نــافـذة حيـاة @nafth_hya
عضوة جديدة
عتبة الباب (قصة قصيرة بقلمي)
_عتبة الباب_
وضعت قدمها على عتبة الباب , ونظرت بعينين دامعتين إلى كل السيارات أمام البيت . هذه السيارات التي أتت جميعا لتأخذها إلى حياة أخرى في حفل زفاف يُقال له حفل زفافها . كانت واقفة تتأمل من فتحة نقابها الجموع بنظرات بؤس لا توصف . أطرقت رأسها حزنا فإذا بعينيها تقع على العتبة التي وضعت عليها قدميها . كانت ذات العتبة التي وضعت عليها قدميها قبل ثمانية عشر عاما حين كانت في السادسة من عمرها . لن تنسى ذلك اليوم الحزين الذي أتى فيه خالها ليخرج أمها مما هي فيه من الجحيم . الأم المسكينة لم ترحل إلا بعد أن طرقت أبواب كل الحلول , فلم يُجد شيئا , فنفد صبرها وقررت الذهاب دون عودة . لازالت هدى تذكر معاناة أمها مع أبيها المدمن والمروج في آن واحد . بل إنها ومع صغر سنها في ذاك الحين , لازالت تذكر المأساة بكل تفاصيلها . لازالت تذكر أنواع الضرب الذي كانت تجده أمها من والدها , وتذكر كل الشتائم و الإهانات التي لم تتوقف حتى ذلك اليوم الذي قام فيه هذا الأب القاسي بحبس زوجته في الحمام ليلا , وتركها حبيسة حتى اليوم التالي . لازالت هدى تذكر صبر أمها وكيف كانت تتعجب منها أنها لم تستنجد بهم ولم تصرخ أبدا طوال مكثها في الحمام . لكن هذا التعجب زال عنها عندما علمت من الحياة مدى حنان قلب الأم , فأيقنت أن أمها كانت تُكتّم صرخات قلبها رفقا بمشاعر بُنياتها الصغار , تلك المشاعر التي لم يرع والدهم حرمة لبراءتها .
لازالت هدى تذكر ذلك الانتصار الذي حققته حينما استطاعت سرقة مفتاح الحمام من غرفة والدها عند خروجه ظهرا لملاقاة أحد مروجي المخدرات ممن يتبادل معهم البضائع . كانت هدى ترتعد خوفا وهي تفتح الباب لأمها الحبيسة . لم تزل هدى تذكر منظر أمها لحظة خروجها مسرعة نحو نافذة المطبخ حيث بدأت تنادي جارتهم التي اعتادت أن تتحدث معها من هذه النافذة . تذكر هدى جيدا حديث أمها مع الجارة وهي تستجديها كي تتصل بأهلها , فكما قالت " لم يبق لها مكان تجلس فيه " . عادت الأم مسرعة إلى الحمام وأمرت ابنتها أن تغلق الباب وتعيد المفتاح على عجل قبل أن يكتشف والدها الأمر . لازالت هدى تشعر باحتضانة أمها لها قبل أن تغلق الباب ولازالت تسمع صوت أمها وهي تجهش بالبكاء . كان هذا هو الانتصار الذي حققته هدى والذي كانت تندم أحيانا عليه لأنه أفقدها لؤلؤة قلبها , فلم تكد تمر سويعات قليلة حتى وصل خال هدى ومعه مجموعة من سيارات الشرطة . ورغم رتبته العالية في الأمن غير أنه لم يستطع إخراج أخته إلا بعد محاولات ونقاشات طويلة . حينها قام الأب بإخراج هدى وأُختاها لكي يروا أمهم وهي تتركهم مع سيارات الشرطة . كان هذا الأب الذي تجرد من كل معاني الأبوة يريد أن يثير عطفها على بناتها حتى تبقى معه . كانت الشمس قد دنت من الغروب والأم تمشي نحو سيارة أخيها بخطى بطيئة مثقلة بالوجد على بُنياتها . أصوات أجهزة سيارات الشرطة والبلاغات التي تردهم تملأ المكان , وهدى وأختها الكبرى والصغرى واقفات على عتبة الباب يرقبون الموقف بأعين بريئة قد اغرورقت بالدموع . ومنذ تلك اللحظة وتلك الوقفة على تلك العتبة لم ترَ هدى ولا أختيها أمهم , و بدأوا بعدها المعاناة ولكن وحيدات .
كانت هدى الأكثر معاناة بين أخواتها لأنها الأذكى والأكثر جرأة على الاعتراض أحيانا على الظلم والذل . وهاهي اليوم ورغم كثرة مقاوماتها للظلم تُزف رغما عنها إلى صديق لأبيها مروج كما زُفت أختها التي تكبرها رغما عنها إلى مروج أيضا . هاهي هدى تقف على ذات العتبة التي وقفت عليها من قبل وودعت أمها بنظراتها , واليوم تقف عليها لتودع حياة شقاء وتستقبل المجهول . كان المنظر مشابها لذاك , فالشمس قاربت هي أيضا على الرحيل وأمام الباب سيارات عديدة . طال وقوف هدى على العتبة , وهي مطرقة تستعيد الذكريات , فاقتربت منها أختها التي تصغرها والتي كانت تقف بجانبها وربتت على كتفها وهمست في أذنها " أرجوك يا أختي لا نريد مزيد مشاكل مع أبي " . رفعت هدى رأسها وحولت بصرها من العتبة إلى المشهد الذي أمامها , ثم رمقت عينا أختها الباكية من فتحة النقاب , ثم جالت ببصرها في السماء وأغمضت عيناها وسقطت على عتبة الباب .
بــقلمي ســـــارة العبدالله
42
5K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الوفاء والطيب
•
؛(:(:(
روح الفن
•
بسم الله الرحمن الرحيم
وكأنه مقدر لها ألا تتجاوز العتبة !!.........
وخلف الأبواب المغلقة جراح لا تزال مفتوحة
أخيتي ســارة أسفرتِ وأضأت الواحة ،،
وقلمك واعــد جميل لا زال يخفي الكثير،
ننتظر دوما مثل هذه الأعمال بشوق كبير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصفحة الأخيرة