كتبه/ ياسر عبد التواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد سبق لنا في مقالة "وقفات حول الحسد" الوقوف على خطورة الحسد وأسبابه وأنواعه، وكيفية وقوعه، ونقف اليوم مع كيفية علاج الحسد والوقاية منه.
علاج الحسد:
1- أن تعلم أن كل رزق هو بقدر الله: فالحسود مسيء للأدب مع الله، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "لا تعادوا نعم الله! قيل له: ومن يعادي نعم الله؟! قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، يقول الله -تعالى- في بعض الكتب: الحسود عدو نعمتي، متسخط لقضائي، غير راض بقسمتي".
ولمنصور الفقيه:
ألا قل لمن ظل لي حاسدًا أتـدري عـلى من أسأت الأدب
أسأت على الله في حـكمه إذا أنت لم ترض لي ما وهب
2- لا تكثر مِن تشهي ما للغير، وقد نهينا عن تمني ما للغير فربما أدى ذلك إلى الحسد؛ قال -تعالى-: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) (النساء:32)، قال الضحاك: "لا يحل لأحد أن يتمنى ما لأحد، ألم تسمع الذين قالوا: (يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ) (القصص:79)، إلى أن قال: (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (القصص:82)، حين خسف به وبداره وبأمواله (لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا)، وقال الكلبي: "لا يتمن الرجل مال أخيه ولا امرأته ولا خادمه ولا دابته؛ ولكن ليقل: اللهم ارزقني مثله". وهو كذلك في التوراة، وكذلك قوله في القرآن: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء:32)، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "نهى الله -سبحانه- أن يتمنى الرجل مال فلان وأهله، وأمر عباده المؤمنين أن يسألوه من فضله".
3- تكتم النعم عن الحاسد: وهذا في حال تيقنك من كونه حاسدًا، وليس بإطلاق العنان لسوء الظن بالناس. وقيل: "إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك".
ولرجل من قريش:
حسدوا النعمة لما ظهرت فــرمـوها بأباطــيـل الـكـلم
وإذا ما الله أسـدى نـعـمة لم يضرها قول أعداء النعم
4- الصبر على الحسد، فسيزول بإذن الله -تعالى- مع حسن التوكل واليقين والذكر.
ولقد أحسن من قال:
اصبر على حسد الحسود فـإن صـبـرك قـاتله
فـالـنار تــأكـل بـعــضـها إن لم تجد ما تأكله
5- المحافظة على الأذكار الشرعية: كأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم لا سيما تلك المتعلقة بحفظ المسلم كـ(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، والمعوذتين ثلاثـًا، وآية الكرسي، وقول: "حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم" سبع مرات صباحًا ومساءً.
6- الدعاء بالبركة إذا رأى المرء ما يعجبه: فيقول: ما شاء الله.. تبارك الله، قال -تعالى-: (وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً) (الكهف:39)، وقد قدمنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعامر بن ربيعة: (هَلاَّ إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني)، وفي رواية: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيُبَرِّكْهُ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).
فها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- يبرِّك فما بال البعض لا يبرك، ولا يذكر الله -تعالى- محسنـًا بنفسه الظن.
نقول للنساء: ستر المحاسن بارتداء اللباس الشرعي الذي يستر الجسد يدفع نظرات الذئاب الآدمية وسمومها.
علاج المحسود "بعد وقوع الحسد":
1- يرقي المحسود نفسه صباحًا ومساءً بالتعويذات القرآنية التالية:
"الفاتحة - آية الكرسي - آخر سورة البقرة - الإخلاص - المعوذتين"؛ وبالإضافة للتحصينات النبوية المذكورة، اغتسال المحسود بماء غسل الحاسد وتستخدم هذه الطريقة إذا عُرف الحاسد علي وجه التعيين.
وقد قدمنا حديث سهل بن حنيف -رضي الله عنه-، وكيف أمر النبي -صلي الله علية وسلم- الحاسد بالاغتسال؛ فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وأطراف رجليه وداخله إزاره، ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل علي رأسه وظهره من خلفه ثم يكفأ القدح وراءه.
صفة الاغتسال:
قال النووي -رحمه الله- في الأذكار3/830: "إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (العَيْنُ حَقٌ، وَلَوْ كانَ شَيْءٌ سابَقَ القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسلْتم فاغْسِلُوا) (رواه مسلم). قال العلماء: "الاستغسال أن يقال للعائن، وهو الصائب بعينه الناظر بها بالاستحسان: اغسل داخل إزارك مما يلي الجلد بماء، ثم يصب على المَعِين.. وثبت عن عائشة -رضي اللّه عنها- أنها قالت: "كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ" (رواه أبو داود، وصححه الألباني)" اهـ، و"المَعِين": المصاب بعين غيره.
وأحسن شيء في تفسير الاغتسال ما وصفه الزهري قال: "يؤتى بقدح من ماء ثم يصب الحاسد بيده اليسرى علي كفه اليمني، ثم بكفه اليمني علي كفه اليسرى ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على مرفق يده اليمني ثم بيده اليمني على مرفق يده اليسرى، ثم يغسل قدمه اليمني ثم يدخل يده اليمني فيغسل قدمه اليسرى، ثم يدخل يده اليمني فيغسل الركبتين، ثم يأخذ داخله إزاره فيصب علي رأسه صبة واحدة، ولا يضع القدح حتى يفرغ، وأن يصب من خلفه صبة واحدة يجري على جسده، ولا يوضع القدح في الأرض أثناء الاغتسال، ويغسل أطرافه وركبتيه وداخلة إزاره في القدح، وداخلة الإزار كما قال ابن القيم -رحمه الله-: "فيها قولان: فرجه، طرف الإزار الداخل الذي يمس الجسد من ناحيته اليمنى".
