
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ)
مدخل ~
الذاكرة ... تلك المدوّنة السحرية ..
التي تضم مجلٌدات تخزن ملايين المليارات من المعلومات
في ركنها الخفي ... البعيد والقريب والمتوسط المدى
والتي تقول النظريات الحديثة عنها أنه ليس لها مكان في الدماغ
ولكنها مرتبطة بالحالة النفسية ...
هي آية من الآيات المبثوثة التي تحتويها هذه الكتلة العجيبة المكوّنة..
من نسيجٍ عصبيٍّ .. كثير التلافيف ... يطلق عليه الدماغ ...!
ولكن ماهو هذا الدماغ ؟!
وماهي تلك الكينونة المتوارية .. العظيمة الأثر ؟
وهل لما نتناوله من غذاء تأثير عليها ... قوّة أو ضعفاً...؟
وكيف نحافظ على تفكيرٍ نشط ؟ والأهم ..
ماالزاد الآمن الموصل إلى صحة النفس والعقل والبدن ؟
ستأتيكن الإجابات فيما يتعلق بذلك المحتوى ...
أمّا الآن فلنبدأ بفضّ الإشكال الذي قد يقع فيه البعض ..
في التمييز بين المفاهيم الثلاث والتي يحتويهاتعريف ..
مافي داخل الجمجمة البشرية .. والمحفوظ في صندوقها المكين :
المخ ... الدماغ ... العقل ...
وإليكن هذه التعريفات العلمية الفاصلة واالتي تقول أن :
الدماغ~
هو الجزء الكامل الموجود في الجمجمة والذي نعرفه جميعاً
وهو أهم أجزاء الجهاز العصبيفي جسم الإنسان...
يجمع المعلومات ويحللها ويدير ويسيطر على معظم أعضاء الجسم
المخ ~ أحد أجزاء الدماغ .. ويهتم المخ بشكل عام بالوظائف الإدراكية
والحسية والعقلية ووظائف اللغة.
أما العقل ~ فهو ليس جزء مادّياً يلمس في الدماغ ...
وإنما هو الطاقة المفجّرة للأنشطة والوظائف العليا في الدماغ الملموس ..
هو الشخصية.. التفكير .. الجدل .. . والانفعال العاطفي ... و الذاكرة ..!
هو الشيء الذي ميّز الله به الإنسان عن سائر المخلوقات . ..
وكرّمه .. ومنحه حريٰة الإرادة والاختيار .
هو ملكة التفكير والإبداع وهما أعلى مراتب الإبداع العقلي ..
الغذاء والعقل ~
مثل حفظناه منذ الطفولة وجرى على ألسنتنا كما تجري أناشيدنا ... يقول :
( العقل السليم في الجسم السليم ) وهذا قولٌ جدُّ .. سليم ..
فالبديهي أنّ التغذية الجيدة تنشئ أطفالاً أصحاء .. يشبّوا عن الطوق
وقد اكتسبوا بنية متينة الأساس ...
ولكن ..! هل لنوع الغذاء دور في جعل الإنسان ألمع ذاكرة .. وأكثر ذكاءً؟
وهل للغذاء الصحي تأثير إيجابي على الجهاز العصبي ؟
تجربة ميدانية ~
في البداية كانت هناك تجربة ميدانية هي الأولى من نوعها ...
أجريت على فريقين من سجناء الأحداث اشتهروا بالعنف ...
والمعروف أن طعام المساجين يفتقر إلى الكثير من المكونات الضرورية ..
ولذلك فقد تقرر تطبيق التجربة باستخدام الفيتامينات المكملة والداعمة للصحة،
فأعطي أحد الفريقين الفيتامينات ... أما الآخر فأعطي أقراصاً فارغة ..
وخلال خمسة شهور وبعدها لوحظ أن الفريق الذي تناول أقراص الفيتامينات
قد انخفضت حالات العنف لديهم بشكل ملحوظ ...!
ومن ذلك توصل فريق التجربة إلى أنه مادام الطعام الصحي
والمتوازن ذا علاقة وفائدة صحية لدى جسم الإنسان وحالته النفسية ..
فلماذا لا يكون التأثير الإيجابي متصلاً بالمخ أيضاً؟؟
تعوّد الذاكرة. .أو ذاكرة العادة ~
إن ذاكرة العادة في اختيار الغذاء ...- مكانه ونوعيته -
كانت ترتبط آلياً .. بالبيت .. وبوجباته الرئيسية الثلاث ...
كانت هناك آصرةً تجمع وجبات الطعام مع أفراد الأسرة ..
وعلى الأخص .. طعام الغداء ..تلك الوجبة المنزلية الساخنة ..
