عروس !

الأسرة والمجتمع

وصلت بطاقة الدعوة إلينا ، موضحة مكان العرس وزمانه ..
وتوجهنا قبل ثلاثة أسابيع في يوم الخميس الثامن من شهر شعبان لعرس ابن جيراننا الذين تمتد علاقتنا بهم لأكثر من خمسة عشر عامًا ..
كان العرس بهيجًا ، تزين بحضور جمع من علماء مكة ومشايخها ، وعريسنا كان في قمة سعادته وأنسه ، والحق أن الجميع كان مسرورًا لسروره لما عرف عنه من حسن خلق وسمت ، ولما لأيبه من فضل وقدر ..
وانتهى ذلك اليوم السعيد سريعًا كما بدأ ..
70
5K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

عزيزة بربي
عزيزة بربي
واليوم بعد صلاة الظهر اتصل بي أخو العريس ، فأنكرت صوته لما سمعته ، وزدت إنكارًا لما قال بإيجاز : زوجة أخي توفيت فجر اليوم ، وسيصلى عليها بعد العصر في الحرم ، بلغ أهلك ..
أصدقكم القول أني أنكرت كلامه وما صدقته ، فاتصلت على والدتي وطلبت منها التأكد من الخبر المفاجئ ، ربما لم أفهم جيدًا ما قيل لي ، والحمد لله على كل حال ..
عزيزة بربي
عزيزة بربي
وتأكد الخبر ، فتوجهت بعد صلاة العصر إلى المقبرة ، ولما دخلتها اكتنفني شعور غريب ، الهدوء المخيم على المكان ، والرهبة التي تكتنفك وأنت تنظر في القبور المرتصة أمامك ، وحرارة الشمس الشديدة ، ومنظر الناس المترقبين وصول الجنازة في صمت وحزن تشقه همسات خافتة ، ويجتمع مع ذلك تذكرك لجمع كثير شاركت في دفنهم في ذلك المكان ، كل ذلك يجتمع في تلك اللحظات فتعجب من سرعة الأيام وتقلب الأحوال ، ولا تملك إلا أن تقول : سبحان من تفرد بالبقاء وحده ..
عزيزة بربي
عزيزة بربي
في ذلك المكان تداهمك الخواطر ، وتكتنفك المشاعر ..
ما أعجب أمرك يا ابن آدم ..
أكيف تغفل عن ربك وأنت تعلم يقينًا أنك ستصل إلى تلك الحفرة يومًا ؟
وكيف تغتر بقوتك وأنت تعلم أن الدود أقوى منك هناك ؟
وكيف تثق بجمالك وأنت تعرف أن التراب لن يتركه لك ؟
وكيف تنسيك أموالك واجباتك وأنت تعلم أنك ستخلفها وراءك ؟
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة" ..
عزيزة بربي
عزيزة بربي
وصلت الجنازة في سيارة الموتى ، ونزل منها العريس الذي لا زال في شهر العسل ، وأقبل العشرات يحملون الجنازة ، وبعد قليل وضعوها ليصلي عليها من لم يدرك الصلاة أولاً ، ثم عاودوا حملها إلى منزلها ، ووضعها أقرب الناس إليها في ذلك المكان ، وأهيل عليها التراب ، ودعا لها الناس وانصرفوا للعزاء ..
وقتها تذكرت بكاءه صلى الله عليه وسلم عند القبر لما خرج يدفن أحد أصحابه ، وقوله لأصحابه عند القبر : "يا إخواني لمثل هذا فأعدوا" ، والعجب لا ينقضي عند التأمل في هذا فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو خليل الرحمن ، المغفور له ذنبه المتقدم والمتأخر ، أتقى الخلق لله ، وأعظمهم ارتباطًا بالله ، يبكي من القبر ويوصي بالإعداد له ، فما المفترض بنا ؟
عزيزة بربي
عزيزة بربي
إخوتي الكرام ..
حوادث الموت كثيرة ، وكثرتها أصدأت قلوبنا حتى أصبحت تمر علينا مرور الكرام لغفلتنا ، وفي هذه القصة أمر لا نسمعه دائمًا ..
أختنا رحمها الله ودعت هذه الدنيا وهي عروس ، ما زالت تعيش فرحة عمرها ، وكل من حضر عرسها تأثر لسماع قصتها ، وإن فيها لعبرة لمن كان له قلب ، عبرة تقول : يا أيها الناس : الموت لا يفرق بين عروس وعجوز ، ولا يعرف متزوجًا ولا أعزبًا ..
والله الذي لا إله إلا هو ، ما يغتر بهذه الدنيا عاقل ، ولا يركن إليها مؤمن ..
والله إنا بحاجة لنحت الصدأ العالق في قلوبنا من طول غفلتنا ، وانكبابنا على اللذائذ ، وإفراطنا في المباحات ..
اللهم برحمتك ومنّك وجودك وكرمك ، طيّب مثوى أختنا ، وغمّد روحها الجنة ، وعوضها في سعادتها الفردوس ، واخلف لها أهلاً خيرًا من أهلها ، وبيتًا خيرًا من بيتها ، واجبر قلب زوجها ، واخلف له في مصيبته خيرًا منها ، واربط على قلوب ذويها ، وارزقهم الصبر والسلوان ، واجمعنا معهم ومع أحبابنا والمسلمين في الجنة يا أرحم الراحمين ..
إنا لله وإنا إليه راجعون ..