عصفوره

عصفوره @aasforh

عضوة نشيطة

عراقي ضل طريقه إلي فلسطين.. كأني في البصرة، كأنك في رام الله

الأدب النبطي والفصيح

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
هذه اول مشاركه لى في الواحه الادبيه.
اعجبنى هذا المقال من جريده القدس العربي للكاتب :زياد خداش
بعنوان :عراقي ضل طريقه إلي فلسطين.. كأني في البصرة، كأنك في رام الله

ماذا يفعل الآن الكاتب القصصي العراقي محمد خضير هناك في البصرة التي بلا ماء ولا كهرباء؟ هناك في بيتة الصغير هناك في غرفتة المليئة باليأس والعطش والتاريخ، هناك بالضبط، بجانب نافذتة المطلة علي اللامفهوم، واللامتوقع، واللامتحقق. هل يتكئ محمد خضير الآن بمرفقة العاري النحيل علي حافة النافذة؟ ينتظر تاريخا بعيدا لا يأتي. يعود محمد الي السرير، يحدق في السقف بعينة البابليتين العميقتين، وفجأة ينهض كمن لسعتة رؤية ـ سأصنع تاريخي الخاص، سأحفر سمائي الشخصية. فيجلس الي مكتبه ويكتب، يكتب، يكتب فتظلم الدنيا كلها، ووحدها تبقي غرفتة مضيئة.
صديقي محمد خضير: اكتب اليك من رام الله المحاصرة بالخوف والموت والمجهول. هذه الليلة اتذكرك بقوة، قوة عجيبة، طريدة حزينة. هذه الليلة آراك بقوة، رائحا غاديا، تذرع غرفتك، وتتحسس نافذتك، وتسرق بين الخطوة والاخري نظرة سريعة الي البعيد. لا أحد قادم. لا غناء، لا مطر لا قوافل، لا خيول، الساعة الآن هي الواحدة بعد منتصف الليل. هل تسمع معي صوت الانفجارات، وصوت اقدام الجنود، وصوت استغاثات الاطفال والنسوة؟ هل قلت نعم؟ احقا تسمعها؟! كيف تسمعها وانت هناك وانا هنا. اه يا محمد. نعم ياصديقي انها نفس الانفجارات، نفس الاستغاثات، نفس اقدام الجنود نفس سحنتهم، نفس رائحتهم، ونافذتك المجنونة الشاحبة اهي نفسها نافذتي؟ اتذكرك الليلة بقوة الفريسة حين يلجئها الرعب الي قاع الذاكرة، الي تلك اللحظة التي تتتفح فيها الحواس الي اقصى مدي، وتتحطم اقفاص الكينونه، وتتوهج الذكريات الي ذروة الذهول، وتذوب فيها المشاعر من فرط وضوحها واكتمالها وتتحول الي صلاة دائمة او كفر دائم، اتذكر كلام الاصدقاء عنك: بسيط و هادئ وصموت ومدرس متقاعد، ولم يغادر البصرة الا الي بغداد، ومرات قليلة. اتذكر رسالتك الشفوية لباسم البنريص (قل لزياد خداش ان يترك مهنة التدريس فورا لأنه سيموت مختنقا بالطباشير والضجيج وأوامر الجرس)، لم انفذ نصيحتك وبقيت مدرسا، اختنق كل يوم بالطباشير والضجيج واوامر الجرس ورتابة الوقت، ولكني اعرف اني سأموت ذات حصة نحو سادسة في مدرستي المكتظة بالعادي والمألوف الي حد الفجيعه، وفي حياتي المزدحمة بالاجراس الي حد الموت.

بصرياثا، بصرياثا

لن انسي ذلك الصباح ما حييت، في شتاء 1997 ايقظتني رياح الصباح بايعاز من رب عملي كالعاده. (في الصيف توقظني خيوط الشمس الاولي وفي الشتاء الرياح) رب عملي اشتري الشمس والرياح بفتات نقوده، لتوقظ عبيدة المنتشرين في المدن والقري. وبينما انا اسير تحت المطر، ذاهبا الي مقبرتي اليومية (المدرسة) التقيت في الطريق صدفة صديق لي، اقتربت مني مبتسما، ووضع في يدي كتابا، ومضي وهو يقول: خذ هذا الكتاب بقوة، المطر ينهمر فوقي، والرياح العميلة تدفعني باتجاه المقبرة، ولا احد في الشارع سواي. لا اتذكر ما الذي جعلني القي اول نظرة علي غلاف الكتاب، ولكني اتذكر جيدا. انني توقفت عن المشي، وانا اقرأ العنوان بصرياثا ـ صورة مدينة، شعرت بانخطاف ما. العنوان بصرياثا سحبني بقوة الي عصر آخر، ضفة اخر، في هذا العنوان طاقة غامضة مخيفه، تجرد قارئها من ممتلكات ذاكرته، وتلغي اثاث روحه، فيعيش بشرا مختلفين، ونهرا آخر، يري اعمدة معابد، وقري نائية، ونيرانا مشتعلة فوق جبل بعيد، ويسمع صيحات حيوانات تضج بها اعماقه، ويسمع صهيل مدن غريبة ويشم رائحة سيوف تنتظر علي الحدود غزاة قادمين، ويشعر بحكماء يسعلون في الجوار، وشعراء يبكون في الليل البارد، بصرياثا، بصرياثا، بصرياثا، ظللت اردد هذه الكلمة فيما انا اواصل جنازتي اليومية باتجاة موتي المتكرر، ولكنني ويا لغرابة الحالة! لم اصل الي موتي، وصلت الي غابة صغيره، تقع علي الطرف الشمالي لمدينة البيرة. بالقرب من المنطقة الصناعية، هناك وجدت نفسي في كهف يقع تحت الغابة الواقعة فوق ربوة، كان المطر يسقط بقوة. وروحي ايضا كانت تسقط في بئر عميقة اسمها بصرياثا، انفصلت عن العالم. عن موتي، عن جلدي، ورحت أركض في مداخل البصرة الاربعة، وهناك قابلت عميانا وانبياء ومسافرين وزرت مقبرة الفقراء واجهشت فوقها ببكاء غريب، وتجولت في ساحة الملك غازي. واسواق الهنود، والصيادلة، وهناك لمست ليل بصرياثا المزروع بالمدافع، وصفارات سيارات الاسعاف المسرعه، وتتبعت اكتشافات محمد خضير لبصرياثا في نزهاته الحذرة، ودهشته المرة امام المدينة الجديدة التي تأكل القديمة، وتعرفت علي اشباح المدينة القديمه، وتحدثت مع معتوهيها، وبغاياها، ولصوصها، وسبحت في انهارها الستمئة، وجلست تحت عرائش كرومها، وسعف نخيلها، وهناك بحثت كالمجنون عن بريق الاساور في السواعد اللدنة، وعن السقائف المعقودة، والحان العود، والوسائد الحريريه،
ومنذ ذلك الصباح العريض فقدت جزءا كبيرا من ذاكرتي، وبعت نصف اثاث روحي، وصرت شخصا اخر بابتسامة اخري، وخوف آخر.
بندقية العجوز والاباتشي
محمد يا صديقي
انا لا اعرف ماذا تفعل الان ولا اعرف هل تناولت افطارك ام لا؟ ولا اعرف في اي ضاحية من ضواحي البصرة تسكن؟ ولا اعرف كم يبعد عنك قبرا محمود البريكان ومحمود الجندراوي؟، ولا اعرف ما هي آخر قصة كتبتها،؟ ولا اعرف اخر مرة ضحكت فيها من اعماقك،؟ اعرف شيئا واحدا فقط اني احبك واحب البصرة واحب العراق، واحب سعدي يوسف والسياب وغائب طعمة فرمان، وخضر ميري، وعلي مزهر وجمال جمعة، وشريف شعلان، وكرم جواد ويوسف ابو الفوز، اما زلت عند النافذه؟ .................................والخيول يا صاحب القلعة السوداء والحكاية الجديدة ورؤيا خريف، يا فارس خيول المخيلة.
الغزاة علي الابواب يا محمد والبصرة بلا ماء ولا كهرباء، علي اي ضوء ستكتب قصة العجوز والاباتشي؟ علي اي ضوء؟ ماذا؟ لم اسمعك يا محمد؟ هل رايت شفاهك تتحرك؟ ضجيج الانفجارات في رام الله يصم اذني؟ واصوات استغاثات اصحاب البيت الذي يهدمونه الان تربك كياني. فلا تؤاخذني ان لم اسمع، تكلم الان، اعد ما قلته يا محمد خضير، آه اتقول انك تكتب علي ضوء الاسطوره؟ نعم يا صديقي، لطالما احببت طريقتك في انتزاع الاسطورة من اليومي والعادي، لطالما اعجبت بقدرتك الرائعة علي اكتشاف الغرائبي والسحري من الطبيعي والمألوف.
ما الذي اسمعه الان؟
انه صوت طائرة اباتشي، تحلق فوق رام الله
ماذا قلت؟ وفوق البصرة ايضا، هي نفسها اذن، يا الهي، نفس الصوت، نفس الطيار، نفس الرغبة في القتل. نفس الجريمة، ولكن كيف تحلق الاباتشي فوق رام الله والبصرة في وقت واحد؟ كيف؟ كيف؟
اين انت واين انا؟ هل انت فلسطيني تاه ذات ضباب قديم عن الطريق ووصل البصرة صدفة؟ ومن انا؟ هل انا عراقي ضل طريقه الي رام الله ذات ارتباك، ذات خوف؟
محمد:
البارحة ظهرا شاهدت جنازات شهداء بغداد، علي فضائيات العالم العربي، كان المشيعون يهتفون لا اله الا الله والشهيد حبيب الله، دخل أبي فجأة وانا أشاهد وسألني دون ان ينظر
اسمع صوت هتافات،
هل هي جنازات شهداء؟
نعم يا ابي
واين هي؟
ولم انتبة لنفسي وانا اجيبه:
في مخيم جنين
والبارحة ليلا شاهدت مشهدا اراه كل يوم، بل كل ساعة، علي احد الشوارع في مكان ما،
كان جنود امريكان او بريطانيون ينزلون ركاب وسواق الشاحنات والسيارات، ويأمرونهم بان يضعوا اياديهم علي رؤوسهم، ويجلسونهم بعيدا، كان المشهد بالنسبة لي عاديا جدا ومعهودا، وحين دخلت امي التي لا تري جيدا، سألتني:
اين هذا الحاجز؟
ومرة اخري اجبتها دون ان اكلف نفسي عناء التفكير باجابه
انة حاجز سردا يا امي
اة يا محمد ماذا ستقول لهذه الكائنات الغريبة حين توقفك علي الطريق الذي تمر منه كل يوم، وتأمرك بان تضع يدك فوق راسك، وان تبتسم حتي يتاكدوا انك لا تخفي سلاحا او اصرارا بين اسنانك؟
وحين يسالك احدهم ماذا تعمل؟
بماذا ستجيبه يا محمد؟
هل ستقول له اعمل باحثا عن خيل قديم؟ اتسلق الشجرة العالية فجر كل يوم وانظر الي الافق فلا اري سوي الغبار، ولكني اسمع صوت صهيل، يأتي خافتا من مكان ما، فاركض باتجاه الصوت، فلا اصل الا الي صحراء، صحراء، صحراء.
كم شبعت الصحراء منا!
كم شبع الفراغ!
من اين يأتي الصهيل يا محمد اذن؟
اهو صهيل روحك الظمأي؟ ام هو صهيل الامكنة القديمة المستوحشة؟
في رام الله يا محمد، في رام الله الحلوة والمنهكة، يتناقل الناس اخبار بطولاتكم كما يتناقلون اخبار بطولات خان يونس وجنين، وبيت لحم.
في رام الله يا محمد، رام الله، المدينة الصغيرة التي تقع خلف البصرة، اقسم استاذ مدرسة اعدادية هو انا ان يمنح طلابه علامة مئة بالمئة، في شهاداتهم اخر العام، غدا حين تنتصر اوروك علي نيوجيرسي، غدا حين ينتصر جلجامش علي ريتشارد بيريل، غدا حين ينهمر الصهيل، وتغرق الصحراء في الصحراء، ويفاجأ الفراغ باندلاع حدائقنا، غدا حين اراك يا محمد، هناك في البصرة، او هنا في رام الله،
البصرة ورام الله، رام الله والبصرة،
يا الهي! اي كريستال يطير من هاتين الكلمتين! اي حب! اية ينابيع تنفجر في وجه الصحراء حين تلفظ هاتين الكلمتين!
محمد
اكتب اليك من رام الله، المحاصرة بالخوف والموت والمجهول
زياد
اكتب اليك من البصرة المحاصرة بالموت والخوف والمجهول
زياد ومحمد
اكتب اليكما من الاردن المحاصرة بالموت والخوف والمجهول
زياد محمد جهاد
اكتب اليكم من الرياض المحاصرة بالموت والخوف والمجهول
زياد محمد جهاد وعبد الله
اكتب اليكم من.

? كاتب من فلسطين
4
593

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

تــيــمــة
تــيــمــة
اختيار أكثر من رائع يا عصفورة ..

خطاب يتغلغل في أعماق الألم .. ويمعن في انصهار المسلمين في بوتقة واحدة ......

ما أروع النهاية ....

لست أدري بم أعلق ... فقد اختنقت أحرفي فعذرا ......

لك مني بالغ الشكر على هذا النقل الرفيع ..
نــــور
نــــور
رائعة ... وهذه الكلمة قليلة ...
فقد أخذنا الكاتب رحلة لها شجون ووضع يده تمامآ على جراحنا الملتهبة ..وقد شرح بأسلوبه الرائع نفس أحاسيسنا التي تنتابنا عندما نشاهد قوافل الشهداء في بغداد و أصوات الآهات و البيوت المهدمة .. نعجز لحظتها حقآ عن التمييز أين نحن في العراق أم في فلسطين أم في مكان آخر لم يأت دوره بعد ... ولم العجب فالسلاح الفتاك واحد وحامله واحد و المصيبة واحدة ...

إنها صرخة مدوية....
لا ليست ألمآ .. ولا حزنآ ...
لكنها صرخة تحذير ......
فمن يستمع ؟؟؟!!!

بارك الله بك يا عصفورة على الإختيار الموفق
صباح الضامن
صباح الضامن
اما زلت عند النافذه؟ الم تيأس من انتظار الله

كنت مذهولة بما أقرأ حتى طالعتني الجملة السابقة

أرجو من الأخوات المشرفات حذف تلك الجملة

نحن لا نيأس من انتظار الله ولا نتحدث عن هذا لأن الله موجود في كل مكان يرقبنا ويرعانا

وما عدا ذلك سأعود للتحدث عن روعته
وذاك الزخم وذاك الاقتران المؤلم
الامل المشرق
الامل المشرق
اختي عصفوره
لقد نزلت الدمعه من عيني فلم استطع الاكمال
جزاكي الله خيرا
فرج الله هم اخواننا واعانهم