علو الهمة فى الدعوة الى الله

ملتقى الإيمان

إن التحرك للدين وبذل المجهود في الدعوة إلى الله والتمكين لشرع الله وإعلاء كلمته في الأرض يجب أن يكون عنصرا أصيلا في النسيج الإيماني لكل مسلم ، فلا يَفْتَأُ يحاسب نفسه في كل زمان : ماذا قدم لدين الله ؟ يَتَقَلَّبُ في مَضْجَعِه قَلِقَا ، لا يَهْنَأُ بِنَوْمَة ، ولا يطِيبُ له وَسَن ، ترتاده أخبار المسلمين فيَهْتَمُّ ويَغْتَمُّ ، يفكّر في سبل إيصال الحق إلى الخلق فيخافُ أن يقصّر ، يقلق من تنامي الكفر والفسق ، يَجْزَعُ من قلة الناصرين لدين الله ، إنه لا يفكر في جاره فقط أو صديقه كيف يدعـوه ، إنه يفكر في سكّان الكرة الأرضية كيف يُدخلهم في دين الله أفواجا . يالها من همة لو وجدت لها فؤادا . وأحسب أن مثل هذه النفس لو تَلِفت هَمّا على حال الدين لما كان ذلك كثيرا جَلَلاً .
ومن أعظم مَن نرفعهم قدوة ومثالا في التحرك للتدين جماعة التبليغ العالمية ، التي ما فتئت تضرب لنا أروع الأمثلة في الحركة والتضحية وبذل الغالي والرخيص في خدمة الدين .
يقول الشيخ محمد بن إسماعيل في كتابه علو الهمة : ( بالرغم من التحفظات على فِكر ومنهج جماعة التبليغ إلا أننا نُقِرُّ بأنها أوْفرُ الجماعات حظا من علو الهمة في الحركة الواسعة الدَّءوب ، ولهم في ذلك إنجازات رائعة أثمرت إسلامَ كثير من المشركين وهداية كثير من الفاسقين ، وتبليغ دين الله في آفاق المعمورة .
حكى من شَهِدَ مجلسا لهم قال : جلسنا يوما في المسجد للتعارف ، فقام شيخٌ وَقور يعرِّف نفسه ، وقد جاوز السبعين من عمره : اسمي الحاج وحيد الدين ، أعمل في التجارة ، وعمري الآن تسع سنوات ، فاستغربْنا ، وقلنا في دَهْشَة : تسع سنوات ؟! قال : نعم ، لأنني أعتبر عمـري ضـائعا .. وكان هذا الرجل إذا وَعَظ قال : لا تضيّعوا أعماركم مثلي ، واشتغلوا بالدعوة إلى الله تعالى .
وقد حدث أن سألنا أميرَهم : لماذا تذهبون إلى المقاهي لدعوة الناس . قال : أرأيتم إن كان عندكم مريض ماذا تفعلون له ؟ قلنا : إن كان مرضُه ثقيلا نُحضر له الطبيب في المنـزل ، وأما إذا كان مرضه خفيفا فإنه يذهب بنفسه إلى الطبيب . قال : فكذلك الذين لم يعرفوا طريق المسجد ، مرضهم الإيماني ثقيل ، فنحن نذهب إليهم .
وسمعت بعض مشايخهم يروي موقفا تعرض له ، إذْ خرج للدعوة في حانة خمر في مدينة أوروبيـة ، واسْتَهْدَفَ رجلا مسلما كان يُجالس امرأة وهو يشرب الخمر ، فوعظه ونصحه وذكّـره بالله ، حتى لان قلبه ودمعت عيناه ، فأخذ بذراعه ليقوده إلى المسجد ، وأخذت المرأة بذراعه الآخر تنازعه فيه ، وكانت الغَلَبَةُ له بعد تَجَاذُب شديد من الطرفين ، وأتى به إلى المسجد وعلّمه كيف يتطهر ويصلي ثم تاب وحَسُنَت توبته .
وهم يجتهدون في ابتكار الحِيَل الخيرية لجذْب الناس إلى الدين ، كذلك التبليغي الذي أراد دعوة طبيب مشهور ، فدفع قيمة الفَحْص ، ولما جاءت نوبته دخل عليه ، فتهيأ الطبيب لفحصه ، فإذا به يخبره أنه ليس بمريض ، وإنما رَغِب أن يذكّره الله ، وينصحه في الدين ، وراح يفعل ذلك ، حتى رقّ قلب الطبيب ، وتأثر بموعظته ، وأراد أن يرد عليه قيمة الكشف ، فأبى قائلا : هذه قيمة ما استغرقته من وقتك .
