
الاسم : عبد الرحمن بن حسن الحمدان
تاريخ الميلاد :2/1/1418 هـ
السنة الدراسية :الرابعة الابتدائي
الاعاقة:مزوجة 1- حريكة صلب مشقوق 2- ذهنية صعوبات التعلم
الجنسية :السعودية
اللعبة: سباحة
الاقاب : 1- قرش الصحرء 2- المعجزة السعودية 3- قاهر المياه 4- البطل القادم من جزيزة العرب
عدد المشاركات: 11 مشاركه في بطولات السباح الداخلية و العالمية
عدد الميداليات 18 ميدالية داخلية و 6 ميداليات دولية


نبذة عن البطل عبد الرحمن
يتبع
كنت مثل أيِّ شابٍ في مثل عُمُرِك تريدُ أن تصنعَ شيئاً له قيمةٌ في حياتك.
بحثت عن كلِّ ما يشرفُكُ وحاولت أن يكون لك فيه نصيبٌ ، اختلطت عليك الآمالُ
والطموحاتُ .
كان كلُّ همِّك أن تمد يد العون لمن حولك ، كل شغلك الشاغل أن تحقق شيئاً ، حاولت وحاولت رغم كل الظروف والعقباتِ .
بحثك عن طموحك وآمالك وانشغالك بالمستقبل سبب لك فجوة في التفكير بينك وبين من
يحيط بك على الرغم من أنك لم تفكر في نفسك وكان كلُّ همك من حولك .
كانت العقبات أقوى منك ، فرأيت حصون آمالك تنهار أمام قسوة الحياةِ وبدأت تشعر
باليأس ، ودب في نفسك الشعور بالاستسلام للأمر الواقع ، لكن الرغبة في النجاح لم
تَمُتْ ولم تخبُ .
صدقني عندما أقل لك أني لم أكن لأريد أن أصنع شيئاً لنفسي حتى في حلمي لمن أكن لأحلم لنفسي .
حبي لوطني ، لأهلي ، لأسرتي كان محركي ودافعي لأن أصنع شيئاً . لكن هل أستطيع ؟
اختلفت آراؤك عن أقرب الناس إليك عن زملائك وأقرانك حتى بدؤوا ينظرون لك وأنت في عنفوان شبابك على أنك كهلٌ كبيرٌ عنهم .
وبدأت أنت تشعر بنفس الشعور أنك رجلٌ كبيرٌ رغم صغر سنك .
صراعاً فكرياً دب بينك وبين من هم في مثل عمرك حتى من هم أكبر منك و تكسوهم
الخبرة والتجربة على الرغم من حبهم وحبك لهم . أنت ترى في نجاحك حياتهم وحياتك
، وبحماسك تريد أن تحقق المعجزات ، ومن هم أكبر منك يرون أن هذا مجرد حماس
شباب سرعان ما يفتر ، فعامل الزمن وخبرة الحياة أضعفت من عزيمتهم وحبهم لك
وإشفاقهم عليك . أراد منك أن ترضِ بالواقع وتسلم له ، فنحن معشر البسطاء يجب أن
تخطط لنا الحياة لا أن نصنع الحياة .
مرت الأيام لكن هل تغير شيءُ ؟ هل هدأ صراعك مع نفسك ؟ هل اقتنعت بآرائهم ؟ وهل
الحب وحده يكفي للاتباع ؟
كنت أسبح ضد التيار .
أخيراً أردت أن أصل إلى حل وسط يرفع عن كاهلي قسوة نظراتهم التي كانت تلاحقني
وتتهمني بالبحث عن السراب . خاصة وأنا أيضاً لم أحقق شيئاً يذكر ، لم أحقق شيئاً
يدافع عني ويقوي موقعي ونظرتي وفلسفتي للحياة .
كنت أبحث عن النجاح . بحثُ مَنْ يبحث عن الماء في الصحراء ، لكن هل كان النجاح سراباَ ؟
لقد كانت العقبات والفجوات والعثر
ات أكبر مني .
الزواج ...... كان الزواج بمثابة هدنة بيني وبين البحث عن آمالي ، فرصة لالتقاط
الأنفاس . ولَمِّ الجروح والإفاقة من الكبوات .
كنت أرى أن الزواج ليس إلا إعادة ترتيب الصفوف وتنظيم المواقع وتفنيد الخطط .
****************
على الرغم أن هذه الخطوة نظر إليها الآخرون على أنها بداية النهاية ، وأنني سوف
أفعل في الغد القريب ما كنت ألوم غيري عليه ، وأنني سوف أقتنع عما قريب بأننا لسنا
نلمك مصائرنا بأننا علينا أن نُبْحر لكن الريح يجب أن تختار الشاطئ الذي نرسو عليه ، لكن مَنْ يصبر ؟ ومن يفلح ؟
****************
تزوجت وحاولت أن أكون رجلاً سيادياً في بيتي فكان عليَّ أن أستقل بحياتي مع زوجتي لنصنع لأنفسنا حياة نرضاها لأنفسنا .
تحملت الكثير في سبيل ذلك ، وكان هذا حلمي في تلك اللحظة . اقترضت واستدنت حتى
استطعت أن أستقل بحياتي ، أفاجأ أنني حققت حلماً . معقول ها هي الأماني ممكنة .
