واخبرني حازم انه ما ان غادر بعد انتهاء الفريضة حتى سقطت القذيفة, قال فتوقفت في مكاني جنب الجدار, وبعد دقيقتان او اكثر قليلا سقطت القذيفة الثانية, فسكنت لدقائق معدودة ثم هرعت للمسجد فوجدت العم ايوب مع عدد من المصلين, شهداء وجرحى ولم يكن العم قد اسلم الروح , فقمنا بسحبه من تحت الانقاض فطلب مني ان لااحركه لان اصابته كانت بليغة جدا, فاخذ يقرا القران ونطق بالشهادتين, وسلم على الجميع خصوصا انت يا رغد,, وما ان بدا بقراءة سورة يس حتى صعدت روحه الطاهره الى الباري عز وجل . بكت رغداء بمرارة وبكى ليث بمرارة اشد منها , وسكت ليث قليلا وتوسل اليها ان تجهز نفسها لانه يريد ان يقوم بتوصيلها الى بيت العم المرحوم لتساعد والدتها في استقبال النساء المعزيات. ليث = ساستحم واصلي العصر واريدك ان تكوني جاهزة . ولم تتحرك رغداء من مكانها, بل لولا الدموع التي تنساب من عيونها بصمت لتخيل الناظر اليها انها تمثال نسقه نحات متذوق للفن . تركها ليث, وما ان دخل لغرفته حتى بدات الاصوات الغريبة تصدر منها, واستطاعت رغداء ان تميز صوت اللوحات وهي تتبعثر على الارض, بل سمعته يقول وبوضوح , لعن الله امثالكم ايها الاوغاد لعن الله ديمقراطيتكم اللعينة, فاتت اليه مسرعة اه لقد مزق جميع الصور, بل انه قطع الاعلام وبصق عليها لقد كان هذا الحدث بمثابة امنية للعائلة, ولكن هل ان الظرف مناسب ليشعروا بان الله قد استجاب دعواتهم ويفرحوا بهداية ابنهم . نظر اليها ليث والعبرات تملئ عينه وهو يقول, عندما رايت العم ايوب والدماء تنضح من جسده, تذكرت على الفور يوم قلت لي انهم يدللون الكلاب ويصرفون عليها مبالغ كثيرة, فثارت ثائرتي يا رغداء انهم يدللون كلابهم ويزهقون ارواح اسيادهم . بكى ليث بصوت عالي ودموع مريرة, ورغداء مذهولة لما تراه, لكن شعور الالم بفقدان العم العزيز حال دون اظهار علامات الاستغراب. الا انها اخذت تبكي معه, وعندها سكت لبرهه ثم قال ان من شب على حال مات عليها,, انظري لحكمة الله,, فلقد شب العم ايوب وكبر وترعرع في المساجد, وها هو قد مات فيها بعد ان نطق بالشهادتين, فهل هناك اصدق واسمى من هذا الحدث,,,, لااله الا الله ,,لا اله الا الله,, لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين,,,,,, وخر ساجدا وهو يبكي عمه,, وماضيه المظلم,, وظلم العدوان,,,,, وبقي لدقائق على تلك الحال ثم نهض ليضيف, تخيلي لو اني مت صباح اليوم فاين سيكون مصيري ,اكيد سيحشرني الله معهم فقد كانو المثل الاعلى بالنسبة لي فان الله يحشر المرء مع من يحب, وهذا ما علمنا اياه العم ايوب, وظل ليث يبكي طويلا كانه يريد ان يغسل اثار الزمن وما خلفة من شكليات سطحية كان قد تمسك بها لسنين دون ان ينتبه لحاله او ياخذ بنصيحة احد او يتذوق الطعم الاصيل للاسلام . سرحت رغداء في خيالها وهي تقول سبحان الله كم انت انسان مبارك يا عم ايوب ,فقد كنت مرشدا لنا طيلة حياتك وباستشهادك من الله على ليث بالهداية لطريق الحق, وكانك قد غسلت بدمائك الطاهرة كل الغشاوة التي كانت على عيونه وضميره ,او ربما لانك كنت تدعي له ليل نهار بان يثبت الله خطواته على السراط المستقيم . انتهت ايام العزاء وعادت الامور الى حالها مع كثير من الملل خاصة بالنسبة للحاج ابراهيم الذي تعود على استقبال صديقه يوميا ولكن ماذا يفعل انها مشيئة الله,,,, اما ليث فقد