عندما توصد أبواب الأرض تفتح أبواب السماء

الأسرة والمجتمع



يبدو الإنسان أحوج ما يكون إلى النجدة والمساعدة في حالات الضعف والأعياء وقلة الحيلة في

المواقف الصعبة فهو عندما يحتاج إلى المال يستنجد بالكسب والكدح من أجل الحصول عليه

وهو عندما يمرض ويكون أحوج ما يكون إلى طلب العلاج من أجل الحصول على الشفاء

والعافية يلجأ إلى الطبيب، وهكذا نجد ان هذا الإنسان مكتوب عليه ان يواجه ضعفه في أكثر

موقف ومناسبة ومن هنا نجد ان القرآن الكريم حريص على تذكيره بضعفه وعجزه في مواضع

دعوته إلى التواضع والإبتعاد عن التكبر والغرور والى سماع صوت الحق. يقول تعالى: (وخلقنا الإنسان ضعيفا).


غير ان هذا الإنسان كثيرا ما يجد موارد الإسعاف والنجدة عاجزة عن نجدته وإسعافه عندما


يكون في محنة لا يفيد معها إسعاف المسعفين ونجدة المنجدين كأن تكون هذه المحنة ناشئة

عن مرض عضال وأزمة صحية مستفحلة اضطرت الطبيب إلى رفع الراية البيضاء

والاستسلام بعد ان تيقن ان ما يملكه من خبرة وعلم لا تمكنه من تقديم ما يفيد إلى المريض

الأمر الذي يضطره إلى الاعتراف بالحقيقة المرة مكرها أو التوسل بالأعذار والمجاملات في

أحسن الأحوال وهو ما يقود المريض ولو بعد حين إلى مواجهة قدره بمفرده فيستعين بأطباء

آخرين بحثا عن حلول أفضل ونتائج أفعل غير ان تلك الحلول وهذه النتائج تبقى هي ذاتها في

كثير من الأحيان وعند ذلك يشعر هذا الإنسان بقوة خفية تدفعه إلى من هو قادر على كل شيء

قدير طالبا منه العون على علة أعيى الإنسان دواءها ومشكلة أعجزه وأوهنه حلها فيدعوه ان

يمنحه الشفاء ويهبه الصحة والعافية لأنه الوحيد من يقدر على ذلك بعد ان سقط في أيدي ذوي

الخبرة والعلم وأعلنوا عن إفلاسهم ونفاذ ما في أيديهم من وسائل حصلوا عليها عن طريق

طلب العلم والجد والاجتهاد للتسلح به والتزود من ذخائره، وهكذا نجد ان انجذاب الإنسان إلى

الله سبحانه وتعالى يمثل حالة فطرية منشأها (ان لا حول ولا قوة إلى بالله) وهي حالة تتمثل في

تحرر الإنسان من الأوهام والخداع والإصرار على تجاهل الحق واللهاث وراء الضلال والباطل

غير ان مثل ذلك التحرر لا يتحقق الا عندما يتأكد الإنسان من ضعفه وعجزه فيلجأ إليه سبحانه

وتعالى في لحظات التحول من الخطأ إلى الصواب والأعوجاج إلى الاستقامة وذلك ما ينبه

سبحانه الإنسان بقوله: (الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقيني وإذا مرضت فهو يشفيني).


ويلاحظ ان الآية المباركة تؤكد على موارد عديدة من ضعف الإنسان فيما تشير إلى ان جهة

الاستعانة على ذلك الضعف في جميع تلك الموار هي جهة واحدة وان تعددت الأسباب الوسيطة

لتحقيق النتائج فعندما ينتقل الإنسان من دائرة الضلال إلى دائرة الهداية فإن الجهة ذات الفضل

هي الجهة ذاتها وعندما يفقر الإنسان ويجوع ثم يغنى ويشبع فإن الجهة هي هي وعندما

يمرض ليشفى فإن الفضل يبقى لها دون غيرها يقول تعالى: (واذا سألك عبادي عني فإني

قريب أجيب دعوة الداعي اذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) .


ويؤكد تعالى على ان الاكثار من ذكره سبب لأنس ذلك الإنسان وتبديد غربته ووحشته وتوفير

عوامل الهدوء والطمأنينة من حوله: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب).