صحا في نفسي الحلم القديم ، لكن ماذا أصنع ؟ أنا أريد أن أصنع نجاحاً لكن كيف ذلك ؟
كيف لي في مثل تلك الظروف ؟ أأكون بدأت أفكر نفس تفكير الآخرين ، ليس في الإمكان أبدع مما كان .
في وسط اختلاط الأفكار في لحظات اليأس والأمل ، الرضى والغضب . جاءني هذا الخبر زوجتي حامل .
آه . لا لا لن يخبو الأمل . ابني ! نعم . ما لم أحققه لنفسي يجب أن يكون لابني ، حبيبي آمالي ، أيامي ، عمري الجديد .
ظللت أرقب يوم مجيئه في لهفة لأرى فارسي الذي سيقود آمالي ويحقق أحلامي.
يوماً بعد يوم تكبر لهفتي لرؤيته يوماً بعد يوم . تتجدد الآمال في عروقي . وبدأت أخطط للغد . التخطيط : نعم هذه الكلمة التي هي أم النجاح . التخطيط !!!
قَرُب موعد المخاض ، الأمور تسير في مسارها الطبيعي .
قبل موعد الولادة بأسبوع تقريباً أظهرت الإشاعات شيئاً غريباً ، لقد تأكد وجود بقعة سوداء في ظهر الجنين .
وهذا يستتبع عناية مكثفة حتى تتم الولادة .
كان الخبر مفاجئاً وغريباً ، لذا حتى مشاعري لم تكن محددة خوف ، اضطراب ، صدمة ، الشعور القديم بخيبة الأمل .
لكن الحمد لله . المهم زوجتي . نعم هذا هو المهم وما شاء الله كان .
حانت لحظة المخاض . استدعتني مستشفى القوات المسلحة لأكون بجوار زوجتي ، فلم
يكن الأمر طبيعياً ، والولادة لم تكن ميسورةً .
ماذا عساي أن أفعل ؟ أدعو ربي أن تمر علينا الأيام بسرعة ،وأنتهي من تلك التجربة
دون خسائر . الدعاء نعم نعم هو الدعاء .
كانت زوجتي في غرفة العمليات . وأنا أين كنت ؟ لا أدري كل ما أذكره هو أني عندما
أفقت من تفكيري . وجدت نفسي على بعد كيلو مترات من المستشفى ماشياً على
رجليَّ .
رجعت مسرعاً ، خرجت الطبيبة من غرفة العمليات لا تتكلم ، سألتها عن صحة الأم
ورضيعها . ردت بطريقة توحي بعدم الرغبة في الكلام .
قالت : الحمد لله لكن الساعات القادمة ستحدد مصير الجنين ، على كل حال الأم بخير وهذا المهم .
ذهبت مسرعاً لرؤية زوجتي بعد أن أفاقت ، طلبت رؤية رضيعها ، قلت لها هو بخير ،
لكن ليس الآن لأنه يخضع لعناية خاصة وبعد قليل سيكون كل شيء على ما يرام .
توجهت إلى رؤية ابني مثقل الخطا خوفاً مضطرب القلب لهفةً لرؤيته فكانت المفاجأة الكبرى .
الفصل الثاني
المفاجأة الكبرى .
دخلت على ابني فرأيت شيئاً عجباً ، رأيت ما لم يحظر على البال مهما حاولت أن أتخيل من قبل .
رأيت شيئاً غريباً يصعب أن تقول طفل رضيع ، كانت مفاجأة زلزلت الأرض من تحتي
وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت ، وصدقني لقد بلغ قلبي الحناجر خوفاً وحزناً وألماً .
رأيت رأساً كبيراً لم تلتئم عظامه ، له شكلاً اسطوانياً غريباً ، رأيت عينين غائرتين لم
تكونا على استقامة واحدة . رأيت وجهاً كأنه نصفين ، كل نصف استقل بحاله .
فزعت واضطربت لذلك اضطراباً شديداً .
الذي آلمني حقاً مصير الطفل إن عاش ، كيف يكمل مسيرة الحياة وهو بهذا المنظر؟
علاوة على علة ظهره التي مازال الدم ينزف منه إلى الآن . أنا أمام كارثة حقة !
إذا رجعت إلى أمه التي تنتظرني ، ماذا أقول لها ؟
إن تَحَمَّلتُ رؤية منظره ، فماذا عساها أن تصنع ؟
دعوت ربي أن يفرغ علي صبراً .
خرجت مهموماً محزوناً لا أعرف من أين أو إلى أين أذهب لقد ضاع من قدمي الطريق .
بعد أن أحسست بحر دموعي على خدي استغفرت ربي ومضيت .
خاطبت نفسي أين شجاعتي ؟ ! أين صبري ؟! أين عزمي ؟! أين إيماني ؟! فأنزل الله
سكينته على نفسي وأثلج قلبي ، وبدأت أراجع تفكيري وحساباتي. إن رب الكون هو
المدبر وهو اللطيف الخبير . وهذا الطفل المعاق قد يكون نعمة لا ابتلاء ، وماذا عسانا أن نفعل غير أن نصبر ونرضى ونحتسب .
كان كل همي في تلك اللحظة أن أهون الأمر على أمه لترضى وتتقبل الوضع الجديد .
شرحت لها الأمر وحاولت إقناعها أننا يجب أن نتحلى بالصبر والرضى لقضاء الله ، وأن الطب يستطيع أن يصنع الكثير .
