(( صـبــــــر العــــــــــــابدات ))

الملتقى العام


- المشهد الأول -




في ليلة زفافها إلى صلة بن أشيم التابعي الجليل ..
جاء ابن أخيه فمضى به وألبسه أجمل الثياب ثم أدخله عليها في بيت يضوع طيباً
وقد هُيّئ كأجمل ما تكون البيوت
ولما صار معها ألقى السلام عليها .. ثم قام يصلي فقامت تصلي معه
ولم يزالا يصليان حتى وافهاهما الفجر وتنفس الصبح
ونسيا أنهما في ليلة الفرح ..


إنها أم الصهباء معاذة بنت عبد الله العدوية البصرية
واحدة من التابعات ذوات الفضل والمكانة
نشأت قريبة من الصحابة الكرام تنهل من معين علمهم
الذي أخذوه عن المصطفى عليه الصلاة والسلام .

لم يكن غريباً عن معاذة التي تخرجت من مدرسة أم المؤمنين عائشة
وعلى بن أبي طالب وهشام بن عامر رضي الله عنهم والتي رأتهم وروت عنهم .

لم يكن غريباً أن يكون هذا شأنها في العبادة
فلا تكاد تخلو إلى نفسها إلا وهي على موعد مع الصلاة
فقد كانت تحيي الليل كله بالتهجد والتسبيح وكانت تقرأ من القرآن كل ليلة
فإذا جاء النهار قالت هذا يومي الذي أموت فيه فما تنام
وإذا جاء الليل قالت هذه ليلتي التي أموت فيها فلا تنام حتى الصبح
فإذا غلبها النوم قامت فجالت الدار تعاتب نفسها
ثم لا تزال تدور إلى الصباح تخاف الموت على غفلة ونوم .

ولأن العبادة كانت همّ هذه المرأة الصالحة فقد تدفقت ينابيع الحكمة على لسانها
وآثرت عنها أقوال تشير إلى فصاحتها وبلاغتها وامتلاكها لناصية الكلام
كما تدل على عمق إيمانها وقوة يقينها ومن ذلك قولها :
( عجبت لعين تنام وقد علمت طول الرقاد في ظلمة القبور )
وقولها تنصح وتحذر فتاة أرضعتها :
( يا بنية كوني من لقاء الله عز وجل على حذر ورجاء
فإني رأيت الراجي له محقوقاً بحسن الزلفى لديه يوم القيامة
ورأيت الخائف له مؤملاً للأمان يوم يقوم الناس لرب العالمين ) .

لا عجب إذن أن تجد الهمة العالية حاضرة في كل محطات حياة هذه المرأة المخلصة
وما تصادفها من ابتلاء لتضرب المثل الحي لسمو النفس واليقين
بقدرة الله عز وجل وحكمته البالغة .

في سنة ثنتين وستين للهجرة استشهد زوج معاذة وابنها في سجستان
في قتال مع الترك ولما وصلها الخبر صبرت واسترجعت
واجتمعت النساء عندها للتعزية فقالت لهن :

فتعجبت النسوة من صبر معاذة
وخرجن وهن يتحدثن عما أتاها الله عز وجل من حسن الصبر
وزادها ذلك الموقف في أعينهن منزلة وقدراً .

كانت معاذة مع عبادتها وزهدها فقيهة شهد لها بذلك الكثير من العلماء
قال عنها يحيى بن معين : ( معاذة ثقة حجة وذكرها ابن حبان في الثقات ) .
ويورد ابن حجر رحمة الله كرامة باهرة لمعاذة في كتابة " تهذيب التهذيب "
فيذكر أن رجلاً من أهل البصرة قال :
أتيت معاذة فقالت إني اشتكيت بطني , وكان قد وصف لي نبيذ الجرّ
فأتيتها منه بقدح فوضعته ثم قالت داعية :
اللهم إن كنت تعلم أن عائشة أم المؤمنين حدثتني أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن النبيذ الجر فاكفنيه بما شئت
قال : فانكفأ القدح وأهريق بما فيه وأذهب الله تعالى ما كان بها .


مر عشرون عاماً على وفاة زوجها
وفي كل يوم يمر كانت معاذة تستعد للقاء الله عز وجل
وتأمل أن يجمعه بزوجه وابنها في مستقر رحمته .

ولما حضرها الموت بكت ثم ضحكت !
فقيل لها مما البكاء ومم الضحك ؟
فقالت : أم البكاء فإني ذكرت مفارقة الصيام والصلاة والذكر فكان البكاء لذلك
وأما التبسم والضحك فإني نظرت إلى أبي الصهباء قد أقبل في صحن الدار
عليه حلتان خضراوان وهو في نفر والله ما رأيت لهم في الدنيا شبهاً
فضحكت إليه ولا أراني بعد ذلك أدرك فرضاً .



* رحلت معاذة ..
غير أن سيرتها لم ترحل
فما زالت قدوة حية للنساء في كل زمان .

3
432

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بنت عتيبة الموحدة
للهم انا نسألك لذة التعبد

وطعم التهجد


اللهم افتح لنا ابواب العبادة

واجعلنا منها دائما في زيادة



مشكور على الموضوع
( فارس الهيلا )
للهم انا نسألك لذة التعبد وطعم التهجد اللهم افتح لنا ابواب العبادة واجعلنا منها دائما في زيادة مشكور على الموضوع
للهم انا نسألك لذة التعبد وطعم التهجد اللهم افتح لنا ابواب العبادة واجعلنا منها دائما...


- المشهد الثاني -





ومن المشاهد على صبر العابدات :



هذه الحبيبة التقية النقية ..
التي تعد لراية الإسلام يداً لا تسقط من المجاهدين والدعاة والمصلحين
تأمل ما جرى لأم حبيبة رضي الله عنها
" رملة بنت أبي سفيان " زعيم مكة وقائدها .

فقد كانت زوجة لابن عمة الرسول صلى الله عليه وسلم
عبيد الله بن الجحش الأسدي وقد أسلم زوجها عبيد الله وأسلمت رمله معه
وهاجرت إلى الحبشة وتركت موطنها وأباها أبا سفيان
وتركت الدار والأحباب طلباً لرضا الله عز وجل ..

ولكن الحياة لم تصف لهذه المؤمنة الصابرة المهاجرة
فقد فجعت بعد حين بردة زوجها عبيد الله عن الإسلام ودخوله النصرانية
وجاهد أن يردها عن دينها فأبت وثبتت على دينها كالجبال الرواسي
والتزمت الصبر وتعاهدت الدعاء .

وكانت قد وضعت ابنتها حبيبة التي كنيت بها فصارت تدعى " أم حبيبة "
وكانت في نهارها وليلها ومهمومة مغمورة مفجوعة في أهلها وزوجها
تتناوبها الوحشة والغربة حيناً والفجعة والحزن حيناً آخر ..
وكادت أن تهلك غماً وأسىً وحسرة ..

فهي امرأة مسكينة حولها طفلة صغيرة وزوج تنصّر
وفي مكة أب مشرك يتربص بها وبالمسلمين الدوائر .

ولم يبرد وجع كبدها وأنة قلبها إلا طارق أتى إلى النجاشي من عند رسول الله
يطلب منه أن يزوجها برسول الله صلى الله عليه وسلم
وقرت عين أم حبيبة وتدثرت بشرف عظيم حين تسمت بأم المؤمنين
وأزال الله ما بقلبها من حزن وهم وقلق وغم .

وتتابعت الأيام والشهور فإذا بالفجر الصادق يلوح في أفق المدينة
مبشراً بنصر مؤزر .. وفتح لمكة قريب
بعد أن نقض المشركون صلح الحديبية
فحاروا في استعداد المسلمين وقدموا وأخروا واستشاروا وقرروا
أن يبعثوا من يثني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فتح مكة
ويؤجله ولو إلى حين
فكان رسولهم إلى المدينة أبا سفيان بن حرب والد أم المؤمنين رملة
الذي تسلل تحت جنح الليل حتى استقر به المقام في المدينة .

وهتف قلبه : أن سر إلى ابنتك رملة فلن تخيب ظنك ولن تفشي سرك
وستكون يداً لك .. وتنازعته رغبة وحنان الأبوة ..
فأدرك ذلك كله بالخطى السريعة إلى منزل ابنته رملة يريد أن يدخل بيتها
ولم تكن رأته منذ أن هاجرت إلى الحبشة قبل سنوات طويلة
فوقفت تنظر إليه بادية الدهشة والحيرة فأعفاها من أن تأذن له بالجلوس
وتقدم بعاطفة الأبوة ليجلس على الفارش وهو مطمئن الفؤاد ..
ولكن الله عز وجل أنطق لسان رملة رضي الله عنها وحرك يدها
فاختطفت الفراش وطوته عن أبيها
فقال لها : يا بنيه .. ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ؟
فقالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنت رجل مشرك فلم أحب أن تجلس عليه .

لقد محضت أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان ولاءها لله
فلم تأس على زوج تنكب عن الصراط وارتد عن دينه
وتحملت في غربيتها الضيق والمعاناة
ثم هاهي تتغلب على عاطفة الأبوة وتظهر ولاءها لله لرسوله وللمؤمنين
وبراءتها من الكفار المشركين حتى وإن كان منهم أبوها أو أخوهم .
( فارس الهيلا )
للهم انا نسألك لذة التعبد وطعم التهجد اللهم افتح لنا ابواب العبادة واجعلنا منها دائما في زيادة مشكور على الموضوع
للهم انا نسألك لذة التعبد وطعم التهجد اللهم افتح لنا ابواب العبادة واجعلنا منها دائما...
نسأل الله لنا ولكم القبول ..


شكر الله لكم .