التي تقدّم في طبق المحبة والتآلف .. وتبادل الحديث .. وتقوي الرابطة الأسريّة
ولكن للأسف تضاءل الآن حجم هذه الصورة حين تفككت
روابط التجمع حول المائدة. بين جدران البيت .. وفي حضور طعام البركة المنزلي
وبرزت ظاهرة أخرى للعيان يمثلها .. اتجاهان متضادان
في اختيار نوعية الغذاء ...وحيّزه ..أحدهما نافع والآخر ضار..
ألفهما الكثير حتى أصبحا ذاكرة عادة .. خاصة لهذا الجيل الناشئ..
أما الأول .. فهو ميل شريحة كبيرة من الناس إلى تناول الغذاء الصحي
ذلك بعد أن اننشرت ظاهرة الثقافة الصحية ..
وظهر مردودها الإيجابي على البدن ..
وبالتالي انعكست بالرضا النفسي على المرء .. والثقة بذاته ..
وأما الاتجاه الآخر فهو يفضي إلى الوجبات السريعة المفخخة بالدهون
والمشبعة بالضرر ... حيث أن فئة لايستهان بها من النشىء ..
تسرف في تناولها .. فباتت ظاهرة السمنة متفشية بين الأحداث
ولم يسلم منها الأطفال ..
وجررت في آعقابها أمراض تورث القلق .. كالضغط .. والسكري ..
يتبع كل ذلك ضرر نفسي .. وفقدان الثقة ..
حيث يعاني الفرد من الخجل في الظهور أمام الناس .. بسبب الوزن الزائد ..
حقيقة مؤسفة ~
هناك إحصائية تقول : إن 59 بالمائة من الأسر السعودية ..
يتصدرهم الأحداث ... يتناولون الوجبات السريعة يومياً ...
فهل لك أن تتخيلي حجم الضرر المنعكس عن هذه الحقيقة على الأفراد ؟!!
أغذية تنشط وتقوي الذاكرة ~
إن ضغوط الحياة خاصة في عصرنا الحالي تشتت المخ وتجهد الذاكرة ..
وبالتالي فهنالك مجموعة من الاغذية التي لها مردود إيجابي ..تعمل على ..
تحفيز الذاكرة ..وتساهم في محاربة النسيان وتنشط من اداء المخ..
فتعالي بنا نستعرض هذه الأغذية في لمحة سريعة ونتعرف إلى مكوناتها:
- المكسرات وهي فعّالة جداً بجميع انواعها..
تعمل على تقوية الذاكرة لاحتوائها على كمية كبيرة
من الاحماض الدهنية الغير مشبعة .. مثل دهون الاوميجا 3 ،
وفيتامين ب 6 الذي يعد مكونا أساسيا في تركيب ( الناقلات العصبية )
الامر الذي يساعد على زيادة سرعة المخ في اداء العمليات الحسابية...
- الشوكولاتة الداكنة وتحتوي على الكثير من مضادات الاكسدة
التي تساهم في مكافحة الجزيئات الحرة و تقاوم الشيخوخة للدماغ
وتحافظ على سرعة عمليات الحفظ...
- الطماطم .. وتحتوي على مادة ( الليكوبين) وهي من اهم المواد المضادة للاكسدة
والتي تحمي خلايا المخ من الاضرار التي تنتج من العادات الخاطئة
وتعتبر الطماطم من اهم الاغذية التي تقوي الذاكرة .
- الجزر ويعمل على تنشيط ذاكرة المخ بشكل كبير،
وذلك يرجع إلى احتوائه على فيتامين "c"..
- تناول الليمون يساعد فى إمداد الجسم بقدرة عالية
من الاستيعاب، والتركيز والتذكر، وأيضا يعمل على تهدئه الأعصاب
الانتباه ..
- تناول كوب من الزنجبيل بالعسل يزيد القدرة على حفظ المعلومات
وتنشيط خلايا المخ، ما يساعد فى خلق أفكار جديدة. .
- السبانخ والكرنب، يساعدان فى إمداد الجسم بفيتامين "E وk"
اللذان لهما قدرة كبيرة فى تقوية الذاكرة..!
استفيدي !!
تجربة من الواقع ~
حين كنت أكتب في هذا الموضوع وأجمع أطراف خيوطه ..
قالت لي مُحدّثة :
أتصدقين ..- وأنت قد فتحتِ سيرة الذاكرة والغذاء- أن قريبتي الكبيرة في السن
نوعاً .. جاءتني منزعجة تشكو من النسيان الشديد حيث أنها.. لاتدري أين وضعت
الشيء الفلاني رغم حرصها على التركيز أثناء وضعه ...
كما أنها بعد مدة تنسى أنها قالت الشيء الفلاني حين يواجهها احد بالحديث عنه
وتفوتها بعض المواعيد والأمور الهامة بسبب غياب الذاكرة ..واضطربت أمورها..!