لقد كان تقبلها جديراً بالاحترام ، وقد تكون الأم بطبيعتها يغلب عليها الحنان والشفقة
والنظرة للأمور بعين الرحمة أكثر منا معشر الرجال .
****************
إن الأم في مجتمعاتنا العربية هي ركيزة البيت مهما حاول المشككون والمغرضون
تهميشها ، وهي ملاذنا وملجأنا بعد الله سبحانه وتعالى .
****************
رجعت إلى الطبيب لأستفسر عن حالته ، فكان كما يقولون المصائب لا تأتي فرادى ،
قال : " إن ابنك مصاب بمرض يسمى الصلب المشقوق وهو تشوه في العمود الفقري
يحد ث نتيجة عدم اكتمال فقرة أو أكثر في العمود الفقري ، ويصبح بالضرورة النخاع
الشوكي أو جزء منه غير مغطى و عرضة للتلف ونتائج ذلك : شلل في الأطراف السفلية
، وعجز عن الحركة ، واستسقاء في الدماغ ، وحالات ربو مزمنة بسبب تشوه القفص
الصدري ، كذلك فك في الحوض ، و..... ، و........... ، و ............. .
كنت أسمع ذلك ولا أعي شيئاً غير أني أدركتني أمام تحدٍ صعب . بعد برهة أحضر
الطبيب ورقة وقال ابنك سيحتاج إلى عدة عمليات متتابعة وسريعة وذلك لإنقاذ حياته
غير أن نسبة نجاح تلك العمليات صغيرة وتكاد تكون في بعضها معدومة
و ..................
أمسكت الورقة وأخرجت قلمي ووقعت ، ولا أدري على ماذا وقعت ، استغرب الطبيب
وسألني بتعجب ألا تعرف القراءة ؟! اقرأ ثم وقِّع . جاوبت بتعجب أكثر ممزوج بالألم ،
وهل لي خيار آخر ؟! نظر إليَّ نظرة لم أدرك فحواها غير أني أحسست أنه مشفق ، لكن في جمود .
مرت علينا أيام عصيبة يملؤها الألم والأمل والرضا .
العجيب أن ابني كان كل يوم تظهر عليه علامات التحسن حتى صار وجهه وجهاً ملائكياً
بريئاً وكساه الله من عنده جمالاً أخَّاذاً ، وتعلق قلبي به أكثر مما لو كان طفلاً طبيعياً .
تقبلنا أنا وأمه الوضع الحالي له برضى تام . فكأن الله سبحانه وتعالى بادلنا الرضا
بالرضا ، والصبر بالفرج .
ثم جاءت المشكلة الكبرى ؛ نظرة الناس للطفل ولنا . فنحن رضينا ، بل تجاوز شعورنا
الرضا إلى السعادة والحمد ، لكن نظرات الناس نظرات الشفقة الممزوجة باليأس من
حالة الطفل كانت تقتلنا وتفت في عضدنا.
كان الجميع يعتبره ابتلاء من مصائب القدر ، يتمنون أن يرحمنا الله بأي حال .
لكن أنا رأيته الإحسان والأمان والإيمان فسميته عبد الرحمن .
لأني آمنت أن الله هو المنان وهو الرحمن فكان عبد الرحمن .
لأني آمنت أنه رحمة لنا من الله المهيمن على تصاريف أقدارنا فاخترت أن يكون عبد
الرحمن ، فكان عبد الرحمن .
الفصل الثالث
نحن نتعلم نحن نتقدم
كان العبء علينا أكثر حيث هذا هو الطفل الأول في حياتنا بالإضافة إلى أنه ليس طفلاً
عادياً ، فهو يحتاج إلى رعاية خاصة . وخبرتنا في تربية الأطفال معدومة فما بالك بطفل
معاق . كنا نرقب و نتعلم ونجرب نخطئ ونصيب .
في بادئ الأمر كانت المعاناة بيني وبين أمه ، ثم ظهر شيءٌ جديد بدأنا نلمح المعاناة في
وجه الطفل ، بدأنا نلحظ المعاناة ترتسم على أعين الطفل فكان هذا هو الألم الكبر .
كم تمنيت أن أحمل الألم بدلاً منه . كم تمنيت أن امسح دمعة الألم من عينيه.
بدأنا نتعلم ، ونخطو للأمام ، بدأنا نتأقلم صار عبد الرحمن جزءًا مهماً في حياتنا لا
نستطيع أن نتخلى عنه .
كم تمنيت أن أراه يحبو يلعب مثل أقرانه كم تمنيت أن أرى الابتسامة على شفتيه .
خبرتنا وحدها لم تكن كافية ؛ لذلك كنا بحاجة لمن يمد لنا يد العون لمن يهدينا ويرشدنا ،
لمن يأخذ بأيدينا ويؤهلنا لكيفية التعامل مع عبد الرحمن .
كانت جمعية الأطفال المعاقين التي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن
سلمان بن عبد العزيز خير معين بعد الله سبحانه وتعالى فهذه الجمعية قدَّمت لنا خدمة
التأهيل والتعليم والنقل بالمجان .