ومن ذلك أنه لما صَعَّد الإنسان إلى القمر ، قال أحدهم : ولو صَعَّد الناس إلى القمر ، وتحول بعض منهم عن الأرض لَنُرْسِلَنَّ وراءهم قافلة تخرج في سبيل الله ، وتَصَّعَّد إلى القمر لتدعوَهم .
يقول الأستاذ الراشد حفظه الله : حركة التبليغ أجادت غرس الثقة في دعاتها ، وبخطبة واحدة يتعلمونها يجوبون الآفاق ويواجهون المجتمع ، وآخرون يأمرون وإخوانهم بضمّ الرأس ، ويقولون لفتى الصحوة : أنت في خندق ، احْترِسْ وأَتْقِن الاخْتباء !! .
وهذا أخ مؤذّن يأسَف ويحزن حزنا شديدا ، إذْ بَلَغَه أن بُرْج ( بِجْ بِنْ ) الشهير في لندن قد مـال ، وأنه مُهدّد بالانهيار فلما سُئل عن سر أسفه وحزنه قال : ما زِلْتُ أُؤَمِّل أن يُعِزَّ الله المسلمين ويفتحوا بريطانيا ، وأصعدَ على هذا البرج كي أُؤَذِّنَ فوقه .
وأعرف ( والكلام مازال للشيخ محمد بن إسماعيل ) : أخا أمريكيا من أصل أسباني ممن أسلم لله ، وحسن إسلامه ، يعيش مع زوجته الأمريكية التي أسلمت أيضا في مدينة ( نيويورك ) وقد انتدب نفسه للدعوة إلى الله ، فيخرج هو وزوجته ويقفان أمام الكنيسة ليلتقط روادَها من الرجال ، ويدعوهم إلى الإسلام ، وكذلك تفعل زوجته مع النساء وذلك كل يوم أحد .
وأعرف – والكلام ما زال للشيخ محمد إسماعيل حفظه الله - أخا يعيش في ألمانيا أحسبه – والله حسيبه – مجتهدا في الدعوة إلى الله غاية الاجتهاد ، حتى لا يكادُ يذوق طَعْمَا للراحة ، وقد اسْتَحْوَذَت الدعوة على كل كيانه ، حتى أَرْهَقَ نفسه ، وشُغِل عن بيته وأهله وولده ، فرأى إخوانُه أن يُمنح عطلة إجبارية ، وذهبوا به صحبةَ أسرته إلى مُنْتَجَع ناءٍ لا يعرفه فيه أحد ، ولا يعرف فيه أحدا كي يَهْنَأَ ببعض الراحـة ، وواعدوه أن يعودوا لإرجاعه بعد أيام ، ولما رجعوا إليه وجدوه قد أسّسَ جمعية إسلامية في هذا المكان قوامها بعض العمال المغاربة وغيرهم ممن انقطعت صلته بالدين ، ففتش عنهم في مَظَانّ وجودهم ودعاهم إلى طاعة الله وألّف بينهم وأقاموا مسجدا كان فيما بعد منطلقا للدعوة إلى لله في تلك البلدة ..ثم ينقل عن الأستاذ الراشد قوله : وقد كنت في الأيام الخوالي ألاطف إخواني فأفتّش عن أحذيتهم ، ليس على نظافتها وصَبْغها ورَوْنَقِها كالتفتيش العسكري ، بل على استهلاكها وتقطّعها والغبار الذي عليها ، وأقلّبها فأرى النَّعْل ، فمن كان أسفل حذائه مُتَهَرِّئا تالفا فهو الناجح ، وأقول له : شاهدُك معك ، حذاؤك يشهد لك أنك تعمل وتغدو في مصالح الدعوة وتروح ، وتطبق قاعدة : { وجاء من أقصى المدينة رجل يَسْعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين } ، وبكثرة حركتك تلف حذاؤك فأنت المجتاز المرضي عندي . قال صباح ( من تلاميذ الأستاذ ) : قد – والله – بعد عشرين سنة يأخذني تأنيب الضمير كلما رأيت حذائي لا غبار عليه وأتذكر ذاك التفتيش . ) أهـ
نقلا عن كتاب 30 طريقة لخدمة الدين
للكاتب رضا احمد صمدى
0
603

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️