من طبيعة الإيمان الحق إذا تغلغل في سويداء النفس،
أن يملى على صاحبه أعمالاً تتجلى أنواراً وهداية في دنيا الناس
وتتبدى أخلاقاً حسنة تجعله كالشامة بين الخلق في هذه الحياة
التي نضحت بالشر ، و استعلنت فيها الرذائل ، و تعملق فيها الرويبضة..
***
إن طبيعة الإيمان هذه لتملى على صاحبها :
أن ينصب بين عينيه هدفاً محدداً معلوماً يعمل من أجله ،
وينشغل فكره كله به ، ويقصر ولاءه كله عليه،
و يضحى في سبيله بما تملك يداه ..
فيحيا في دنيا الناس بروح السماء . أشد نقاء من ماء المزن ،
وأعلى رفعة من برج الشمس ، وأكثر روعة من صحو السماء .
**
يمضى في الأرض ليصنع حياة الحياة ،
وقلبه معلق بالعرش ، وروحه تحلق في أجواء الملائكة ،
لا تستخفه الأهواء .. و لا تستذله الفتن المبثوثة في كل الطريق..
ولا تخدعه الشعارات البراقة .. ولا تفزعه الأقزام المنتفخة انتفاخ الفقاقيع..
ولا تزعزعه الدعايات الكاذبة ، و الأقاويل الملفقة ،
ولا يميل كالقشة في كل ريح.. لسان حاله :
ماضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي *** والموت يرصدني في كل منعطفِ
***
والذين لا يعرفون هذه الحقيقة لم يعرفوا هذا الدين بعد..
ولم يعرفوا صناعة هذا الدين للإنسان ..
ولم يعرفوا ماذا يمكن أن يفعل القرآن بالمسلم
حينما يقبل عليه بحق وفي شوق ، وفي رغبة ،
وفي عزم على أن يأخذ ما يأمره به بلا هوادة :
((انه لقولٌ فصل وما هو بالهزل))..
(( يا يحيى خذ الكتاب بقوة))..
((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا))
**
إنك لا تجد حيثما قلبت كتاب الله عز وجل إلا ارتباطاً وثيقاً بين :
الإيمان والعمل الصالح ..
وارتباطاً وثيقاً بين الإيمان الحق وثمراته الرائعة في دنيا الناس ..
شأن الإيمان في هذا شأن الزهرة
ما أن تتفتح حتى يعبق أريجها ، ولا تملك له حيله ولا دفعاً ..
**
وكذلك هو الإيمان إذا نضج واستنار به القلب :
فاح شذاه ، و أينعت ثماره ، وامتد ظله وتنوعت أزهاره .
فرأى الناس أعمالاً طاهرة نقية ووجها صبوحا وحديثاً عذباً
وأملاً قوياً لا يعرف لليأس معنى ، وهمة عالية تناطح النجوم ،
ومعاملات ملائكية رقيقة راقية ربانية ..
((ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون))..
****
وكأنما استيقظ صاحبنا بعد رقاد طويل ،
أو كأنما نزع عن عينيه غشاوة كانت تمنعه عن الرؤية الصحيحة ،
بل أنه – كما عبر القرآن – انتفض حياة بعد موت :
((أو من كان ميتاُ فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشى به في الناس)) ..
نعم .. كان ميتاً موتاً معنوياً
لا يدري من هذه الحياة إلا كعبة هواه يطوف حولها..
عيناه على الطين ، وقدماه غائصتان في الوحل ..
يعيش في حجر أضيق من حجر الضب وهو يظن أنه أوسع رحاب.. !!
**
فلما استيقظ بالإيمان ، وانبعث في قلبه النور:
انطلق من قمقمه الصغير إلى الفضاء الرحب يحلق في أجواءه
ينظر إلي الدنيا من عل عال ..
فاتسعت آفاقه وامتدت إلى الآخرة وما وراء الغيب وترعرعت أفراح قلبه
وأخذت تتجدد في كل يوم ..
وإذا كل يوم في حسه الجديد- غنيمة كبيرة تستحثه لمزيد من شكر الله
لهجاً باللسان وعملاً بالجوارح
فإذا هذا الكون -- على رحابته – لا يسع فرحته وهو يحس أنه مع الله وبالله ..
ولا يملك إلا أنت يردد :
((نحن في لذة لو علمها الملوك و أبناء الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف)).
****
لقد أخذت الحقائق تتجلى أمام عينيه علي طبيعتها ،
تقول له ويسمع منها..
وإذا هو يرى النقاط على الحروف فوق كلماتها لا تزيغ
__ مهما حاول صغار النفوس أن يلعبوا بها ويحرفوا الكلم عن مواضعه __
وإذا الأشياء غير الأشياء في معانيها ..
وإذا الأمور التي كانت ترعبه ، أصبحت لا تزيده إلا إيمانا وتسليماً
واصبح لا يراها حقيقة إلا قدرا من أقدار الله ، فيه لطف ومعه رحمة ،
وفوقه إرادة .. فإذا هو يقول في ثقة وهو يراها تستعرض انتفاشها أمامه :
(( هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله))
***
وكذا العمالقة والنجوم الذين كان يعلق عينيه بهم ليرتسم خطاهم
قد أصبحوا- وهم هم – جديرين بالشفقة والرثاء ..!!
– بل والازدراء حين يراهم يمضون في طريق الضلالة
يؤزهم فيه إبليس بلا هوادة –
بل يصبح هؤلاء أنفسهم أقزاما يتعجب من نفسه وهو يراهم
كيف كان مشدوداً إليهم متعلقاً بهم كل تلك المدة المتطاولة من الزمن؟!!
ويكتشف أنه كان غائبا عن الوعي ، مخدر الأعصاب ، بارد الإيمان ..!
****
واذا به يقرأ الوجود كله قراءة جديدة تزيده إيمانا في كل مرة .
انه الإيمان العميق الذي يقلب كل شيء في الكائن البشري .
فإذا الموازين كلها تتغير لتكون على هدى من الله ..
ويتبع ذلك بالضرورة أن تتغير السلوكيات والأخلاق والمفاهيم
والاهتمامات والمشاعر و هلم جرا.. فإذا الدنيا غير الدنيا ..
وهل هذا كله إلا بعض رشحات الآية الكريمة :
(( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم
ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون )).
***
فوظيفة الرسل عليهم السلام – و الدعاة كذلك-
بل كل مسلم ومسلمة ينبغي أن يكون كذلك وظيفتهم الرئيسية :
أن يحققوا هذه المعاني في دنيا الناس ،
وأن يعملوا على تعميق الإيمان في القلوب بكل وسيلة وفي كل مناسبة ،
وأن يجتهدوا في تزكية النفس البشرية على هدى الله عز وجل ،
فيرتفعوا بها صعداً إلى السماء ..شعارهم :
يا ريح الإيمان وكنز العزة والفخر
نسماتك تغمر ساحات فؤادي بالبِشرِ
تسمو بي تقذفني في دنيا الخيرٍ
فأنادي القدرا ......أن يهدي البَشرا
***
فالإيمان العميق أولا وثانياً وثالثاً .. وعاشراً ومائة ..
ثم بعد ذلك تسهل معالجة الأمورالتي يراد إصلاحها
أو تغييرها في النفس الإنسانية ، أو في المجتمعات البشرية ..
**
تُرى لو كانت وسائل الأعلام- على اختلافها- ومناهج التربية –
من ألفها إلى يائها – والنوادي الرياضية والثقافية وغيرها
مما له سبب الى الاتصال بالجماهير .. تُرى لو عملت كل هذه مجتمعة
على تحقيق الإيمان في النفوس وتعميقه وترسيخه..
ماذا سيكون الحال ؟ وما الذي سيحدث وكيف يمكن أن تكون الثمار ...؟!!
****
بكلمة جامعة نقول موقنين واثقين :
ان مشاكل لا حصر لها ستنتهي ، وأن نفوساً كثيرة ستستقيم ،
وأن شروراً متعددة ستخبو ، وأن قلوباً شتى ستستنير ،
وأن مجتمعا حلواً متماسكاً ، قوياً نفيساً طاهراً كالشامة
سيظهر في الواقع على عيون النهار..
**
ترى هل هناك عاقل واحد في العالم لا يحب هذه الثمار
– وغيرها كثير مثلها- أن يكون وأن يتحقق؟!
الإجابة البديهية تقول لا .... ولكن الواقع المر يقول : بلى ،
هناك أناس قد شوهت الفطرة في نفوسهم ، وطمست بصائرهم
يصيحون كالمجانين وهم يرون مثل هذه الثمار الرائعة تتحقق ويتنادون :
(اخرجوا آل لوط من قريتكم انهم أناس يتطهرون!!!))
***
فالذين يحاربون الفضيلة ويشيعون الفاحشة ويشجعون على الرذيلة
يندرجون شاءوا أم أبوا – مع هذا الصنف الناقص من الناس ،
الذين لا يحبون الطهارة والطاهرين!!..
هم اشبه ما يكونون بالدود الذي لا يعشق إلا العيش في المستنقع !!
لهم خزي و ذلة في الدنيا .. وفي الآخرة عذاب شديد
سينسيهم لذا ذات الدنيا التي كانوا يتوهمونها فأنستهم الله عز وجل:
(( نسوا الله فأنساهم أنفسهم)) ...
(( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)).
ولكن يبقى قوله الله تعالى هو القاعدة التي لا تتغير :
(( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ))..
((إنا لننصر رسلنا والذين أمنوا في الحياة الدنيا))- الآية.
والموعد : الله ...... فانتظروا إنا منتظرون ..
----
تعال نؤمن ساعة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

جـــزاك الله كل خير سحابــــة الخـــــير
اعوذ بالله الله يحمينا ويستر علينا جميعا
والله يجازي كل من ينشر الفساد في الأرض
:24: مشكورة حبيتي مثل العادة متألقة يالغالية
اعوذ بالله الله يحمينا ويستر علينا جميعا
والله يجازي كل من ينشر الفساد في الأرض
:24: مشكورة حبيتي مثل العادة متألقة يالغالية

أختي الحبيبة.......
والله ان موضوعك لرائع حقا... وكلماته تلامس شغاف القلب .
جزاك الله كل الخير:24: :26: :24: :26:
والله ان موضوعك لرائع حقا... وكلماته تلامس شغاف القلب .
جزاك الله كل الخير:24: :26: :24: :26:


صبوحة
•
موضوع اكثر من رائع اختي سحابة الخير ....
جزاك الله خير وبارك فيك .....
وجعله الله في ميزان حسناتك...
جزاك الله خير وبارك فيك .....
وجعله الله في ميزان حسناتك...
الصفحة الأخيرة
جزاك الله خير وبارك فيك ..:26: