السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع طويل نقلت منه الجزء الذي يهمنا وهو طريقة الربط بين السور والآيات
فوائد هذا العلم:
لهذا العلم فوائد، ومن أهمها:
1- أنه يزيل الشك الحاصل في القلب بسبب عدم التأمل في دقة النظم وإحكام الترتيب، وقد تقدم كلام البقاعي في هذه القضية(9).
2 - أنـــه يـفـيــد في معرفة أسرار التشـريع وحِكَم الأحكام وإدراك مدى التلازم التام بين أحكام الشريعة؛ فـإذا قرأت قوله ـ تعـالـى ـ: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) } وتعرفت على المناسبة بين الأمر بغض البصر وحفظ الفرج علمت ما بينهما من التلازم والتلاؤم؛ فحفظ الفرج لا يتم إلا بغض البصر، ومن أطلق بصره في الحرام فحري أن تزلَّ قدمه في الآثام.
3- أنه يعين على فهم معنى الآيات وتحديد المــراد منهــا، ومــن ذلك: خلاف المفسرين في معنى قوله ـ تعالى ـ : (والصافات صفا) }، فقال قوم: هي الملائكة، وهذا قول الجمهور، وقـال آخــــرون: هي الطير، والصـحـيــح الأول؛ وذلك لأنا لو بحثنا عن المناسبة بين أول السورة وخاتمتها لوجدناه ذكر في الخاتمـة في معرض حديث الملائكة عن أنفسهم: (وإنا لنحن الصافون . وإنا لنحن المسبحون) }.
4- وبه يتبين لك سر التكرار في قصص القرآن، وأن كل قصة أعيدت في موطن فلمناسبتها ذلـك الـمـوطــن، ولذلك ترى اختلافاً في ترتيب القصة ونظمها بحسب المناسبة وإن كانت متحدة في أصل المعنى(10).
***
قواعد في علم المناسبات:
عـلم المناسبات كغيره من العلوم له قواعد وضوابط ينطلق منها المتحدثون فيه، ومنها:
الأولى: في كيفية التعرف على المناسبات في السورة جملة:
قــال المشرالي المغربي: "الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هو أنك تـنـظـر الغرض من المقدمات، وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب، وتـنـظــــر عـنـد انـجـرار الكلام في المقدمات إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إلى الأحكام واللوازم التابـعـــة له التي تقتضي البلاغة شفاء العليل بدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها؛ فهذا هـــــو الأمر الكلي المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن، وإذا فعلته تبين لك ـ إن شاء الله ـ وجه النظم مفصلاً بين كل آية وآية في كل سورة"(11).
وقد لخص البقاعي تجربته فـي الـتـعــرف على المناسبة فقال: "تتوقف الإجادة فيه على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فـيـهـــا، ويفيد ذلك معرفة المقصود من جميع جملها؛ فلذلك كان هذا العلم في غاية النفاسة، وكانت نسبته من علم التفسير نسبة علم البيان من النحو"(12).
والـمـتأمل لما كتبه سيد قطب في ـ ظلاله ـ يجده سار على هذا المنوال في بيان أوجه الربط بين مقاطع السورة.
الثانية: قال الزركـشي: "وعادة القرآن العظيم إذا ذكر أحكاماً ذكر بعدها وعداً ووعيداً؛ ليكون ذلـك باعثاً على العمل بما سبق، ثم يذكر آيات التوحيد والتنزيه؛ ليُعلم عظم الآمر والناهي، وتأمل سورة البقرة والنساء والمائدة وغيرها تجده كذلك"(13).
الثالثة: المزاوجة بين الوعد والوعيد، والبشارة والنذارة، والترغيب والترهيب؛ وفي ذلك من الحكمة والمناسبة ما هو بيِّن لكل متأمل.
الرابعة: قال السيوطي: إن عـــادة القرآن إذا ذكر الكتاب المشتمل على عمل العبد؛ حيث يعرض يوم القيامة أردفه بذكر الـكـتـاب المشتمل على الأحكام الدينية في الدنيا التي تنشأ عنها المحاسبة عملاً وتركاً، كما قال فـي سورة الكهف:
(ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه...) } إلى أن قال: (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل... ) }.
