
scson @scson
ثمرة اسرة حواء الناضجة
صغارنا.. وقواميس الشتائم
ماذا تفعل عندما تفاجأ أثناء حوار عادي مع طفلك بلفظ لم يخطر لك على بال؟ ماذا تفعلين عندما تجدين ابنتك تداعب أخاها أو لعبتها بلفظ خارج أو شبه خارج؟ هل تُعَنِّفِيْنَها؟ اللفظ قد يكون عابرًا على لسانها؟ قالته زميلتها في المدرسة أو سمعته من أخرى في الشارع؟ حتى إن ضَرَبْتِها ربما تتساءل: لماذا تضربيني؟ هل تشرح اللفظ له - أو لها - أو تستحي حتى من ذكره.. ماذا عليك أن تفعل؟.. قبل أن تجيب.. اقرأ الموضوع التالي:
ارحمني يا بابا!
ممدوح خطاب / مهندس: فوجئت بمَيّ التي لم تتجاوز الخامسة حينما قلت لها: ادْخُلِي رأسك من نافذة السيارة تقول لي: ارحمني يا بابا من الأوامر، كادت عجلة القيادة تختل من يدي، ربما لو قالت هذه الكلمة لأمها لضحكت من قلبها، لكن الذي استغرقني لأكثر من دقيقتين: من أين تعلمت هذا اللفظ؟! وهل تعرف لمن يقال؟! وهل يصلح أن يقوله الصغير للكبير؟!.. المشكلة أن الشتائم قديمًا في جيلنا كانت واضحة المعالم اليوم دخلت قاموس الصغار مفردات من عَيِّنَة: (كبر دماغك – سيبك منه – طنش)، الحل الوحيد أن أجلس مع مَيّ قرابة نصف الساعة كي أفهمها أنَّني لم أطالبها بشيء مُضِرٍّ بها كي أرحمها منه، وأن هذا اللفظ لا ينبغي أن تقوله ثانية عندما آمرها بشيء في مصلحتها.
مقبول وغير مقبول
نعمت السيد / ربة منزل: قاموس التعامل اليوم اختلف، سابقاً كانت الأمور أكثر هدوءاً، الحياة بسيطة، فما كان من مبرر للعصبية والعنف في الكلمات، أما اليوم فالأمور تغيرت، وتعقدت الحياة؛ لذا ينبغي أن نتقبل الآن من الألفاظ ما لم نتقبله قديمًا، وعن مدى تقبلها لألفاظ غير مهذبة من أبنائها، تقول: غير مهذبة لا، أرُدُّ بقسوة شديدة، حتى لو كانت متزوجة وفي بيت زوجها، لكن الأمر يتطلب شيئًا غير قليل من عدم التدقيق، ماذا لو حَاول أحد أحفادي النُّطْق، فقلَّد منادي سيارات الأجرة "الميكروباص" أو بائع رآه في الشارع إن زجرته سينشأ معقداً من كل ما حوله؛ لذا أوجِّه برفق وأقول: نحن لا نقول هذا هنا في هذا البيت.. وإلا قال للآخرين أن ألفاظهم غير مهذبة وأوقعنا في الحرج معهم!
لن أكون مهذبًا طيلة الوقت
أما فاروق – 63 سنة - عضو مجلس محلي، فيقول: بل الزمن اختلف كلية، ما تراه أنت شتائم يسمعه أبناء أبنائي بحضور أبويهم في المواصلات العامة، بل عند مدخل العمارة التي يقيمون بها من البوَّاب وزوجته والبائعين، لن تستطيع - مهما فعلت - أن تمنع عن آذانهم هذه الألفاظ، ولا يكمن أن تضع قطنًا في آذانهم مثلاً، مهما كانت هذه الألفاظ بالغة السوء. وسألناه: هل يقبل أن يقول الصغير مثل هذه الألفاظ لأي أحد في حضوره أو في حضور أحد والديه؟.. يقول: هو طبيعي سمع هذا اللفظ عدة مرات، وقلنا له إنه لفظ غير لطيف، وقد أتحدث أنا بمثله عندما أذكر سلوكًا سيئًا لأحد الناس، لن أستخدم فيه لفظًا مهذبًا، وأنت تعرف أن من يستحقون هذه الألفاظ موجودون، لن أراعي وجود صغار أو غيره، أما إذا كنت تقصد أن يوجه اللفظ لأحد منا ساعتها سأعلمه ألا ينطقه ثانية على الإطلاق مهما سمع اللفظ، بعلقة لن ينساها طبعاً، وعن الغيبة والنميمة قال: هذا موضوع آخر.
