هذه مقتطفات منقول من كتاب الضغط النفسي
الضغط النفسي الجيد يجعلنا نتكيّف
مع واقعنا بشكل أفضل
لا يعتبر الضغط النفسي مرضاً بحدّ ذاته. والإحساس به ليس مؤشر ضعف. إنه ظاهرة فيزيولوجية طبيعية, هدفها حثّ الجسم على العمل لتسهيل تأقلمنا مع محيطنا وواقعنا المتغيِّر.
تضاعف حجم هذه الظاهرة الفيزيولوجية مع تطور الجنس البشري، وراحت تُعدِّل قدرة الإنسان على التكيّف لتمكّنه من مواجهة الأخطار والضغوط والحروب إلخ... نستنتج من ذلك أن الضغط النفسي هو الذي جعلنا ما نحن عليه اليوم.
إذا لم تكن الحياة اليومية عبارة عن منافسة، فمن الأفضل عندئذٍ أن ندّعي أنها كذلك. فما من عمل ينجح بدون الضغط النفسي الذي يواكبه.إذا استطاع المرء التحكم بضغطه النفسي، يتحول هذا الأخير إلى حافز . ولكن ، لا يفهم الجميع الرسائل الصادرة من حولنا بالطريقة عينها؛ كذلك لا يتعامل الناس كافة مع الاعتداءات ، بالحساسية نفسها. وإذا ما أخضعنا الناس لاختبار واحد، تأتي ردة فعل كل شخص مختلفة عن ردة فعل الآخر.
استغلال الضغط النفسي
اهم مافي هذه المعركة مع الضغط النفسي ، أن يجد المرء طريقة خاصة لمواجهته . طريقة للخروج من المأزق، أ, ما يسمّى بالتكيّف مع أي طرف كان. ثمة وسائل تساعد على تغيير هذه الطريقة في المواجهة وتحسينها باستمرار. وسائل تعلم المرء المواجهة بدون أن يصبح غير مبالٍ، ويتلقّى الاستفزازات بخضوع واستسلام. كما تعمله تقبّل هذه المواجهة والاستفادة لمصلحته.
أبسط الأمثلة على هذا الكلام، هو ازدحام السير. ها أنت عالق في زحمة سير خانقة على الطريق العام . عبثاً تصغي إلى نشرة أحوال الطرقات التي تحذرك من سلوك المناطق المزدحمة جداً! ومع أنها تعرِّفك إلى الوضع، إلا أنها لا تنجح في تهدئة توتر أعصابك. ستصل متأخراً، لهذا لا تستطيع السيطرة على نبضك المتسارع، ولا على التخلص من تشنج معدتك ومن فروغ صبرك المتعاظم...
أمامك حلان، الأول: هو أن تكمل الطريق سيراً على قدميك. والحل الثاني:إيجابي، وهو أن تسمع موسيقى، وتحاول الاسترخاء وتستفيد من دقائق الوحدة هذه للتفكير بأشياء ممتعة.
لا تفكر في أمور لا يمكنك تقديرها حتى تكون أكثر استعداداً لمواجهة ما ستمرّ به من أحداث، في ما تبقى من يومك هذا.
حتى لا تنظم إلى جماعة الذين يعانون من ضغط نفسي مرضي، عليك أن تبقي ردات الفعل على هذا الضغط ضمن حدود معينة.
بهذه الطريقة، تستطيع أن تعطي أفضل ما عندك في أفضل الظروف، وتحدّ عندئذ قدر المستطاع من الأمراض الناتجة عن أيّ موقف ضاغط.
وحين تصبح محاولة التكيّف مع الوضع غير كافية للتخلص من الضغط النفسي، من الضروري أن تبحث عن مساعدة. حاول أن تجدها إذا أمكن، عند أشخاص مقرّبين منك، أو في مؤسسات تٌُعنى بضحايا الضغط النفسي، أو لدى الأخصائيين. والأهم من ذلك كله هو أن، تحاول تغيير ما يسبب لك الضغط النفسي، أو أن تبتعد عنه.
العلاجات الذاتية
بما أن الحياة الاجتماعية أو العاطفية أو المهنية لا تخلو من الضغط النفسي، فمن الأفضل أن يتعلم المرء طريقة للتعايش مع هذا الضغط النفسي لئلا يتحول إلى سمّ ينغّص عيشه.
غيّر طريقة تفكيرك
للتعامل مع الضغط النفسي، على كل شخص أن يجد طريقة تناسبه؛ طريقة قادرة على التخفيف عنه على المدى الطويل.
لا يستطيع الجميع أن يغيّر حياته تغييراً جذرياً. لذلك ينبغي أن نتعلم كيفية تسهيل حياتنا، عن طريق تطوير إمكانية السيطرة على زمام الأمور. الشرط الأول لذلك هو تحديد مصدر أو مصادر الضغط. لهذه الغاية، اتخذ "مفكرة للضغط النفسي"، وهي شبيهة بتلك التي يطلبها أخصائيو التغذية من الذين يرغبون في النحافة. دوّن عليها أثناء النهار، كل صغيرة، وكبيرة أو الحالات البسيطة منها الّتي تعكر صفو عيشك: مثل تصرف مؤذٍ صدر عن زميل لك ، شجار مع الزوج إلخ....
دوّن أيضاً وصفاً لما أحسست به في تلك المواقف ( غضب، قلق..) والأفكار التي راودتك في اللحظة نفسها (أنا وحدي يحصل لي هذا...)، والتصرّف الذي اعتمدته (خرجت للقيام بنزهة، صرخت...).
بعد كتابة هذا الشرح ، يبدأ العلاج. ولكن لن يحصل ذلك دفعة واحدة طبعاً، بل تدريجياً.
أولاً، عليك أن تعتاد التفكير بطريقة مختلفة. فإذا كنت غير قادر على تغيير كل ما حولك، تستطيع على الأقل أن تغيّر نظرتك إليه. هل تشاجرت مع زوجتك صباح اليوم؟ إنسَِ أمرها وعش اللحظة الحاضرة من كل قلبك. ركّز على عملك . وعند المساء عندما تعود إلى المنزل, خذ معك باقة زهر.
أتزعجك زحمة السير؟ لا تفكّر بها. فهذا الوقت الذي تمضيه متكاسلاً يسمح لك بأن تستمع إلى الموسيقى، وأن تخطط لمشاريع...
يكفي إذاً أن تقيس الأمور نسبة إلى غيرها، أن تعيش اللحظة الحاضرة، أن تبتعد عن التفكير بما يزعجك وأن تغير نظرتك إلى الأحداث. فعلى الرغم من بساطتها تساهم هذه الخطوات في خفض مستوى الضغط النفسي.
تجرأ وكُن أنانياً
إن التعامل مع الضغط النفسي يتطلب أيضاً اكتساب القدرة على قول "لا" بدون توتر . للتوصل إلى ذلك، يمكنكم الاستعانة بطرق الاسترخاء. ويتطلب ذلك أيضاً استعداداً للتخلي عن بعض المسؤوليات لأشخاص آخرين؛ تلك المسؤوليات التي أصبحت عبئاً ثقيلاً دائماً.
غيّر مظهرك وتفادَ ارتداء اللونين الأسود والرمادي، حتى تعطي عن نسفك صورة أخرى.
يمكن أن تشكل هذه التحولات خطوة أولى نحو التخلص من الضغط النفسي الدخيل. تستطيع مثلاً أن تدلّل نفسك يومياً بمتعة صغيرة تمنحك مشاعر إيجابية معاكسة للضغط النفسي.
وأخيراً، لم لا تحاول أن تكون أنانياً بدون الإحساس بألم الضمير، حتى لو كان ذلك يتنافى مع كل ما تعلمته؟
إذاً، متّع نفسك، تصرّف على سجيتك. يستحسن أن يكون المرء أنانياً وراضياً، على أن يكون محباً للغير ومكبوتاً.
حسًن أسلوب عيشك
تستطيع السيطرة على الضغط النفسي أيضاً إذا نظّمت أسلوب عيشك. وأهم ما في ذلك هو التوازن، على ألا تنسى الاستمتاع بحياتك. ويعتمد هذا التوازن أكثر ما يعتمد على المنطق.
يقال أن العقل السليم في الجسم السليم . إنطلاقاً من هذا المثل، يفترض أن نحترم بعض القواعد الأساسية في حياتنا.
- اتخذوا لكم نظاماً غذائياً متوازناً. فضِّلوا المأكولات النيئة على المطهوّة منها ، والدهون النباتية على الحيوانية منها. وأكثروا من تناول الأغذية الغنية بالألياف، مثل الخبز الأسمر المصنوع من القمح الكامل، وكذلك الفاكهة والخضار. فهذه الأغذية تسهل المرور المعوي، وتحد من انتقال الدهنيات إلى الدم.
- فضّلوا أيضاً على اللحوم الكثيرة الدهون واللحوم المصنّعة ( مارتديلا، سجق...)، لحم الطيور والأسماك، الكثيرة أو القليلة الدهن، لتفادي أخطار البدانة وبعض أنواع السرطانات، وبشكل خاص لتجنّب أمراض القلب والشرايين. استهلكوا قدر ما تريدون من السكريات المركّبة أي الخبز والمعجنات والأرز الكامل والعدس والفاصولياء... ولكن تجنّبوا الإكثار من تناول السكريات البسيطة مثل الحلويات والسكاكر. لا تأكلوا الكثير من مشتقات الحليب، لأن الجهاز الهضمي لإنسان راشد ليس مُعدّاً لهضم الحليب وبخاصة حليب البقر.
- تحاشوا الأطمعة المشوية أو المدخّنة والكحول بكل أشكالها. ولا تتناولوا الملح بكثرة لئلا تتعرضوا لارتفاع ضغط الدم .

