السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لقد اختص الله عز وجل امة محمد بكثير من العبادات التي تعوضها عن قصر عمرها و هو مصداق لما قاله الرسول عليه الصلاة و السلام
((( أعمار أمتي بين الستين والسبعين وأقلهم من يجوز ذلك))
حيث كانت الامم السابقة يزيد عمر الانسان فيها عن الف سنة

و من بين هذة العبادات صلاة الليل
و هي صلاة القانتين العابدين الذين حرموا انفسهم لذة المنام من اجل مناجاة ربهم.
و هي صلاة ممتعة لا يحس بلذتها الا من جربها , تجلب للقلب الانشراح و للروح الراحة التامة و للوجه النور و للانسان محبة الله و محبة الناس
و هي افضل الصلاة بعد الفريضة.

و مما يزيد اهمية هذة الصلاة ان الله عز وجل اختصها بالذكر في عدة ايات من القرآن الكريم
و قال جل في علاه(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)(آل عمران:17.
قال تعالى(لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)(آل عمران:113) .
قال تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} .
وقال سبحانه و تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}.
و قال عز و جل: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}
و قال تعالى( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً و وَقِيَاماً)(الفرقان 64)

و حث الله سبحانه و تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام على صلاة الليل
قال تعالى (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) (الإسراء 78-79).
قال تعالى: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) (ق:39، 40) .
قال تعالى(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا(المزمل1-2-3-4)
قال تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً)(الإنسان:25، 26) .

و كان الرسول عليه الصلاة و السلام يحرص على قيام الليل و يرغّب فيه
و بين ما فيه من الاجر و الثواب الكبير عند الله
حيث قال عليه الصلاة و السلام((أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام))رواه عبدالله بن سلام و صححه الالباني
و قال عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد }.
وقال ايضا عليه الصلاة و السلام: { في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها } فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: { لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام } .
وقال عليه افضل الصلاة و اتم التسليم: { أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس } .
وقال صلى الله عليه و سلم : { من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين } .
وقال عليه الصلاة و السلام{ أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء".(رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح) .

حكم و ووقت صلاة الليل
قيام الليل سنة مؤكدة ، ووقته يبدأ من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.
و الافضل ان تكون في الثلث الاخير من الليل, و من خاف ان ينام و تفوته صلاة الليل فالافضل له ان يوتر بعد العشاء او قبل النوم.

مقدار صلاة الليل
كان النبي صلى الله عليه وسلم في الأغلب يصلي إحدى عشرة ركعة , يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة ، وربما أوتر بتسع أو بسبع أو خمس، ولكن الأغلب أنه يصلي إحدى عشرة وربما صلى ثلاث عشرة يطيل في قراءته وركوعه وسجوده عليه الصلاة والسلام , كل انسان حسب قدرته.
عن عبدالله بن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل ، فقال رسول الله عليه السلام : صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة ، توتر له ما قد صلى.

الصحابة و قيام الليل
كان صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم يحرصون على اداء هذة الصلاة معه
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيام الليل، ورغب فيه حتى قال: "عليكم بصلاة الليل ولو ركعة".
قال النبي عليه الصلاة و السلام في شأن عبد الله بن عمر: { نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل } .
قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
ولذلك كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: "لأن أصلي في جوف الليل ركعة أحبُّ إليَّ من أن أصلي بالنهار عشر ركعات".
وعن حذيفة قال: { صليت مع النبي ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مُتَرَسلاً، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوّذ تعوذ... الحديث } .
وعن ابن مسعود قال: { صليت مع النبي ليلة، فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء. قيل: ما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأَدَعَهُ ! } .

