
عش كما يعيش العصفور !
ألا تراه ينطلق من عشه جائعاً ، ولا يعود إلا وقد امتلأت بطنه بالرزق الطيب المبارك ..!!
وخلال رحلته للبحث عن هذا الرزق من هنا وهناك ، لا يزال يغني ويترنم ،
ويُطرب الحياة والأحياء من حوله !!
لا يضيق لأنه جائع ، ولا يعبس لأنه لم يجد رزقه بعد !!
ولا يتطلع إلى أبعد مما ينبغي فيصاب باليأس ، ولا يحمل هماً ينكد على قلبه عيشه !!
بل إنك لتجزم وأنت ترى هذا العصفور يتهادى في جو السماء ،
تجزم أنه يمضي حيث يمضي ، وربيعه الأخضر معه حيثما حل وارتحل !!
أيكون هذا العصفور الصغير أعقل منك أيها ( العااااااقل ) !!؟؟
ألا تعساً لعقل يجعل صاحبه أتفه من عصفور !!؟
عليك أن تملأ قلبك بالفرح الدائم ، وسر هذا الفرح يكمن أن تذكّر نفسك أنك مع الله تمضي
ولله تعمل ، وبين يديه تتحرك ، ومع مشيئته تتقلب ، وإليه سترجع ،
وهو ناظر إليك مع كل نفَسٍ يتردد في صدرك ..!
إذا نجحت في هذا الاستشعار القلبي لهذه الحقيقة الضخمة ،
ستجد الحياة من حولك تتبسم لك ، وتتهلل في وجهك ..!
نعم والله .!
إن السعادة كل السعادة تفيض على قلبك حين تنجح في استشعار قرب الله منك ،
وعطفه عليك ، ورحمته بك ، وحلمه عليك ، وإحسانه إليك ، وصبره عليك ،
ورقابته لك ، بل وفرحه الشديد حين تعود إليه تائباً ..!!
بل وأن تستشعر أن إقباله عليك ، أضعاف إقبالك عليه ..!
وأنه لا يزال يباهي بك ملاكة السماء ، طالما أنت مشمر معه ،
مقبل عليه ، مشتاق إليه ..!
وهل بعد هذا بعد ، يمكن أن يتطلع إليه إنسان عاقل ؟!
إن السعادة الحقيقية أن يبقى لسانك لاهجاً بذكر مولاك العظيم ليل نهار ، وصباح مساء ،
وفي كل وقت وحين ، ومع كل أحد ، وفي كل مجلس ..!
إن السعادة الحقيقية أن توطن نفسك على أن تكون ( وقفاً ) لله ..
كلامك له وفيه وعنه ومن أجله .. وحركتك وسكونك كذلك ، ويقظتك ونومك أيضا ،
وقراءتك وكتابتك ، وأكلك وشربك ، وضحكك وبكاؤك ..
ومزحك وجدك ، وحبك وبغضك ..!
فإن كنت كذلك حقاً ،
فإنك تكون قد أصبحت عبداً ربانيا ، تمشي على الأرض وأنت عظيم في السماء !!
السعادة الحقيقية أن يكون لك هدف واضح محدد في حياتك ،
تسعى له ، وتتعب من أجله ، وتعمل على تحقيقه ،
فإن لم يكن هذا الهدف هو تحقيق عبوديتك لله ، فاعلم أنك مضحوك عليك وإن .. وإن ..!!
قد رشحوك لأمرٍ _ لو فطنتَ له _ ** فاربأ بنفسكَ أن ترعى مع الهملِ
السعادة الحقيقية أن تصر _ رغم مواجعك الكثيرة _
أن تبتسم في وجه الدنيا ، حتى وإن كشرت هي في وجهك !
تبتسم لها ولأهلها كأنك غير مكترث أبدا بما تواجهك به من أكدار ونكد !
زادك في هذا أنك تستشعر ما أعده الله لك إذا نجحت في هذه المهمة!
املأ قلبك بالفرح السماوي ، وسينعكس هذا الفرح على محياك كله ،
ثم سيفيض على من حولك بالضرورة ..!
السعادة الحقيقية أن تقطع يومك كله مع الله ، مقبلاً عليه ، خادماً له ،
حاملاً هم دينه ، معرضا عن دوائر معصيته التي تعرضك لسخطه وغضبه .!
السعادة الحقيقية أن تكون أجندتك كلها في يومك وليلك ، تصب لصالح مزيد من القرب
من الله سبحانه ، وقد يكون ذلك من خلال خدمة الآخرين تقف معهم ،
وتمد لهم يد العون ، وتساعدهم بما تستطيع ، وتفيض عليهم بشراً وعطاءً ورحمة وحناناً ،
ولو بالكلمة الطيبة ، إن عز عليك المال ..!
واجعل شعارك معهم وأنت تجهد نفسك من أجلهم : لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا !
السعادة الحقيقة أن تكون مقبلاً على الحياة بروح الثقة بالله ، والاطمئنان إليه ،
والرضا بقسمته ، والانشراح لاختياره لك ، بنفس مبتهجة ، وقلب مطمئن ،
وروح تشعر معها وأنت تمضي في مناكب الأرض أنك :
واثق الخطوة تمشي مَلكا..!!
وأخيراً .. هل وصلت الفكرة إلى قلبك وعقلك ؟!
إذن يبقى عليك أن تترجمها في واقع حياتك ، ومع من حولك ،
وأن تجهد نفسك في هذا الطريق ، فإنه طريق رائع كثير المباهج .
لقد قالوا :
إن الإنسان تتحكم فيه أفكاره ، وتوجه له مسار حياته ، وتشكل له نفسيته ،
فاجعل أفكارك منذ الساعة ، تتمحور حول هذه المعاني وأمثالها ،
فإنها أفكار سماوية مشرقة ، ويوشك أن تجد صداها قريبا في قلبك ،
وواقع حياتك ، ولكن اصبر وصابر .
وقالوا قديما :
قل لي فيم تشغل فكرك في يومك وليلك ؟ أقل لك من أنت !!
فإن رأيت أن أغلب فكرك مشغول في هذه المعاني ، فاحمد الله كثيرا ،
فإنك تسير في طريق الإشراق ، ويوشك أن تصل ..
وإن كانت الأخرى ....
فاعلم أنك ارتضيت لنفسك الهوان .. فلا تشكونّ ذا الزمان !
ولا تلومن إلا نفسك ..وقديماً جنتْ على نفسها براقش !!
نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لكل ما يحبه ويرضاه ..
م ن ق و ل