(صدى) @sd_1
عضوة
صغيرتي ربى... الجزء الأول
ما أجمل الحياة عندما تعيش فيها بكل هدوء.. حيث لا أصوات مزعجة..
صباح جميل عشت اللحظات الأولى منه.. أرغمت نفسي على الاستيقاظ المبكر لأراقب الطيور وهر تخرج من أكنانها مع إشراقة الصباح.. ورشفات من كوب القهوة بالحليب في آخر أيام الخريف الباردة.. نسمات منعشة لامست وجهي عندما فتحت النافذة لأرمي الحب أمامها فتجتمع الطيور لالتقاطها.. كم هي رائعة ألوانهم.. سبحان الخالق.. كنت أرقبهم بهدوء يماثل هدوء وصفاء ذهني.. وبينما أنا كذلك.. إذ تناهى إلى مسمعي صوت من المستحيل أن أنساه..
- ماما.. ماما!!
إنها صغيرتي (ربى) فهذه عادتها.. أول عمل تقوم بع عند استيقاظها هو مناداتي!!
- أنا هنا أراقب الطيور..
- ماما تعالي..
يبدو أن مزاجها غير رائق اليوم، فهي تنادي بعصبية!!
-صباح الخير يا أجمل أقماري..
كعادتها.. تمد لي يدها تنتظرني أن أحملها..
-صباح الخير يا أحلى أم..
آه.. لا أدري لماذا لا أفهم صغيرتي.. فقبل دقيقتين كانت معكرة المزاج، والآن انقلب حالها مائة وثمانين درجة لتبتسم بسعادة!!!
-هل نمتِ جيداً يا صغيرتي؟ هبا.. استحمي ريثما أجهز إفطارنا..
-لن آكل شيئاً.. فقط أشتهي كوباً من الشوكولا الساخنة..
أنهت صغيرتي إفطارها سريعاً على غير عادتها فكم تحب اللعب بأكلها..
- ما بال حبيبتي شاردة.. أتريدين المزيد من الشوكولا؟
كانت سارحة ولم تجبني.. ترى ما الذي تفكر فيه ابنة الإثني عشرة سنة؟!! وضعت كفي على ساعدها، وتنبهت..
- بنيتي ما الأمر؟!
- إنه الحلم..
- مرة أخرى؟؟ ألم أخبرك أنها تخيلات يجب أن لا تصدقيها؟! لقد كبرتِ على تلك الأوهام!!
- أمي.. إنها ليست أوهام.. إني أراهم في حلمي بين فترة وأخرى..
- يبدو أنكِ أكلت كثيراً ليلة أمس وعاودتك الأوهام ثانية..
- كلا يا أمي.. إني أراهم أمام عيني..
- انسي تلك الخيالات.. بقي على موعدنا مع الطبيب ساعة ونصف.. أمامك نصف ساعة لتعدّي نفسك.. سنمر بدار النشر لأوقع العقد الذي أخبرتك به ثم نكمل طريقنا إلى الطبيب..
انصرفت دون أن تقول شيئاً.. راسمة على وجهها كل أشكال السخط!! ربما أكون حازمة معها بعض الأحيان، لكن ذلك لأجلها.. عليها أن تعتمد على ذاتها إذا كبرت.. لن أعيش لها مدى الحياة..
ركبت إلى جواري واجمة.. أعلم يا صغيرتي كم جرحتك.. لكنني أحبك!!
- ربى.. هل تحبين الذهاب إلى مكان ما بعد المشفى؟
- أمي.. ألا يمكننا تأجيل موعد التمرينات إلى الأسبوع المقبل؟؟
- ولماذا؟!!
- التمرين يتعبني وأنا اليوم مرهقة..
- لكنك استطعت تحريك أصابعك.. إنك في تحسن والحمد لله..
- أعدك بأني سأكثف تماريني في الأسبوع المقبل فقط إجازة لليوم..
- لكننا أجّلناه لأسبوعين مضت!! عليك تكثيف جهودك يا صغيرتي..
- وما الفائدة؟؟!
أوقفت سيارتي جانباً.. فكلماتها الأخيرة تبعث في نفسي شعوراً لا يوصف من الغضب.. تمالكت نفسي.. فصغيرتي مجروحة المشاعر.. نظرت إليها بحنان..
- هل هناك ما لا يعجبك في تدريب هذا المشفى؟ إنه أفضل مشفى في البلد.. أم أنك تحبين الكسل؟! أهناك ما يؤذيك؟!
- حسناً.. سنذهب حتى لا تغضبي..
- بنيتي.. إنه من أجلك أنت.. أم أنك تحبين أن تكوني مقعدة طوال عمرك؟!
هنا انفجرت أولى شرارات صغيرتي وأفرغت ما بداخلها من شحنات مأساوية..
- أعلم أني مقعدة.. أعلم أني يتيمة.. أعلم أني بلا أب ولا إخوة وحتى بلا أصدقاء.. أعلم أنني أعيش بلا هدف وأني عالة على مَن حولي..
ضممتها إليّ أهدّئ من روعها.. لم أرها يوماً يائسة كهذه المرة..
- صغيرتي.. ألا يكفيك أني أحبك؟! كلانا يتيمتان بلا أهل.. لكننا نحب بعضنا وسنكون معاً دائماً.. ما رأيك لو ذهبنا إلى حديقة الفراشات بعد المشفى؟؟
- جميل..
تركتها في غرفة الطبيب علّها تشعر بالثقة في قدراتها من جديد يعد أن كانت محبَطة.. جلست أنتظرها في حديقة المشفى.. دار في مخيلتي شريط حياتنا معاً..
عندما ولدتْ.. رأيتها أجمل من البدر.. بملامحها الطفولية الهادئة التي تشبه والدها إلى حد كبير.. أسميناها ربى.. وملأت حياتنا رغداً وهناءً.. عشنا ثلاثتنا حياة من أجمل ما تكون.. مليئة بالفرح والسرور.. كنا نراقبها وهي تكبر يوماً بعد يوم أمامي ووالدها.. عقدنا عليها الآمال.. وكانت بطلة أحلامنا وأمنياتنا.. فيوماً، نريدها أن تكون طبيبة.. ويوماً نريدها معلمة.. وبعد أيام نريدها كاتبة.. كم من أمنيات تمناها والدها.. وليته كان هنا ليرى ما أعانيه اليوم..
ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي خرج فيه والدها مع الكتيبة.. فالحرب قد اشتدت في بلادنا.. ذهب من أجل الدفاع عن وطنه.. فاليوم هو يوم الفداء؟؟ لكنه ذهب بلا عودة.. ومرت أيام قاسية عليّ.. لك أكن حينها ذا ت خبرة كافية فما زلت في الرابعة والعشرين من عمري.. ومع صغيرة ذات ثلاث سنوات.. تنقلت بها من مدينة لأخرى بحثاً عن الأمان.. بتنا ملاحقتين في كل مكان.. كنت أحتضن صغيرتي بيدٍ وأدافع عن نفسي وعنها بيدٍ أخرى.. مناظر مؤلمة زُرعتْ في قلبينا.. ما ذنب صغيرتي أن ترى كل ألوان الشقاء هذه؟! انقطعت أخباري عن أهلي الذين رحل نصفهم ومات نصفهم الآخر بالقنابل.. صديقاتي تفرقن.. وأنا ما زلت مع صغيرتي.. وفي إحدى الأيام.. بعد أن نامت صغيرتي.. كنت إلى جوارها أستجدي النوم بلا فائدة.. غفَوْت.. لأصحو على صوت قنبلة انفجرت على مسافة قريبة منا.. تطايرت شظاياها لتُزرع واحدة أسفل ظهر صغيرتي.. لم أصدق ما يحدث.. لا أريد أن أفقدها.. حملتها إلى أقرب مشفى.. تاركة ورائي كل الأصوات والمناظر المؤلمة.. وكل بحار الدم التي تجري من حولي.. استخرجوا تلك الشظية.. ولكن.. بعد أن قطعتْ أحد أعصاب رجليها.. وأصبحت صغيرتي مقعدة!!! خبر مفزع أوصله لي الطبيب دون أن يراعي لهلعي وخوفي حساباً.. حملتها بين أذرعي وكلي أمل في أن تسير صغيرتي على قديمها.. ورحلنا خارج البلاد والحرب لم تنته إلا قبل أربع سنوات.. بعد أن أخذوا مني زوجي وأهلي وبيتي.. وخطوات صغيرتي.
صدى
ابنة الرجل
الجمعة - 9 مايو 2003
8
797
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ماشاء الله رووعة عاد ماأحب اللي يتأخرون كثير مرره لو تعجلين أحسن قبل الاختبارات ..
:27:
:27:
الصفحة الأخيرة
شي
كمليها تراني متحمسة علشان اعرف وش راح يصير
يمكن مااكون خير من انتقدك لكن بالفعل قصتك روعة لامست روحي كمليها بليززززززز لاتطولين علينا كلنا في انتظارك
اختك:وهم الحياة