تغيرت حياته جذريا بعد هذا الحادث فاصبح يصلي في المسجد مع اخيه حازم الذي ساعده في الحصول على الوضيفة, والظاهر ان هذه العائلة لا تستطيع تدبير شئ بدون معونة حازم, لله درك ايها الشاب التقي فانت الاب, وانت الاخ والابن لهذه العائلة, وكم تمنى ليث ان يلحق بهم ايسر بعد ان ذاق حلاوة الاخوة الصادقة,, بل انه اخبر رغداء انه يحس بشعور غريب ورائع عندما يمشي جنبا الى جنب مع حازم خصوصا عند اقترابهم من صفوف جنود الاحتلال,, يقول احيانا بودي ان اصيح بهم لم ولن تفرقونا ما بقيتم هنا ايها الساديون . كان لتغير ليث اثر كبير في اضفاء روح الحيوية والتجدد على حياة العائلة خصوصا بعد ان ظهرت عليه سمات حب الوطن والتمسك بالدين فاخذ يقرا ويسال عن كل ما يجهله في هذه النواحي فيساعده في ذلك ابوه واخته . وكانت سعادة الوالدين كبيرة وهم يرون حازم وليث جنبا الى جنب,,, وكم تمنوا ان يكون ايسر ثالثهم ... بعد غياب دام شهرين عاد ايسر,,, وقد تغيرت احواله وهيئته والظاهر انه قد حصل على عمل فلباسه الثمين يوحي بذلك . اخبرته والدته بخبر العم ايوب فرد انه يعلم وقد تاثر كثيرا . فامسكت به رغداء من ذراعه وقالت تعال معي لاريك شيئا فسحبته ودخلا لغرفة ليث , ايسر = الله الله الجدار نظيف لاصور ممثلين ولا مناظر غربية بل ولا حتى اعلام . رغداء = ذلك لان الحقيقة قد ظهرت واضحة جلية مع انجلاء الشعارات البراقة التي روج لها الشياطين فانا كنت متاكدة ان ليث انسان رائع ومستقيم ولم يكن ينقصه الا الايمان والتوكل على الله وما عليك الان الا ان تحذو حذوه . ايسر = انا لايوجد في غرفتي اعلام او صور او غناء غربي وحياتي اعتيادية . رغد= بل يوجد في غرفتك مسروقات يا ايسر, انها حق الناس لقد سرقتها فقط بدافع اذية الاخرين فانك لم تستفد منها, قم باعادتها الى صاحبها واستسمحه واطلب من ربك الغفران عسى ان يعفو عنك ويهديك ابكي بين يديه ليغفر لك تجاوزك الغير مشروع على ام حنان وايتامها,, تضرع لربك قبل فوات الاوان فلا نعلم ماذا سيحل بنا . ايسر= من قال اني سرقت انك تتجاوزين على خصوصياتي . رغداء= اهذا الذي يهمك فقط ,الا يهمك بقية الكلام, الم تفكر بوالديك والقلق المستمر الذي يسببه غيابك عن البيت . لماذا لاتجعلهم يعرفون اخبارك لكي يطمئنو عليك . ايسر= وما يدريني باموري, فكل ما يحصل لي هو بمحض الصدفة ,هل تتوقعين اني اخطط , وهل اعلم الغيب. لو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير كما يقول المثل . رغداء = كما يقول المثل واخذت تصرخ بصوت هستيري. فجاء الوالدين وهم فزعين, فاشارت اليه رغداء وهي تقول ان ابنكم على حافة الهاوية فهو يردد ايه من سورة الاعراف على انها مثل ولننتظر ماذا سيحل بنا بعدها . الاب = لو كنت على علم بامور دينك لما وقعت بمثل هذا الخطا الشنيع يا بني, فاستعذ بالله وصلي وتضرع اليه ليهديك, فانت ما زلت في عز الشباب فلا تضيع اخرتك ودنياك, فقط اعط لنفسك فرصة لتذوق حلاوة الايمان وطعم المغفره. لم يروق لاايسر ما سمعه فخرج مسرعا ليترك الثلاثة في حيرة وحزن شديد. عاد حازم في الليل فاخبره الجميع بما حدث, فلم يجب بكلمة فقد اصبح مذهولا لما سمع, وبعد ان سرح طويلا مع افكاره قال لوالديه ادعو له كثيرا فليس امامنا الا الدعاء, فدخل غرفته وهو مهموم وبعد لحظات نادى على اخته فحضرت . فاستطرق قائلا لقد وصلتك رساله من ايمان بنت العم ايوب واليك بها, وما سمعت رغداء بهذا الاسم حتى اجهشت بالبكاء وهي تقول يا خيبتي الكبيرة كم انا مقصرة بحق هذه المسكينه وامها فلم اخبرها حتى بوفاة والدها , حازم = لله درك يا قرة عيني فبعد تحملك لهذه الضروف الصعبة من قساوة الحرب وترك الدراسة واستشهاد العم ايوب والاهم من هذا الاخذ بيد ليث وانتشاله من طريق الهلاك وازمات ايسر المتكررة فكيف لك ان تلومي نفسك على شئ. اعلمي ان لك دور كبير في اصلاح ليث بعد الله تعالى, فبمتابعتك لكل صغيرة وكبيرة في حياته فقد ضيقتي عليه الخناق, وقمت بتوجيهه بدون تخطيط مسبق, فتقبل منك ما لم يتقبله مني بحكم تعلقة الاخوي بك والصداقة الحميمة التي تربطكما, لذلك اقول بارك الله بك يا اختي . والان اريدك ان تكتبي لها الرد وتسلميه لي غدا واخبريها باستشهاد والدها وطمئنيها على والدتها عادت رغداء الى غرفتها وشرعت بكتابة الاتي ..... بسم الله الرحمن الرحيم الاخت العزيزة ايمان , ارجو ان تصلك رسالتي وانت في اتم نعمة وعافية. اما بعد .. من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا 23 الاحزاب . لقد استشهد والدك على اثر جريمة نكراء استهدفت المصلين الامنين في مساجد الله تعالى, وقد لفظ انفاسه بعد ان نطق بالشهادتين , و اسلم الروح وهو في احضان حازم, , لاتحزني يا اختي انا لله وانا اليه راجعون. والدتك بخير ولا تقلقي فهي في عيوننا . اما احوال البلد فلا يوجد اسوا منها والحمد لله على كل حال . لقد سلب العدوان امن اشيوخ , وقتل حلم الشباب , وبعثر براءة الطفولة . لم تعد بغداد عاصمة المنصور , او دار السلام. كما عهدتيها سابقا. لم يعد هناك شباب يتسلى بصيد السمك على ضفاف دجلة . ولم تعد النخلة شامخة على ضفاف شط العرب . لم تعد بساتين ابو الخصيب رمزا للخير والعطاء . ولم يعد الاطفال يتلقون دروس تحفيظ القران في المساجد الحكومية بل اقتحم الدش والانترنيت عالمنا يا ايمان . ولم نعد نذهب لغابات الموصل او غيرها, فالظاهر ان الاعداء يكرهون اللون الاخضر فاخذوا يقلعون كل ما يروه امامهم. ولم يعد هناك من يذكرنا بفلسطين التي سلبها الصهاينه. اما احوال الناس فاليك الاتي والدي ووالدتي بخير ولاينقصهم الا راحة البال وسكون الاجواء بعد ان صمت اذانهم الانفجارات وافزعتهم الاحداث المرعبة, واحداث القتل والاجرام اليومي ومنهم في بلدنا الكثير. اما انا فقد تركت دراستي لسوء الاحوال وللاسف فهذا ما يريده الاعداء ومن مثلي في بلدنا الكثير. ليث عاد الى رشده بعد ان شاهد حجم الاجرام والنوايا المبيتة وندم كثيرا على ما فرط به بعد ان عرف قيمة الامان وحب الوطن وعاهد نفسه على انتهاز اول فرصة لتصحيح ما فات وفي بلدنا منه الكثير. اما حازم فلا زال كما عهدتيه ثابتا مستقيما لايخاف في الحق لومة لائم وفي بلدنا منه الكثير والحمد لله. اما ايسر فزاد عما علية من مغالطة للنفس ونكران لعقاب الله, وقد انتهز فرصة العدوان ليحقق رغباته الدنيئة ولم يقف لحضة لمحاسبة النفس بل لم يعطي لاحد فرصة لتقويمه. وها هو يتخبط بين افكاره الدخيلة واطماعه ومعه شرذمة قليلون , واقول قليلون فمهما كثروا فهم قليلون بعون الله . لقد نقلت لك الصوره وما عليك الا الدعاء . اختك رغداء. يتبعرغداء = لااعتقد هذا يا امي فالانفجار حدث قبل دقائق فكيف يصل الخبر بهذه السرعة ? الاب = لا يا...
اخواتي العزيزات
هذه القصة منقولة واعجبني ان انقلها لانها من واقع العراق المؤلم
وكذلك لان الكاتب قد جسد شخصيات الاولاد الثلاثة بصورة رائعة
فمثلا هناك رجال في العراق قد عرفوا العدوان ومكره وتطلعاته منذ اللحظة الاولى للعدوان وهم كثيرين وقد تجسدوا في هذه القصة بشخصية الابن الاكبر حازم والحمد لله فالعراق ملئ بهولاء الرجال الرجال.
والجماعة الاخرى الذين خدعوا واغتروا بما روجه الاعداء والاعلام ,, وهذا في البداية ولكن ولان بذرتهم اصيلة عادوا الى صوابهم ووضعوا ايديهم مع الرجال الرجال وهذه الفئة متمثلة بالاخ الاوسط ليث
اما الفئة الظالة والتي اتخذت من العدوان فرصة لتحقق احلامها المريضة ونزواتها وشرورها المكبوتة خلال سنين وهم ازلام مقتدى وشرذمته الظالة, وهم بعون الله قليلون فقد تجسدوا هنا في شخصية الاخ الاصغلر ايسر
واخيرا اسال الله العظيم ان يطهر بلادنا منهم ومن رجزهم .
والسلام
هذه القصة منقولة واعجبني ان انقلها لانها من واقع العراق المؤلم
وكذلك لان الكاتب قد جسد شخصيات الاولاد الثلاثة بصورة رائعة
فمثلا هناك رجال في العراق قد عرفوا العدوان ومكره وتطلعاته منذ اللحظة الاولى للعدوان وهم كثيرين وقد تجسدوا في هذه القصة بشخصية الابن الاكبر حازم والحمد لله فالعراق ملئ بهولاء الرجال الرجال.
والجماعة الاخرى الذين خدعوا واغتروا بما روجه الاعداء والاعلام ,, وهذا في البداية ولكن ولان بذرتهم اصيلة عادوا الى صوابهم ووضعوا ايديهم مع الرجال الرجال وهذه الفئة متمثلة بالاخ الاوسط ليث
اما الفئة الظالة والتي اتخذت من العدوان فرصة لتحقق احلامها المريضة ونزواتها وشرورها المكبوتة خلال سنين وهم ازلام مقتدى وشرذمته الظالة, وهم بعون الله قليلون فقد تجسدوا هنا في شخصية الاخ الاصغلر ايسر
واخيرا اسال الله العظيم ان يطهر بلادنا منهم ومن رجزهم .
والسلام
الصفحة الأخيرة
انتهت الجلسة دون الوصول الى نتيجة وقام ايسر لينام القيلولة وعلى محياه ابتسامة الحمقى .
مرت الايام وكان حازم واخته ياملون ان يلمسوا تغييرات ايجابية من ناحية ايسر او ليث, عسى ان يعدل عن فكرته حول السفر وكانت رغداء تدخل كل يوم لغرفته املة ان تحضى بامل لكن دون جدوى فالجدران لا زالت مكتضه بصور رامبو وبعض الممثلين والعديد من الاعلام الغربيه وكاسيتات للغناء الغربي على عكس غرفة حازم فانها تبعث الراحة والطمانينة في نفس من يدخل لها فالى جانب السرير هناك خزانة الملابس ومكتبة تحوي على العديد من الكتب الدينية والعلمية .
