قبل ما يزيد عن عشرين سنة من الآن ؛ عرضَ التلفاز السعودي مسلسلاً كوميدياً اسمه " عودة عصويد " : تتلخص قصته عن شيّخٍ خرِفٍ أوشكَ على الموت ، فباحَ بسره الكمين إلى شيّخ القبيلة الجشع ( أبو جندل ) والذي كان قد جاء لعيادته وزيارته : بأنّ لديه صندوق ذهبٍ قد دفنه في الفلاة دون أن يُحدد في ذلك لأبي جندلٍ مكانه أو علامة مكانه .
وظلّ أبو جندل ( الممثل محمد العلي رحمه الله ) ملازماً لهذا الشيّخ الخَرِف طيلة مرضه ؛ أملاً منه في ذلك أن يعرف مكان هذا الكنز المدفون ؛ ومُستسلماً معه في الوقت ذاته لطلبات الشيّخ العجيبة : فتراه تارةً يمرخُ صدره ، وأُخرى يفركُ ظهره ، ومرةً يُغطيه ، وأخرى يكشف له الغطاء ... وهكذا في استسلام عجيب لرغائب هذا الشيّخ ؛ إلاّ أنّه مع كل هذا الجُهد فإنّ الشيّخ الخرف ( محمد الطويان ) قد مات قبل أن يُخبر شيّخ القبيلة بمكان كنزه المدفون !!
اللذيذ في الأمر أن شائعة صندوق الذهب قد سرت في أرجاء القبيلة كلها سريان النار في الهشيم ؛ ليزيدها بعد ذلك أفراد القبيلة حماسة وسذاجة ؛ فتصل فيما بعد : متدرجةً ومُتدحرجةً إلى خمسين صندوقٍ من الذهب الخالص ؛ ولتبدأ بعدها مرحلة " البحث عن الصندوق " أو لنقل " الصناديق " !!
في نهاية القصّة يكتشف الجميع وفي مقدمتهم شيّخ القبيلة الذي كان قد خسَر كل ماله في رحلة " البحث عن الصندوق " : بأنّ صاحبَ الكنز لم يدفن سوى صندوقاً واحداً فقط ؛ وأنّ هذا الصندوق لم يكن يحوي غير " لِبَانٍ " كان يُنتج تلك الفترة على شكل دنانير ذهبيّة ؛ فظنّها الشيّخ الخَرِفُ ذهباً ؛ وحفظها بصندوقٍ ثمّ دفنه !!
تذكرتُ هذا المسلسل الذي كنّا نظنُّ بمؤلفه السذاجة والبلاهة ؛ ل****ئه قصةً لا تصلحُ حتى لعرضها على الأطفال ... أقول تذكرتُ هذا وأنا أرقب أخبار هذا السيّل الهادر من البشر : يزدحمون ويتزاحمون على حراجات الخُردة ؛ ليبيعوا مكائن خياطة قديمة ؛ بزعم وجود " الزئبق الأحمر " فيها !!
لا غرابة عندي أن يُحبّ البشر المال ؛ فإنّ الإنسان لحب الخير شديد ! ولكنّ الدهشة كلها ، والغرابة بأكملها ، والألم وحسرته في مُنتهاه : أنّ هؤلاء الخلق يعلمون ويعرفون بأنّ " الزئبق الأحمر " يُستخدم في السحر والشعوذة !!
إنّ لسان حال هؤلاء القوم يقول : خذ مكنَةَ جدتي ؛ وأشرك بعدها بخالقي ؛ ثم بعد ذلك فضُرَّ أخي المسلم أو أختي المُسلمة ... وفقط فقط أعطني عشرين ألف ريال ( يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ) !!
ثمّ أيّن صار كُلُّ هذا ؟! وأيّن حدث ذاك ؟! لقد صار وحدث في بلاد التوحيد ، ومعقل السنة ، ومأرز الإيمان !!
يا أسفاه على عقود قضاها علماء الدين يؤصلون العقيدة في النفس ، ويا حسرتاه على جهود بُذلت لتصفيّة المُعتقد ، ويا سوأتاه من غدٍ وبعد غد .
شديدٌ على النفس أن تنعى إلى قلوب الموحدين عقيدة التوحيد في بلاده ؛ ولكنّه قد حدثَ وصار !
ومُقْلِقٌ للخاطر أن يشهدَ ناقوسَ الخطر قد رنّ جرسه في " بلاد التوحيد " ؛ ولكن جلجلته قد صخّت الأُذُنَ ، ونافسَت الآذان .
لقد كتبَ الأديب المصري الكبير " مصطفى لطفي المنفلوطي " قبل عقود طويلة من الآن مقالتَهُ الشهيرة : " دمعة على التوحيد " ؛ وحُقَّ لنا أن نسلِتَ دموعاً لا دمعةً على التوحيد ؛ فالمنفلوطي نعى التوحيد في بلاد " الهند " حيّث العُجمةُ والغرائب ؛ ولكننا اليومَ ننعى التوحيد في معقله وآخر حصونه ... ننعاه إلى أسود الحنيفيّة ، وجيران طيّبة وبَكّة ؛ وندقُّ معه في ذلك أجراسَ الخطر ؛ فهل من مُشمر ؟!
منقوووووووووووول.....

المدمرة الرقيقة @almdmr_alrkyk
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

حسّاسة
•
جزاك الله خير على غيرتك على التوحيد
بس انا عندي ملاحظة :
اذا كان فعلا يستخدم في السحر
فأين الهيئة عن هذا كله ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بس انا عندي ملاحظة :
اذا كان فعلا يستخدم في السحر
فأين الهيئة عن هذا كله ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟



الصفحة الأخيرة
سلمت يد ناقله وكاتبه