كان عمر عبد الرحمن في ذلك الوقت سنتين وقد أفادتنا الجمعية كثيراً في عملية التثقيف
والتأهيل للتعامل مع الإعاقة هذا بالإضافة إلى اندماج عبد الرحمن مع أقرانه في الجمعية
كان له طيب الأثر في نفس الولد فجعله اجتماعياً يعتمد على نفسه في كثير من الأشياء
وبدأت ألمح البسمة ترتسم على وجه عبد الرحمن .
عرفت معنى كلمة معاق ، عرفت كيفية التعامل مع الإعاقة ، رأيت من يساندني ويمد لي
يد العون دون مقابل فأحسست بقيمة الوطن والمواطنة .
أحسست أن حبي لوطني لم يكن إلا القليل وأنني لم أكن مخطئاً في أحلامي وآمالي
لوطني . ثم جاءت المرحلة الأصعب .
الفصل الرابع
أنا وعبد الرحمن والمجتمع
كانت هذه هي المرحلة الأصعب في حياتنا وحياة عبد الرحمن حيث أن في تلك الفترة بدأ
عبد الرحمن يعي ويفهم ما يدور حوله .
كانت من قبل المعاناة داخل البيت في عملية القسطرة المستمرة أو العلاج الطبيعي أو
معاناة الألم الجسدي .
لكن عندما بدأنا نحاول أن نجعل عبد الرحمن يحتك بالمجتمع من حوله كانت النتيجة
عكسية في بادئ الأمر .
مجتمعاتنا العربية مجتمعات على الفطرة يغلب عليها طابع الرحمة والشفقة ، وهذا جميل
لكن الطفل بدأ يتأثر سلبياً من نظرات الشفقة ممن يقابله خاصةً وأنه بدأ يلحظ الفارق
بينه وبين الأطفال الأسوياء الذين يتكلمون بطلاقة ويمشون على أرجلهم ، أما هو فما
يزال حبيس الكرسي المتحرك .
كم كنت ألمح نظرات الألم في عينيه . كم تمنيت أن تكون نظرات الشفقة نظرات تشجيع
وحث على التقدم . وعلى قدر تفكيري أن العلاج قد يكون أسهل عندما نشعر المريض
بأنه أفضل حالاً من غيره .
حاولت أن أتغلب على تلك المرحلة وذلك ببث عبارات الثقة والتشجيع في نفس الطفل ،
وكان لذلك طيب الأثر على نفسيته وحالته المعنوية .
جعلت من عبد الرحمن دنيتي وتغلبت على حزني وألمي ، حوَّلت من إصراري وعزمي
لتجاوز تلك المرحلة الصعبة في حياة الطفل إلى منهج لحياتي فكان كل تصرف يصدر
عني ، كل فعل ، كل قول ، كل نظرة لطفلي بمثابة علاجاً نفسياً ودافعاً معنوياً للطفل
ليتأقلم مع المجتمع ويشعر بأنه لا يقل شيئاً عن الأطفال الأسوياء .
حاولنا أن نمارس حياتنا بشكل طبيعي ، حاولنا أن نتجاوز أزمتنا ونعبر جميعاً إلى شاطئ السعادة .
وبفضل من الله تعالى تجاوزنا تلك المرحلة الصعبة في حياتنا فكان عبد الرحمن دائماً
يشعر بأنه لا يقل عن غيره من الأطفال وانه قادر على فعل ما لا يستطيعه غيره من أقرانه .
في الوقت الذي سخرت فيه كل طاقاتي و إمكاناتي لطفلي وعائلتي في الوقت الذي كتمت
فيه آلامي ومعاناتي في الوقت الذي كنا نسير فيه بخطاً ثابتة ، كان هناك شخص يبذل
الغالي والنفيس من وقته وجهده ، كان هناك من تخلى عن أحلامه ودراسته عن ذاته
أنها أم عبد الرحمن الجندي المجهول في حياته التي ضحت بكل شيء كل شيء من أجله .
كانت تدعمنا برحمة وشفقة كانت بحنانها تبث فينا القوة وبطيبتها تحيي فينا روح التحدي .
كم من مرة لمحت الإجهاد والتعب على محياها لكن كثيراً ما حاولت أن تخفي ذلك كله ،
كثيراً ما أعطتنا الأمل في الغد كثيراً ما وقفت بجانبنا لكن في صمت وشجعتنا لكن على
استحياء ، كثيراً ما حبست دموعها فما رأيناها .
كثيراً ما ابتسمت في أقسى لحظات الألم وهونت علينا في قمة المحن ، تعبت وعانت
وتألمت وتحملت من أجلنا لنتجاوز أزماتنا ونقف جميعاً على أرجلنا .
رفضت أن يساعدها أحد في كبرياء ، وأنجزت ما أوكل إليها دون تبرم أو سخط لم
تشعرنا يوماً أننا عبئاً عليها بل كانت دوماً تشعرنا بأننا مصدر سعادة لها حتى أصبحنا
جميعاً نحاول إسعاد بعضنا البعض بما فينا عبد الرحمن
الفصل الخامس
رحلة الأمل والعلم والعلاج
في الوقت الذي حبسنا فيه آلامنا وانتصرنا عليها ، في الوقت الذي دنونا فيه من السعادة ، في الوقت الذي ارتسم فيه الرضا على وجوهنا وملك قلوبنا ، في الوقت الذي أحسسنا جميعاً بأننا جزءً ا لا يتجزأ من بعضنا البعض ، في الوقت الذي أحسست فيه أني أصبحت كل شيء بالنسبة لعبد الرحمن ، عينه التي يبصر بها ولسان حاله الذي ينطق به ، وأذنه التي يسمع بها ، وعقله الذي يعي به ، ورجليه اللتين يمشي بهما ، وجناحية اللذين يرفرف بهما في دنياه الصغيرة .
