
اليوم أجلس وحيدة أمام صديقي الوحيد البحر . أتأمله وأشكي له حالي بعد الله عز وجل
أرفع رأسي إلى السماء باكية،شاكية ،ومتألمة
قاصدة بذلك ربي الرحيم يخفف مابي
،وفعلاً أشعر بالخفة وكأن ثقلاً من الجبال
رفعت عن صدري،
لكن اليوم مختلف عن أي يوم،
أنا الآن أمام البحر مهزومة تماماً
وقلبي يتقطع بالألم والحسرة
، ونظري تارة للسماء بعين مخذولة منكسرة،
وتارة أخرى نظري للبحر بهم مثقل
وددت لو أرمي فيه ثقلي،
وأمام نظري هيبة البحر،
واتساع السماء فأقول :
"يا خالق هذه الهيبة، وخالق هذا الاتساع
وسع عن صدري وأرحني".
في كل مرة أرددها وعيناي تذرفان الدموع
وأنا أتذكر كيف أن طيبتي الزائدة في هذا الزمن
آذتني وسلطت علي الكثير من الناس المؤذيين،
ليس لأن الطيبة صفة سيئة بل بالعكس تماماً الطيبة أغلى وأجمل من كنوز الدنيا كلها،
ولكن لأنها لا تتناسب مع أناس تغيرت نفوسهم في هذا الزمن،
فالطيب إنسان معرض للاستغلال،
والأذية، والحسد، والتدمير..
كنت أسكن مع عمتي وبناتها
وما أجبرني على ذلك هي الظروف
فقد توفي والداي أيام الحرب
وليس لدي إخوة ولا أخوات
فذهبت للعيش معهم مضطرة.
في بادئ الأمر تم إستقبالي بكل فرحة وسرور وعاملوني وكأني أميرة في قصري لسنوات،
لكن بعد يومين تغيروا معي تماماً
فعمتي وبناتها لم يعدن يبتسمن لي،
وكلماتهن أصبحت قاسية وجارحة،
وأنا بطبعي طيبة كنت أسكت ولا أستطيع الرد
وذات يوم وبينما أنا نائمة
جاءتني عمتي وهي تصرخ وتنزع مني الغطاء بقوة، فقمت من النوم فزعة :
مابك يا عمة؟!
فقالت: كيف تنامين والمطبخ متسخ؟
لماذا لم تغسلي المواعين؟
ولم ترتبي وتنظفي المطبخ؟.
وبمجرد أن حاولت فقط الاعتذار..
ضربتني على وجهي بقوة
حتى سقطت على الفراش،
وقالت : الآن قومي وأكملي عملك
وأمامك فقط نصف ساعة حتى تنهي العمل
وإن لم تفعلي سأرميك في الشارع .
قمت متجهة نحو المطبخ وأنا أتألم
ليس من ألم الضربة
ولكن من ألم القسوة على قلبي،
واتجهت نحو المطبخ أنهيت عملي سريعاً
ولأني كنت أعمل على عجل وكلي قلق،
كانت ملابسي قد اتسخت
وعندما توجهت لغرفتي لكي أغير ملابسي،
وجدت الثياب ناقصة جداً
فقد كان عندي الكثير من الملابس الراقية
التي اشتراها لي والداي،
فتفاجأت بأن الدولاب شبه خالٍ من ملابسي،
فقلت من الأفصل أن أخرج وأسأل عمتي: اين ملابسي؟!
فتفاجأت بأن بناتها قد اخذن الثياب وارتدين منها
وقالت لي إحداهن بكل وقاحة وحسد:
أنت ثيابك كثيرة ونحن لا نملك إلا القليل
لهذا تقاسمناها أنا وأختي معك.
فقلت لها: لماذا على الأقل لم تاخذي مني الإذن بذلك؟
فدفعتني بقوة وقالت:
أنا حرة آخذ ما آريد وقت ما أريد.
حينها لم أستطع الردلم أستطع الدفاع عن نفسي
ام أستطع قول شيء،
أحسست بأني مهزومة ومهزوزة جداً أمامهن
، فتركت كل شيء وهربت إليك يا لله
فماذا عساي أن أفعل؟
وبينما أنا على هذه الحال فكرت في تركهم
والسفر للعيش مع جدي الذي يسكن بعيداً جداً
جاءتني الفكرة وكأن الله ألهمني ذلك
لأرتاح قليلا..
وفعلاً أحسست براحة عجيبة،
وشعرت بقوة تنبع من روحي
وتخبرني أن أسرعي وأحزمي أمتعتك
وسافري إلى جدك، وفعلاً هذا ما حدث
وحتى غادرتهم دون أن أخبرهم
فقط تركت لهم رسالةوأكتفيت بسطر واحد:
" لعل جدي يكون أرحم بي منك يا عمتي"
ومنذ أن وصلت إليه لم أر سوى السعادة.
كثيراً ماتحدث في واقع الحياة
والمهم فيها أنه رغم قسوة الظروف..
لم يتغير الجانب الطيب في الفتاة
فظلت محتفظة بأصالة طبعها
قلمٌ معبر جميل يجول ببساطة ويكتب مايشعره
بوركت ياغالية