فنصحتها بناء على تجارب الكبار أن تأكل يومياً حفنة من السمسم (غير المحموس)
تضعه على اللبنة .. على الطماطم .. على الجبنة ... أو على أي طعام دون تحديد
وتستمر على ذلك .. وستلمس الفرق بإذن الله ..
واتبعت قريبتي توصيتي بحذافيرها وصارت تستهلك كل يوم حفنة معقولة الكمية
من السمسم ..
ومن ثمّ زرتها بعد مرور ثلاثة شهور .. فأقبلت مرحبة وشاكرة وقالت :
لقد أفاد تني هذه النصيحة جداً وعدت أتذكر الأشياء والمواعيد والأمور الأخرى ..
أما السمسم فقد أصبح رفيق مائدتي ... لاأستغني عنه ..!!
قلت كلمة أخيرة : لكن حاذري من الإسراف ..
فالنافع ينقلب إلى ضار في سوء الاستعمال .
الخطوات العشر لصحة العقل ~
كما أن عضلات الجسد تحتاج إلى مجهود حتى تصبح قوية،
فالأمر نفسه ينطبق على صحة ونشاط العقل.
لأن العقل يبدأ في التأخر قليلاً وتتناقص أنشطته الحيوية
في سن مبكرة في حالة عدم الانتباه إليه،
لكن إذا أردت دائماً أن تكوني قويّة الملاحظة سريعة البديهة،
وقادرة على تحليل الأمور سريعاً، فإنك بحاجة إلى هذه النصائح :
1) تناولي الوجبات الخفيفة المغذية، فالإكثار من تناول الطعام الثقيل
يجعلك في حالة خمول ورغبة في النوم.
2) أثناء العمل على الشيء أو تعلم شيء ما، خذي قسطاً من الراحة
فهذا يعيد بناء العقل ويساعد على تصفيته.
3) حاولي المواظبة على التمارين الرياضية على الأقل مرتين في الأسبوع،
فهي مفيدة للجسد والعقل.
4) تفاءلي .. ابتسمي ... اضحكي ..! فهذا مفيد للعقل ويقوم بتحفيزه
ويساعد على خروج مواد مفيدة( كالأندروفين) ،
ويضبط ضغط الدم والجهاز التنفسي.
5) اقرئي فالقراءة تساعد على زيادة حيوية العقل وحضوره الدائم.
6) لا تنغمسي في نشاط روتيني .. وحاول أن تغير أنشطة يومك المعتادة،
فالروتين يضعف من مهارات العقل وحيويته.
7) زاولي هواية طالما رغبت في القيام بها، وأحرصي على أن تكون
محفزة على العقل.
8) أحصل على قسط كافي من النوم أثناء الليل،
فهذا يحافظ على نشاط الذهن والعقل.
9) إذا قللت من استخدام عقلك، فاعرف أنه لن يعمل جيداً،
فهناك مادة تسمى( Cypin ) يخرجها العقل عندما يعمل،
وتساعد على تكاثر الخلايا العصبية به،
هذه الخلايا مسؤولة عن سرعة استيعاب المعلومات.
10) مارس الألعاب التي تحفز التفكير مثل الكلمات المتقاطعة أو الشطرنج.
كلمةٌ فصل ~
تحتوي كل ما مرّ بك من نصائح ، وتجعلك تعيشين
في توازن واستقرار نفسي وذهني ، وطمأنينة وسلامة تفكير هي :
تزودي وتزودي .. بزاد التقوى .. زاد الطاعة الذي يورث
خشوع النفس ، وخضوع الجوارح، وراحة البال ..
فلزوم الصلاة.. والدعاء والاستغفار وتلاوة الذكر وصدق التوكل واليقين ..
يفتح لك باب العافية في العقل والبدن .. ويملأ قلبك رضاً وحياة ..
ناهيك عن لزوم الصوم .. صيام الأيام البيض ، ويومي الإثنين والخميس
هذه الطاعات تكسبك أولاً قرباً من الله.. وهي الغاية
وتورثك الاستقرار الروحي والفكري .. وهي الوسيلة ..
فالاتجاه إلى الله هو التوجٰه الصحيح للعقل والتفكير ،
لأنه موافق لطبيعة الفطرة...
بعد ذلك .. حكّمي إرادتك التي يسيطر عليها عقلك االواعي ..
واضبطي عقلك الباطن .. مايدخل وما يخرج منه..
وعندما تجمعي طاقة وسعة العقل الواعي
والعقل الباطن فانك تحصلي على إنجازات غير محدودة.
نتمنى لك صحة موفورة .. وتفكيراً نشطاً ..وحياة طيبة ~