والقواعد في هذا الباب كثيرة ومثيرة، وليس هذا موطن استقصائها.
أنواع المناسبات: (14)
للمناسبات في القرآن ثلاثة أنواع:
الأول: المناسبات في السورة الواحدة.
الثاني: المناسبات بين السورتين.
الثالث: مناسبات عامة.
ولـكــل نــــوع من هذه الأنواع أقسام كثيرة وسنقتصر في هذه العجالة على بعضٍ منها، مما يتضح به المقصود وينفتح به الباب للطالب الراغب.
النوع الأول: المناسبات في السورة الواحدة، ويتضمن أقساماً، ومنها:
أولاً: المناسبة بين أول السورة وخاتمتها:
مثاله: قوله ـ تعالى ـ: في أول ســـورة البقرة:
(الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) } ، ثم قال في آخر السورة(آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله... ) فهو في أول السورة يذكر صفات المتقين التي يتميزون بها وفـي آخــــر السورة يبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه قد امتثلوا تلك الصفات وتحلوا بها.
مـثـال آخــــــر: في سورة (المؤمنون) افتتح السورة بذكر فلاح المؤمنين ( قد أفلح المؤمنون ) }، واختتمها بنفي فلاح الكافرين (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ) } .
ثانياً: المناسبة بين الآية والتي تليها:
مـثـالـــه: قوله ـ تعالى ـ: إياك نعبد وإياك نستعين {الفاتحة: 5} فإنه لما ذكر في أول السورة استحقـاق الله ـ تـعــالى ـ لكل المحامد، وكونه رباً للعالمين، وهو الرحمن الرحيم، وهو مع كل هذا الملك المتصـرف في اليوم الذي لا ملك فيه لأحد إلا لله.. كان من شأن كل عاقل أن يُقبِل على مَنْ هذه صـفـاتــه وتلك عظمته معترفاً بالعبودية له والذل الكامل لجنابه العظيم ملتجئاً إليه طالباً منه العون والمدد، ثم إنه لما حمد وأثنى ومجّد واعترف بالعبودية ناسب أن يستشرف للطلب من ذلك الرب المستعان، فيقول: ( اهدنا الصراط المستقيم ) .
ثالثاً: المناسبة بين حكمين في الآيات أو الآية:
وذلك كما في آيــات الاستئذان حين أعقبها بالأمـر بغض البصر؛ فإن الاستئذان إنما جعـل مــن أجــل أن لا يقع بصر المستأذن على عورة، ولو صادف أن وقع فإن على المستأذن أن يـغـــض البصر، ثم إن العلاقة بين الحكمين بيِّنة؛ إذ فيهما ذكر ما تكون به العفة وحفظ العورات في المجتمع المسلم.
والمناسبة بين الأمر بحفظ الفرج والأمر بغض البصر تقدمت ـ فيما سبق ـ، وهما حكمان في آية واحدة.
رابعاً: المناسبة بين اسم السورة ومضمونها:
مثاله: المناسبة بين مضمون سورة الكهف واسمها؛ فإن السورة قد ذكرت أنواع الفتن التي تمر بالمرء؛ إذ ذكرت فيها الفتنة في الدين في قصة الفتية، وفتنة الجلساء في قوله: ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي... ) }، وفـتـنــــة المال في قصة صاحب الجنتين، وفتنة العلم فـي قــصـة مـوسـى والخـضـــر، وفتنة السلطان في قصة ذي القرنين، وفتنة القوة والكثرة في خبر يأجوج ومأجوج، وذكرت هذه السورة المخرج من كل واحدة من هذه الفتن؛ فكأنها كهف لمن اعتصم بها من الفتن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال"(15).
