في كتابها "ضفادع وعقارب" تورد الكاتبة الأميركية الشهيرة دورين كايز قصة عقرب كان يريد عبور النهر، فطلب من الضفدعة أن تنقله على ظهرها ولكنها نظرت إليه معربة عن قلقها قائلة: أخاف أن تلدغني وأموت بالسم، ولكن العقرب طمأنها بقوله: إذا فعلت ذلك فسوف أغرق وأموت معك، وأنا لست بهذا الغباء. فما كان منها إلا أن وافقت في الحال على طلبه، وفي منتصف النهر قام العقرب بلدغ الضفدعة، فنظرت إليه وهي على مشارف الموت متسائلة: أيها المجنون لماذا فعلت ذلك؟ فرد عليها في استكانة اعذريني يا عزيزتي فالطبع يغلب التطبع.
هي قص رمزية استخدمتها الكاتبة بصورة متقنة كي تعبر عن استحالة تغيير العادة حتى وإن أودى ذلك بحياتنا إلى الهلاك. وهذا بالطبع ما تفعله بنا العادات السيئة، فكم من عادة قضت على صاحبها ودمرته!
وأمامنا العديد من النماذج مثل عادة التدخين والإسراف والسهر لأوقات متأخرة من الليل وغيرها من العادات السيئة التي يتمنى الشخص نفسه أن يتخلص منها قبل أن تكتب هي نهايته. ويعرف علماء النفس العادة على أنها سلوك يقوم به المرء ويكرره لمرات عديدة إلى أن يصبح هذا السلوك جزءا من شخصيته، ومن ثم يصعب التخلص منه، ولكن كيف يحدث ذلك؟
البداية.. تكرار السلوك
العادات بصفة عامة سيئة كانت أم نافعة تبدأ باتباع السلوك لمرة واحدة من خلالها يقوم المخ ببرمجة الطريقة التي يتم بها أداء هذا السلوك، وبعد أن يتكرر السلوك مرة أخرى يعمد المخ إلى حفظ الطريقة وعند تكراره لمرات أخرى يعتاد المخ على هذه الطريقة، ومع مرور الوقت يقوم الفرد بأداء السلوك بطريقة سهلة وآلية.
وهذا يفسر لنا الطريقة التي نكتسب بها الخبرة في أعمالنا، فعند التحاق أي موظف جديد بعمل ما يكون مضطربا ولا يستطيع تأدية عمله مثل زملائه القدامى مما يستدعي طلبه لوقت كاف، (لاحظ أن هذه المرحلة هي بداية تكوين العادة)، ومع مرور الوقت وقيامه بالعمل لأسابيع قليلة يكتسب مهارة إلى حد ما ويؤدي عمله بطريقة أسرع مقارنة بالمرحلة الأولية (وهذه هي مرحلة برمجة المخ)، وعندما يستمر في وظيفته لسنوات طويلة نراه يؤدي عمله بصورة اعتيادية وفي تلقائية شديدة ربما نعجب منها، وهنا يكون المخ قد دخل في مرحلة التعود.
هذا عن مراحل تكوين العادة أما لماذا توجد صعوبة بالغة في التخلص منها؟
فمن الممكن أن تجيب عزيزي القارئ على هذا التساؤل بالنظر قليلا إلى السطور السابقة، حيث نلاحظ أن مخ الإنسان يمر بمراحل طويلة ومعقدة خلال تكوين العادات اليومية، ويكون عليه أن يرجع كل هذه الرحلة الطويلة إذا ما أردنا أن نغير من أنماط عاداتنا اليومية، وهذا ليس بالأمر الهين أو البسيط، فالمخ في حاجة شديدة أولا كي يقتنع بجدوى الرجوع، وهذا ما يفعله الأطباء والمختصون مع المدمنين وأصحاب العادات السيئة الأخرى. لذلك نسمع كثيرا أنه إذا أردت أن تتخلص من سلوك خاطئ أو عادة سيئة فعليك باستبدالها بعادة نافعة مثل ممارسة الرياضة أو القراءة. فهذه العادة النافعة الجديدة هي ما يستخدمها الخبراء لإقناع المخ وإلهائه كي يعدل عن عادته الذميمة التي يضيع في دروبها.
