علاج العشق
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد:-
العشق لما كان مرضا من الأمراض , كان قابلا للعلاج, وله أنواع من العلاج
النوع الأول :-
1/ فإن كان مما للعاشق سبيل إلى وصل محبوبه شرعاً وقدرا , فهو علاجه , كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه . قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج , ومن لم يستطع فعليه بالصوم , فإن له وجاء ) .
فدل المحب على علاجين : أصلي وبدلي , وأمره بالأصلي , وهو العلاج الذي وضع لهذا الدواء , فلا ينبغي العدول إلى غيره ما وجد إليه سبيلاً.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لم نر للمتحابين مثل النكاح ) .
النوع الثاني :-
2/ وإن كان لا سبيل للعاشق إلى وصال معشوقه قدراً وشرعا أو ممتنع عليه من الجهتين , وهو الداء العضال , فمن علاجه
1/ إشعار نفسه باليأس منه , فإن النفس متى استراحت منه , ولم تلتفت إليه .
2/ فإن لم يزل مرض العشق مع اليأس , فقد انحرف الطبع انحراف شديد, فينتقل إلى علاج آخر وهو علاج عقله بأن يعلم بأن تعلق القلب بما لا مطمع في حصوله نوع من الجنون , وصاحبه بمنزلة من يعشق الشمس , وروحُه متعلقة بالصعود إليها ,والدوران معها في فلكها.
وهذا معدود عند جميع العقلاء في زمرة المجانين .
النوع الثالث :-
فإن كان الوصال متعذر شرعا لا قدرا
فعلاجه
1/ بأن ينزله منزلة المتعذر قدرا , إذ ما لم يأذن فيه الله . فعلاج العبد ونجاته موقوف على اجتنابه ، فليشعر نفسه أنه معدوم ممتنع لا سبيل له إليه , وأنه بمنزلة سائر المحالات .
2/ فإن لم تجبه النفسُ الأمارة, فليتركه لأحد أمرين : إما خشية , وإما فوات محبوب هو أحب إليه , وأنفع له , وخير له منه , وأدوم لذة وسروراً ,
فإن العقل متى وازن بين نيل محبوب سريع الزوال بفوات محبوب أعظم منه , وأدوم , وأنفع , وألذ أو بالعكس , ظهر له التفاوتُ.
فلا تبع لذة الأبد التي لا خطر لها بلذة ساعة تنقلب الآماً , وحقيقتها أنها أحلام نائم , أو خيال لا ثبات له , فتذهب اللذة , وتبقى التبعة , وتزول الشهوة وتبقى الشقوة .
الثاني حصول مكروه أشق عليه من فوات هذا المحبوب , بل يجتمع له الأمران ’ أعني : فوات ما هو أحب إليه من هذا المحبوب ,وحصولُ ما هو أكره إليه من فوات هذا المحبوب , فإذا تيقن أن في إعطاء النفس حظها من هذا المحبوب هذين الأمرين , هان عليه تركه , ورأى أن صبره على فوته أسهل من صبره عليهما بكثير , فعقله ودينه , ومرؤته وإنسانيته , تأمره باحتمال الضرر اليسير الذي ينقلب سريعاً لذة وسرورا ً وفرحاً لدفع هذين الضررين العظيمين .
وجهله وهواه , وظلمه وطيشه , وخفته يأمره بإيثار هذا المحبوب العاجل بما فيه جالبا عليه ما جلب , والمعصوم من عصمه الله .
3/ فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء , ولم تطاوعه لهذه المعالجة , فلينظر ما تجلبُ عليه هذا الشهوة من مفاسد عاجلته , وما تمنعه من مصالحها , فإنها أجلب شيء لمفاسد الدنيا , وأعظم شيء تعطيلا لمصالحها , فإنها تحول بين العبد وبين رشده الذي هو مِلاك أمره , وقِِِوام مصالحه .
4/ فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء , فليتذكر قبائح المحبوب , وما يدعوه إلى النفرة عنه , فإنه إن طلبها وتأملها , وجدها أضعاف محاسنه التي تدعو إلى حبه , وليسأل جيرانه عما خفي عليه منها , فإن المحاسن كما هي داعيةُ الحب والإرادة , فالمساويء داعيةُ البغض والنفرة , فليوازن بين الداعيين , وليحب أسبقهما إليه باباً , ولا يكن ممن غره لون جمال على جسم أبرص مجذوم وليجاوز بصره حسن الصورة إلى قبح الفعل , وليَعبُر من حسن المنظر والجسم إلى قبح المخبر والقلب .
5/ فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها لم يبق له إلا صدق اللجأ إلى من يُجيب المضطر إذا دعاه , وليطرح نفسه بين يديه على بابه , مستغيثا به , متضرعا , متذللاً, مستكيناً , فمتى وُفِّقَ لذلك ,فقد قرع باب التوفيق , فليعف وليكتُم, ولا يُشَبِّب بذكر المحبوب , ولا يفضحه بين الناس
ويُعرِّضه للأذى ’ فإنه يكون ظالما معتديا .
الضبية @aldby_2
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️