كنت في كندا الشهر الماضي، واتيحت لي الفرصة لزيارة المكتبات والمتاحف وحدائق النباتات الطبية ومحلات التغذية الصحية التكميلية، حاولت البحث عن محلات العطارة فلم اجدها ولجأت إلى دليل التلفونات فوجدت عدداً كبيراً بهذا الدليل ولاحظت ان جميعهم تقريباً في شارع طويل جداً في مدينة تورينتو وهي من اكبر المدن الكندية، اخذت عنوان هذا الشارع وذهبت اليه فوجدت محلات تجارية كثيرة متنوعة ومن بين هذه المحلات محلات العطارة.دخلت اول محل فلم أشاهد أي نوع من انواع العطارة، ولاحظت ان المحل مليء بمستحضرات في عبوات صيدلانية، وظننت انني اخطأت المحل فخرجت إلى الشارع لاعيد قراءة لوحة المحل فاذا هو محل عطارة، دخلت مرة ثانية وكان يعمل في هذا المحل اثنان رجل وامرأة ولكنهما يرتديان المعطف الأبيض الذي يرتديه الأطباء والصيادلة اثناء مزاولتهم لمهنتهم فأستغربت لذلك، وكنت أبحث يميناً ويساراً لعلي اجدد شيئاً مما أعتدت ان اراه في محلات العطارة بالسعودية مثل الزنابيل الممتلئة بمواد العطارة أو التنك أو البراميل الخشبية أو البلاستيكية أو قوارير ماء الصحة المعبأة بخلطات عشبية مع عسل أو مع زيت.. الخ وكان اصحاب المحل يتابعان مستغربين حركاتي في المحل ونظرا
تي فسألاني، عم تبحث؟ فقلت هل هذا المحل صيدلية أم محل عطارة؟ فقالا محل عطارة، فقلت أين هي اذن العطارة؟ فقالا هل تحس بشيء في بصرك بمعنى هل انت تبصر جيداً؟ فقلت نعم ابصر جيداً والدليل على ذلك انني اتحدث معكما وانني دخلت هذا المحل مبصراً، فقالا إذاً ماذا ترى امامك على هذه الرفوف؟ فقلت ارى مستحضرات صيدلانية تشبه المستحضرات الصيدلانية الموجودة في أي صيدلية، فقالا إذاً فما الاستغراب في ذلك؟ قلت الاستغراب انني لم ارى زنابيل ولا كراتين ولا اشولة ولا تنك ولا براميل خشب وبلاستيك وانواع الصفائح بمختلف احجامها الممتلئة بمواد العطارة على مختلف ألوانها وانواعها ولم أشم رائحة العطارة الحسنة أو الكريهة ، فقالا: هونك علينا ما هي تلك الاشياء التي تتحدث عنها؟ فقلت اتحدث عن محلات العطارة لدينا في السعودية، فقالا نحن لم نفهم شيئاً ونرجوك ان توضح لنا كيفية محلات العطارة في السعودية لأننا متشوقون إلى الاشياء التاريخية التي ذكرتها، قلت لهما ان محلات العطارة لدينا في السعودية كثيرة ففي كل ركن محل عطارة، ومحل العطارة عبارة عن دكان عادي ليس هناك أي مواصفات تميزه عن غيره من الدكاكين فمثلا تجد بجانب محل العطارة دكاناً بنفس المقاس تباع في
ه البطانيات والدكان من الجانب الآخر تباع فيه ملابس أو انتيك وهكذا.. اما من ناحية التكييف فلا يعرفون التكييف المركزي وتوجد مكيفات عادية أو صحراوية تعمل فقط اثناء عملهم وعند انتهاء ميعاد العمل يقفلون تلك المكيفات حتى اليوم الثاني فترتفع درجة الحرارة في المحل إلى 50درجة وربما اكثر في الصيف، فقالا توقف وماذا عن العطارة الموجودة ماذا يحدث لهانتيجة لارتفاع درجة الحرارة المفاجئة فقلت لا علم لي هل تعرفون شيئاً عن ذلك؟ فقالوا نعم ان جميع المحتويات الكيميائية في تلك المواد سوف تخرب ولا تكون صالحة للاستعمال الآدمي، بالله عليك كيف يكون ذلك فقلت اتركوني اكمل لكم وصف محلات العطارة، بالنسبة للعطارة الموجودة في المحلات فلا يوجد لديهم أي من هذه المستحضرات الموجودة لديكم، والموجود زنابيل من الخزف متعددة الاحجام والاشكال مليئة بمواد العطارة، اما كاملة أو مجروشة أو مسحوقة او مقطعة وبراميل بلاستيك وخشبية بمختلف الاحجام والاشكال والألوان مليئة ايضاً بمواد طبية متنوعة وتنك وصفائح متنوعة الاحجام والاشكال تحتوي على مساحيق واشكال وألوان من الادوية العشبية والحيوانية والمعدنية، وقوارير زجاجية أو بلاستيكية مليئة بخلطات عشبية مع عسل أو
زيتون أو ماء وهذه الأخيرة من صنع صاحب العطارة، فقالا توقف انت قلت من صنع صاحب العطارة، فقلت نعم وما في ذلك من عجب؟ فقالا هل صاحب العطارة صيدلي مثلنا يحسن صنع الادوية ويعرف تداخلاتها الكيميائية وتأثيراتها السمية واضرارها قصيرة المدى وطويلة المدى؟ فقلت لا انه ليس سعودياً ولا يعرف عن لغتنا شيئاً وهو مجرد عامل ولكن صاحب المحل وهو طبعاً سعودي استأجر مثل هذه العمالة ليتولوا العمل والتحضير والبيع وخلاف ذلك والمالك لا يعرف شيئاً مما يقومون به، فقالا عجباً ما تقول ألا يوجد لديكم جمعيات أو هيئة مسؤولة عن مثل هذه المخالفات القانونية، فقلت بلى يوجد لدينا ولكن لا توجد جهة معينة لمراقبة ما يحدث بل توجد عدة جهات وكل جهة تقول ليس هذا من شأني وذهب ضحية ذلك المستهلك المسكين المغلوب على امره، قالا اكمل من فضلك اننا نسمع شيئاً كأنه في الخيال، فقلت وتوجد اصناف من الزيوت الخاصة بالشعر والكريمات والمعاجين والمراهم حتى ان من أهم الاشياء الموجودة لديهم للشعر نخاع الثور التونسي (نخاع الثور التونسي غير انخعة الثيران الاخرى) وزيت الثعبان الهندي وشحم النعامة وشحم النمر وبراز وبول الوبر الذي يسميه العطارون (صن الوبر)، بالاضافة إلى الخلطا
ت العشبية مع العسل أو الزيت أو الماء أو مع بعض الدهون والتي يتفنن العطارون في خلطها وعجنها وتعبئتها في قوارير ماء الصحة الفارغة، كما ان هناك أدوية لا يمكنك رؤيتها لانها تخبأ تحت الادراج، قالا ولماذا تحت الادراج؟ قلت لان هذه الادوية غير مصرح بها فهي تجهز من قبل بعض الاطباء الشعبيين أو من بعض المرتزقة الذين يحضرون خلطات ويمرون بها إلى محلات العطارة ويتفقون معهم في بيعها ولهم نسبة معينة، وهذه الادوية تصرف فقط للاشخاص الذين يتعامل معهم الطبيب الشعبي أو المروج ثم يقوم هؤلاء بدورهم بالحديث عن تلك الادوية المتميزة بين الاقارب والجيران وهكذا يزداد الطلب عليها، قالا وكيف يشتريها المستهلك وهي مجهولة الهوية الا يخاف على نفسه، الا تهمه النقود التي يشتري بها تلك الادوية المجهولة التي ربما كانت وبالا على نفسه، قلت لهما المستهلك المسكين تعود على عدم رفع الصوت وعلى عدم المطالبة، قالا اكمل من فضلك، قلت كما يبيعون في هذه المحلات ادوية خطيرة وسامة مثل عين الديك والورنجان وخانق الذئب واصبع العذراء وغيرها فأستردا انفاسهما ثم قالا وكيف يبيعون مثل هذه المواد وكيف استوردوها اساساً فقلت اسألوا وزارة التجارة، قالا وماذا عن العاملين في
محل العطارة هل هم صيادلة مثلنا ام ماذا؟ قلت لهما أي صيادلة؟ انهم من العمالة الورفدة الذين يستوردون من بلدانهم ويقوم بكفالتهم بعض الاشخاص ويرمي بهم في البطحاء (مكان مشهور في وسط مدينة الرياض) وكذلك بأم الحمام (منطقة في شمال غرب الرياض مشهورة بالعمالة المتسكعة)، يأتي اصحاب محلات العطارة ويختارون من هؤلاء العمال ما يشاؤون والبعض من اصحاب محلات العطارة يستقدم عمالة باسمه من نفس الدول. اننا لا نصدق ما تقول، وأين السعوديون؟ الا يستطيعون مزاولة هذا العمل قلت بلى، قالا ولماذا لا تستبدل هذه العمالة بالسعوديين فقلت لا أدري، قالا :هل يمكن ان نزور هذه المحلات لأننا نسمع ان مثل هذه المحلات كانت موجودة لدينا منذ مائة سنة مضت ولكن كانت لا تباع فيها الخلطات ولا النباتات السامة، إذا كان الأمر كما تقول فإن العطارين لديكم لكي يصلوا إلى ما وصلنا اليه حالياً بحاجة إلى مائة سنة، ان هذا الموضوع يحتاج إلى عمل دراسة عليه لاثبات ان محلات العطارة في السعودية لازالت تمارس العطارة التي كانت تمارس في القرون الوسطى.
الرياض

سيدة الوسط @syd_alost
عضوة شرف في عالم حواء
هذا الموضوع مغلق.

شوشو الحلوة
•
مشكوووووووووووووووووره ............... ويعطيك العافيه
الصفحة الأخيرة