عاشت وأطفالها في صحبة الموت أسبوعا
فلسطين المحتلة:عزيزة نوفل
مكتب الإعلاميات الفلسطينيات
البيوت في المخيم تحولت إلى أنقاض… وعاش الناس مع الموتى لأسبوع كامل…وتقاسموا فيها الحياة في الغرف مع الشهداء…
وأم احتضنت ولدها الميت طوال الليل، هذه الكلمات ما استطاعت أن تنطق به الصحافية البريطانية جانين دميو فاني التي دخلت مخيم جنين أثناء الاجتياح في نيسان الماضي… لخصت بكلمات كيف استطاع الفلسطينيون معاشرة الموت في بيوتهم الفقيرة، وكيف استبدلت رائحة عكا و يافا وصفد من بيوت وأزقة المخيم برائحة الموت، وظله… وكيف أصبح الموت شريكا لهم في كل ثناياتهم، حتى تلك التي لا تحتمل الشراكة…
لا ندري تماما عن أي قصة تتحدث ربما كانت تعني قصة الزوجين عطية وهالة أبو رميلة أو غيرها فالقصص هنا كثيرة… ودوماً لا يبقى لنا من مذابحنا سوى الروايات…
والروايات لا حصر لها ومبتكرة في مخيم جنين الذي ما زالت مأساته تولد كل يوم مئات القصص الجديدة التي تتنافس في مأساويتها…أصبحنا شعباً يتقن التجديد … نموت كل لحظة ولكن بتقاليع جديدة…
الأب النائم
وتتلخص قصة هالة في كلمات قليلة… استشهد الزوج… وخوفاً على الأطفال…أوهمتهم أن أبيهم نائم…وتركتهم يتعاملون مع الجثة، أو الأب النائم كما كانوا يعتقدون، لمدة أسبوع… الله وحده يعلم بأي عدد يمكن أن يضرب كل حرف من هذه الكلمات…لتصل إلى حد المعاناة التي وصلت إليها هذه السيدة خلال أسبوع…
فالأسرة المكونة من الأب والأم والأطفال، محمد 7 أعوام، هازار 6 أعوام، رامي 4 أعوام، كانت كغيرها من الأسر في مخيم جنين، وعندما بدأ جيش الاحتلال بقصف المخيم في الخامسة من مساء يوم الجمعة الخامس من نيسان الماضي، تعرض المنزل لأضرار كبيرة وخاصة تلك الغرف المقابلة للأسطح التي تمركز عليها الجنود.
خرجت هالة من الغرفة التي كانت تختبئ بها وزوجها وأطفالها، لتتفقد الأضرار التي لحقت بالمنزل، لكنها تراجعت بسبب استئناف القصف من جديد، شعرت بالخوف مرة أخرى ، فكرت بالعودة إلى الغرفة التي يتواجد فيها الأطفال وزوجي، وشرحت له عن الدمار الذي تمكنت من مشاهدته في أنحاء المنزل، وعدنا للصمت من جديد عندما علا صوت القذائف….
اللي مكتوب…
وبعد فترة قصف، قرر عطية ، الأب، أن يتفقد الدمار في بيته بنفسه… راح يحبو حتى وصل غرفة الضيافة التي تقابل ثكنة للجنود في المنطقة بشكل مباشر، وهي الغرفة الأكثر…حاولت إيقافه…رد عليّ لا تخافي اللي مكتوب له الموت رح يموت… ومضى…
لم يكد يصل الغرفة حتى سمعت صوت إطلاق نار، ثم سمعت زوجي ينادي…نسيت أمر الحرص واندفعت تاركة الأولاد في الغرفة، لأجد زوجي لا يزال يقف على قدميه وكأن الرصاصة لم تصله… تقول الزوجة…، سألته ماذا حدث لك؟ شو في يا عطية…؟ ولكن الدماء سبقت كلماته….
لا تزعجونه
تتابع: سمعته يلفظ بالشهادتين ويحدق فيّ ويتهاوى على الأرض…أيقنت تماما أنه استشهد…الأطفال أخذوا بالبكاء في الغرفة الأخرى… كان الرعب يلفهم فما كان مني إلا أن أغمضت عيني زوجي اللتين كانتا لا تزالا تحدقان بي… سحبت الجثمان إلى المكان الذي اعتدنا المكوث فيه أثناء القصف وعلى نفس الفراش الذي اعتاد النوم فيه حياً…مددت الجثمان وقمت بتغطيته… وقلت للأطفال أن أبيهم مريض وسينام لفترة طويلة من التعب…وحذرتهم من محاولة إزعاجه…
أبلغت الزوجة على الفور قسم الطوارئ في الهلال الأحمر ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إلى المنطقة، فبقي الزوج على حاله… والأطفال يعتقدون بنومه…
كنت أخشى أن يكتشف أطفالي موته…أسمعهم أثناء حديثهم يتكلمون فيما بينهم على ضرورة الهدوء خوفا من إزعاجه… وكثيراً ما يهدد أحدهم أنه سيشكو الآخر لأبيه حال استيقاظه من نومه… وحتى أنني لم أستطع منع رامي من هز والده محاولاً إيقاظه لشراء الحليب له عندما أخبرته أنه نفذ…
انتهى الأمر…
بعد أسبوع كامل تمكنت سيارات الإسعاف من الوصول إلى البيت ونقل الجثمان إلى منطقة في غرب المخيم ليتم دفنه في مقبرة جماعية مع عدد آخر من شهداء المخيم…عندها علم الأطفال الثلاثة أن أمهم لم تكذب عليهم ولكنها لم تخبرهم أن نوم أبيهم كان بلا رجعة…واستطاعت حينها هالة أن تبكي وتصرخ ما احتبسته من ألم طوال أيام بجانب جثة…
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️