ع النوتة

الأدب النبطي والفصيح

ع النوتة ..
آراها هناك مستندة إلى الحائط ولكنى ينتابنى دائماً شُعور أن المنزل بإكمله يَستند إليها وكأنها بالرغم من ضِعفها عِماده بفقدانها ربما يَنهار المنزل بإكمله ولكن ليس الإنهيار الكامن بِجدرانه ولكن قِيمُه ومبادئه ، إنها عصا جدى رحل ولكنها باقية معنا لتُذكرنا كلما نظرنا إليها بِقصصه وأحُجيته التى كُنت أشعر بالملل منها أحياناً وبالسعادة أحياناً وبالشفقة عليه كثيراً ، كَثرة الحديث كانت موهبته الفريدة التحدث عن الماضى وتَعجبه للحاضر وتَخوفه من المستقبل كان ما يشغله ، كلما نَظرت إلى عَصاه أتخيله أمامى وهو جالس على أريكته ُمستنداً عليها ويتأرجح بها بحدِيثه حتى أنها سارت كاتمة أسراره ومُجلد أصم يَحوى قِصَصُه وأحجيته . ذات مرة وأنا جالسة إلى جِواره أتمنى أن ينتهى حديثه حتى ألتقط أنفاسى حتى نظر إلى وتوقف عن حديثه قائلاً " أتَدرين بُنيتى هذا العالم غير عادل بالمرة ليجعل شخص مثلى بكل ما يمتلك من حكمة الحياة يتحدث إلى شاردة مثلك لا تَعى لا تُقدر لا تُبالى لما أقول ، تجلس فقط حتى لا يُقال عنها أنها لا تُحسن التعامل مع الكبار ، أخبرينى لما لا تتمردى على حديثى المَلُول لما لا تثورى وتُخبرينى أنك لا ترغبى بسماع المزيد " ساد الصمت بعد كلماته كثيراً كنت أرتب كلمات تليق لأخبره بها ، ولكن بماذا أخبره.. أخبره أننى حقاً آمل كثيراً لحِديثه ، كثيراً أبغضه وأننى حقاً أخشى أن يُقال عنى أننى لا أجيد التعامل مع الكبار . لم ينتظر جدى طويلاً وأخبرنى قائلاً كفاكى بُنيتى كِبراً وإستمعى لكلماتى الأخيرة لكى ، يُعجبنى جَلدك لسماعى ويُعجبنى جلوسك إلى جوارى ولكن عساكى أن تفعلى ما يفوق طاقتك يوماً وما يُشعرك بأنك مستهلكة . حديث جدى جعلنى أتسائل أحقاً يُمكننى أن أثور لحديثه وأخبره أننى لا أطيق الكثير منه ، أحقا يُمكننى إخباره برغبتى بالرحيل وعدم سماع المزيد . نظر جدى لى حينها قائلاً : هناك شعرة ما بين حُسن الخلق وإستهلاك الروح ، الْجَلَد ،الجود ،الوفاء ،الأصالة ، الإخلاص وغيرها من حُسن الخلق يُقابل كل منها جزء مُستقطع من روحك لبذله فإن بُذل لمن لا يُستحقه فإنه إستهلاك للروح فالخوف من حُكم البشر هو أشد عقاب لِجَلْد الذات . ستتقلدين فى الحياة أدوار كثيرة فأنتى " الإبنة والحفيدة والأخت والصديقة والزوجة ،والأم والعمة والخالة وغيرها حتى تنتهى تلك الدائرة وتكونين الجدة الحكيمة التى يَمل أحفادها لسماعها فى النهاية ، الحياة بكل ما فيها لا تَحتمل أن تتكبدى المتاعب خِشية حكم الغير .ثم ذَكر لى قوله تعالى فى سورة الأحزاب ..بسم الله الرحم ن الرحيم (وَتَخْشَى النَّاسَ وَ اللهَّ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) صدق الله العظيم .. إنتهى حديث جدى وأدركت بمرور الأيام حِكمته وتمنيت حينها لو أنه على قيد الحياة لأستمع إلى المزيد من قصصه وأحجيته . ذلك الجد الذى رحل بعدما كان أوشك أن يُكمل عِقده الثامن ، أراد أن يرسم لى نَهجاً أسير على دَربه أبذل وأتقلد مكارم الأخلاق ولكن لمن يستحق لا لمن يريد إستهلاكى ، روعة الحياة بجمال علاقات البشر فيما بينهم ، أن تكون صديق صادق لصديق يبادلك نفس الصدق ، أن تكونى زوجة مخلصة لزوج يُقدر هذا الإخلاص ، أن تكون أباً معطاء لأبنٍ بار ، وغيرهااا الكثير هنا تَكمن روعة الحياة . أراد أن يُخبرنى أن لا أفعل شئ لأنعت بصفات الكرم والوفاء والإخلاص والوفاء خاصة إذا كانت لمن لا يستحق ، أن لا أقبل بتلك المشاعر المؤجلة ، أدركت بمرور الحياة أنه لم يكن يخبرنى بذلك لأثور وأتمرد لحديثه أو أنا أعامل الجميع بما هو أهلُ له ولكن أراد أن يخبرنى أن القليل من الكثير من البشر يستحق أنِين قلوبنا لإجل سَكينة قلوبهم. فى نهاية حديث جدى أخبرنى قائلاً " قديماً يا إبنتى وربما لا يزال الأمر قائماً عندما كان يرغب شخص ليس لديه مال أن يبتاع شيئاً ما كان يبتاعه ويخبر البائع قائلاً "دَون عندك عالنوتة " وربما يظل هذا الرجل يبتاع لأجل والبائع صبور عليه لأنه جار أو قريب فأنا لأ أريد لك أن تكونى يوماً ما لديك شعور هذا البائع فهو لديه الكره بداخله لهذا الصبر ولكنى يخشى ما يخشى من حكم الغير عليه ، ولا تكن روحك يوماً مثل هذه النوتة فهى مستهلكة من البائع والمشترى فالمشترى يبغضها لأنها تُذكره بديونه والبائع يبغضها لأنها تذكره بحقوقه فكلاهما يبغضها ويرغب بتمزيقها ولكنها الملجأ الوحيد لهما ليسد المشترى حاجته ويدون البائع حقوقه ولكن فى النهاية إذا إنتفت حاجة كلاهما لها سَيُلقى بها لا محالة ... صدق جدى حينما أخبرنى أن هذه الحياة بكل ما فيها لا تَحتَمل أن يَتكبد الإنسان المزيد من الثِقل فحينما تُخبرنا جميع الحقائق حولنا بالرحيل فلا فائدة من البقاء فأشد الأشياء قسوة أن تحيا كجسد بروح تحتضر ، وتذكرت حينها قول "الشريف المرتضى" حينما قال .(.فما نالَ المُنى فى العيش .....إلا غبى القوم أو فطِن تغابَى) .
10
524