في الوقت الذي تعلق كلانا بالآخر لدرجة تستحيل معها المفارقة . جاءني هذا الخبر طُلِبتُ للسفر بناءً على أوامر من عملي إلى الولايات المتحدة الأمريكية وذلك لأخذ دورة تدريبية طويلة تعينني بعد الله لأداء مهام وظيفتي .
كان الخبر مفاجئاً وكان في بداية الأمر قاسياً عليّ على الرغم من انه من أفضال وطني عليَّ ومن عطاءات الوطن السخية لأبنائه .
في بداية الأمر خفت خوفاً شديداً على عبد الرحمن ورحت أسأل نفسي كيف ستستطيع أسرتي الصغيرة التي لا تملك الخبرة الكافية للتصرف في شئونها على العيش بدوني تلك الفترة ؟
كيف سيكون حال عبد الرحمن بدوني ؟ وأنا من أنا بالنسبة له ؟ !
لكني كما تعودت أن أنظر للجانب المشرق في كل جديد في حياتي قلت : وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم . قلت عساني أن أجد علاجاً لحالة عبد الرحمن أو حتى لبعض منها في الولايات المتحدة : بلاد العلم والطب والسحر والجمال .
وعل تلك الرحلة أن تكون فاتحة خير في رحلة علاجه أو لعلي أقف على تشخيص دقيق لحالته يرحمني من تفكيري وخوفي من أن أقصر يوماً في علاجه .
ولا أخفي خبراً أنني آليت على نفسي ألا أترك فرصة تحقق تقدماً لابني إلا استغللتها ، فطردت الهم من قلبي ، وجددت من عزمي ، وتوكلت على ربي .
لكن ... لكن كيف ستستقبل أسرتي هذا الخبر ؟
رجعت إلى أهلي وأعلنتهم بهذا الخبر قلت : إن خدمة الوطن تقتضي عليَّ السفر إلى الولايات المتحدة ، وإنني وإن كنت على خوف عليكم إلا أنني لا أستطيع التأخر عن تلبية نداء وطني ، علاوة على أني لا يمكنني تأجيل السفر أو الاعتذار عنه ، وإني ... ، و إني ... ، و إني ............
قاطعتني زوجتي : يا أبا عبد الرحمن إن كنت في شغل على حالنا ثق تماماً أن الله لن يضيعنا .
سكت ثم ابتسمت وتهللت أساريري وحمدت الله سبحانه وتعالى في نفسي .
ثم قلت مؤكداً : وهذه فرصة لمحاولة البحث عن علاج لحالة عبد الرحمن . قالت : مصلحة الوطن أهم . ثم سكتت وسكت .
جاءت لحظة الفراق ، ودعت عبد الرحمن نظرت في عينيه واستودعته الله فلا أخفيك سراً لقد كان قلبي يتفطر حزناً وألماً لفراقه .
حتى هو لقد أحسست كأنه يحس أني سوف أغيب عنه لأول مرة في حياته ، فلمحت عينيه وقد اغرورقت بالدموع . فحبست دموعي ومشيت ، وحبست أنفاسي ومضيت ، حبست آهاتي وعبراتي وشجوني وزفراتي وتوكلت على الله واستودعت .
خرجت وأنا فارغ الفؤاد كمدًا لفراق ابني توجهت إلى المطار كالذي يساق إلى الموت وهو ينظر ولولا الله ثم الوطن لرجعت .
ويعلم الله أن تلك البلاد أحب بلاد الله إلى قلبي ولولا طلب العلم والرزق أخرجتاني منها ما خرجت .
ركبت الطائرة فلما أقلعت قلعت الأنس من قلبي ثم حطت في مطار واشنطن دي سي فزرعت الوحشة والوحدة من أول لحظة لامست فيها عجلاتها أرض المطار .
نزلت مسرعاً أنهيت إجراءات وصولي ثم توجهت ملهوفاً على أقرب مكان اتصالات بأهلي طمأنتهم واطمأننت وضعت السماعة ثم مسحت دموعي و دعوت .
سريعاً ما التحقت بدورتي والأسرع منه بحثي عن كل مشفى لعرض التقارير الصحية لعبد الرحمن .
حددت لي إحدى المستشفيات موعداً لمراجعة تقارير حالة عبد الرحمن كان عقب انتهاء محاضراتي بدقائق . انتهت المحاضرة ، فخرجت مسرعاً حاولت أن استعير سيارة فلم أتمكن . كنت قد اشتريت في تلك الفترة دراجة عادية لأتنقل عليها توفيراً للنفقات فركبتها وتوجهت إلى المستشفى في ظل ظروف مناخية قاسية ؛ مطر شديد وريح عاصف .
كان الناس ينظرون إليَّ وأنا مسرع بدراجتي والمطر يلاحقني والريح يدفعني فكأن أعينهم من عجب ما ترى شاخصة .
لم يكن أحد ليدري أن حر قلبي على ولدي كان أشد من أن تطفئه أمطارهم حتى أنسانيها وأنساها جسمي .