مارس الرياضة المناسبة
مارسوا رياضة جسدية منتظمة للمحافظة على وزن جيد. ممارسة الرياضة تشعر المرء بهدوء واسترخاء لذيذين. وكذلك وجد الباحثون تفسيراً فيزيولوجياً لهذا الإحساس. هذا الشعور بالاسترخاء، يبرره إفراز مادة الاندروفين Endrophine المهدئة التي تتحول إلى مادة منبّهة، إذا استمرّ التمرين وقتاً طويلاً.
لاتتحدّوا قدراتكم ؛ فلن تستطيعوا أن تركضوا مسافة 5000 متر من المرة الأولى. ابدأوا بعشرين دقيقة أسبوعياً، فهذه الرياضة أفضل من ساعة ونصف من الحركات الخاصة بالمعدة أو الأوراك أو التمطّي التي تلي بعضها البعض.
إن تحريك العضلات مفيد للجسم وللرأس أيضاً. فأثناء التمرين، نستعمل الأحماض الدهنية التي تطلقها في الدم هرمونات الضغط النفسي، عوض أن تتعلق تلك الأحماض بشرايننا. ويؤدي ذلك أيضاً إلى تسهيل عودة الدم إلى القلب، عن طريق الأوردة. والقلب يعمل أثناء التمرين بأعلى فعالية، فيحدّ من ارتفاع ضغط الدم.