اما الجدران فهي خالية من اي صورة ما عدا لوحة خشبية مستطيلة خفيفة كان حازم قد كتب عليها الساكت عن الحق شيطان اخرس كان ذلك عندما كان عمره 15 عاما كتبها في ذلك اليوم بطلاء الجدران الاحمر وقام بتعليقها على الجدار قبل ان تجف فسالت منها بعض النقط كسيل الدماء وكانها تريد ان تخبر الناظر اليها ان من يسكت عن الحق هو شيطان اخرس يتسبب بازهاق دماء الاخرين , ولم لا انها حقيقة جريئة ومقنعة اليس الذي يسكت عن الجهر بالحق يقوم بفسح المجال للباطل فيغبن حقوق الاخرين, ومنهم من لا يسكت لاخذ حقه فيحاول انتزاعه بطريقه ما, مما يفتح بداية مؤلمة لا يعلم نتيجتها الا الله.
مع حلول عام 2003 ازداد الجو برودة, لكن الاوضاع على حالها, حازم منهمك بعمله في الجامعة ,
ليث ينتظر فرصة السفر و يستيقظ متاخرا كالعادة الا انه يقوم باحضار رغداء من الجامعة بعد انتهاء الدوام, فليس لها زميلة او صديقة على نفس الطريق, فيوصلها حازم ويعود بها ليث بعد انتهاء المحاضرات,, كانت رغداء تدرس المرحلة الاولى في كلية العلوم قسم البايولوجي الذي طالما احبته . وكانت بارعة الجمال رقيقة المشاعر عفيفة عالية الاخلاق ,حافضة للكثير من كتاب الله حريصة على اخوتها متسامحة وتملك قلبا كبيرا
بارة بوالديها , لا تترك التضرع لله لاجل ان يكون اخوتها متحدين مستقيمين لما يحبه تعالى ويرضاه .
اما العم ابراهيم فلا يزال يقضي وقته بقراءة الكتب او يرتل ما تيسر له من القرءان الكريم او الجلوس مع العم ايوب وبالنسبة ,
لايسر فلا زال يتسكع من مكان الى اخر دون عمل فياتي الى البيت للاكل والنوم وطلب المال دون ان يفتح قلبه لاحد من العائلة او يسمح لاحد منهم ان يقتحم عالمه الغريب .
تمر الايام متشابهه الى ان قطعتها الاخبار المخيفة عن العدوان الذي سياتي قريبا ليبعثر بانامله كل شئ جميل .
انهار الحاج ابراهيم لسماعه هذا الخبرفاصبح متوتر لا يعرف كيف يجمع شتات نفسه .
حازم = لاتقلق يا ابي انه امر الله وما علينا الا الصبر والاحتساب .
ليث = عسى ان يكون خير يا جماعة انا متفائل كثيرا فربما يكون بقدومهم خير لنا او ربما يتطور البلد .
حازم = كلا يا ليث انه العدوان, انه الدمار, انه الخراب, يكفيك تحايل على نفسك يا اخي فانت لست صغير وستثبت لك الايام صحة كلامي .
حدث العدوان واجتاحت جبابرة الظلام كل شبر في هذا البلد . قتلوا ودمروا وخربوا وبعثروا وسرقوا حتى الامن والابتسامة التي كانت على محيا الابرياء, فتبخر كل شئ جميل واصبح مجرد ايام في ذاكرة الاصيلين.
بدات الايام تمر كانها سنين والاخبار الحزينة تخيم على الاجواء والاحوال تسوء يوما بعد يوم واصوات الانفجارات المتتالية تقطع السكون , وعاش الناس ازمة كبيرة لابسط اساسيات الحياة كالماء والكهرباء وكذلك فقد تعطلت معظم الخدمات, ساد الخراب كل شئ وبدا شبح الموت يخيم على الاحوال العامة.
وفي يوم اسود من الليل للعائلة وخاصة رغداء اخبرهم حازم انه حزم امره على ان تترك رغداء كليتها على الاقل لهذه السنة الى ان نرى الى ماذا ستصير الامور.
رغداء = ولكن كيف ربما يفصلوني ولا يحق لي العودة بعد ذلك .
حازم = ساطلب من صديقي الدكتور رافد ان يعمل لك تقرير طبي يثبت فيه بانك تحتاجين اجازة مرضية لتاجيل هذه السنة عسى ان يكون امرنا بعد ذلك خير , فلن يهدا لي بال ان تركتك تذهبين فجنود الاحتلال يملؤن المكان والفوضى تعم البلاد.
بكت رغداء بمرارة وبكت معها الام وليث ساكت على مضض .
الاب= قد يكون الامر صعب عليك يا ابنتي, لكنك تعرفين ان اخوك يحسب للامور الف حساب .
