يالهذا الكائن الروحي المكتن فينا ..!!
كم يصعب علينا الإحاطة بفهمه ...!!
رغم الوشيجة التي تحكمه بوجودنا ..
هو خيّزنا الباطن من وراء الشعور..
وهو المحرك للحواس وبواعث النفس ..
المثير لغبار الذكريات ..
المنفعل بها .. والمكتنز بمعانيها .
فلنعد إلى طارق الذكرى ..
حين طاف بي يوماً..
وتوقف عند روايةٌ تحمل شغف الماضي
وجذبني لاشتياقٍ في استعادة فصولها ..
في كتابي القديم الذي رقت صفحاته ، واصفرّت وريقاته ..
المعتق بالذكرى .. والمعجون بسنينٍ من الفجر .. غرّة
وما حواه من هوامش لونتها الفصول ، وحفظتها الأيام ..
وما خطّت على حواشيه الأنامل الكثيرة التي تناوبته
وتجوّلَتْ بين عواصف أحداثه ..وانفعلت به..
فلم أجد تلك الرواية ....!
فتشت مكتبة ذاكرتي وفتحت أدراج قلبي ...
لعلها انحشرت بزاوية منها ..
بعثرت المكان .. ..!
ولكن كنت كمن يبحث عن وردة منفية ...نمَتْ على بركان ...!
فعدت بخطى الخيبة ...
خيبةً .. أطفأت لهفتي .. وأفعمت يأسي ..
فاستسلمت...!
وأدركت أني فقدتها... للأبد ..
وفي أحد الأيام ..
وبينما كنت أتنقل بين الكتب .. في رفوف إحدى المكتبات ..
إذا بـ نسخة من روايتي المفقودة ...
تتحدى أنظاري ...!
فوجئت .. وباغتني لمصادفتها سرور من يعثر على جزء مفقودٍ
كان يُداخِلُ وجوده ..
أنعشت جدبي كمطرٍ أحيا وارفاً في أرضٍ أمحلت ..
وبأصابع وجِلَةٍ مشوقةٌ .. التقطتها
ومررتُ بسرعة .. بين السطور هنا وهناك ..
استرجع المعاني واستعيد الحروف ..
وأبحث في لهفة عن نكهة افتقدتها طويلاً..
ولكن .. كان كل شيء فيها جديداً .. ندياً..
يقرأ الهوينا عليّ بياض فصوله ...
في صفحات لم تمسسها أنامل الذكرى ..
ولم تجر معها آحداثها قلبي..
اقتنيته .. عساه يكون نديم مسائي..
احتسيته في وحشة الليل قطرة فقطرة ..
وأنا أفتش فيه داخل صدري المتدثر بالأضلاع ..
عن الصدى الأول وفجر الانفعال ..
عن الرباط الذي شدني بسطوره ..
عن تجاذبات الروح وهي تجول بين أحداثه ...
وتنشئ بينها وبين شخوصه علاقة ألفة ..
تلك التي تتبلور بين شغف القارئ والكتاب
معنىً.. وملمساً .. وإحساساً..
تخيلت الهوامش التي كان قلمي يداعب صفحتي بها ..
مع كل موقفٍ .. يعصف بالقلب ..
أو يحرك العاطفة الراكدة في البحيرة الساكنة ..
واستعدت بذاكرة الماضي أقلام رفيقات نقشت على حواشيها
وتذكرت انفعالاتي الأولى وأنا أتلوّن بأحداثها المكتضة ..
بين غبطةٍ وشجون .. واهتياج وسكون ..!
وجدت كل شيء ... ولم أجد شيئاً .. !
وجدت الرواية جديدةً ناصعة..
وافتقدت النكهة .. ..
والهوامش ....
وتواريخ السطور ..
فتكسّر بي الصدى .. وهو يعود ..!
ترى هل .. ( ذهب مع الريح )
كتابي ..؟!