النوع الثاني: المناسبات بين السورتين: ويتضمن أقساماً منها:
أولاً: المناسبة بين فاتحة السورة وخاتمة التي قبلها:
مثاله: في آخر سـورة الإســــراء قـال تـعـالـى: ( وقــل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا... )
}، وفي أول سورة الكهف التي تليها قال: ( الـحـمـد لله الـذي أنـزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا... ) }.
مثال آخر: في آخر سورة الطور قال: ( ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم) }، وفي أول سورة النجم قال: (والنجم إذا هوى) }.
ثانياً: المناسبة بين مضمون السورة والتي تليها:
مثاله: في سورة الضحى ذكرٌ للـنـعـم الحـسـيـة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي سورة الشرح ذكر للنعم المعنوية عليه.
مثال آخر: في ســورة الـبـقــــرة ذكـــر للطوائـف الثلاث: المنعم عليهم ويمثلهم المسلمون، والمغضوب عليهم ويمثلهم اليهود، والـضــالـون ويمثلهم النصارى. وقد ذكر في سورة البقرة الطائفتين الأوليين بما هو ظاهر، وفي سورة آل عمــران ذكر الطائفة الثالثة فيما يزيد على "120" آية من أولها.
النوع الثالث: مـنـاسبات عامة:
وهي المناسبات التي يذكرها العلماء مطلقة في القرآن وهي كثيرة جداً أذكر منها نموذجاً للبيان.
- افتُتحت سورتان بقوله: يا أيها الناس وهما: سورتا النساء، والحج، وذكر في الأولى بدء الخلق والحياة للإنسان: ( يا أيـهـــا الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) }،
وفـي سـورة الحج ذكر لنهاية هذه الحياة وبداية حياة أخرى : (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) }.
همسة أخيرة
اذا أعجزكِ الربط بين آية والتي تليها
مثل
{.. فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون } والآية التي بعدها { وسئلهم عن القرية التي كانت ..}
من طرق الربط ..
أن تقولي آخر الآية ( يظلمون ) فيها واو .. وأول الآية تبدأ بحرف واو .. وهكذا .. من طرق الربط إذا عرفت ِ كيفية الربط ..ستعرفين كيف توجهين الربط .. وأنتِ التي تختارين .. يعني ليس الربط محدد بطرق معينة بل مفتوح المجال وواسع أيضا .. هناك الربط بالشبه أو الوزن أو التكرار .. إلى غير ما ذلك أهم شيء يكون ربطكِ للشيء مميزا بحيث إذا مررتِ عليه يثبت في ذهنكِ الربط ووجهه مباشرة ..
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ

ألم وحزن @alm_ohzn
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.


ألم وحزن
•
نرجس :
بارك الله فيك موضوعك جديد ومهم للغاية ويحتاج قراءة مرتين وثلاث وأربع بس ليتك ذكرتِ المصادربارك الله فيك موضوعك جديد ومهم للغاية ويحتاج قراءة مرتين وثلاث وأربع بس ليتك ذكرتِ المصادر
جزاك الله خيرا على ردكِ الطيب
بالنسبة للمصادر
كما هي موجودة في الموضوع الاصلي
(9)انظر: البرهان للزركشي:36.
(10)انظر: نظم الدرر: 1/14.
(11)نقله السيوطي في الإتقان 2/141 عن بعض المتأخرين.
(12)نظم الدرر:1/6.
(13)البرهان:40.
(14)انظر: مباحث في التفسيرالموضوعي: 68وما بعدها.
(15)رواه مسلم،ح/809.
بالنسبة للمصادر
كما هي موجودة في الموضوع الاصلي
(9)انظر: البرهان للزركشي:36.
(10)انظر: نظم الدرر: 1/14.
(11)نقله السيوطي في الإتقان 2/141 عن بعض المتأخرين.
(12)نظم الدرر:1/6.
(13)البرهان:40.
(14)انظر: مباحث في التفسيرالموضوعي: 68وما بعدها.
(15)رواه مسلم،ح/809.

الصفحة الأخيرة
موضوعك جديد ومهم للغاية
ويحتاج قراءة مرتين وثلاث وأربع
بس ليتك ذكرتِ المصادر