رغداء = اني اعلم ذلك يا ابي وتاكد انه مع حبي لدراستي فلن اخالف راي حازم وان شاء الله تكون النهاية خير
انتهت جلسة العائلة, وجلس حازم في غرفته يتصفح بعض الكتب, فاستاذنه ليث بالدخول وجلس بقربه
ليث = اخي ما المانع من ذهاب رغداء للكلية طالما انت من ياخذها وانا من يعيدها
حازم = اخي العزيز, قد كنا ناخذها ونعود بها عندما كان البلد بامان, خالي من احداث الجرائم والعنف, ولم يكن فيه كفار يرتعون هنا وهناك , اما الان وقد دنسه الاعداء فاعلم انه بخروجها لن يهدا لي بال, ولكن ومع الاسف يا ليث لا اضن انك تهتم لمثل هذه الامور فقد قضيت حياتك تحلم بهؤلاء الصليبيين الاوغاد , اما انا فنضرتي لهم مختلفة تماما, فهم اناس بلا رحمه, شهوانيين, وينظرون الينا نظرة ازدراء , فلا استطيع التجاهل او السكوت عن هذا الامر, فانا بذلك ساكون شيطان اخرس لاني ساتسبب بما لايحمد عقباه,,, فمكان رغداء المناسب هو هنا,, هذا البيت الذي ترعرعت فيه تحت
حمايتنا الى ان تتطهر ارضنا .
مرت الايام الاولى ثقيلة على رغداء, وكم تمنت ان تعود اليها صديقتها الحميمة ايمان ابنة العم ايوب التي تزوجت قبل سنه وسافرت مع زوجها الىاحدى الدول العربية لانها لم تحضى بمعدل عالي ليتم قبولها في الجامعة ,,, وبهذا افترقت عن صديقتها الحميمة رغداء ولم يبقى بينهم الا الرسائل .
كان للعم ايوب الاثر الكبير في الترويح عن نفسية رغداء خلال تلك الفترة, فاعطاها الكثير من الكتب الدينية لتقضي وقت الفراغ الممل الذي لم تعتاد عليه ,
فكان ياتي يوميا اليهم وعلى ضوء الشموع يلقي عليهم نفحات من سيرة الرسول, او يروي الاحاديث الصحيحة او القصص الاجتماعية الهادفة, فلا يشبعون من الجلوس معة,, ما عدا ايسر الذي لا يحضر الا نادرا ,, بل كان ليث واخته يطلقون عليه الموسوعة الدينية لكثرة ما يحفظه من الاحاديث الصحيحة وسيرة الخلف الصالح واحكام الفتاوى فضلا عن حفضه لكتاب الله عز وجل.
استمرت ايام الحرب متشابهة فتلتقي العائلة على الاخبار المحزنة نهارا وعلى ضوء الشموع ليلا,,
كان حازم يحضر كل متطلبات البيت ورغم ظروف الحرب الصعبة ,,لا زالت الام تشترط عليه ان ياتي لها بنوعية البهار الفاخرة, وكل الاساسيات والثانويات التي تخص المطبخ ,لانها كانت تهتم كثيرا بانواع واصناف الطعام التي تقدمها لعائلتها بما في ذلك كوكتيلات العصائر الطبيعية الطازجة حيث ان اكثر دخلهم كان ينفق على مثل هذه الامور.
ولم ينسى حازم يوما ان يحضر لوالدة صحيفة الاخبار وبعض الحلويات واحيانا الدواء
ولرغداء التوت والتين المجفف مع انواع من الشوكولاتة,, وكان دائما يعطي لكل واحد اغراضه ليبقى ليث فيقول له ان طلبك بعيد فانت تحب الصليبيين فكيف لي ان احضر لك احدهم,, وكانو يضحكون لهذا ولكن هذه المره لم يقل له نفس الكلام, بل قال له الا زلت تحب الصليبيين يا ليث, لقد رايتهم خربوا ودمروا وعاثوا في الارض فسادا الا زلت تتمنى العيش هناك ,هل علمت الان انهم مجرمين , الم تغير رايك بعد الا تفضل شئ اخر لكي احضرة لك .