ثم نجد في القرآن الكثير من القصص والأمثلة الدالة على سعة أمل الإنسان وتزايد فرص

التفاؤل بالنجاة والخلاص أمامه ومثالا على ذلك نقرأ من بين هذه القصص قصة النبي أيوب

(عليه السلام) الذي ابتلاه الله سبحانه وتعالى في مواطن عديدة ليختبر إيمانه وثباته فكان ان خسر ماله

وضياعه ثم خسر بنيه بعد هلاكهم جميعهم في حادث مفجع ثم خسر عافيته وصحته وأصيب

بداء مخيف جعل الآخرين ينفرون منه ويبتعدون عنه ما عدى امرأته وقد وصل الحال بإيمان

هذا النبي ويقينه ان يعيد الديدان والطفيليات المستحدثة من دائه وعلته.. ان يعيدها إلى أماكنها

في القروح والجروح المنتشرة في جسده (عليه السلام) قائلا لها حسب ما تذكره الروايات: (كلي مما قسم الله لك).


وقد كان يترائى لأيوب (عليه السلام) الشيطان في صورة الطبيب القادر على شفائه وصاحب المخارق

والمعجزات القادر على استعادته ما خسره من أموال وضياع وبنين مقابل ان يبدر منه (عليه السلام) ما

يخل بإيمانه ويقينه بأن ما يصيبه هو الحق وما تقتضيه الحكمة والمشيئة الإلهية فليس له ان

يأتي بما يدل على الشكوى أو الاعتراض أو التذمر فكان حصيلة هذه المعرفة واليقين بمشيئته

سبحانه وتعالى ان يتواجه مع هذه المشيئة في حال آخر يستعيد به ماله وحلاله وبنيه ويعوضه

سبحانه عن الشيخوخة بالشباب حتى لم يعد للناظر ان يفرق بينه وبين أبنائه من حيث السن

وحيوية الشباب يقول عز من قائل: (وأيوب اذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت ارحم

الراحمين* فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين).


وعلى ذلك نجد ان الإنسان عندما تتقطع به السبل ويستنفذ مالديه من فرص وعوامل مادية

متوفرة تقوده فطرته الإنسانية عند ذلك إلى البحث عن القوة المطلقة والقدرة البالغة من أجل

إعادة تشكيل المعادلات وتهيئة الأجواء والمناخات الكفيلة بتوفير حالة الأمان والاستقرار لذلك

الإنسان ولذا فقد كانت دوافع البحث عن الآلهة تقوم دائما على ردود الفعل ازاء مظاهر المحنة

الإنسانية المتعددة فتارة تتمثل هذه المظاهر بالظواهر الطبيعية الغامضة والمخيفة وتارة أخرى

تتمثل بنزوع هذا الإنسان نحو العدل والخير أو ميوله المعروفة لإشباع حاجاته إلى الصحة

والقوة والحكمة والجمال فنرى كل أمة من الأمم السالفة تضع آلهتها على طريقتها الخاصة

وتستند إليها مهامها الضرورية فهناك آلهة الحكمة وهناك آلهة الخصب وهناك آلهة القوة

وهناك آلهة الجمال على ان تلك الميول الفطرية تعكس في واقع الأمر طبيعة الأدوات العقلية

البدائية في استدلال الإنسان إلى الإله حيث يضل الطريق من حيث رغبته في الوصول إلى الحق

ليبعث الله سبحانه الرسل والأنبياء (عليهم السلام) من أجل انقاذ هذا الإنسان عن طريق هدايته وتقويمه.


منقول من موقع الشهيد
6
587

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

~ حورية البحر ~
اتمنى انكم قراتوه لو قرائه
التائبة لله
التائبة لله
الله يعطيك العافيه فعلا ماأجمل العوده لله والدعاء
~ حورية البحر ~
مشكوووووووووووره يمه ضميني على المجامله والمرور:):26:
**أجمل إحساس**
**أجمل إحساس**
موضوع قيم جزاك الله خيرا:26: :26:
ماوية
ماوية
جزاك الله خير اختي حورية البحر