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

المحامية نون
المحامية نون
فعلاً من الكبار نستوحي الحكمة
ولكن لانشـعر بقيمتها إلا بعد مرور الوقت
وحينها نحتاج لوجودهم بشــدة ....
حكاية بالغة المعاني نسجها قلمك بصدق ...
شكراً لك يا ألهام المشــاعر ❤
الهام حسنى ابراهيم
فعلاً من الكبار نستوحي الحكمة ولكن لانشـعر بقيمتها إلا بعد مرور الوقت وحينها نحتاج لوجودهم بشــدة .... حكاية بالغة المعاني نسجها قلمك بصدق ... شكراً لك يا ألهام المشــاعر ❤
فعلاً من الكبار نستوحي الحكمة ولكن لانشـعر بقيمتها إلا بعد مرور الوقت وحينها نحتاج لوجودهم...
عزيزتى " المحامية نون " سعيدة جداااً برأيك بالمقال وأسعدنى كثيرااااً متابعتك شكرااً جزيلااااااً وأتمنى أن ينال إعجابك كتاباتى القادمة بإذن الله ..
حنين المصرى
حنين المصرى
وما أجمل حكايات الجد واروعها!
وحكمتها وبلاغتها!
ذكرتني بجدي رحمه الله
كان شيخا جليلا بالغ الحكمة كبير العلم له من المهابة ما يفرض حبه على الكبير والصغير
لم أمل من حكاياته ابدا وتعلمت منها الكثير والكثير
اختى الهام
كلماتك بها من الحكمة والتمكن ما يثير الإعجاب
سرد جميل متناسق
أحرف لها رسالة تبلغها في النهاية
بأسلوب جذاب
سلمت يداك على طرحك المتميز
ولا زلنا ننتظر تمييزك لواحتنا الأدبية بما هو حصري لها
ودمت بود وحب دائمين غاليتي
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
مرحباً بإلهام القلم :
صورك الاجتماعية المطروحة ذات أبعاد ..
فهي .. معبّرة .. وهادفة ..
وحروفك أليفة .. قريبة من القلوب ..
واستعمالك للعصا .. والمروحة كرموز حية شيء جميل
أحسنت ِ ..!
ومما لاشك فيه أن أطروحاتك نالت الإعجاب من القرّاء
في الموقع الذي تنشرين فيه ..
حواء الرائعة ترحب قصصك التي تهديها لها قبل غيرها
وتهديك تقديرها..
وفقك المولى .
°•🍃مشاعل الخير 🍃•°
بارك الله في قلمك ...
استمتعت بقراءة القصة وطافت بي الذكريات...