أحيي القيلولة من جديد

يعيد النوم تأهيل القوة الجسدية والعقلية. إذا لم تسر الأمور كما تريدون، فحاولوا أن تناموا ولكن بدون منوّمات. لهذا اختاروا فراشاً وأغطية مريحة، واعزلوا الغرفة عن الصوت، وأخرجوا منها التلفزيون وتفادوا طعام العشاء الثقيل والقهوة وتعلموا أن تسترخوا...
ولم لا تعودون إلى عادة القيلولة، في منتصف النهار؟ صحيح أن الّذين يعانون من الأرق لا يُنصحون بالنوم أثناء النهار، إلا أن القيلولة تسمح للآخرين بأن يسترخوا ويعيدوا شحن طاقاتهم. يكفي أن تستلقوا من 10 إلى 15 دقيقة بعد الغداء، شرطّ ألا تتناولوا القهوة؛ وبعد مرور 15 دقيقة سوف تجدون أنفسكم نشيطين ومستعدين لما تبقى من النهار.
أما القيلولة المصحوبة بمطارحة غرامية، فهي تزيل الضغط النفسي. لا داعي للإشارة إلى أن العلاقة الجنسية لا تعتبر مُرضية إلا إذا كان الشخص راغباً في ذلك.
استرخِ!
يجب أن يتم الاسترخاء يناء على اختيار الشخص نفسه وأن يتعَلّم كيف يسترخي. ومهما كانت الطريقة المستعملة لبلوغ الاسترخاء، على هذا الأخير أن يمنح نفسه الإحساس بأن عضلاته هي في أقصى حالات الارتخاء وأن رأسه يخلو من أيّ هم.

لكل منا طريقة خاصة
يقاوم الاسترخاء آثار الضغط النفسي الضارة. وللتوصل إلى الاسترخاء، ثمة طرق كثيرة أثبتت منذ زمن طويل قدرتها على معالجة الاضطرابات الناجمة عن الضغط النفسي. ومن تلك الاضطرابات: الصداع والأرق والآلام... إلخ.
في بداية القرن العشرين، ابتكر "يوهانس شولتز" طريقة التدريب الذاتي. تقضي هذه الطريقة بأن يتمدّد المريض على كنبة، ويتّخذ وضعية مريحة، تكون فيها ذراعاه حرّتين طليقتين. يحاول بعد ذلك أن يشعر بأنه يغوص في الأرض. يبدأ بذراع أولى أو ساق ثم يغوص تدريجياً جسمه كله. عليه أن يضيف أيضاً إلى الإحساس بالوزن، الإحساس بالحرارة. في البدء، يكون الشعور بالاسترخاء موضعيّاً ثم لا يلبث أن يمتد بعد ذلك إلى الجسم بأكمله.
بعد الانتهاء من هذه المرحلة، على المريض أن يركّر على خفقات قلبه، وتنفّسه ومعدته (رأس المعدة)، وبخاصة على الوجه الذي تلفحه نسمه هواء عليلة.
يلزم المريض جلسات عديدة حتى يتمكن اجتياز هذه المرحل كلها. الوقت الضروري لتعليم هذه الطريقة طويل بعض الشيء، ويلزم المريض على الأقل جلستان يومياً في المنزل وجلسة واحدة أسبوعياً عند المُعالج. لكن النتائج تستحق العناء.

الاسترخاء السريع

سواء أكنتم في المنزل أو المكتب، انعزلوا لبضع دقائق واجلسوا باسترخاء تاركين أنفسكم جامدين، مستمعين إلى صوت تنفّسكم. ستلاحظون أن الزفير يتم تلقائياً وأن كل زفير يجعلكم تسترخون قليلاً. إذن استرخوا واتركوا باقي الجسم على سجيته. كرروا هذا التمرين عدة مرات في اليوم الواحد، وستلاحظون حتماً تراجعاً في حدة الضغط النفسي. وحالما يسترخي الجسم، عليكم بالنوم. لكن إن مارستم هذا التمرين نهاراً وكنتم مجبرين على العودة إلى العمل بعد استرخاء أجسامكم، فما عليكم إلا أن تأخذوا أنفاساً عميقة وأنتم تشدون أيدياكم على شكل قبضة. تمطوا، وحركوا عضلات الوجه والجسم بطريقة مبالغ بها حتى تعيدوا بعض النشاط لعضلاتكم.
الآخرون يمكنهم المساعدة أيضاً
التقوقع والانتحاب، من جراء الاضطراب والمشاكل، لا يقدُّمان حلاَّ. فحتى لو كان قدر كل
شخص أن يكون وحيداً، إلا أنه يعيش محاطاً بالأصدقاء والعائلة أو الجيران... ويستطيع أن يلجأ إليهم طلباً للعون.
يؤكد عدد كبير من الأخصائيين في هذا المجال أن أحد أنجح العلاجات هو الآخرين! والخطوة الأولى نحو الشفاء تبدأ بإجبار الذات على اللجؤ إليهم طلباً للمساعدة، وحتى بالتحدث إلى الجيران وإلى الباعة في الحي. شاركوا المحيطين بكم بهمومكم، وأخبروهم بما يحصل لكم أثناء النهار أو طوال الأسبوع من مواقف تشعركم بالمرارة. مواقف تسترجعونها وحدكم في حلقة مفرغة، بدون أن تجدوا حلاً لها أو مفرّاً منها.
التسلّح بالإيمان في مواجهة الضغط النفسي.

غالباً ما يساعد الإيمان على الخروج من موقف متأزم ويصبح التردد على أماكن العبادة للصلاة، عاملاً مساعداً على التخفيف من حدة الضغط الضغط النفسي.
وقد أثبتت دراسات عديدة أن المؤمنين الملتزمين بالشعائر الدينية، أقل عرضة من غيرهم، للإصابة بمرض عقلي سببه الضغط النفسي أو الأزمات النفسية.
المحافظة على الرباط الاجتماعي
إن الإصغاء إلى آراء الآخرين أو اقتراحاتهم، يلقي ضوءاً جديداً على الوضع، ويساعد على التوصل إلى بداية حلّ. والرباط الاجتماعي ضروري لتفتُّح الشخصية. لكن، في بعض الأحيان ينقطع هذا الرباط تحت ثقل الضغط النفسي المفرط، إذ يلجأ المُصاب عندئذٍ إلى الكحول أو العقاقير بحثاً عن ملاذ. وأحياناً يصعب أن يتكلم المرء عن مشاكله إلى المقرّبين منه، لأنهم السبب في وصوله إلى هذا الوضع. عندئذ لا ينبغي التردد في طلب المساعدة من غرباء يعانون من الإدمان نفسه أو عانوا منه سابقاً؛ ويمكن اللجؤ إلى جمعيات المدخّنين السابقين أو المدمنين السابقين على المخدّرات... إلخ. في تلك الأماكن، يتشارك الأعضاء تجاربهم وآلامهم.
اتمنى الفائدة للجميع
منقول :hahaha: