ayat edara

ayat edara @ayat_edara

عضوة جديدة

علم السعادة" بين الصناعة والتجارة والزراعة!!

الملتقى العام

علم السعادة" بين الصناعة والتجارة والزراعة
لاحظت مؤخراً ذلك الخلاف الواضح بين العلماء حول تعريف السعادة، وتحديد مصادرها، وطرق الوصول إليها. وقد تداخلت في هذا آراء الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع والتربية والاقتصاد والمخ والأعصاب، فأدى الخلاف إلى بروز مدارس فكرية جديدة مثل مدرسة "الاقتصاد السلوكي" التي خلطت النظريات النفسية بالأرقام، و"علم النفس الإيجابي" الذي طوَّر إدارة المواهب وخرج بمنهجيات جديدة لاكتشاف مواطن القوة.
كنت أقرأ كتاب "صناعة السعادة" للإنجليزي "ويليام ديفيس" عندما أجرى ابني عملية جراحية بسيطة في الجيوب الأنفية، أفاق منها مصاباً بمرض "أنسومنيا"، أو عدم النوم. وبعد أسابيع من المعاناة، تحول المرض إلى اكتئاب، فاضطررنا إلى زيارة عشرات الأطباء المتخصصين في التخدير، وجراحات الأنف والأعصاب، والنوم، والعلاج والتحليل النفسي، والكيمياء وعلوم الدواء. ومن خلال هذه التجربة الصعبة، لمست جانباً من حقيقة ما يطرحه الدكتور "ديفيس" في كتابه الذي أثار ضجة في أوساط الأكاديميين والسياسيين على حد سواء، فهو يرى تحوُّل علم "السعادة" إلى تجارة رائجة يشارك فيها الأطباء، ومنتجو الدواء، والحكومات، وخبراء الاقتصاد السلوكي، وأساطين الإعلان، والشركات الهندسية التي بدأت تنتج أنواعاً لا حصر لها من الأجهزة الرقمية التي تراقبنا وتقيس: حركاتنا وسكناتنا، ونبضنا وضغطنا، وتُصوِّر كل أشكال وألوان ابتساماتنا.
ما يقوله "ويليام ديفيس" لا يخلو من الصحة والمبالغة معاً، فالحكومات التي بدأت تهتم بقياس مؤشرات سعادة مواطنيها ما زالت قليلة، وهي محصورة في بعض الدول المتقدمة، ودول ناهضة أخرى تحاول اللحاق بها. وما زالت نسبة ممن يستخدمون تطبيقات السعادة الرقمية ضئيلة حتى في الدول المتقدمة. ومن خلال تجربتنا المريرة في مواجهة الاكتئاب وعدم النوم، استنتجت أن الاختلاف في تعريف السعادة فلسفياً، وتحقيقها نفسياً، واستشعارها واقعياً، ينبع من أن الأطباء وعلماء النفس والكيمياء والهندسة، يبحثون عن حلول للتعاسة والحزن والاكتئاب والأرق والألم، ولا يحاولون الصعود بالإنسان إلى قمم الحب والجمال والخير والعطاء.
بعد زيارتنا الأخيرة للطبيب، الذي كتب وصفته المعتادة والمكونة من نوعين من حبوب السعادة، وأوصى بابتلاع ثلاث حبات قبل النوم بساعات، بدأت أفكر في مسائل التحكم كيميائياً بسعادتنا وعاداتنا وإنتاجيتنا. ومع البحث اكتشفت أن كلمة "سعادة" وردت في "جوجل" 500 مليون مرة، وينشر موقع "أمازون" أكثر من 45 ألف كتاب حول الموضوع. وعبر هذا الكم الهائل من الدراسات والقياسات، ما زلنا نرى الباب المؤدي إلى السعادة موصداً، والطريق إليها غائماً.
في أمريكا تعتبر السعادة مشكلةً فردية، وفي بريطانيا مشكلة حكومية، وفي ألمانيا مشكلة علمية، وفي الشرق مشكلة فلسفية واجتماعية، وفي الدول العربية مشكلة قَبَليَّة، وفي الدول الفقيرة مشكلة سياسية واقتصادية. مع أن السعادة مجرد فكرة إنسانية وشعور فطري يدفع الإنسان نحو التقدم. فالسعادة عصية على التعريف والتحقق لأنها فكرة إنسانية لا تفتأ تتجدد وتتغير، مع تغير حالات الإنسان عبر مراحل تطوره وتحضره، وبهذا المفهوم فإن السعادة هي الحركة والنشاط، لا الطمأنينة والسكينة، وهي التعب لا الراحة، وهي السعي نحو الهدف، لا الهدف ذاته.
قلت لابني وهو يقرأ مواصفات دوائه الجديد وآثاره الجانبية: لا بأس بـ10% من القلق، و20% من الأرق. فشعورنا بالحزن الآن، يقودنا إلى الفرح غداً، والحكيم ينام سعيداً بأخلاقه الإنسانية، ويصحو متفائلاً بطموحاته المستقبلية. ومن هذه الطموحات والغايات النبيلة، تنبت المشاعر والأحاسيس الجميلة. لا يمكنك شراء السعادة لأنها ليست تجارة، ولا يمكنك تغييرها أو تطويرها لأنها ليست صناعة، بل هي شجرة خضراء تورق في عالمك، ووردة بيضاء تتفتح في داخلك.
بقلم: نسيم الصمادي


****تم ازاله الرابط//تعديل الاشراف
1
206

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

Nadine Abdulaziz
Nadine Abdulaziz
شكرًا عالنقل
ويعطيكِ العافية