عاطفة الأبوة ... من يستطيع تحليل ماهيتها؟ أو كيف و متى يبدأ الشعور بها؟ من ناحيتي، لم أشعر بالأبوة إلا بعد ابتعادي عن ولدي الوحيد ذي السنتين من العمر. فبحكم ظروف عملي، اضطر أحياناً للابتعاد عن عائلتي خارج الوطن لمدة ثلاثة شهور متتالية.
ليلة سفري الأخير، كنت جالساً على سريري أقرأ الصحيفة، فإذا بابني يأتي إليّ حاملاً في يده ما شد اهتمامه: سلسلة مفاتيح خاصة به و كشّاف صغير. جلس بقربي و استلقى على ظهره، ونظر إليّ بعينين عسليتين رائعتين و قال:" أبي ... احكي لي قصة ". بدأت أروي قصته المفضلة و إذا به يقاطعني ليسألني عن موعد سفري و عن إمكانية ذهابه معي. و لأني أردت أن ينام سريعاً لأعود لصحيفتي، أجبته:" نعم ... و لكن عليّ الذهاب غداً إلى الأمن العام لإحضار جواز سفرك ".
لم أكن أعي أهمية وعدي له، وفي اليوم التالي جاء موعد السفر و كان ابني نائماً، قبلته كالعادة وودعت العائلة و مضيت في طريقي. وصلت إلى مقر عملي في جدة، فتحت حقيبتي لأفرغ محتوياتها و ... أحسست كأن تياراً كهربائياً صعقني و حناناً جامحاً غمرني حين رأيت سلسلة المفاتيح و الكشاف الخاص بابني. لقد صدّق حقاً أنه سيرافقني، ووضع أغراضه العزيزة على قلبه في حقيبة سفري ظناً منه أنها ستكون حقيبة سفره أيضاً. تركت كل شيء و أسرعت أتصل بالعائلة و طلبت أن أتحدث إليه، و كانت أول جملة قالها لي:" بابا، هل سيعطونك جواز السفر؟ "
طوال الأشهر الثلاث التي قضيتها بعيداً عنه كنت أتوق لضمه إلى صدري و تقبيله. و كلما فكرت بهذه الحادثة تدمع عيناي لأني وعيت، منذ ذلك الحين، معنى أن أكون أباً صادقاً، يفي بوعده و أقسمت أن تكون كلمتي وعداً ينفذ و إلا فالصمت أفضل.

ام احمد @am_ahmd_1
محررة
هذا الموضوع مغلق.
الصفحة الأخيرة
مااجمل الصدق في كل الامور فالصدق منجاة
لكن ياام احمد هل لنا ان نعرف راوي القصه لانها بلسان والد؟؟؟؟؟؟؟