عند قبر اخي الشهيد

نزهة المتفائلين

إلى الذين نذكرهم عند الغروب .. مع كل فجر جديد، مع طلوع الشمس في الصباح؛ ومع غروبها في المساء؛ وقت الأصيل، أو على شاطئ البحر, أو فوق السحاب، أو على سطح القمر.. أو في مكان جميل..

يتذكر الإنسان تلك الأيام وتلك اللحظات .. لحظات الفراق .. لحظات اللقاء.. فيعيش بها قليل من الزمن .. من السعادة والبهجة، أو من ألم الفرقة، وحرارة الاشتياق .. فيحن إلى قديم .. ويتوق إلى جديد..ليعيش كما كان من الماضي .. أو كما يريد من الحاضر..أو المستقبل الأتي..

حينما تخرج من حدث مؤلم ما .. مرَّ بك .. أو تتعافى من جرح غائر أصابك .. ترك في نفسك أثراً .. تفتعل أحيانا – في نفسك - شيئاً من السرور .. علّه يخفف شيئاً مما ألّم بك .. أو لعلك تزيله إن استطعت!! .. غير أن سرورك يبقى مشوباً بالحذر .. الحذر الذي يطل عليك بين فينة وأختها .. لينغِّص عليك هدوؤك واستقرارك .. ويفقدك شيئاً من توازنك .. في سجال مستمر لا ينقطع .. وترقب لا ينتهي .. ولحظات تُختلس من العمر.. نعيشها بألم .. ونقارفها بألم أكبر .. حتى يكون الفراق محطتنا الأخيرة .. بانتظارنا !..

بعض الدموع غريبة .. فلا هي تمهلك حتى تغادر محجري عينيك .. بل تنسل من صدرك .. معتصرةً حنايا قلبك المجروح .. فلا تشعر إلا وهي تحرجك .. تفضحك .. حيثُ أردتَ كتمانها .. وقتها .. كانت اللحظات الأخيرة .. أيقظتُه لصلاة الفجر .. كان ملتزماً بها برغم سهره الطويل لدراسته فهو في عامه الخامس " صيدلة " وفي أتون بحث التخرج، كنا نشفق عليه وهو غير مبال، فما تبقى أقل من معشار ما ذهب، كان يغذ السير لينال شهادة اجتيازه مرحلة البكالوريوس.

كعادته التي تعاهد عليها ورفاقه؛ أن يوقظ أحدهم الآخر عبر المحمول؛ ليصلوا سوية صلاة الفجر جماعة في المسجد، اتصل على عدد منهم، ولبوا النداء.

أطال على غير عادته في صلاة السنة بالبيت وجلس مكانه .. وكأنه كان يملي توجيهاته الأخيرة .. لا أعرف لماذا كنت أبصر السعادة في نظراته وحركاته .. أرمق الشوق في قسماته .. بل .. فهمت أحرف الوداع في كلماته .. وأحسست بوقعها الشجي في مخيلتي .. وأنا في حالة من الذهول .. ودعني .. وودعته .. وهو لا يدرك أنه كان وداعنا الأخير..

صلى الفجر في المسجد وسبّح ربه ودعاه؛ بأن يوفقه ويغفر له، وأقفر عائدا للمنزل برفقة ثلة من إخوانه ورفاقه، وفي منتصف الطريق عاجلتهم صواريخ القتل لتقطعهم أشلاءً وتنثر دمائهم الزكية في الشارع الذي شهد لهم أنهم مرّوا منه لبيت الله، مرّوا منه لأداء واجباتهم على اختلافها؛ وفي أوقات مختلفة، كان برفقته بهذه اللحظة من تعاهد معهم على أن يصلوا الفجر في جماعة ليُشهدوا الله أنهم صدقوا عهدهم وأدّوا أمانتهم..

ألا سبيل إليك ؟..كيف السبيل إليك؟ إلى الابتسامة العذبة التي رُسمت على مُحياك .. كيف السبيل إليك؟ إلى حديثك وكلامك الجميل الذي ينطلق من عينيك..؟

وهل بعد الفراق من التقاء..؟

إن التقينا يا أخي..

لسوف أعانقك .. عناق الأخوة وعناق المحبة والوفاء..

عناق الأيام التي مضت..

عناق الأيام التي سوف تأتي من جديد..

عناق الاشتياق..

عناق النفوس وعناق القلوب..

وعناق الأعين..والذكريات..حتى تبدد الأشواق..

" فقد طال شوقي إليكم وحنيني والفراق الطويل أدمي شجوني..طال شوقي ورب شوقٍ له في القلب وخز كطعنة السكين.. "

فتحية وسلاماً دائمين..مع كل خفقة قلب نتذكركم وفي كل حين ..!!

فأجسادنا..وأرواحنا تشتاق إلى رؤياكم والعيون..!!

وقلوبنا..دقاتها..خفقاتها..ترجو السكون..!!


منقوووول
0
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️