تلك كانت الآلية التي نكتسب ونمارس بها العادات والطباع السيئة. ولنا أن نطبق ذلك على كل الأفعال والسمات التي تميزنا جميعا. مثال ذلك عادة الغضب والقلق والتدخين وإدمان الإنترنت والتسوق والثرثرة لساعات طويلة بالتليفون، وكذلك السرعة القاتلة في قيادة السيارات وغيرها من العادات التي نود جميعا التخلص منها ولكن كيف يحدث ذلك؟
طرق فعالة للإقلاع عنها
لا تترك هذه العادات الفتاكة كي تنال منك وتتحكم في حياتك. صحيح أن بداخلك أصوات عديدة يوميا تناديك بضرورة الإقلاع عنها ولكن هذا ليس كافيا. حققي حلمك بالرشاقة وتخلي عن عاداتك الغذائية السيئة، وأنت حقق حلمك بصحة جيدة ولياقة عالية عن طريق تخلصك من الكسل والسهر لساعات متأخرة من الليل.
كل ذلك يمكن الوصول إليه عن طريق المثابرة ولكن مع الوضع في اعتبارنا للطرق والنصائح التالية..
1 - العامل الزمني:
إذا أردت تغيير عادة معينة فلابد أن نضع في اعتبارنا مسألة العامل الزمني، وهو أمر في غاية الأهمية. بعض العلماء يرون أن مدة شهر واحد تعتبر فترة كافية لتغيير أي عادة ذميمة، في حين يرى البعض ضرورة أن تمتد هذه الفترة إلى شهرين. وسواء اتفقنا مع أصحاب الاتجاه الأول أو الثاني فلابد من بذل قصارى جهدنا كي نتغير خلال هذه الفترة التي حددناها مسبقا، وتعتبر المدة من شهر إلى شهرين فترة موضوعية إلى حد ما، فإذا حددت مدة أقصر من ذلك فلن يستطيع المخ المرور بالمراحل المختلفة التي تساعده على التخلص من مثل هذه العادات. أما إذا تجاوزت المدة الزمنية لحاجز الشهرين فهذا معناه أنك لا تأخذ الأمور مأخذ الجد، وهذا الانطباع سوف يصل إلى مخك وبالتالي لن يكون هناك أي اقتناع بضرورة التغيير.
2 - التبديل والإحلال:
كما قلنا مسبقا قبل أن نقوم بالإقلاع عن العادة السيئة التي لا تعجبنا لابد أولا من التفكير في عادة بديلة أكثر نفعا. من الخطأ أن يصدم المخ وبطريقة مفاجئة عندما تتوقف عن القيام بالسلوكيات التي اعتدت عليها، ولتكن البداية بالجلوس قليلا مع أنفسنا والإمساك بورقة بيضاء وقلم، عليك الآن بعمل خط طولي يقسم الصفحة إلى قسمين على الجانب الأيمن نكتب الفوائد التي تعود علينا من اتباع هذه العادة السيئة. وعلى الجانب الأيسر نقوم بكتابة الأضرار أو الآثار السلبية التي تسببها لنا هذه العادة. في النهاية انظر إلى شكل الصفحة سوف تجد أن الأضرار تفوق بكثير أي متعة مؤقتة وسريعة يمكن أن نحصل عليها. أليس ذلك كافيا كي نقتنع بالبعد عن هذه العادة المضرة؟ بعد أن اقتنعنا بسلبيات هذه العادة علينا أن نفكر الآن في واحدة أخرى كي تحل محلها، من المفيد أن تكون هذه العادة الجديدة متعلقة بهواية أو اهتمام معين للفرد، بحيث يمارسها باستمتاع ولا يمل منها وبالتالي يسهل على المخ تعلمها وبرمجتها وحفظها. هناك العديد من الناس الذين هربوا من سلوكياتهم السلبية بالكتابة ولم يمض إلا زمن قليل حتى أصبحوا من أشهر الكتاب، لأن الهواية كانت موجودة من الأساس، كل ما فعله هؤلاء هو استثارة هذه الملكة لديهم.
