عبارات خطيرة
اجلس واسكت!
منع الطفل من الكلام يميت حيويته وتفاعله مع البيئة
عابدة المؤيد العظم
يردد بعض الأمهات أمام صغاره "عبارات متوارثة" للحصول على منافع عاجلة ومصالح مؤقتة، ولكن كثيراً من تلك العبارات يتضمن معاني غير محبذة، وقد يؤثر لأجل ذلك على المفاهيم والقيم، وقد يؤدي بعدها إلى نتائج سيئة. فلننتبه لما نقوله لأولادنا حفاظاً على دينهم، وخُلقهم.
قرأت قديماً في مجلة "المختار" هذه العبارة اللطيفة: "يقضي الوالدان السنة الأولى من عمر الطفل في تعليمه المشي والكلام، ثم يقضيان السنوات التالية من عمره في إجباره على الجلوس والسكوت!".
قد لا أكون مبالغة لو قلت إن كل الآباء والأمهات يفعلون هذا، وإنهم يمتدحون الطفل الهادئ الذي لا يتكلم ولا يتحرك، ويفضلونه على صاحب الحيوية والنشاط! ولذلك ما برحوا يوجهون لأولادهم هذه العبارة: "اجلس واسكت" عدداً كبيراً من المرات في اليوم الواحد، دون تفكير جاد فى مضمون هذه العبارة، وتأثيراتها على مستقبل أبنائهم النفسي والجسمي؟ فما خطورة هذه العبارة؟
1 الطفل إنسان يتمتع بجميع المشاعر والأحاسيس، ولأجل هذا هو بحاجة إلى احترام شخصيته، فلا تجوز إهانته وتحقيره بمنعه من الحركة، ولا بد من احترام رغباته والاهتمام بمشاعره فتترك له حرية التعبير بالكلام عما يريد في الوقت الذي يريد، أما منعه من الكلام، وأمره بالسكوت، فيؤدي إلى كبته، وقهره وإيذائه نفسياً، أو يورثه التأتأة أو الفأفأة أو أي عيب من العيوب النطقية.
2 إن شخصية الطفل تتبلور بتوجيهات الوالدين، وهي تتأثر بأقوالهما، وتتكيف مع رغباتهما، وهذه العبارة "اجلس واسكت" تعلم الولد التلقي والاستكانة دون التفاعل المباشر مع البيئة. وهذا، وإن كان محموداً لدى طفل صغير حتى لا يزعج أمه، ولا يؤذي نفسه فإنه يصبح مشكلة عندما يكبر ذلك الولد، ويصبح خنوعاً، غافلاً عما يجري حوله؛ لذا كان من الضروري أن نترك للطفل الفرصة لتتبلور شخصيته بطريقة صحية طبيعية عن طريق السؤال وهو "كلام"، والاستكشاف وهو "حركة".
3 "الجلوس" و"السكوت" يفوتان على الصغير السعي وراء المعرفة التي تعتمد على الحركة والمراقبة والملاحظة ثم ما يتبعها من السؤال والاستفهام، فالطفل يحب أن يستكشف العالم، وأن يقلد الكبار وأن يكون في مهنتهم، ولذلك هو دائماً يقظ متنبه لما حوله يركض من هنا إلى هناك، يراقب حركات أمه وهي تدير المنزل، ويتابع أباه وهو يعمل، وإخوته وهم يلعبون أو يدرسون، وهو خلال ذلك يسألهم جميعاً عن كل ما يلفت انتباهه، ويلح عليهم في الاستفسار؛ ليحذو حذوهم.
فرصة عظيمة
وفي هذا فرصة عظيمة يمكن للأم اغتنامها في صرف ولدها عن النشاط التخريبي إلى العمل المفيد، وعن الأفكار الخيالية إلى الاستفسارات الواقعية البناءة (كتعليمه إصلاح الأشياء عند السماح له بمراقبة والده وسؤاله عما يفعله، وغيره). وبذلك نستطيع الاستفادة من طاقات الصغار في أعمال فعالة بدل قتلها، أو تبديدها في الجلوس طوال النهار دون حراك، ودون كلام، أو أمام شاشات الفيديو أو التلفاز أو ألعاب الكمبيوتر.