كلما اقتربت من المستشفى ارتجف قلبي وزادت أنفاسي والتهبت مشاعري كأني قطارٌ غلا مرجله .
خوفي على أوراق ابني جعلني أخبئها داخل ملابسي ، فالمطر شديد فلاصقت صدري واحتضنها قلبي .
دخلت المستشفى يسوقني الأمل ويحدوني الرجاء في ربي قابلت الطبيب وأنا غارقٌ في ملابسي . مددت يدي داخل ملابسي وأخرجت تقارير عبد الرحمن أعطيتها للطبيب . وضعت حالة الطفل بين يديه ووضعت رجائي قبلاً بين يدي ربي . قلب الأوراق ثم قال بعد برهة : لابد من إحضار الطفل .
حاولت أن أنتزع منه كلمة بإمكانية الشفاء قال مجدداً لابد من إحضار الطفل .
كنت آمل أن أحضر أسرتي لكن كيف يتسنى ذلك وكل وقتي مقسم بين المحاضرات أو الاستذكار أو البحث عن علاج لعبد الرحمن .
علاوة على أني رأيت بعيني قسوة الرأسمالية في بلاد الغرب التي لا تعرف الشفقة أو التكافل مثل بلادنا العربية . بالإضافة إلى نفقات المعيشة الباهظة خاصة للأطفال المعاقين .
هذا بالإضافة إلى أننا رزقنا في تلك الأثناء بمولود ، وهذا سوف يزيد من أعبائنا في الغربة .
لكني قبلت التحدي ، واستغنيت عن كل الكماليات عن كثير من الضرورات على أمل تدبير المال الكافي لإحضار أسرتي لكن هل أستطيع ؟
بفضل من الله تمكنت من تدبير المال اللازم لإحضار أسرتي ، فرجعت طائراً إلى وطني ، حملت أسرتي ورجعت ثانية قافلاً إلى أمريكا يملؤني الأمل في أن أقف على تشخيص دقيق لحالة ابني وأن أحقق تقدماً ملحوظاً في حالته الصحية .
حطت بنا الطائرة في مطار واشنطن دي سي جي إف كاي كندي كان هذا المطار يبعد عن أقرب مطار بالقرب من إقامتي ست ساعات طيراناً .
بالفعل ركبنا طائرة إلى مطار نيوأولينز ثم خرجنا من المطار في حالة إعياء وتعب شديدين ، كان عبد الرحمن قد أصيب بحالة ربو شديدة أثناء الرحلة مما أقلقني بشدة عليه .
كنت في حيرة من أمري ماذا أفعل ؟ ابني في حالة صحية متدهورة ، والمدينة التي نزلنا بها كانت قد تعرضت منذ فترة قليلة لإعصار شبه مدمر ، والمسافة بين المطار وبين مقر إقامتي حوالي ساعتان بالسيارة .
حاولت أن أستأجر سيارة لكن الظروف التي تعرضت لها البلدة والدمار الذي لحق كثيراً من ضواحيها جعل ذلك أمراً شبه مستحيلاً ، بدأت أتوجس خيفة على ابني بل على أسرتي جميعها في هذا الجو المخيف .
أخيراً وافق صاحب سيارة أن يقلنا إلى مكان إقامتنا فركبت معه أنا وأسرتي وسرنا بين شوارع شبه مدمرة ، أشجار مقتلعة وبيوت خشبية مدمرة من إثر الإعصار ، أعمدة إنارة ملقاة على الأرض ، بدأ الخوف يفت في عضدي وبدأت الظنون تطل من رأسي تلومني ماذا فعلت بأسرتي ؟ لماذا جازفت واتيت بهما إلى بلد غريب تكتنفنا الأخطار وتحيط بنا الوحشة ؟ بدأت عزيمتي تنهار . فلجأت إلى ربي ودعوته أن تمر علينا تلك اللحظات بسلام .
كانت السيارة تمشي ببطء شديد لأن الشوارع لم تكن مهيأة بعد الإعصار : ظلام ، حطام ، بقايا حياة ، احتضنت ابني عبد الرحمن ووضعت صغيري الثاني فوق قلبي وتوجهت إلى ربي ، لا أستطيع أن أعبر عن مدى قلقي وخوفي في تلك اللحظات ، كنت كربان سفينة عصفت به الريح وأوشكت على تدمير سفينته ماذا أفعل ؟ ابني بين الحياة والموت . أأكون أتيت به ليموت هنا ؟ أستغفر الله ، كاد قلبي يتوقف حزناً وخوفاً عليه ، لقد اشتدت عليه نوبة الربو . مَنْ لي بوطني في تلك اللحظة ؟؟!! أرمي همومي بين يديه ، وأعتمد على الله ثم عليه ؟ وبفضل الله وصلنا إلى مقر إقامتي فتنفست الصعداء وحمدت ربي واستعددت لرحلة البحث عن علاج .
بدأنا سلسلة من المراجعات والفحوصات بين اليأس والرجاء تحملت الكثير على أمل الشفاء ، واصلت الليل بالنهار ، لم أفتر ولم أيأس ، لم أترك بصيص أمل إلا هرولت إليه . لا أنكر احترام بلاد الغرب للمعاقين واهتمامهم بهم ، فلقد كانت جميع المستشفيات والوحدات العلاجية في غاية التعاون معنا .