3 - البداية الصغيرة:
مخطئ من يعتقد أن تغيير العادة يحتاج إلى قوة الإرادة، فنحن في هذه الحالة بحاجة أكثر إلى الصبر والمثابرة وليس قوة الإرادة، فلا تتوقع أنه بمقدورك التخلي عن بضع من العادات السيئة في حياتك دفعة واحدة، لأن ذلك مستحيل من الناحية العملية كما فهمنا سابقا. لتكن البداية صغيرة حيث نتخلص من بعض السلوكيات المرتبطة بالعادة أولا ومن ثم يعطيك ذلك دافعا كي تتقدم خطوة إلى الأمام وتفكر في الإقلاع عن العادة نفسها، أما إذا وضعت الأهداف الكبيرة والخطوات طويلة الأمد خاصة مع هذا الموضوع الشائك فسوف تنتظر طويلا، وربما يصيبك ذلك بالملل، ومن الممكن أن نهمش الفكرة أو نتخلى عنها تماما.
4 - التدوين:
في كل مرحلة نمر بها خلال بحثنا للتغلب على العادات السيئة لابد أن نقوم بتدوين كل شيء مثل الأهداف والخطط وكذلك مراحل التطور والتغيرات التي تطرأ. يساعدنا كل ذلك على إحداث حالة من الوضوح والبعد عن التشوش والضبابية، وعندما تكون الخطوات والأهداف واضحة سوف يكون ذلك دافعا قويا للإنجاز والتقدم.
5 - الابتعاد عن مواطن الإغراء:
إذا قررت أن تقلع عن عادة معينة فلابد أن تبتعد عن كل الأمور المتعلقة بهذه العادة. تلك الأمور التي يمكن أن تجرك مرة أخرى إلى براثن العادة من جديد، فلا يجب أن تقرر الإقلاع عن التدخين في الوقت الذي تواظب فيه على الجلوس مع أشخاص يدخنون بشراهة. وليس مقبولا أن تنوي الابتعاد عن الوجبات الاستهلاكية مثل الشيبس والشيكولاتة في حين تقوم بشراء كم هائل من هذه المنتجات وتكديسها بالمنزل. المطلوب أن نبذل قصارى جهدنا كي نمنع حدوث أي انتكاسة لجهودنا.
6 - استخدام كلمة "لكن":
وهي خدعة نفسية يوصي بها الأطباء النفسيين وذلك باستخدام كلمة (لكن) لمقاطعة أفكارك السلبية، مثال ذلك عندما تجد نفسك تلقائيا تردد «ليس لدي المقدرة على الاستمرار في هذا العمل» لابد أن تسرع بإرفاق كلمة لكن للعبارة السابقة مثال ذلك «ولكن سوف أحاول قدر المستطاع»، وبذلك يظل لديك الدافع للاستمرار.
7 - لا تطلب المستحيل:
لا تهدف للوصول إلى المثالية في حياتك لأنه ببساطة لن يتحقق لك ذلك، بل ربما لا تنجح في الإقلاع عن أي سلوك سلبي إذا وضعت ذلك في ذهنك، كل ما يمكنك التخطيط له هو ضرورة الابتعاد عن العادات السلبية التي تعيق حياتك وتؤثر عليها بشكل ملحوظ، وفي نفس الوقت حاول بقدر الإمكان أن تقلل من سلوكياتك السيئة، وليس من الواقعي أن تستيقظ من نومك وتقرر أنك سوف تتخلى عن جميع السلوكيات والعادات السلبية.
8 - ابدأ من الآن:
إذا وضعت في ذهنك أنك عازم على التغيير فلمَ الانتظار؟! لاحظ أن انتظارك لبداية العام أو بعد العودة من العطلة أو بعد أداء الامتحان أو التأجيل لأي وقت، كل ذلك يعتبر بمثابة هروب من الموقف الحقيقي، ابدأ من الآن وتخلى عن عاداتك السيئة وأبعدها عن طقوسك اليومية قبل أن تتحكم في حياتك وتدمرها.
بطة 2009 @bt_2009
محررة ذهبية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة