طعم الايمان

ملتقى الإيمان

إنَّ للإيمان طَعمٌ يفوق كلَّ الطعوم، وله مذاقٌ يعلو على كلّ مذاق، ونشوةٌ دونَها كلُّ نشوة. حلاوةُ الإيمان حلاوةٌ داخليّة في نفسٍ رضيّة وسكينة قلبيّة، تسري سَرَيان الماءِ في العود، وتجري جَرَيان الدّماء في العروق، لا أرَقَ ولا قلق، ولا ضِيق ولا تضيِيق، بل سعَةٌ ورحمة ورضًا ونعمة: {ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيمًا} ، {ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ} 
الإيمانُ بالله هو سكينةُ النّفس وهداية القلب، وهو منارُ السّالكين وأمَل اليائسين وأمانُ الخائِفين ونُصرة المجاهدِين، وهو بشرَى المتّقين ومِنحَة المحرومين. الإيمانُ هو أبو الأمَل وأخو الشّجاعة وقرينُ الرجاء، إنّه ثقةُ النّفس ومجدُ الأمّة وروحُ الشعوب.

إذا صحَّ الإيمان ووقر في القلبِ؛ فاضَ على الحياة، فإذا مشَى المؤمن على الأرضِ مشى سويًّا، وإذا سار سار تقيًّا، ريحانةٌ طيّبةُ الشّذى، وشامةٌ ساطعة الضّياء، حركاته وسكناتُه إيمانيّة مستكينة: (فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمَع به، وبصرَه الذي يبصِر به، ويدَه التي يبطِش بها، ورجلَه التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه).
من ذاقَ حلاوةَ الإيمان طابَ عيشُه وعرف طريقَه، ومن عرف طريقَه سار على بصِيرة، ومن سارَ على بصيرةٍ نال الرّضا وبلغَ المُنى.
نَعم، يمضِي في سبيلِه، لا يبالي بِما يلقى، فبصرُه وفكره متعلِّق بما هو أسمَى وأبقى: {يـٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ *ٱرْجِعِى إِلَىٰ رَبّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً} ، {أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مّن رَّبّهِ} .
هَل رأيتَ زِيًّا ومنظرًا أحسنَ وأجمل من سَمت الصّالحين؟! وهل رأيتَ تَعبًا ونصبًا ألذّ من نعاسِ المتهجّدين؟! وهل شاهدتَ صافيًا أرقَّ وأصفى من دموع النّادمين على تقصيرهم ومتأسِّفين؟! وهل رأيتَ تواضُعًا وخضوعًا أحسنَ من انحناء الراكعين وجِباه السّاجدين؟! وهل رأيتَ جنّةً في الدّنيا أمتع وأطيب من جنّة المؤمن وهو في محراب المتعبِّدين؟! إنّه ظمأ الهواجِر ومجافاة المضاجع، فيا لذّةَ عيشِ المستأنسين. هذه حلاوتُهم في التعبُّد والتحنّث.
أمّا حلاوتُهم في سَبح الدّنيا وكدِّها وكدحِها فتلك عندهم حلاوةٌ إيمانيّة، تملأ الجوانِحَ بأقدار الله في الحياة، اطمئنانٌ بما تجري به المقادير، رضًا يسكن في الخواطِر، فيُقبِل المؤمن على دنياه مطمئنًّا هانئًا سعيدًا رضيًّا مهما اختلفت عليه الظروفُ وتقلّبت به الأحوال والصّروف، لا ييأس على ما فات، ولا يفرَح بطَرًا بما حصّل. إيمانٌ ورضًا مقرون بتوكّلٍ وثبات، يعتبِر بما مضَى، ويحتاط للمستقبَل، ويأخذ بالأسبابِ، لا يتسخّط على قضاءِ الله، ولا يتقاعَس عن العمل، يستفرغ جهدَه من غير قلَق، شعارُه ودثارُه: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} . موقنٌ أنّ ما أصابَه لم يكن ليخطِئَه، وما أخطأه لم يكن ليصيبَه، لو اجتمع أهلُ الأرض والسماوات على نفعِه بغير ما كتِب له فلن يستطيعوا، ولو اجتَمَعوا على منعِه ممّا قدِّر له فلن يبلُغوا، لا يهلِك نفسَه تحسّرًا، ولا يستسلِم للخَيبة والخُذلان، معاذَ الله أن يتلمّس الطمأنينةَ في القعودِ والذّلّة والتّخاذل والكسَل، بل كلّ مساراتِ الحياة ومسالكِها عنده عملٌ وبلاء وخير وعدل وميدانٌ شريف للمسابقاتِ الشّريفة، جهادٌ ومجاهدة في رَبَاطة جأش وتوكّل وصبر،
 من فقَد الإيمانَ انفرَط أمرُه وانحلّ عِقده، يقول ويفعَل من غيرِ رقيب، ويسير في دنياه من غير حَسيب، سيرتُه مطبوعةٌ بطابَع الأثَرَة والأنانية، معدومُ الثّقة بنفسه وبالنّاس، يحلّ التّدابُر عندَه محلَّ التّراحُم، والتفرّقُ محلَّ التعاون. بغيرِ الإيمان وحلاوةِ الإيمان يعودُ النّاس وحوشًا ضَارية، يقطَعون حبالَهم مع الله ومع النّاس، انقادوا لنفوسِهم الأمّارة بالسّوء، واجتالتهم شياطينُ الجنّ والإنس.
والحضارة المعاصِرة بمادّيتها المغرِقة وتِقانيتها الجافّة خيرُ شاهدٍ على أنّ السعادةَ والحلاوة لا تحقِّقها شهواتُ الدّنيا ولا مادّيّاتها، لا ترَى المرءَ فيها إلاّ منهومًا لا يشبَع، شهواتُه مستعِرة، ورغباتُه متشعّبة، يجرّه الحِرص على الخِصام فيشقى ويُشقِي، ويغرِس العداوةَ والعدوانَ حيثما حلّ وارتحَل.
لقد أورثَتهم حياتُهم هذه أمراضًا نفسيّة واضطراباتٍ اجتماعيّةً وتقلّبات فكريّة، كان مفزعُهم إلى المخدّرات والمهدِّئات والعيادَات النّفسيّة والعلاجاتِ العصبيّة: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ} ، {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى ٱلسَّمَاء} 
 
3
316

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

متجر ضي القمر
متجر ضي القمر
جزاك الله خير
اغرودة الحياة
شكرا لك
أمجاد ومنار
أمجاد ومنار
قال صلى الله عليه وسلم : ( ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا) (رواه مسلم وغيره)
وقال صلى الله عليه وسلم : (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وأهله والناس أجمعين) (البخاري ومسلم


يارب حبب الينا الايمان وزينه في قلوبنا وارزقنا منه حظا وافرا يرضيك عنا ويرفعنا الى اعلى منازل الفردوس الاعلى

اللهم صل وسلم وبارك على الحبيب المصطفى واله وصحبه وسلم

بارك الله فيك ونفع بك وجزاك خيرا وزادك من واسع فضله