لكني كلما أبصرت الماء وهرولت إليه مسرعاً وجدته سراباً ثم عاودت البحث .
كلما دب اليأس إلى قلبي نظرت إلى عيني ابني فقتلت اليأس ومنعته من التسلل إلى حصني .
في تلك الأثناء كنت أبحث عن علاج لحالة ابني أو على حتى من يدلني على الطريق السليم لعلاجه . وأنا في إحدى الجمعيات الخيرية لعلاج المعاقين أفاجأ بعد سلسلة من اللقاءات والمراجعات أنهم يطلبون مني أن أترك ابني لهم يتدبرون شأنه : علاجه ، تعليمه ، تثقيفه ، تأهيله .
كان وقع العرض عليّ مفاجئاً لكن ردي كان حازماً إنه ابني الذي علمني معنى الحب والوفاء ، ابني الذي علمني أن الحب تضحية من اجل العطاء إنه ابني الذي علمني قيمة البنوة وشرف الأبوة . إنه ابني – إنه عبد الرحمن بن حسن الحمدان حاولت وحاولت وعانيت وعانيت ، لكن إرادة الله كتبت لنا الرجوع إلى الوطن دون تحقيق علاج شافي له ، فأجمع الأطباء على عدم إمكانية الشفاء التام ، لكن العلاج الطبيعي قد يؤدي إلى بعض التحسن .
الفصل السادس
لا تحس بقيمة الوطن إلا إذا ابتعدت عنه لا تحس بقيمة النعمة إلا إذا فقدتها ، علمتني فترة اغترابي عن وطني أن الوطن هو الأمن والأمان ، علمتني تلك الفترة أن الوطن يستحق منا الكثير أن الحب الحقيقي هو حبك لوطنك واحتضان وطنك لك
بدأنا نمارس حياتنا بشكل طبيعي كان كل همي أن أسعد أسرتي خاصة عبد الرحمن إحساسي بتعلقه الكامل بي وإحساسي بحبه لي جعلني أتفاني في إسعاده.
بدأ طفلي الثاني يتعلم الكلام فبدأت تظهر رغباته ، كنت أحاول جاهداً أن أصنع منهما رجالاً على صغرهما .
في يوم من أيامنا السعيدة طلب ابني الصغير أن نذهب إلى مسبح ليتعلم السباحة ، اندهشت من رغبته لصغر سنه ، لكني كنت دائماً انظر إلى رغباتهم بعين الاعتبار ، وعدته بتلبية رغبته في أقرب فرصة إذا سنحت لي الظروف .
ذهبنا في أحد الأيام إلى المسبح بناءً على رغبته ، اخترت أن نذهب إلى مدارس تعليم السباحة التابعة للرئاسة العامة لرعاية الشباب والتي يرؤسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد بن عبد العزيز ونائبه الأمير نواف بن فيصل بن فهد بن العزيز .
لقد بهرت بهذه الإمكانات وتلك التجهيزات الموجودة بالمسبح وتفتحت عيني على فضل جديد من أفضال وطني ودعم جديد لشباب الوطن في مجال مختلف ألا وهو مجال الرياضة .
كنت قد اصطحبت عبد الرحمن كنوع من الترفيه له ، دخلنا المسبح فسألت عن ماء دافئ وكان الأطباء قد نصحوني بالماء الدافئ كعلاج طبيعي لعبد الرحمن.
وضعت عبد الرحمن في الماء الدافئ فكان خائفاً على الرغم أن الماء كان ضئيلاًَ ، لكن سرعان ما أحس بالراحة والهدوء .
تركنا يوسف يلعب وبدأنا أنا وعبد الرحمن نوجد علاقة بيننا وبين الماء لأول مرة . أوجدنا ألفة بيننا وبين الماء .
رجعنا إلى البيت سألني عبد الرحمن أبي متى سنذهب إلى المسبح ؟ فرحت في نفسي وقلت هذه فرصة للترويح عن عبد الرحمن وفرصة أكبر لتأهيل عبد الرحمن اجتماعياً مع من حوله .
رددت عليه : متى تريد أن تذهب ؟ قال : غداً . قلت : غداً .
بدأنا نتردد على المسبح وبدأ عبد الرحمن يستمتع بالماء وبالأطفال من حوله ، علاوة على أن الماء الدافئ كان له أثر في تقدم صحته .
طرأت لي فكر ة غريبة وهي لماذا لا أعلم عبد الرحمن السباحة ؟ حتى اطمئن عليه وهو في المسبح إذا غفلت عنه .
وبدأت الفكرة تكبر لكن كيف ؟ كيف أنزع الخوف من قلب هذا الطفل المعاق ؟ كيف يطفو على الماء بدون تحريك قدميه ؟
كان هذا هو تحدي تلك الفترة من حياتنا .
بدأت أجرب على نفسي ، قيدت رجليَّ تماماً وألقيت بنفسي في المسبح لأجرب ذلك الأمر على نفسي أولاً خوفاً على ابني . استطعت أن أطفوا على الماء بدون تحريك رجلي ، فرحت .
قلت : عبد الرحمن تستطيع أن تسبح ؟ نظر إليَّ وسكت .