فإن استبدلنا بالاحتواء أمره ب"السكوت" و"الجلوس"، حجبنا عن الصغير المعلومات الضرورية فأورثناه الجهل، وأفقدناه الملاحظة الجيدة، والتفكير السليم، والنقاش المفيد، وقلصنا من إبداعه.
و"السكوت" يوجد فجوة بين الولد والمربي ويقطع الصلات فيما بينهما، فلا تعرف الأم فضائل ابنها من عيوبه، ولا تميز نقائصه لتقومه وتنصحه. فتضيع على الصغير فرصة الاستفادة من خبرات وتجارب والديه عن طريق الكلام، فكيف سيدرك من دون السؤال والحوار الخير من الشر، والحسن من السيئ؟ وكيف سيميز الحلال من الحرام؟ وكيف سيدرك الضار من النافع؟ وكيف سيتعلم الأدب والأخلاق؟ وكيف سيفهم العالم من حوله؟
و"السكوت" يحول بيننا وبين تعرف عالم أولادنا ومخاوفهم، وآمالهم وآلامهم، لنسري عنهم ونساعدهم على تخطي الصعاب؛ فالأسرة هي ملاذ الإنسان الأول.. أمامها يظهر الفرد مشاعره الحقيقية، وإليها يشكو أحزانه، ومنها يرجو الحب والحنان والمساندة والمساعدة.. والحوار هو الطريقة المثلى لمعرفة خبايا النفس وما يؤثر فيها والمشكلات التي تعترضها والأخطار التي تتهددها فتحول دون فاعليتها، وإنا بأمر الولد بالسكوت نحرمه من هذا المخرج والمتنفس الذي أوجده الله له، فيعيش وحيداً منعزلاً مع همومه ومكتئباً بمشكلاته.
و"الحركة" غريزة في الطفل، فهو يعشق الركض والوثب والقفز ويستمتع بجر الأشياء، ويحب تسلق الأماكن المرتفعة... وإننا بمنعه من الحركة نجور عليه ونظلمه، ونحرمه من أبسط حقوقه، ونلزمه بما هو فوق طاقته، ونفوت عليه فوائد الحركة وثمراتها: "عرامة الصبي أي لعبه وحيويته وقوة حركته في صغره زيادة في عقله في كبره" (الترمذي).
ولذلك شجع الإسلام الحركة والنشاط، فأذن النبي ص للحبشة أن يلعبوا بحرابهم وفي مسجده الشريف، وكان يحمسهم قائلاً: "دونكم يا بني أرفدة"، وكان عليه الصلاة والسلام يصف عبد الله وعبيد الله وكثير ابن عباس رضي الله عنهم ثم يقول: "من سبق إلي فله كذا وكذا"، قال: فيستبقون إليه فيقعون عن ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم. وحث ديننا الآباء على تنشيط أولادهم بتعليمهم السباحة والرماية...
فللحركة أهمية عظيمة في نمو الطفل بطريقة صحية سليمة (نفسياً وبدنياً). وإذا كانت الرياضة مهمة عند الكبار، ووسيلة من وسائل التسرية عن النفس، وطريقة للتخفيف من أعباء الجد والعمل، فإن حركة الصغير لا تقل عن أهمية العمل في حياة الكبار، بل هي أهم شيء بالنسبة إليه في العالم.
يقول محمود مهدي الإستانبولي في هذا المقام: "...لا بد من التنبيه إلى أن قهر الطفل ومنعه من الحركة يسبب له الكبت والأمراض العصبية، أو يميت حيويته ويؤدي به إلى الخمول والفتور".
هذه القاعدة نصف التربية
وقد يمنع بعض الأمهات أبناءه من الحركة خشية إفسادهم المتاع، أو خوفاً عليهم من التعرض للأخطار عندما يتحركون ليلعبوا، ولكن لمحمود مهدي الإستانبولي رأياً مخالفا ً: "وأهم ما نود قوله بهذه المناسبة: إن كثيراً من الأعمال التي يقوم بها الأطفال وتظهر للآباء والأمهات على أنها مضرة، هي في الحقيقة نافعة كثيراً، إنما جهل هؤلاء الآباء والأمهات بنفسيات أطفالهم، وأنانيتهم، وطلبهم للهدوء والسكينة، كل ذلك هو الذي أوحى إليهم الحكم بضرر لعب الأطفال، وميلهم للحركة، وحب البناء والتخريب ولو في أكوام من الرمل. والنصيحة المثلى في هذا الشأن هو السماح للأطفال بعمل ما يشاؤون وقول ما يريدون ما داموا لا يضرون أنفسهم ولا غيرهم ضرراً مباشراً. وهذه القاعدة نصف التربية، ذلك أن الأطفال مدفوعون بحكم غرائزهم التي وضعها الله سبحانه فيهم للقيام غالباً بالأعمال النافعة لتقوية أجسامهم وإنماء عقولهم، وإن تدخل الآباء والأمهات الذين لا يتحلون بثقافة تربوية في سلوك الأطفال ونفسياتهم فيه ضرر كبير" (نقائص الأطفال وطريقة إصلاحها ص8).
ثم نصح الأمهات بما يلي: "ينبغي في البيوت الحديثة تخصيص غرفة لهم مجهزة بالألعاب المفيدة والأدوات اللازمة ليلعبوا ويتحركوا دون أن يفسدوا أدوات البيت ويقلقوا راحة أفراد الأسرة".
أخيراً، وبرغم ما ذكرته، فإنه لا ينبغي أن تتجنب الأم عبارة "اجلس واسكت" تماماً! لأن هذه العبارة قد تكون ضرورية، بل هي ضرورية جداً في بعض الأحيان.. فلا بد من استعمالها عند الطوارئ، ولا بد من أن ينصاع الولد لها فيجلس ويسكت دون جدال أو اعتراض: أمام الضيوف مثلاً، وفي الأماكن العامة غير المخصصة للهو، وغيرها. ولكن لا يمكن ولا يجوز أن يبقى الولد في بيته ساكتاً جالساً طوال الوقت حتى لا يتعرض لأخطار قد لا تعدل استمتاعنا بجلوسه، وسكوته.
<FONT color="#FFFF04">من موقع مجلة المجتمع</FONT>

نمورة @nmor
عضوة
هذا الموضوع مغلق.

ام رضوان
•
صحيح كلامك اختي الكريمة ان هذه الكلمات تقتل في ابنائنا كل طاقة ايجابية وتجعلهم يقفون موقف الحيرة بعد ذلك من امور لحياة وحينها نجد انفسنا نقول لهم الا تستطيعوا التفكير------ التفكير او الفكر الذي قضينا نحن عليه في صغرهم بكلمة اجلس واسكت--- ان اطفالنا امانة في اعناقنا نسئل عنها يوم القيامة واحيانا يعاقبنا الله بها في الدنيا فان احسنا معاملة الطفل احسن لينا وان اسانا معاملته اساء الينا-- وكما يبر لانسان والديه يبر من قبل ابنائه فان الله قد خلق الحياة ابتلاء والمراة مسئوليتها صعبة جدا لان التربية تقع علي عاتقها اكثر من الرجل وكذلك مسئولية البيت في حضور الزوج او غيابه .لذلك عندما سئلت احدى الصحابيات الرسول عليه الصلاة والسلام بانه كل شيء للرجال من جهاد وعمل وصلاة الجماعة في المساجد وماذا بقي لهن كنساء يؤجرن عليه قال لها بما معنا ه ان عمل المراة في البيت يعدل كل ذلك فذهبت الي قومها وهي تكبر لتبشر النساء بما اعطاهم الله من خير , واخيرا تقبلوا تحياتي
الصفحة الأخيرة