الرَدُّ المُهَذَّب
ربيع - ي - 52 عاماً - صاحب مزرعة: رزقت بالأبناء على كبر، حيث أستطيع اختيار اللفظ المناسب، قد يحدث أن يأتي ابني من المدرسة، فيذكر ونحن على مائدة الطعام لفظاً سمعه عفواً من زميل له، ولم ينتبه إلى معناه، منذ بدايات وعيه أفهمته بأن هناك من الكلمات ما لا يقال، كما أنه ليس كل ما أستطيعه أفعله، ابني الذي لم يصل إلى العاشرة أكتفي بأن أعلمه بأنه لفظ غير مهذب، أما الذي تعَدَّى الحادية عشرة من عمره، فحين يردد لفظاً أو يأتي ليسأل عن معنى الكلمة - ولو كانت نابية - لم يفهمها، فينبغي أن أكون صديقًا له قبل أن أكون أبًا، أشرح له خلفيات اللفظ دون إحراج، ثم أوضح له أن ما قاله لا يعرف معناه، وإنما يقصد الإهانة، وأحياناً أدفعه لأن يذهب إلى الذي قال له اللفظ فيضربه علقة، وقد أكلمه حيال لفظ آخر أن يرد بأدب "يحرق" من أمامه، ابني المهذب يعرف كيف يفرق بين الألفاظ التي يسمعها، أو يستبعد ما لا ينبغي، والأهم أن يرد الرد المناسب عندما تطرق هذه الكلمات بابه، فتصيبه!
المُهِم ألا يَفْعل
سوزان - ع - 40 عاماً: ابني إسماعيل تجاوز التاسعة يعرف كل ما يخطر على بالك من ألفاظ مهذبة، وغير ..، لكن الأهم أنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً مخلاًّ، الأمر لا يتعلق بالكلام، أظن أن المقصود بالشتائم مدلولاها في الفعل. وعن أثر هذه الشتائم عندما تطول، قالت: لا تحاول استفزازي هو مع أصدقائه لهم عالمهم الخاص لا دخل لي أنا به.
دائرة الخلل
جمال - ش - مذيع - 44 عاماً: لا يجب أن نضيِّق الأمور، لا مانع من أن أمزح مع ابني أو ابنتي بكلمات فيها مداعبة من القاموس الذي يتعاملان به مع أصدقائهما، طالما أن ألفاظهما لم تصل إلى دائرة ما لا يقبل من الكلام، لو ضيقنا، وتتبعنا مصدر كل لفظ فلن ننتهي، المهم ألا يكون اللفظ خارجًا، والذي أعودهما عليه ألا يُعَايِرَا أحداً باسم معين لعيب جسدي فيه، من سمارة البشرة، للشكل في القدم مثلاً، لكن إذا ما تعرض لهما أحد بكلمة، فيجب أن يكونا جاهزين - فوراً - للرد "النموذجي" الذي لا يجعله يحاول العودة وفعلها مرة أخرى.
ولا نصف كلمة!
آيات الهاشمي- معلمة - 38 عاماً - ابني يسمع من الكلمات ما يسمع، الكلام نوعان: حلو يقال، وسيئ كأنه لم يسمعه، يصل إلى الأذن اليسرى فيخرج من اليمنى، معنى هذه الكلمات قَذِر وانتهت الحكاية، حينما يصل للسن المناسبة سيعرف من أبيه الأمور بطريقة مناسبة، أن المفردات التي يرونها عصرية، فلا يستطيع أن ينطقها أيضًا، هي ليست كلمات نصف.. نصف، ولو كانت فلماذا أقبلها منه، أصدقاؤه يجب أن يختارهم بعناية، من ينطق بكلمة سيئة في رأيي يتركه ساعتها، أما إن تجرأ عليه أحد فإن الرد لا يجب أن يكون باللفظ، قد يشكو للمعلمة، إن لم يَنَل عقابه، فيعاقبه بنفسه.. أما أن يرد عليه فلا.