قيام الليل في حياة السلف
قال الحسن البصري: ( لم أجد شيئاً من العبادة أشد من الصلاة في جوف الليل ).
وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى، ثم يقول: اللهم إن جهنم لا تدعني أنام، فيقوم إلى مصلاه.
وكان طاوس يثب من على فراشه، ثم يتطهر ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين !!
وكان زمعة العابد يقوم فيصلي ليلاً طويلاً، فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته: يا أيها الركب المعرِّسون، أكُل هذا الليل ترقدون؟ ألا تقومون فترحلون !! فيسمع من هاهنا باكٍ، ومن هاهنا داع، ومن هاهنا متوضئ، فإذا طلع الفجر نادى: عند الصباح يحمد القوم السرى !!
اقوال السلف في قيام الليل
قال سعيد بن المسيب رحمه الله :
إن الرجل ليصلي بالليل ، فيجعل الله في وجه نورا يحبه عليه كل مسلم ،
فيراه من لم يره قط فيقول : إن لأحبُ هذا الرجل !! .
قيل للحسن البصري رحمه الله :
ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوها ؟
فقال لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم من نوره .
صلى سيد التابعين سعيد بن المسيب – رحمه الله –
الفجر خمسين سنة بوضوء العشاء وكان يسرد الصوم.
كان شريح بن هانئ رحمه الله يقول :
ما فقد رجل شيئاً أهون عليه من نعسة تركها!!! ( أي لأجل قيام الليل ) .
قال ثابت البناني رحمه الله :
لا يسمى عابد أبداً عابدا ، وإن كان فيه كل خصلة خير حتى تكون فيه
هاتان الخصلتان : الصوم والصلاة ، لأنهما من لحمه ودمه !!
قال طاووس بن كيسان رحمه الله :
ألا رجل يقوم بعشر آيات من الليل ، فيصبح وقد كتبت له مائة حسنة أو أكثر من ذلك .
أخذ الفضيل بن عياض رحمه الله بيد الحسين بن زياد رحم الله ، فقال له :
يا حسين: ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول الرب :
كذب من أدعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني ؟!!
أليس كل حبيب يخلو بحبيبه ؟!!
ها أنا ذا مطلع على أحبائي إذا جنهم الليل ،
غداً أقر عيون أحبائي في جناتي .
قال ابن الجوزي رحمه :
لما امتلأت أسماع المتهجدين بمعاتبة
)كذب من أدعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني)
حلفت أجفانهم على جفاء النوم .
كان العبد الصالح عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله
يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل ، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه ثم يقول
ما ألينك !! ولكن فراش الجنة ألين منك!! ثم يقوم إلى صلاته .
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى :
إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل ، كبلتك خطيئتك .
قالت امرأة مسروق بن الأجدع :
والله ما كان مسروق يصبح من ليلة من الليالي إلا وساقاه منتفختان من طول القيام !!
وكان رحمه الله إذا طال عليه الليل وتعب صلى جالساً ولا يترك الصلاة، وكان إذا فرغ من صلاته يزحف ( أي إلى فراشه ) كما يزحف البعير !!
قال رجل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله :
إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟!!
فقال : لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه
في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف .
قال سفيان الثوري رحمه الله :
حرمت قيام الليل خمسة أشهر بسبب ذنب أذنبته .
قال رجل للحسن البصري رحمه الله :
يا أبا سعيد : إني أبيت معافى وأحب قيام الليل ، وأعد طهوري فما بالي
لا أقوم ؟!! فقال الحسن : ذنوبــك قيــدتك !!
وقال رجل للحسن البصري :
أعياني قيام الليل ؟!! فقال : قيدتك خطاياك .
قال ابن عمر رضي الله عنهما :
أول ما ينقص من العبادة : التهجد بالليل ، ورفع الصوت فيها بالقراءة .
فوائد قيام الليل النفسية و الروحية
إن صلاة الليل تستوجب رضوان الله سبحانه وتعالى
النور في قلب العبد / تورث الشرف / صحة البدن /حسن الوجه /يُكتب من الذاكرين / غفران الذنوب / تجلب الرزق حسن الخلق / قضاء الدين / إزالة الهم /سبب إجابة الدعاء /سبب قبول الأعمال / إطالة العمر.
الفوائد الصحية لقيام الليل
• يؤدي قيام الليل إلى تقليل إفراز هرمون الكورتيزون خصوصاً قبل الاستيقاظ بعدة ساعات، وهو ما يتوافق زمنياً مع وقت السحر (الثلث الأخير من الليل)، ومن ثم يقي من الزيادة المفاجئة في مستوى سكر الدم، و الذي يشكل خطورة علي مرضي السكر ، كما أنه يقلل كذلك من الارتفاع المفاجئ في ضغط الدم، ويقي من السكتة المخية والأزمات القلبية في المرضي المعرضين لذلك.
• يقلل قيام الليل من مخاطر تخثر الدم في وريد العين الشبكي، الذي يحدث نتيجة لبطء سريان الدم فيه أثناء النوم، وزيادة لزوجة الدم بسبب قلة تناول السوائل، أو زيادة فقدانها، أو بسبب السمنة المفرطة وصعوبة التنفس مما يعوق ارتجاع الدم الوريدي من الرأس.
• يؤدي قيام الليل إلى تحسن و ليونة المفاصل لدى مرضي التهاب المفاصل، سواء كانت روماتيزمية أو غيرها نتيجة الحركة الخفيفة والتدليك بالماء عند الوضوء.
• يسهم قيام الليل في تخلص الجسد من الدهون التي تتراكم في الدم خصوصاً بعد تناول العشاء المحتوي علي نسبة عالية من الدهون، وهذه الدهون تزيد من مخاطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية بنسبة 32% في هؤلاء المرضي مقارنة بغيرهم.
• يقلل قيام الليل من خطر الوفيات بجميع الأسباب، خصوصاً الوفيات الناتجة عن السكتة القلبية والدماغية وبعض أنواع السرطان.
• يساعد قيام الليل في تنشيط الذاكرة وتنبيه وظائف المخ الذهنية لما فيه من قراءة وتدبر للقرآن وذكر للأدعية واسترجاع لأذكار الصباح والمساء، مما يعمل على الوقاية من أمراض الزهايمر وخرف الشيخوخة والاكتئاب وغيرها.
أشار بحث أمريكي أن القيام من الفراش أثناء الليل والحركة البسيطة داخل المنزل والقيام ببعض التمرينات الرياضية الخفيفة، وتدليك الأطراف بالماء، والتنفس بعمق له فوائد صحية عديدة.
والمتأمل لهذه النصائح يجد أنها تماثل تماماً حركات الوضوء والصلاة عند قيام الليل.
وقد سبق النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه الأبحاث في الإشارة المعجزة إلى قيام الليل فقال : " عليكم بقيام الليل: فإنه دأب الصالحين قبلكم، و قربة إلى الله عز و جل، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، و مطردة للداء من الجسد ".