ثلاثة أمور مهمة تتعلق بعلاج المحسود:
أولاً: مشروعية رقية المحسود:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ الْعَيْنِ" (رواه البخاري)، وعن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأسماء بنت عميس -رضي الله عنها-: (مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً؟ -أي نحيفة- تُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ)؟! قَالَتْ: لاَ. وَلَكِنِ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ. قَالَ: (ارْقِيهِمْ). قَالَتْ: فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (ارْقِيهِمْ) (رواه مسلم).
ثانيًا: لا يجوز شرعًا تعليق التمائم والأحجبة؛ للوقاية من الحسد:
اعتاد الكثيرون والكثيرات من عوام الناس تعليق خرزة زرقاء، أو حدوة حصان، أو فردة حذاء، أو أجراس، أو قرون وعظام الحيوانات... الخ. وتعليق هذه الأشياء علي الآدميين أو المنازل أو السيارات والممتلكات؛ للوقاية من الحسد أو العين، وهذا لا يجوز شرعًا؛ لأنها من التمائم المنهي عنها؛ ففي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري -رضي الله عنه-: "أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ.. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَسُولاً أَنْ لاَ يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلاَدَةٌ إِلاَّ قُطِعَتْ" (متفق عليه)؛ فقد كان أهل الجاهلية يعلقون أوتارًا علي الدواب اعتقادًا منهم أنها تدفع العين عن الدابة، فإذا كان يعلقها على أنها تدفع العين بذاتها؛ فهذا شرك أكبر، وإن اعتقد أنها سبب؛ فهذا شرك أصغر -وهو أكبر ذنب بعد الشرك الأكبر-.
ثالثـًا: لا يجوز التبخر بالشب والأعشاب والأوراق للوقاية أو العلاج من الحسد:
في الفتوى رقم: (4393) بتاريخ 25/2/1402 هـ سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله-: هل يجوز التبخر بالشب أو الأعشاب أو الأوراق، وذلك لمن أصيب بالعين؟
فأجاب: "لا يجوز علاج الإصابة بالعين بما ذكر؛ لأنها ليست من الأسباب العادية لعلاجها، وقد يكون المقصود بهذا التبخر استرضاء شياطين الجن والاستعانة بهم علي الشفاء، وإنما يعالج ذلك بالرقى الشرعية ونحوها مما ثبت في الأحاديث الصحيحة" اهـ.
الوقاية من الحسد:
بالنسبة للحاسد:
- إذا كان العائن يخشى ضرر عينه وإصابتها فليدفع شرها بأن يدعو للمحسود، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف: (ألا بَرَّكت) أي قل: "اللهم بارك عليه".
- قول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. يقولها كلما رأى شيئًا يعجبه.
بالنسبة للمحسود "لأسباب العشرة لدفع الحسد":
يتقي المحسود الحسد بالأذكار الشرعية، وقد ذكر ابن القيم أن شر الحاسد يندفع عن المحسود بعشرة أسباب نذكرها باختصار:
أحدها: التعوذ بالله من شره، والالتجاء إلى الله والتحصن به واللجوء إليه.
الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله حفظه ولم يكله إلى غيره.
الثالث: الصبر على عدوه، فلا يقاتله ولا يشتكيه، ولا يحدِّث نفسه بأذاه، فما نصر على حاسده بمثل الصبر والتوكل على الله، ولا يستطيل الإمهال له وتأخير الانتقام منه.
الرابع: التوكل على الله، فمن توكل على الله فهو حسبه، فالتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، فمن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره.
الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، فيمحوه من باله، ولا يلتفت إليه ولا يخافه، ولا يشغل قلبه بالفكر فيه، فمتى صان روحه عن الفكر فيه، والتعلق به... فإن خطر بباله بادله إلى محو ذلك الخاطر، والاشتغال بما هو أنفع له، بقي الحاسد يأكل بعضه بعضًا.
السادس: الإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها؛ بحيث تبقى خواطره وهواجسه كلها في محاب الله والتقرب إليه، فيشغل بذلك عن الحاسد وحسده، ويكون قلبه معمورًا بذكر ربه والثناء عليه، غير متشاغل بغيره.
السابع: تحريه التوبة من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه، فما سلط على العبد أحد إلا بذنبه، فعليه المبادرة إلى التوبة والاستغفار، فما نزل بالعبد بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.
الثامن: الصدقة والإحسان مهما أمكن فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء، وشر الحاسد، فلا يكاد الأذى والحسد يتسلط على متصدق، فإن أصابه شيء كان مُعاملاً باللطف والمعونة والتأييد.
التاسع: إطفاء نار الحاسد والباغي والظالم بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذاه و شره وبغيه، ازددت إليه إحسانـًا وله نصيحة، وعليه شفقة؛ لقوله -تعالى-: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) (المؤمنون: 96).
العاشر: تجريد التوحيد لله -تعالى-، والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم، والعلم بأنها بيد الله -تعالى-، فهو الذي يصرفها عنه وحده.
عزيزة بربي @aazyz_brby
محررة فضية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
عزيزة بربي
•
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
الصفحة الأخيرة