كان ليث يعلم جيدا ان اخوه واهله والجميع على حق, ولكن افكاره الغريبة هي التي كانت تتحكم به وكانت رغداء دائما تقول له ان افعالك الظاهرة مقرفة ولكن انا اعلم جيدا ان لك قلب طاهر وساعمل جاهدة على ان يسيطر باطنك على ظاهرك لتصبح انسان يفتخر به المقربون جميعا فتكون عون لحازم فان حمله ثقيل وقد ان الاوان ان تخف مسؤلياته بعد ان حصلت انت على الشهاده لكنه مسكين لم يستطع ان يميز كلامها ذلك انه لم يحدد هدفه باتجاه معين لانه مخدوع ببهرجة الغرب وافلام الاكشن والالوان البراقه.
مع حلول شهر نيسان بدات سحب الشتاء تنجلي شيئا فشيئا لتظهر السماء الزرقاء رغم انها مليئة باثار دخان القنابل الا انها تبقى جميلة , فاصبح الناس يسمعون زقزقة العصافير بعد ان رحل الشتاء القاسي الذي اضطرهم للسبات في البيوت بسبب الحرب المدمرة, وانقطاع التيار الكهربائي والماء وقلة التدفئة لشحة الوقود بانواعه اما الان فهاهم يفتحون النوافذ ليسمحوا لرائحة الربيع المميزة ان تدخل بيوتهم وتعطر الاجواء بشذى الازهار وعبير الورد الذي بدا يتفتح منذ ايام لتبعث في نفوس بعض الناس روح الامل بالخلاص من هذه الازمة الشديدة .
...................................................................................... بانتهاء الربيع الذي كان قصيرا جدا ,
دخل الصيف بحره الشديد دون استاذان, ليزيد الامور توترا وحده بشمسه المحرقة وقلة مياهه وجوه اللاهب, فاصبحت العائلة تنام في سطح البيت من اجل هواء طيب فالنوم داخل البيت كان صعبا بسبب الحر , وفي احدى الصباحات استيقضت رغداء مع اشراقة الفجر وما ان فتحت عينيها حتى رات ايسر وهو يتلصص بنظراته من خلال فتحات السياج على بيت الجيران او يقف على اطراف اصابعه ليرى من فوق الجدار الحاجز بين البيتين , وهنا قد تفاجئت فهي لاتدري ماذا يحدث بالضبط , نهضت فلم تره امامها , التفتت هنا وهناك لااحد,, فهمت بالنزول الى البيت, وادت صلاة الفجر ثم دخلت غرفته واذا به نائم والعرق يتصبب منه, فقالت في نفسها ايعقل ما رايت ان العرق يتصبب من جبينه نتيجه لحر الغرفة, ولكني متاكدة اني رايته لقد كان ينظر لهذه العائلة المسكينة وهنا تذكرت الضابطين وصاحب المكتبة الذي فوض امره لله والمسروقات الكثيره وحزمت امرها على ان تخبر الجميع فانتظرت حازم ليعود من صلاة الفجر وما ان عاد حتى اخبرتهم بما رات .
الاب = في اي اتجاه كان ينظر يا ابنتي .
رغداء = الى بيت ام حنان الارملة يا ابي ----- ,, فانتفض حازم واقفا وصرخ مستحيل ,
الام = تعوذي من الشيطان يا ابنتي فربما كنت تتخيلين .
رغداء = بل انا متاكدة يا امي .
كانت ام حنان ارملة ولها ثلاثة ايتام كلهن بنات اكبرهن بعمر 13 عاما وكلهم يعانون من مرض فقر الدم لضعف حالتهم المادية بل كانوا حقا مساكين وكانت ام حازم تساعدهم بما فضل الله عليها بين فترة واخرى بما في ذلك الزكاة وفطرة العيد .
هنا اراد خازم ان يتاكد بنفسه فقد بدات نار الشكوك تلسعه فايقض ايسر ودعاه للحضور الى الصالة
جاء ايسر وهو يتثاءب بلا مبالاة .,
حازم = اين كنت .
ايسر = نائم ا م ماذا ترى
الام = هل صحيح انك كنت تنظر الى ام حنان وبناتها وهم نائمون ان هذا العمل مشين يا ولدي
ايسر = هذه تهمه جديدة ام ماذا , فماذا تريدوني ان اقول فقد عملتم اجتماع مسبق.
