ضعفاء ( الفلوس ) .. !
للكاتب : خالد مصطفى
في الوقت الذي يسعى فيه أقوياء الفلوس إلى تكديس جيوبهم ..وملئ أرصدتهم ..
وزيادة مخزونهم ( المترهّل ) من العملات الشرائية المختلفة ..
تجد ضعاف الفلوس يجاهدون في سبيل لقمة العيش ..
ويصارعون ـ أنفسهم فقط ـ لتأمين الحد الأدنى للأمان المعيشي ..
أي شيء يقيهم ذل السؤال ..
محاولات يائسة شتى تبعدهم ـ ولو قيد أنملة ـ عن الالتصاق بطبقة البهائم ..
قبل أن نسهب في التفصيل ، ونشرح من هم ضعفاء الفلوس ومن هم أقوياؤها ..
علينا أن نعود بالذاكرة إلى فترات الطفولة ، كيف تمت تربيتنا ( فلوسياً ) .!
في الوقت الذي كنت ـ وأخي ـ فيه نأخذ من المال القليل الذي يضعه والدي
( الحرفيّ ) تحت الراديو الخشب القديم ، وننطلق فرحين لشراء المثلجات ..
كان أبناء جارنا ( التاجر ) ينتظروننا أمام دكان العم صالح ..
معهم ـ تقريباً ـ نفس ما معنا من المال ..
إلا أن طريقة تعاملهم مع المال تختلف ..
يتأملونه بعين العاشق المتيم ..
ينصتون لصوت خشخشة الأوراق النقدية ،
التي تلهم القلب فرحاً وأملاً وحبوراً ،
يقبضونها بشيء من تقدير وحرص ..
أما نحن فكنا نقلبها بإهمال وتقصير ..
نأخذ المال على اعتبار أنه ( مصروف ) ونصرفه بناء على هذا الأساس ..!
ويقبضونه باعتباره ( قيمة شرائية ) .!
ولا أحد يفرّط بقيمة شرائية بهذه السهولة ، على الأقل ليس من أجل الآيسكريم .!
أما نحن فكنا نتخلص منه كما يتخلص مريض الطاعون من ملابسه ..!
لقد تعلّم أولاد الأثرياء اللعبة منذ الصغر ،
( قوي الفلس ) يشتري الرجال ،
يشتري ضمائرهم ،
يضمن ولاءهم ،
يداعب أفئدتهم ،
كلما زادت القيمة الشرائية التي بين يديه ، زادت قيمته بين الرجال ..!
تعلموا أن ما جعل والدهم ( شيخاً ) كفيل بجعلهم كذلك ،
هو لم تتقطّع رجليه في السعي خلف لقمة العيش .!
لم ينسلخ ظهره بعصا شيخ الكتاب .!
لم يحفظ القرآن ولا الصحاح .!
فقط تعلّم كيف يربي ( فلسه ) ..!
وبالمقابل تعلم أولاد الفقراء ، أن قرش اليوم لليوم ..!
وأن الله لم يسألك عن صلاة بكرة فلا تسأله عن رزق بكرة .!
وأن تصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب ..!
هكذا أجدني ـ رغم عدم إيماني بأن الفقر أمر جيد بحد ذاته ـ متحمساً لنقل ثقافة الفقر لأبنائي ، وأحفادي لو قدّر الله لابنتي أن تجن وتتزوج .!
رغم أنني متيقن أنني أورثهم شيء أشبه ما يكون بلعنة الفراعنة ..!
والآن أنا أمارس مع ابنتي ذات الفلسفة التربوية الفلسية التي كان يمارسها معي والدي ..
وأكرر على مسامع زوجتي ليل نهار ، بأن تصرف ما في الجيب يأتيها ما في الغيب .!
وأن الله لم يسألنا عن صلاة بكرة ..فلماذا نسأله عن رزق بكرة .. إلخ إلخ ..!
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك و لا تبسطها كل البسط.......
أظن أن الغني حتى لو آتاه الله الكثير من المال ... لا مبرر للاسراف....