طفلك والعبادة.

ملتقى الإيمان

حين غفل الناس عن مقتضيات العبادة وانقطعت عن لوازمها ونتائجها المترتبة عليها؛ انحسرت ساحتها في النفوس عند من يؤدونها، وأصبح المطلوب كله هو أداء الشعيرة بأي صورة كانت ولو كان أداءً آليا بلا ورع.. هذه هي الصورة التي انتهت إليها العبادة - لدى البعض - في عصرنا لا نريد أن تنتقل إلى الأجيال القادمة، بل نريد أن يعود إلى العبادة مفهومها الشامل ، وذلك عن طريق غرس المفاهيم الصحيحة في نفوس أبنائنا منذ الصغر.

وقد حث الإسلام على تعويد الأطفال العبادة منذ نعومة أظفارهم، فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شأن الصلاة: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر". وكان السلف يعطون أبناءهم فرصة التعود على الصيام، ففي صحيح مسلم عن الربيع بنت معوذ قالت عن يوم عاشوراء: "فكنا نصومه، ونصوم صبياننا الصغار ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار".

ولا بد من تدريبهم على الوضوء والحرص على تطبيقه أمامهم وعقد المسابقات بينهم في كيفية الوضوء الصحيح ويتم تدريب الولد الذكر على الأذان ويترك ليرفع صوته بنداء الحق فيتعلم الجرأة في دينه والافتخار بإسلامه.

وقد أعطى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصحابة الصغار فرصاً فعلية لتحقيق العبادة، فبايع عبدالله بن الزبير وأقرانه في مسجد المدينة وهو ابن سبع سنين.. وليس ذلك فحسب، بل أعطى صبياً من الأطفال درساً في المعاني الروحية للعبادة. فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: "قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم ـ وأنا صبي: يا بني، إياك والالتفات في الصلاة فإنه مهلكة، فإن كان ولا بد ففي التطوع لا في الفريضة". وهكذا يعلم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصبيان الخشوع في الصلاة والسكينة فيها، ويعظم له شأن الفرائض، ويعطيه فرصة للتدرج في تعويد النفس الانضباط والاستفادة من القيم الروحية للصلاةعابد صغير
ومن جملة ما جاء الإسلام به: تعويد الطفل على قراءة القرآن وتدبر معانيه وحفظه وترتيله، وحبذا لو تولى رب الأسرة عقد جلسة أسبوعية لأهل بيته في تسميع جزء مقرر وتفسيره وتوضيح معانيه، ويصاحب ذلك تعليمه آداب التلاوة وتوقير المصحف وحسن الاستماع للتلاوة.

ومن التربية العبادية للطفل: تعليمه أحكام الحلال والحرام، ومراعاة ذلك


في لباسه وأكله وشربه وجميع شؤون حياته حتى وهو صغير، إذ يرى الفقهاء أن الطفل الصغير لا يمكّن من فعل المحرم، فإن فعله بعلم والديه ورضاهما فإثمه عليهما.. فيعلم الطفل أن تصوير ذوات الأرواح محرم، وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب أو صورة، فلا يعلقها، بل يؤمر بطمسها من ثيابه وألعابه وجميع الأشياء، ويكون في ذلك درس عملي لإنكار المنكر وإزالته.

كما تربط تصرفات الطفل بالأحكام العبادية التكليفية فيقال له أن الأكل أو الشرب بالشمال محرم وأنه من صفات الشيطان، وأن النوم على البطن مكروه، وأن الشرب والأكل واقفاً مكروه.. وهكذا..


وكما نحرص على أن يطبق الطفل ذلك في نفسه نحرص أيضاً أن يدعو إلى ذلك غيره، ونغرس في نفسه حب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يدعو إلى الخير أقرانه فإن رآهم على منكر نصحهم فإن استجابوا وإلا فارقهم. وما أجمل الطفل حين يقدم على هذه الشعيرة بشجاعة، ويغار على حرمات الله، بل قد يكون سبباً في هداية أبيه أو أخيه أو من هو أكبر منه.

