أما بعد:
يعتبر أبو بكر الصديق رضي الله عنه من خيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد اختار الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم خير من وطأت قدمه بعد الأنبياء الأرض صاحبا ومعينا ونصيرا فكان رضي الله عنه ملازما له في حياته وحتى بعد مماته وقبره خير شاهدا بذلك. وهو الذي سماه الله من فوق سبع سماوات فعن حكيم بن سعد قال: سمعت علياً يحلف: لله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق. رواه الطبراني ورجاله ثقات.
وفي هذا البحث سنذكر فضائل أبو بكر الصديق رضي الله عنه من خلال جزء من آية فقط وهي قوله تعالى "ثاني اثنين" وهذه كانت بالأصل محاضرة لشيخنا أبي محمد عثمان الخميس حفظه الله قمت بتفريغها واعادة صياغتها مع بعض الترتيبات والتعديلات والاضافات.
سنذكر في بحثنا هذا المعنى الذي قد خفي عن كثير من الناس عواما كانوا أم علماء فالآية "ثاني اثنين" شملت معاني جليلة بينها شيخنا في محاضرته القيمة وأهمها ملازمة المعنى للموصوف .
قال الله تعالى : إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. التوبة 40
قال المفسرون: المنزل عليه السكينة: أبو بكر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما زالت عليه السكينة.
لقد عاتب الله صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستثني منهم أحدا إلا أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو ظاهر قوله تعالى في الآية السابقة فهذا الرجل وصفه الله بصفات الأنبياء كما سنبين لاحقا.
1-ثاني اثنين في الإسلام:
ذكر عمار ابن ياسر رضي الله عنه أن أبابكر الصديق رضي الله عنه أول من أسلم من الرجال وذلك عنما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان ، وأبو بكر . رواه البخاري 3660
فهو ثاني اثنين في اسلامه ومتابعته للنبي صلى الله عليه وسلم
2-ثاني اثنين في الصفات:
صفات النبي صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة يتصف بصفات حميدة كثيرة ثبت ذلك من حديث عائشة رضي الله عنها عندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها وقال : ( قد خشيت على نفسي ) . فقالت له : كلا ، أبشر ، فوالله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . رواه البخاري بدء الوحي رقم 3 وأخرجه مسلم في الإيمان رقم 160
صفات أبو بكر:
فقد ثبت في صحيح البخاري الحديث رقم 3905 من رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أيضا الطويلة أنها قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله

3-ثاني اثنين في الدعوة إلى الله والدفاع عنها:
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : { أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم }. البخاري 4815
كنا قد ذكرنا في الحديث الذي قال ابن الدغنة لأبي بكر: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج ، إنك تكسب المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار ، ارجع واعبد ربك ببلدك . فرجع وارتحل معه ابن الدغنة ، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش ، فقال لهم : إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج ، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق . فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة ، وقالوا لابن الدغنة : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ، فليصل فيها وليقرأ ما شاء ، ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به ، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا . فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر ، فلبث بذلك يعبد ربه في داره ، ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر ، فابتنى مسجدا بفناء داره ، وكان يصلي فيه ، ويقرأ القرآن ، فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم ، وهم يعجبون منه وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رجلا بكاء ، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن ، وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم ، فقالوا : إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك ، على أن يعبد ربه في داره ، فقد جاوز ذلك ، فابتنى مسجدا بفناء داره ، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه ، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا ، فانهه ، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك ، فسله أن يرد إليك ذمتك ، فإنا قد كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان . قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال : قد علمت الذي عاقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترجع إلي ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له . فقال أبو بكر : فإني أرد إليك جوارك ، وأرضى بجوار الله عز وجل.
الله أكبر....نعم لقد كان أبوبكر رضي الله عنه صادحا بالدعوة للإسلام ولا يخشى في الله لومة لائم وقوله وأرضى بجوار الله عز وجل أي يكفيني جوار الله ولا حاجة لي بغيره.
-ثاني اثنين في الهجرة إلى المدينة:
لما أمر رسول الله المسلمون بالهجرة إلى المدينة استبطأ أبابكر رضي الله عنه لرغبته في مرافقته بطريق الهجرة إلى المدينة فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: هاجر ناس إلى الحبشة من المسلمين ، وتجهز أبو بكر مهاجرا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( على رسلك ، فإني أرجو أن يؤذن لي ) . فقال أبو بكر : أوترجوه بأبي أنت ؟ قال : ( نعم ) . فحبس أبو بكر نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم لصحبته ، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر . قال عروة : قالت عائشة : فبينا نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة ، فقال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا ، في ساعة لم يكن يأتينا فيها ، قال أبو بكر : فدى له بأبي وأمي ، والله إن جاء به في هذه الساعة لأمر ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل ، فقال حين دخل لأبي بكر : ( أخرج من عندك ) . قال : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله . قال : ( فإني قد أذن لي في الخروج ) . قال : فالصحبة بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال : ( نعم ) . قال : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بالثمن ) . رواه البخاري 5807
ففيهما نزل قوله تعالى:
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. التوبة 40
ثاني اثنين نعم هو ثاني الاثنين فقط محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه والله معهما ((إن الله معنا)) أنا وأنت الله معنا خاصة في حفظه ونصرته وتأييده
فائدة جليلة:
((إن الله معنا)) قالها الله سبحانه لأنبيائه عليهم الصلاة والسلام ولم يقلها لغيرهم إلا لأبي بكر الصديق لفضله ومكانته وجلال قدره عند الله سبحانه وتعالى.
5-ثاني اثنين في الخاطرة والفكرة مع النبي صلى الله عليه وسلم:
لا نقوله ذلك غلوا بل حقيقة.
لما أراد المسلمون العمرة زمن الحديبية جاء سهيل بن عمرو لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : هات اكتب بيننا وبينكم كتابا ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب ، فقال النبي



لا حظ رحمني الله وإياك كلام أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه بأنه كان موافق ومطابق لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم غير أنه زاد فاستمسك به أي بطريقه وهديه مع أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن حاضرا الحوار الذي دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم
وبين عمر رضي الله عنه فهذا من توفيق الله جل وعلا لهذا الرجل.
اللهم احشرنا مع صحبك الكريم
اللهم آمين
جزاك الله خيرا وبارك فيك