د.مشبب القحطاني

د.مشبب القحطاني @dmshbb_alkhtany

إمام وخطيب مفكرة المجلس عضو في جماعة التوعية الإسلامية

عبادة الاستغفار ، تلك العبادة المنسية !!!! خطبة الجمعة13/12/1423هـ

الملتقى العام

أما بعد أيها المسلمون :
يقول المولى تبارك وتعالى في كتابه العزيز مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم ومخاطبا أمته من بعده ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ(19)

في هذه الآية أمر من الله تعالى بتعلم كلمة التوحيد ، والعمل بمقتضاها ، ومن ذلك ملازمة الاستغفار للنفس وللمؤمنين ..

فالقيام بعبادة الاستغفار أمرها عظيم عند الله تعالى ، لذلك لزمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من المسلمين ..

ونظرا لحاجة المسلم اليومية إليها ، خصوصا في الأيام المقبلة ، فسيدور الحديث حول تلك العبادة المهمة .بإذن الله تعالى .

أيها الاخوة في الله :


الاستغفار في اللغة مأخوذ من الغفر ، وهو التغطية والستر .. ويطلق في الشرع ويقصد به الطلب من الله تعالى ان يعفو عمن عصاه ، ويستر ذنوبه فلا يحاسبه عليها ، ولا يفضحه بها يوم القيامة..

ولقد جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة تحث على الاستغفار وتذكر به ،وتدعوا الناس إلى كثرة الاستغفار في جميع الأحوال .. مما يدل على أهمية هذا العمل .. ومن ذلك قوله تعالى :
( قُلْ يا عبادي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))..

(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ )

(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا )..

ايها المسلمون :
بعض الناس يظن ان الاستغفار مقصور على العاصين
وهذا فهم ناقص ، بل هي مطلوبة حتى من الصالحين ، وان كانت متأكدة على العاصي أكثر من غيره ..

ويقول تعالى ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ) ففي هذه الآية أمر المستقيمين على دين الله ان يستغفروه جل وعلى ..

وان على راس المتسقيمين على الدين أنبياء الله تعالى فهذا رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ( إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ) ..

وهذا موسى يقول الله عنه ( قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ويقول صلى الله عليه وسلم( طوبى لمن و جد في صحيفته استغفارا كثيرا ) أخرجه بن ماجة بسند صحيح ويقول أيضا ( من احب ان تسره صحيفته ، فليكثر فيها من الاستغفار ) أخرجه البيهقي بسند حسن

إذا فالاستغفار بشكل عام عبادة جليلة يجب ان تصاحب المسلم على مدار الساعة .. حتى وهو في فراشه ، وقد جاء في فضل ذلك عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ ) أخرجه البخاري

أيها الاخوة والاخوات:

ومع ان الدعوة إلى الاستغفار مطلوبة في وقت إلا ان هناك حالات مخصوصة ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حرصه على الاستغفار فيها وحثه على ذلك ..

1) فمن ذلك الاستغفار بعد انتهاء المسلم من أداء الصلاة المفروضة يدل على ذلك ما جاء عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه انه قال قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ ياذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
وصفة الاستغفار بعد الصلاة كما ذكرها اِلْأَوْزَاعِيِّ أحد رواة الحديث هي ( أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ) ..

2) ومن مواطن الاستغفار بعد الانتهاء من الوقوف بعرفة قال تعالى ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ، وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(199)

3) من مواطن الاستغفارأيضا قبل القيام من المجالس ، والدليل على ذلك ما رواه الترمذي وغيره بسند صحيح عن أبى هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من جلس في مجلس ، فكثر فيه لغطه ، فقال قبل ان يقوم من مجلسه ذلك : سبحانك اللهم ربنا و بحمدك ، اشد ان لا اله إلا أنت ، استغفرك و أتوب إليك ، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك ) وفي حديث آخر يقول ( من قال : سبحان الله و بحمده ، سبحانك اللهم و بحمدك ، اشهد ان لا اله إلا أنت ، استغفرك و أتوب إليك ، فان قالها في مجلس ذكر ، كانت كالطابع يطبع عليه ، و من قالها في مجلس لغو ، كانت كفارة له ) اخرج النسائي وغيره بسند صحيح

4) ومن مواطن الاستغفار التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الوضوء والدليل على ما أخرجه النسائي والحاكم بسند صحيح عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه ان رسول صلى الله عليه وسلم قال ( من توضأ فقال بعد فراغه من وضوئه : سبحانك اللهم و بحمدك ، اشهد ان لا اله إلا أنت ، استغفرك و أتوب إليك ، كتب في رق ، ثم جعل في طابع ، فلم يكسر إلى يوم القيامة )

5) ومن مواطن الاستغفار عندما يشعر الإنسان بشيء من الرياء أو الإعجاب بالعمل .. والدليل على ذلك ما روي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال لأبى بكر رضي الله عنه( الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل ، و سأدلك على شئ إذا فعلته اذهب عنك صغار الشرك و كباره ، تقول : اللهم إني أعوذ بك ان أشرك بك و أنا اعلم ، و استغفرك لما لا اعلم ...) ذكره الألباني رحمه في صحيح الجامع وقال عنه صحيح ..

6) ومن مواطن الاستغفار المهمة إقبال الليل وإقبال النهار وهو الدعاء الذي يطلق عليه سيد الاستغفار .. ونصه ما أخرجه البخاري عن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ .. خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ .. وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ..أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ..وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ .. ثم قَالَ صلى الله عليه وسلم (َمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .. وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ )

7) ومن مواطن الاستغفار المـتأكدة عندما يقع المسلم في ذنب من الذنوب صغر أو كبر.
والدليل على ذلك ما اخرج الترمذي وغيره بسند صحيح عن أبى بكر رضي الله عنه انه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ )

وعلى المسلم ان يبادر بالتوبة حتى لا تجتمع على قلبه الذنوب ..وقد أشار إلى ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقول ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) أخرجه الترمذي وغيره بسند صحيح ..

واخرج أبو نعيم في الحلية الطبراني وغيرهما عن أبى امامة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ان صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسيء ، فان ندم و استغفر الله منها ألقاها و إلا كتب واحدة ) ذكره الألباني السلسلة الصحيحة

أيها الاخوة والأخوات أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم


الخطبة الثانية
الحمد الله ..حمد حمدا .. والشكر له سبحانه شكرا شكرا ..واشهد ألا اله إلا هو
أما بعد أيها المسلمون

ان القيام بعبادة الاستغفار كما سمعنا أمر مهم ..فهو طهارة للعبد المؤمن من الذنوب والمعاصي ، وهو زيادة في الإيمان ، ورفع في الدرجات ، واعتراف بألوهية الله تعالى وربو بيته سبحانه وتعالى .. وهو إظهار للضعف والعبودية والفقر والجهل وغير ذلك من صفات النقص ، والتي يقابلها صفات الكمال المطلق لله جل شانه ..

أيها الاخوة في الله ..وفي نهاية هذه الخطبة احب ان أشير إلى أربعة أمور متعلقة بالموضوع ..

الأول : وكما أن المسلم يستغفر الله تعالى تقربا إليه ، وطلبا للمغفرة منه والعفو .فان المسلم قد يستغفر الله تعالى لتحقيق أمر من أموره الخاصة ..فالفقير إذا يحتاج فعليه ان يستغفر الله تعالى ويطلب حاجته .. ومن احتاج إلى الولد فعليه ان يستغفر الله .. وإذا أجدبت الأرض وقل المطر فعلى المسلمون ان يستغفروا الله .ومن أراد تحقيق منصب ينفع الأمة فعليه ان يستغفر الله .. وعموما فانه من الخير للمسلم إذا احتاج شيئا ان يلجأ إلى الاستغفار وطلب الحاجات من الله تعالى .. ومما يدل على ذلك ما جاء على لسان نوح عليه السلام لقومه ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ .. وَبَنِينَ .. وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا )

وهذا نبي الله سليمان يقول وهو يطلب من الله الملك ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ )

وقد جاء في الأثر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ فَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللَّهِ وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لِيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ) وهذا الأثر وان كان في إسناده مقال فانه يستأنس به ..

الأمر الثاني : وكما ان الإنسان المسلم يستغفر لنفسه فعليه ان يستغفر لإخوانه المسلمين
فهذه الملائكة الكرام يستغفرون للمؤمنين يقو لتعالى ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ )

وهذا نوح عليه السلام أيضا يستغفر للمؤمنين ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا )

بل ان من صفات المؤمنين العريقة الاستغفار لإخوانهم السابقين واللاحقين ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )

واستغفرا المسلم لإخوانه رفع لدرجاتهم إضافة إلى أخذه للأجر من الله تعالى مقابل ذلك الاستغفار يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم( من استغفر للمؤمنين و للمؤمنات ، كتب الله له بكل مؤمن و مؤمنه حسنه ) أخرجه الطبراني بسند حسن

أيها الاخوة وان أهم من تستغفر له والداك .. فالله تعالى يرفع درجاتهم بسبب دعاء الابن لهم ..وقد وعد بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله (ان الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول : أنى لي هذا ؟ فيقال : باستغفار ولدك لك) أخرجه الإمام احمد وغيره بسند صحيح

هذا إذا كان الأبوان مسلمين أما إذا كانا غير ذلك فلا يتعب الإنسان نفسه في ذلك فٌعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَقُلْتُ لَهُ أَتَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْكَ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَقَالَ أَوَلَيْسَ اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) الترمذي

( وقال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ(34)
( وقال جل وعلى ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) ..


الأمر الثالث : ان من صفات الله تعالى انه هو الغفور الرحيم يغفر لعباده ذنوبه مهما كبرت إذا تابوا إليه وأنابوا .. كما لقال تعالى ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا) وقال سبحانه (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ )

والذي يجب على المسلم أيضا ان يتصف بهذه الصفة العظيمة بقدر ما يستطيع.. خصوصا ان الله تعالى قد أمر عباده بذلك فقال ( قُلْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ومدح الذين يغفرون للناس زلاتهم فقال ( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ(37)

فعلى المسلم ان يعفوا عن الناس ويسامحهم حتى لو لم يعتذروا منه ..وليحتسب الأجر عند الله تعالى..والله لا يضيع اجر المحسنين .

وأخيرا اخوة هذه دعوة من الله تعالى لعباده المؤمنين ان يتسابقوا لطلب المغفرة من الله تعالى لحصول على جنة عرضها السموات والأرض )..فلنستجب لهذه الدعوة التي نصها ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم ولنسارع إليها قبل فوات الأوان كما امرنا سبحانه ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )
7
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

طيف الأحبة
طيف الأحبة
أستغفر الله العلي العظيم

بارك الله لك وجزاك الله كل خير
نــــور
نــــور
قرأت كثيرآ عن الاستغفار و سمعت عنه الكثير و عن فوائده

ولكن هذه الخطبة أضافت لي الكثير

بارك الله بك و حفظك للإسلام و المسلمين
د.مشبب القحطاني
بارك الله في الجميع .. ونفعنا بما نسمع وبما نقول ،

ونصيحتي ان تطبع الخطبة ، وتقرأ في المجالس ، خصوصا النسائية.

او تلخص وتطرح في مواقع أخرى.
حبيبتكم
حبيبتكم
جزاك الله خيرا
سؤالي في سيدالاستغفار
سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ .. خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ .. وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ..أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ..وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ .. ثم قَالَ صلى الله عليه وسلم (َمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا
فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .. وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ )


انا حين ادعو به اقول (( اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ .. خَلَقْتَنِي وَأَنَا أمتك........))
اي استبدل كلمة عبدك بكلمة امتك
كذلك في الدعاء (( اللهم اني امتك ابنة عبدك ابنة امتك ..........)
فما قولك في هذا؟؟؟؟
القلمُ الورديُّ
شكرا خطبه رائعه جدا

لكن ودي اسأل عن صفة الاستغفار للوالدين

هل هي اللهم اغفر لابي مثلا .. وجزاك الله خير