لا شك أن التربية على العبادة تختلف من سن إلى سن، فالصبي الذي يعقل ويدرك ويصون الحرمات لا بأس أن يذهب به أبوه إلى المسجد لتعويده الجماعة، بشرط أن لا يؤذي عباد الله ولا يشوش عليهم صلاتهم.

والطفل في سن السابعة والثامنة يفهم معاني الجهاد؛ فتروى له قصص الشهداء في صدر الإسلام، وقد كان السلف يربون أبناءهم على ذلك، وتذكر كتب السيرة أن عبدالله بن الزبير حينما أفصح كانت أول كلمة نطقها هي: "السيف السيف". ومن جميل ما يذكر أيضاً: تلك القصة التي تذكرها كتب السيرة والتاريخ حينما أراد الإفرنج غزو بلاد الأندلس فأرسلوا إليها أحدهم خفية، فرأى حين دخوله طفلاً يبكي عند شجرة فسأله عن سبب بكائه فقال له إنه أراد أن يصطاد عصفورين برمية واحدة فصاد أحدهما وطار الآخر.. فلما أراد أن يقنعه بذلك، قال له: لقد علمني أبي أن أصيب عصفورين برمية، حتى إذا جاء العدو أصبت منهم رجلين بسهم . فتركه ومضى خائباً إلى قومه يروي لهم شجاعة المسلمين وأبناءهم.. وذلك حينما كان الآباء يدركون مسؤولياتهم نحو أبنائهم، الأمر الذي أخرج للتاريخ جيلاً فريداً لا زلنا نتغنى بمآثره.

ومن التربية العبادية للطفل: تعويده الدعاء وتبصيره بأهميته في حياة المسلم، وقد كان أنس – رضي الله عنه – إذا ختم القرآن جمع أولاده وأهل بيته ودعا بهم جميعاً.

وكذلك تعويد الأطفال أن يسألوا الله حاجاتهم، ويطلبوا منه التوفيق عند الإقدام على اختبار ونحوه، مع التوكل على الله وبذل الأسباب.

كما ينبغي تعويدهم الأذكار صباحاً ومساءً وعند سائر شؤونهم، مع بيان أهمية الذكر لهم بطريقة تحبب هذه الشعيرة إلى نفوسهم.

وأخيراً: فإن الصدقة من أحب الأعمال إلى الله، وهي تطفئ غضب الرب، ولا بد من ترغيب الأطفال فيها لنخرج من نفوسهم الشح والبخل والأنانية وحب الأثرة التي غالباً ما تبدو واضحة لديهم .. ويمكن تخصيص صندوق صغير في غرفة الطفل يضع فيه الصدقة من وقت لآخر، ويمكن أن يوصلها بنفسه إلى ذوي الحاجة أو إلى من يقوم بتوزيعهـا، وإذا ارتكب معصية يقال له: تصدق واستغفر الله ؛إن الصدقة تطفئ غضب الرب".

ولا نغفل أهمية القدوة الصالحة وأن يسعى الوالدان ليكونا مثالاً عملياً للحرص على العبادة. ولا بأس بالثناء على الطفل أمام الكبار من الأهل فيما يتعلق بالتزامه لأنواع العبادة، مع ضرورة الانتباه إلى حسن النية وسلامة القصد، لا أن يسعى إلى مدح
ا لناس وثنائهم.


مـــــنقـــــول.
1
460

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

اكادونيا
اكادونيا
كلمات عظيمه فبارك الله فيك
...ولو اننا انشئنا ابنائنا على السنه النبويه منذ نعومة اظفارهم لاصبح لدينا جيل حق لنا ان نفخر به
لان الطفل عجينه لينه سهلة التشكيل.تتقبل ولديها سرعة الحفظ والتركيز..ولم يشغل باله بهم الدنيا