إذا أردت أن تلتقي بأحد الأمريكيين في آخر خمسة أيام من شهر نوفمبر فإنه سيعتذر لك مباشرة ويقول: "آسف إنها إجازة (عيد الشكر)!!" المطاعم هي الأخرى تغلق في هذه الأيام وكذلك الأسواق وتتوقف مسيرة الحياة العامة في الشوارع والطرقات ويبدأ أكثر من 50مليون أمريكي السفر جواً وبراً داخل وخارج الولايات المتحدة.
وفي البيوت تقدم الأكلات والأطباق الخاصة بهذه المناسبة وتبدأ الأم في إعداد الوجبة الرئيسية التي تتكون عادة من ديك رومي محشي وفطيرة القرع، وتكون هي المائدة المشتركة لجميع العوائل والأسر الأمريكية بهذا اليوم الذي يصادف آخر خميس من شهر نوفمبر من كل عام.
ويعود الاحتفال بعيد الشكر إلى أوائل القرن السابع عشر عندما بدأت هجرة الأوروبيين إلى القارة الأمريكية وخصوصاً البريطانيين هرباً من اضطهاد الكنيسة الانجليزية لهم، ووصل المهاجرون إلى الشاطئ الشرقي لولاية ماساتشوستس حالياً وذلك في شهر نوفمبر عام 1621غير أن وصولهم تزامن مع دخول فصل الشتاء حيث البرد الشديد والأمطار الغزيرة علاوة على الثلوج التي أهلكت معظمهم الذين جهلوا طرق الصيد والزراعة، ومن اللافت للانتباه أن نجاح الأمريكيين البيض الأوائل هؤلاء جاءت على يد اثنين من الهنود الحمر حيث شرعا في تعليمهم صيد الطيور والحيوانات والسمك وزراعة الذرة إلا أنهم تعرضوا للإبادة على أيدي هؤلاء المهاجرين فيما بعد.
من هنا قرر الأمريكيون الأوائل الاحتفال بالنعمة ووجهوا الدعوة إلى الهنديين والقبائل التي ينتمون إليها للاحتفال بما أسموه حينذاك عيد الشكر وتناولوا فيه الديك الرومي وطيوراً أخرى، وتحول الاحتفال بالنجاة من الهلاك إلى حدث سنوي حتى أعلنه الرئيس أبراهام لنكولن عام 1863عيداً رسمياً للبلاد أطلق عليه عيد الشكر.
وخلال هذا اليوم يتم ذبح الملايين من الديوك الرومية التي تسمي (تركي) ولا ينجو من الذبح سوى ديك رومي واحد يقدم هدية سنوية تقليدية للرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، ثم يصدر أمراً رئاسياً بالعفو عنه.
فهذا هو أصل ما يسمى بعيد الشكر، وأما عن الحكم الشرعي في هذا الأمر، فمن المعلوم أنه يشرع للعبد سجدة الشكر عند تجدد النعم، واندفاع النقم، في الصحيح من أقوال أهل العلم، فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان إذا أتاه أمر يُسَرُّ به خر ساجداً لله تعالى" رواه الخمسة إلا النسائي.
وقد سجد أبو بكر لما أتاه خبر مقتل مسيلمة، وسجد علي حين وجد ذا الثدية في قتلى الخوارج، وسجد كعب بن مالك لما بشر بتوبة الله عليه.
وأما جعل يوم للاحتفال به، فإنه من جملة البدع والمحدثات، وهو من شعار الكفار، ولا يجوز الاحتفال بشيء يتخذه الكفار عيداً لهم وشعاراً.
فالأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر مالها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهره.
ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ فأقل الأحوال أن تكون معصية لله جل وعلا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا" متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
والحديث يدل على اختصاص كل قوم بعيد يميزهم عن غيرهم، لأن الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك، قال تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) .
وقال تعالى: (لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه) .
ولذلك لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فوجدهم يلعبون في يومين، ويلهون فيهما فسأل عن ذلك؟ فقالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر" رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
ولما جاء رجل قد نذر أن ينحر إبلا له بمكان يسمى (بوانة) قال له صلى الله عليه وسلم: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قال: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قال: لا. قال صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم".
فهذا الحديث وسابقه يدلان على أنه لا يجوز للمسلم أن يحتفل بعيد غير عيد الفطر والأضحى، ولا يجوز له أن يقصد مكانا اتخذ عيداً للكفار.
وأعياد أهل الكتاب على قسمين: قسم مشروع في أصل دينهم. فهذا لا يشرع الاحتفال به، لورود الأمر بمخالفة أهل الكتاب.
وقسم لم يشرع في أصل دينهم بل ابتدعوه واخترعوه، فمن باب أولى أن يكون الاحتفال به غير جائز. والله أعلم.
(History of America)
عندهم فصل كامل عن الرحلات الإستكشافية لأمريكا وعن مجموعة من المهاجرين الإنجليز اللي هاجروا من بريطانيا طلبا للحرية الدينية ثم حصل ملحصل مما كتبته في الموضوع