صيد الضفادع..
رن جرس الحصة الأخيرة. وبدأ الأطفال يجمعون كتبهم وأصواتهم تتعالى شيئاً فشيء. أشرت
إليهم فاندفعوا خارجاً وهم يتصايحون. أخرجت منديلي وحاولت أن أتخلص من بقايا الطباشير
العالقة في أصابعي. وبدأت أجمع أدواتي. انتبهت إلى أن بعض الأولاد تأخروا واقتربوا من مكتبي
وهم يتهامسون.
سألتهم مبتسمة إن كان ثمة ما أستطيع عمله من أجلهم؟ فهتف طارق بصوته الجهوري الجريء:
(( نريد أن نعرف يا آنسة إن كنت ترغبين بمرافقتنا غداً إلى البحيرة. سنصطاد بعض
الضفادع))
انفجرت ضاحكة وأنا أردد: (( ضفادع؟ يا لها من فكرة! ما الذي ستفعلونه لهذه الحيوانات
المسكينة؟))
رد طارق والمرح ينط من عينيه: (( أستاذ العلوم يريدها. أعتقد إننا سنفتح بطونها ونرى ما
بداخلها, ما رأيك يا آنسة؟ ستأتين معنا؟ )) طبعاً أجبت وأنا أشعر بحماس متدفق. يعرف
الجميع في المدرسة أنني أحب الخروج في نزهات وسط أحضان الطبيعة, وقد تعودوا الأولاد
على دعوتي كلما قرروا الخروج في نهاية الأسبوع في رحلة برية.
الحزام الأخضر المحيط بالقرية يعج بالأماكن الجميلة والمساحات الطبيعية التي تغري باستكشافها.
ثمة غابات صغيرة ووديان ممتدة وبحيرات وهضاب ومروج تتمايل فيها الأزهار والنباتات البرية
وتتطاير فوقها الفراشات والطيور التي يحب الأطفال ملاحقتها واصطيادها.
لحسن حظي كنت قررت مسبقاً قضاء عطلة هذا الأسبوع في القرية, حيث مقر عملي ولن
أهبط إلى المدينة لزيارة أهلي لأنهم على سفر.
اتفقنا على أن نلتقي أمام باب المدرسة فجر اليوم التالي. قال الأطفال أننا نستطيع بذلك مراقبة
شروق الشمس خلف الهضاب ومفاجأة الطيور وهي تغادر أعشاشها. ابتسمت وأنا أفكر في
أن هدف الأطفال الحقيقي ربما كان اصطياد الطيور وليس الضفادع.
لم أنجح أبداً رغم محاولاتي المتكررة في جعلهم يحنون على الحيوانات الضعيفة. لا زالوا يهاجمون
أعشاش العصافير ويطاردون الفراشات ويقطفون الزهور ويهدمون بيوت النمل ليروا ما
بداخلها. هم ليسوا عدوانيون ولكنهم مرحون منطلقون يودون التعرف عن قرب على كل
أشكال الحياة المحيطة بهم. أنهم أطفال حادوا الذكاء شديدوا الفضول ولا يمكن مقاومة نشاطهم
وحيويتهم.
انطلقنا في ساعات الفجر الأولى بسرعة في طريق ضيقة تمر خلف القرية. أخذ الأولاد
يتناقشون حول أنواع الضفادع التي سيصطادونها, ورفعت رأسي للسماء مستقبلة لفحات
هواء باردة ونقية محملة بروائح البرية.
مشينا كثيراً وتوقفنا حين بدأ ضوء النهار يتسرب. راقبنا الشمس وهي تصعد كتاج ذهبي وهاج
لا يمكن مقاومة أنواره خلف الهضاب.
طارت العصافير وهي تزقزق بمرح وهب بعض الأطفال ينتقون الحصى بعناية ويرمونها به وهم
يتصايحون. صرخت أوقفهم وحاول بعض أصدقائي مساعدتي.
لاحت البحيرة أخيراً خلف سياج أشجار الصفصاف والجوز والمشمش. جرى الأطفال
يتسابقون للوصول إليها.
جلست على صخرة باردة عند الضفة وتنفست بعمق هواء الصباح النقي, وأخذت أراقب
الصغار وهم يتسارعون لاصطياد الضفادع وحجزها في أكياس وقنان أحضروها لهذا الغرض.
وضع حسن دلواً صغيراً مغطى بقطعة بلاستيك مثقوبة قربي, وبدأ يرفع بنطلونه إلى الركبة
وينزع حذاءه استعداداً لملاحقة الضفادع في البحيرة. أشار إلى أحمد وقال: (( عليه أن يصطاد
أفضل أنواع الضفادع إذا أراد أن يحصل على علامة جيدة. وبخه أستاذ العلوم في المرة الماضية
وأعطاه علامة ناقصة....)). (( لماذا؟ ))سألته بفضول.
رد وهو يضحك: (( طلب الأستاذ أن نحضر جراداً. وفعلنا. لكنه كان يطير ويهرب, أحضر
أحمد جرادات كبيرة وضعها في قنينة زجاجية مغلقة وغير مثقوبة, وحين جاء دوره ليقدم
للأستاذ العينة المطلوبة وجد الجرادات ميتة فغضب الأستاذ وأمره أن يخرج ويبحث عن
جرادات حية في حديقة المدرسة, ولما لم يجدها أعطاه علامة ناقصة!))
ضحكت وأنا أفكر في أن حصص العلوم لا شك أكثر إمتاعا من حصصي المملة في الغالب.
دعاني الأولاد لأشاركهم الصيد. فنزعت حذائي وخطوت وسط المياه, لم يكن إمساك الأجسام
الصغيرة اللزجة أمراً سهلاً, لكننا مرحنا كثيراً ونحن نلاحقها.
انتصف النهار عندما قررنا العودة إلى القرية. كانت ثيابي في حالة يرثى لها. وعدت مع تلاميذي
وقد أهلكنا الجوع والتعب.
قضيت بقية النهار في النوم, لم أصحح ورقة واحدة من أوراق الامتحانات التي تنتظرني,
لكنني تعلمت كيف أتحايل على الضفادع لأمسكها.. وكيف أحكم قبضتي على أجسامها اللزجة..
وكيف أغالب اشمئزازي منها وأتفحصها بعناية. تعلمت أيضاً كيف أمشي على حصى البحيرة
الصغير المغطى بالطحالب من دون أن أنزلق.
وتأكدت أخيراً من أن نصف يوم ممتع مع الأطفال منحني راحة بال وهدوء أعصاب, وجلست
في اليوم التالي أصحح الأوراق بحماس....
,, بقلم نجاة غفران..
قصه عجبتني من كتابات الكاتبه نجاه غفران قلت اضعه في المنتدى للتسليه
وصلوا على الحبيب :26:
أمل الحمدان @aml_alhmdan_1
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
قاعده اقرأ القصه وانا اتخيل شكل شروق الشمس
ثم أصوات الاطفاال وهم فرحانين
ثم شكل المعلمه الراقي واللطيف جدآ مع الاطفال
القصه عااديه جدآ كغيرها ولكنها تختلف ان قرأناها ونحن نتخيل ونعيش احداثها البريئه..
ويسلمو ياغاليه.