اللطف واللمسة الحانية
د. عبدالرحمن العدوي - الأستاذ بكلية الدعوة وعضو مجمع البحوث الإسلامية فيقول: الإسلام يَحُثُّ أتباعه على حسن الخلق، وحسن القول، والتلفظ بالألفاظ الطيبة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن فاحشًا ولا طعانًا، ولا بذئيًا. والقرآن الكريم يقول: "وَقُوْلُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا"، ويقول أيضاً: "يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُوْلُوا قَوْلاً سَدِيْدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ…."، وعليه فإن المسلم الملتزم لا ينطق بلفظ يُحْسَب عليه، ولو على سبيل المزاح، أو إضحاك الآخرين، والرسول العظيم صلى الله عليه وسلم أخبر معاذاً بن جبل رضي الله عنه بقوله: "وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوْهِهِم – أوْ عَلَى مَنَاخِرِهِم - يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا حَصَائِدَ أَلْسِنَتِهِم"، وحصائد الألسنة هي الفَلْتات التي تبدر من الإنسان ولا يستطيع أن يَعُدُّها من السيئات، وهذا كافٍ لأن يجعل الإنسان المسلم يهذب نفسه، يحسن ألفاظه، يبتعد عن اللفظ الدارج على لسان الناس. وعن سبل معالجة هذه الألفاظ لدى الصغار يقول د. العدوي:
1- أن يكون الأب - نفسه - مثالاً للقدوة وحسن اختيار الألفاظ، فلا يكن فاحشًا ويأمر صغيره أن يَكُفَّ عن الفاحش من القول.
2- ألا يقول للصغار - ولو على سبيل المزاح - ابصق على وجه ماما يا حبيبي، اشتم بابا ونفرح بهم عندما يفعلون، فإن هذا يجرِّئهم على شتم آبائهم، وأمهات زملائهم، مع أن الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم ينبِّه أن مِن "أَكْبَرِ الْكَبَائِر أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْه، قَالُوا: وَكَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْه يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: "يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّه"، أو كما قال الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم.
3- إذا كنا نطالب الآباء بأن يكونوا قدوة حسنة، فإن من حسن القدوة أيضًا ألا يبتسم الوالدان إذا نطق الصغير بكلمة خارجة أو تُعَدُّ خارجة، أو بعيدة عن الأدب، الصمت عن مثل هذه الكلمة أول مرة يجرؤ الصغير، بل ينبغي أن نحذره: هذه كلمة نابية والولد المهذب المحترم لا يقول أمثال هذه الكلمات ولا أعنفه في المرة الأولى؛ لأن الطفل بطبعه عنيد وإذا زاد التعنيف قد يأتي بنتيجة عكسية.
4- فإذا ما تكرر هذا اللفظ من الصغير فإن على الأب أو الأم أن يتمهلا، فالعلاج ينبغي أن يكون بالرفق واللين، بعد أن أعيد عليه الكلام، دون أن أبيِّن نفاد صبري أضع يدي على رأسه، أضمُّه إلى صدري، أُشْعِره بالألفة والحنان حتى وهو مخطئ، أستميله وجدانيًّا، والرسول العظيم صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا وُجِدَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَه، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْءِ إِلاَّ شَانَه".
5- ملاحظة الطفل لا يجب أن تكون في المنزل فقط، بل يجب أن تكون في المدرسة - أيضًا - المعلم أو المعلمة يراقب صغاره، فمن وجده منهم ينطق بكلمة سيئة أو غير حسنة باللطف يقول له: أنت تلميذ مهذب.. وهذا لا يليق بأسرتك الحسنة التي أعرفها.
6- ثم إن هناك واجباً أعم وهو واجب الإعلام في مختلف دول عالمنا الإسلامي من إذاعة وتلفاز وغيرها، حتى لا تقتحم الأصوات، والعبارات النابية على الناس منازلهم، وهي إشاعة للقول والأخلاق السيئة.
7- أن يوضح كل هؤلاء ويضعوا في أذهانهم قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِيْ أُكُلَهَا كُلَّ حَيْنٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُوْن".
منقـــــــــــــــــــــــــــول
3
555
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة