✨حين يزحف الملل رغم الانشغال💭
في دوامة الحياة العصرية، حيث تتسارع الخطى وتتوالى المهام، قد يظن المرء أن الانشغال الدائم هو حصن منيع ضد مشاعر الزهق والملل. نظريًا، يبدو الأمر منطقيًا: كيف يمكن للمرغوب فيه أن يتسلل إلى نفس غارقة في الضغوط والمسؤوليات؟ ولكن الواقع غالبًا ما يباغت هذه التوقعات، فنكتشف أن صخب الانشغال قد يولد في طياته ضجيج فراغ من نوع آخر، أشد وطأة وأكثر إيلامًا.
إنها مفارقة عجيبة؛ أن تجد نفسك محاطًا بالضغوط العملية والشخصية، جدولك ممتلئًا عن آخره، عقلك لا يكف عن التفكير في المواعيد النهائية والالتزامات المتراكمة، ومع ذلك، تتربص بك مشاعر عميقة من الضجر والطفش. ليس هذا ملل الفراغ الذي يأتي من قلة ما نفعله، بل هو ملل الوفرة الذي ينبع من تكرار الأنماط، وغياب الشغف، وفقدان المعنى الحقيقي لما نفعله.
ربما يكمن جزء من المشكلة في طبيعة هذه الضغوط. ففي كثير من الأحيان، تكون هذه الالتزامات مفروضة علينا، أو لا تتوافق مع شغفنا الحقيقي أو قيمنا الجوهرية. نحن نعمل، ننجز، نركض خلف الأهداف، ولكن الروح تظل عطشى لشيء أكبر، لشرارة تضيء الروتين وتكسر جمود الأيام. هذا الشعور بالافتقار إلى "الهدف النبيل" أو "المعنى العميق" هو ما يحول الانشغال إلى عبء ثقيل، يدفعنا إلى التساؤل: "إلى متى؟" و "لماذا كل هذا؟".
وما يزيد الطين بلة هو غياب المساحة للتأمل أو الاستمتاع بلحظات حقيقية من السلام الداخلي. فمع تراكم المهام، غالبًا ما نضحي بأوقات الراحة، والهوايات، وحتى العلاقات الاجتماعية التي تغذي الروح. يصبح كل شيء مجرد "قائمة مهام" يجب شطبها، وتفقد الحياة نكهتها ومتعتها. هذا الجري المتواصل دون توقف لالتقاط الأنفاس أو إعادة شحن الطاقة يؤدي إلى إرهاق ليس جسديًا فحسب، بل ذهنيًا ونفسيًا أيضًا، مما يفتح الباب على مصراعيه لمشاعر السأم والتعب.
إن التحرر من هذا النوع من الملل رغم الانشغال يتطلب أكثر من مجرد إنجاز المزيد. إنه يتطلب وقفة صادقة مع الذات؛ إعادة تقييم للأولويات، البحث عن مصادر الشغف المفقودة، وتخصيص وقت مقصود للأشياء التي تغذي الروح وتجلب السعادة الحقيقية. قد يكون الحل في إعادة اكتشاف هواية قديمة، أو تعلم مهارة جديدة، أو ببساطة تخصيص وقت للتأمل أو التواصل مع الطبيعة. الأهم هو إيجاد التوازن بين متطلبات الحياة وضجيج الروح، حتى لا يصبح الانشغال بحد ذاته سجنًا يقيّدنا بدلاً من أن يحررنا.

👑Üm Mïđö🧿 @cacaobutter
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️