طلب العلم.. بين الثمرات الآفات

العلم بحر لا تُكَدِّرُهُ الدِّلاء.. ولن يتسنى لبشر أن يُدرك غوره، ولا أن يسبَر قعره.. ولكن ينبغي على طالب العلم أن يصدق الله القصد، وأن يبدأ بصغائر العلم قبل كباره، وبالأهم فالأهم، وبالفرائض قبل الفضائل، وبالسهل قبل الصعب، وبالقريب قبل البعيد، وبالأصول قبل الفروع، وأن يصبر ويثبت ويكابد الصعاب، ويتلطف مع العلماء بجميل الخطاب، فيتحرى في حديثه إليهم الألفاظ المتخيَّرة، والمعاني المنتخبة، والألفاظ العذبة، والجُمل الجذلة، ولا يُكثر عليهم الكلام، ولا يتقللْ لهم في الدعاء .
فإذا كتبتَ إليهم؛ فتخير جياد الأقلام، وجياد الأوراق، وجياد المناسبات، ثم خط بقلمك الديباجة الكريمة، والألفاظ الظريفة، والجمل اللطيفة، والسَّبك الجيد، وكلما كتبت إلى العالِم فلا تبخل أن تكتب في كل مرة – عند ذكر اسمه -: " حفظه الله " ، أو " بارك الله لنا فيه". أو "أعزه الله".. وما شاكل ذلك وضارعه من جميل الجُمل ولطيف الفِقر.
{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} الكهف66
اللجوء إلى العليم:
وإذا طلبت العلم، فاسأل الله أن يصفّي ذهنك، وأن ينقح فكرك، وأن يثقف عقلك، وأن يهذب خُلقك، وأن يكفيك الشواغل العارضة، والقوى المتقسمة، والمصائب الباغتة، واستعذ به من استوحاش الفكرة، واستثقال القراءة، وجمود العقل، وصعوبة الحفظ، وسوء الظن بالعلماء وطلاب العلم، فالعلم رحمٌ بين أهله.
{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} الكهف66
التحذير من السُّمعة وأخواتها
يا طالب العلم: في كل مسألة تبحثها: احذر السُّمعة، وحب الشهرة، والنَّفج والاستطالة، والكبر والزهو والمغالبة، والغرور والمجاذبة، وعليك على ذلك بالمجاهدة، والانبتات إلى الله والمسارعة. وإياك إياك، أن تماري الفقهاء أو أن تتعالم على العلماء أو أن تتعمّل الحكمة عند الحكماء، ولكن إذا حضرت إلى هؤلاء فانهل في تواضع من حكمتهم.
{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً
الاختلاف بين الأصول والفروع:
واعلم أن من اختلف في الفروع لم يُؤثَّم، بيد أن من اختلف في الأصول يُحَوَّب. ولا تفعل صنيع هؤلاء الذين فسَّقوا القاصي والداني، ممن اختلف معهم في كل فرع وفي كل مسألة، فمن اختلف معك في مسألة اتفق معك في مسائل وأصول، فالاختلاف حول الفرع رحمة، والاختلاف في الأصل مذلة.
الطعن في العلماء
يا طالب العلم! إياك والطعن في العلماء، وإياك والنمائم فإنها تزرع الحقد والضغائن، وإياك ومصاحبة الألد الخصم فإنه صخرة لا ينفجر ماؤها إلا بعظائم المعاول.
حذراي من اغتياب أهل العلم!
هي سلوكيات غير شرعية، بل محرمة، فهي داخلة تحت السعاية، وداخلة تحت الغيبة، وداخلة تحت النميمة، وداخلة تحت " ذكرك أخاك بما يكره"، والله تعالى يقول: "وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ "الحجرات12، وقال تعالى: {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ} القلم11، وهماز: الطعان، فهو يهمز المؤمنين ويمشي يطعن في الناس، وقال تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} الهمزة1، أي الذين يهمزون ويلمزون المسلمين، وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ"
وإياك وهؤلاء الذين يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالآيات والأحاديث، وقسَّموا الدين إلى قشر ولباب، وَيَقُولُونَ: هذا حُكم الله، وما هو حُكم الله، يتقعرون في الكلام، ويتفيهقون في الأحكام، يتشدقون، ويُغالون، ويظنون بالمؤمنين ظن السوء. وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا إِخْوَانًا "، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ؛ مَسَاوِيكُمْ أَخْلَاقًا: الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَدِّقُونَُُُُ "، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُ فِى الدِّينِ".
الصناجة:
ولا تدور على العلماء في المسألة الواحدة، التي أُهلكت بحثًا، لتقع على رأي يوافق هواك، كالصناجة تدور على البيوت، وتطوف في الحوانيت، لم تبذل شيئًا لنفسها ولا لغيرها غير الأنَّ والرنَّ، والنعير والزمير!
نصيحة:
ـ لا تتعجل، وتمهل، "إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ"
توصية:
ـ انضمْ إلى الملتقى الفقهي في "رسالة الإسلام "
جمع دلو
أحمد: 19776، قال الشيخ الألباني: ( صحيح ) انظر حديث رقم: 7984 في صحيح الجامع
البخاري: 4747
أحمد: 17732، قال الشيخ الألباني: ( صحيح ) انظر حديث رقم: 1535 في صحيح الجامع
أخرجه النسائي ( 2 / 49 ) و ابن ماجه ( 2 / 242 ) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " 3 / 278
حديث حسن، أخرجه أحمد ( 13052)، وغيره، انظر حديث رقم: 2246 في صحيح الجامع
محمد مسعد ياقوت