علي اي حال ستكون خاتمتي

الأسرة والمجتمع

على أي حال ستكون خاتمتي ؟؟

يقول صاحب القصة وهي قصة عجيبة يقول فيها ، سافرت إلى مدينة جده في مهمة رسمية ،

وفي الطريق فوجئت بحادث سيارة ، يبدوا أنه وقع لتوّه ، كنتُ أول من وصل إليه ،

أوقفتُ سيارتي واندفعتُ مسرعاً إلى السيارة المصطدمة ، تحسستها في حذر ،

نظرت إلى داخلها ، حدقتُ النظر ، خفقات قلبي تنبض بشدة ، ارتعشت يداي ،

تسمرت قدماي ، خنقتني العبرة ، ترقرقت عيناي بالدموع ، ثم أجهشت في بكاء ،

منظر عجيب ، وصورة تبعث الشجن ، كان قائد السيارة ملقى على مقوَدها جثة هامدة ،

وقد شخص ببصره إلى السماء رافعاً سبابته ، وقد أفتر ثغره عن ابتسامةٍ جميله ،

ووجهه تحيط به لحية كثيفة ، كأنه الشمس في ضحاها والبدر في سناه ،

العجيب ــ والكلام ما يزال له ـــ أن طفلته الصغيرة كانت ملقاة على ظهره ،

محيطة بيديها على عنقه ، وقد لفظت أنفاسها وودعت الحياة ، لا إله إلا الله ،

لم أرى مِيتتة كمثلِ هذه الميتة ، طهرٌ وسكينة ووقار ،

صورته وقد أشرقت شمس الاستقامة على محياه ، منظر سبابته التي ماتت توحد الله تعالى ،

جمال ابتسامته التي فارق بها الحياة حلقت بي بعيداً بعيدا ، تفكرتُ في هذه الخاتمة الحسنة ،

ازدحمت الأفكار في رأسي ، سؤال يتردد صداه في أعماقي ، يطرق بشدة ،

كيف سيكون رحيلي ؟؟ على أي حال ستكون خاتمتي ؟؟

يطرق بشدة ، يمزق حجب الغفلة ، تنهمرُ دموع الخشية ، ويعلوا صوت النحيب ،

من رآني هناك ظن أني أعرف الرجل ، أو أن لي به قرابة ، كنتُ أبكي بكاء الثكلى ،

لم أكن أشعر بمن حولي ، ازدادَ عجبي ، إي والله ، حين انساب صوتها يحمل برودة اليقين ،

لامس سمعي ، ردني إلى شعوري ، يا أخي لا تبكي عليه إنه رجل صالح ، هيا هيا ،

أخرجنا من هناك ، وجزاك الله خيرا ، التفتُ إليها ، فإذا امرأة تقبع في المقعدة الخلفية من السيارة

تضم إلى صدرها طفلين صغيرين ، لم يمسا بسوء ولم يصابا بأذى ،

كانت شامخة في حجابها شموخ الجبال ، هادئة في مصابها هدوء النسيم ،

لا بكاء ولا صياح ولا عويل ، أخرجناهم جميعاً من السيارة ، من رآني ورآها ،

ظن أني صاحب المصيبة دونها ،

قالت لنا وهي تتفقد حجابها وتستكملُ حشمتها في ثباتِ الراضي بقضاء الله تعالى وقدره :

لو سمحتم احملوا زوجي وطفلتي إلى أقرب مستشفى ، وسارعوا في إجراءات الغسل والدفع ،

واحملوني وطفلي إلى منزلنا ، جزاكم الله خير الجزاء ،

بادر بعض المحسنين إلى حمل الرجل وطفلته إلى أقرب مستشفى ،

ومن ثم إلى أقرب مقبرة ، بعد إخبار ذويهم ، وأما هي ،

فقد عرضنا عليها أن تركب مع أحدنا إلى منزلها ،

فردت في حياء وثبات : لا والله لا أركب إلا في سيارة فيها نساء ،

ثم انزوت عنا جانباً وقد أمسكت بطفليها الصغيرين ، ريثما نجد بغيتها ،

وتتحقق أمنيتها ، استجبنا لرغبتها ، وأكبرنا موقفها ،

مر الوقت طويلاً ونحن ننتظر على تلك الحال العصيبة ، في تلك الأرض الخلاء ،

وهي ثابتة ثبات الجبال ، ساعتان كاملتان حتى مرة بنا سيارة فيها رجل وأسرته ،

أوقفناه ، أخبرناه خبر هذه المرأة ، وسألناه أن يحملها إلى منزلها فلم يمانع ،

عدتُ إلى سيارتي وأنا أعجبُ من هذا الثبات العظيم ،

ثبات الرجل على دينه واستقامته في آخر لحظات الحياة وأول طريق الآخرة ،

وثبات المرأة على حجابها وعفافها ، في أصعب المواقف وأحلك الظروف ،

ثم صبرها صبر الجبال ، إنه الإيمان ، إنه الإيمان ،

( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويظل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء )



نشرت هذه القصة في مجلة حياة في العدد الثامن من شهر ذي الحجة لعام ألف وأربعمائة وإحدى وعشرين
3
407

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

اسماء_m
اسماء_m
يالله
ماشاء الله عليهم
ياحظهم
شذى الورد الحالم
اللهم نسألك حسن الخاتمة
حبيبة أبوها
حبيبة أبوها
الله يحسن خاتمتنا



جزاك الله خير عزيزتي