قلت : تستطيع ذلك يا عبد الرحمن أنت بطل . ابتسم وسكت . قلت : هيا نحاول ، أمسكت بيده أدخلته المسبح ، رأيت علامات الخوف على وجهه ، حاولت أن أطمئنه ، سريعاً ما استجاب وبدأت معه مشوار تعليمه السباحة .
كانت خبرتي في التدريب ضعيفة فاستعنت بخبرات المدربين وبدأت أقرأ في كتب السباحة وأتصفح الانترنت وبدأ حماسي يدفعني لأتعلم وأُعلِّم .
بدأنا نحاول وبعد شهر تقريباً استطاع عبد الرحمن أن يكتم أنفاسه تحت الماء لمدة ( 5 ) ثواني ، وبعد شهرين استطاع أن يطفو على الماء ، وبعد ثلاثة أشهر استطاع أن يسبح متراً واحداً .
لم أيأس ولم تفتر عزيمتي ، بل رأيت أننا حققنا إنجازاً كان الوضع الصحي لعبد الرحمن أكبر عائق لنا كان شبحاً يحاول أن يفترس إرادتنا وعزيمتنا لكن لا وألف لا .
لم يتخلف عبد الرحمن عن السباحة يوماً واحداً بل كان مصراً على أن يصارع الماء ويقهر الخوف ويتحدى الإعاقة .
غذت إرادته حماسي فألهبته ، كان يرجع آخر اليوم فرحاً سعيداً ملهوفاً ليقص على أمه أخبار تقدمه ، كنت أستمع إليه فيبتسم قلبي .
بعد عام من التدريب والإصرار والتحدي استطاع عبد الرحمن أن يسبح خمس أمتار فقط مع أن الطفل السوي يمكن أن يتعلم السباحة ويقطع مسافة عشر أمتار خلال فترة أقصاها شهر واحد .
بدأ الذهاب إلى المسبح يمثل لنا المتنفس الذي نعبر فيه عن رغباتنا وآمالنا ونقهر فيه ضعفنا ، وترددنا بدا كأنه ساحة المعركة التي نقتل فيها يأسنا ونرفع فيها لواء إرادتنا وعزيمتنا .
بدأ عبد الرحمن يحب هذا المكان وبدأت أحب حبه فأحببت المكان . عبرنا من خلاله إلى أحلامنا الجديدة في الحياة ، جعلناه الصخر التي يتحطم عليها الخوف والضعف وعدم الثقة بالنفس .
لا أنكر جهود القائمين على هذا الصرح الرياضي وعلى رأسهم صاحب الفضل الأول بعد الله سبحانه وتعالى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد راعي الرياضة في بلدنا وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل نائبه . والأمير عبد العزيز بن فهد رئيس اتحاد السباحة العربي السعودي .
كان عبد الرحمن أول طفل معاق يدخل مدارس تعليم السباحة بين دهشة واستغراب الجميع ، ماذا يفعل هذا المعاق بيننا ؟؟!! هذا لسان حالهم . أما نحن فكان لسان حالنا يقول : فتشوا عن قدراتنا نحن المعاقين وانظروا إلينا بثقة ، فنحن نستطيع أن نفعل الكثير لكن باحترامكم وثقتكم في قدراتنا .... ومضينا في دربنا.
مرت الأيام سريعاً ....
كان المسبح جزءًا مهماً من برنامجنا اليومي ، تمكن عبد الرحمن من السباحة لمسافة خمس وعشرين متراً لكن بصعوبة . سمعنا عن مسابقة للسباحة على مستوى المملكة للمعاقين يقيمها الاتحاد السعودي للرياضة لذوي الاحتياجات الخاصة . قلت في نفسي لِمَ لا أشجع عبد الرحمن على المشاركة فيها ؟؟!! بالفعل اشتركنا كان عبد الرحمن أصغر سباح في المسابقة ، كانت المسابقة في مدينة الأحساء ، دخلنا المسبح وسط دهشة وذهول المتسابقين والحضور معاً لصغر عبد الرحمن ودرجة إعاقته .
وقف الجميع شاخصة أبصارهم لا يرتد إليهم طرفهم وقلوبهم معلقة بهذا الصغير . بدأ عبد الرحمن يسبح ، تحول الصمت الذي لف المكان دهشةً إلى تصفيق حار وتشجيع يهز أركان المسبح إعجاباً بهذا البطل الصغير ، سبح عبد الرحمن حتى وصل إلى خط النهاية . الأعجب من ذلك الشيء الذي هز قلبي وأدمع عيني فرحاً عبد الرحمن كان أول من وصل إلى خط النهاية ، عبد الرحمن حقق ذهبية ، أول ذهبية في حياته . ابني حقق ذهبية ، ابني نصرني طرد الحزن من قلبي . كان هذا اليوم يوم رد الاعتبار لنا . كان هذا اليوم هو الدرع الذي وقانا نظرات الذين اعتبروا عبد الرحمن محنة وبلاء .
كان هذا اليوم من أسعد أيام حياتي ، عرف قلبي طعم الفرحة ، أيقنت أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً .
يومها قدم مسؤلوا الاتحاد السعودي لرياضة ذوي الاحتياجات الخاصة تهانيهم للبطل و أعربوا عن سعادتهم به وسط تصفيق الجميع وإعجابهم .
في اليوم التالي نشرت صحيفة الريــــــاضة السعودية الخبر وكــــان تحت عنـــــوان ( الإحساء تشهد ميلاد معجزة سعودية )