الاب = يا بني لاتقل شئ غير الحقيقة واخذ الاب يبكي وهو يرتجف وهنا قام حازم فقبل راس ابيه واحتضنه وهو يقول هون عليك يا ابي .
ايسر = هذه اعمال رغداء انها تطاردني ولا اعرف ماذا تريد مني
رغداء = وماذا اريد منك غير تربيتك وصلاحك , لاتراوغ لقد رايتك بام عيني وهذا حرام اتق الله في اعراض الناس وان لم يكن لهم اب فتذكر ان لهم رب ام تريدني ان اسكت على فعلتك واصفق لك عذرا يا اخي فلن اكون شيطان اخرس لاعين الظالم على المظلوم ما حييت.
ايسر = انا برئ وهذه تهمة لن اقبل بها فانت تحلمين في النهار
هنا تعجب الجميع وهم ينظرون اليها و لم تستطع النظر لاي منهم, فقد ساد صمت رهيب لا يقطعه الا صوت الاب الذي كان يحاول ان يكتم عبراته , وهي تقول في نفسها ايعقل ان اكون مخطئة , ولكني والله قد رايته . وما هي الا ثواني و دق جرس الباب ففتحة ليث الذي استيقظ على صوت ايسر وهو يدافع عن نفسه , وما ان فتح ليث الباب حتى دخلت الحقيقة التي لابد منها, لقد جاءت ام حنان مع شقيقها الاستاذ كامل تشكو من هذا البائس ايسر, وقد اقسمت لهم انها ليست اول مرة ولكنها لم تكن متاكدة كاليوم ,
لم يكن الاستاذ كامل يسكن في هذه المنطقة وعندما فتح ليث الباب طلب منه مقابلة الحاج ابراهيم بصوت لايكاد يخلو من العصبية وبمجرد سماع حازم لصوت الرجل ربت على ظهر والده وقال له ساتولى الامر فخرج اليهم .
استقبل حازم الاستاذ كامل واخته في غرفة الحاج ابراهيم التي كانت قريبة من باب الدخول,,, واكبر مفاخئة كانت, عندما علم الجميع ان هناك معرفة سابقة بين حازم وكامل مما ادى الى التقليل من توتر الامور , على الاقل فالعتاب كان يحمل شئ من الاحترام .
حازم = انك تعرفني جيدا يا استاذ كامل وتعرف والدي وكيف هي سيرتنا ولكننا والله لا نعرف اي لعنة وقعت علينا لينشا ايسر بهذا الشكل,, وبعد ساعة او اكثر من الحديث المؤلم لعائلة ابراهيم هم كامل واخته بالخروج بعد ان ابدى تفهمه للامور, فاعتذر منه حازم وابوه ووعدوهم ان يقوموا ببناء الجدار الفاصل بين البيتين ويجعلوه اعلى مما هو عليه مع مراقبة ايسر .
بعد مغادره الضيوف, اجتمعت العائلة في الصالون وكل منهم يضرب كف بكف , ومما زاد الطين بلة ان ليث اخبرهم بان ايسر قد انتهز الفرصة ليهرب خارج البيت,, فقد اخذ ملابسه وما كان لديه من النقود وكان ذلك اليوم هو اسود من الفحم في حياة هذه الاسرة الطيبة,, ولم يقطع تلك الوصلة الحزينة الا مجئ العم ايوب فقد عاد الوضع الى طبيعته جزئيا.
مر يوم واثنان ولم يعد ايسر, وسالوا عنه ولم يحضوا بالاجابة,, واستمرت الايام تمر ببطئ حيث كانو ينتظرون عودته,, فرغم عملته النكراء الا انهم يخافون عليه ذلك ان اوضاع البلد مخيفة وجنود الاحتلال يملؤن الطرقات.
مع زوال الشمس ودخول الظلام كانت الام تجلس في الصالون وهي لا زالت تتجه الى القبلة بعد ان اكملت فريضة المغرب و ترفع كلتا يديها الى ربها و تقول يارب اهدي ابني وارفع الغمة عن بلدي ووفق اولادي والمسلمين جميعا لما تحب وترضى .
وكانت رغداء تنظر اليها وهي تقول بمرارة, وقد ملئت الدموع عينيها الخضراوين امين .
وبعد صمت دام عدة دقائق بادرت رغداء بسؤال الام
يتبع