عندما يخرج الخليجي سائحاً

كتب الاستاذ علي سعد الموسى فى احد الصحف السعوديه =

عندما يخرج الخليجي سائحاً
مساء البارحة ذهبت لزيارة معهد العالم العربي على ضفاف السين في العاصمة الفرنسية. أخذني المرشد إلى صالة لاستعراض بعض لوحات الفن التشكيلي السعودي ولفتت نظري كلمة سطرها مثقف سعودي بارز في سجل الزيارات حين حمد الله أنه صار للسعوديين أخيراً حضور في باريس. والحق أننا موجودون في كل عاصمة سياحية حول العالم وأننا نشكل ضلعاً بارزاً في السياحة العربية ولكن بطريقتنا الخاصة تلك التي لا يبزنا فيها أحد.
ما هو شكل حضورنا السياحي والثقافي في باريس أو في غيرها؟ ليومين متتاليين حرصت على امتطاء الباص السياحي الذي يأخذك في جولة شاملة على باريس بكل تفاصيلها الدقيقة وبكل أشكالها وألوانها السالبة والموجبة. هم بالمناسبة شعوب لا تحاول إخفاء الوجه القبيح لشوارعهم ولا لحضارتهم ولا لثقافتهم ويجعلون السائح في قدرة على رؤية كل الأشياء وهو في النهاية الحكم على ما يشاهد ويتأمل وهنا ليست القضية. القضية أنني مررت فيما يقرب الـ8 ساعات, وليومين متتاليين, على كل ما قرأته عن هذه الثقافة وهذه العاصمة بدءاً من باريس الجزيرة في قلب السين قبل 2000 عام مروراً بالباستيل وغراميات جوزيف كوزاد وانتهاء بالإينيل والأنفاليد وقوس النصر. والقضية أنني لم أشاهد سعودياً واحداً في رحلة سياحية من هذا النوع ولا يكتشفون من كل المدن التي يذهبون إليها سوى شارع أو اثنين من تلك الشوارع التي تعطيهم نكهتهم الخاصة وتتحول معهم إلى النمط الذي يريدون.
في الشانزيلزيه, تشاهد الشارع في منتصف النهار عولمياً خالصاً تركض فيه كل وجوه الدنيا وفي منتصف الليل يتحول الشارع إلى ساحة خليجية لاستعراض الأزياء وأجهزة الهاتف الجوال في أيدي سواح لا يعرفون من الدنيا سوى الليل. ثري خليجي يحجز مقهى كاملاً من الشفق إلى الغسق وآخر يدفع 50 دولاراً كأتعاب لنادل قدم له فنجاناً من القهوة قيمته دولاران ونصف الدولار, وبأم أذني سمعت النادل نفسه يسبغ له أو عليه كل الأوصاف السيئة التي قد لا تقرؤها في القواميس استهزاء به وبتصرفه. على الكرسي المقابل, وكما يقول النادل, يجلس كل صباح وزير فرنسي ليحتسي فنجاناً آخر من القهوة وقد يدفع اليوم أو يؤجل الفاتورة للغد بحسب التساهيل لكنه بالتأكيد يعرف كيف ومتى يدفع. المشكلة أنك لن تستطيع أن تكون سائحاً عصرياً طالماً كان الغير يدرك موروثك الخليجي. تصرفات الغير من إخوتك تدفعها مضاعفة وبقيمة مختلفة عن كل جنسيات الدنيا للتاكسي والمطعم والكشك ونادل القهوة. خليجي أنت, إذاًَ لك فاتورة مختلفة.

علي سعد الموسى:25: