فاتته صلاة الفجر .... أنظر كيف عاقب نفسه...
يقول كاتبالقصة
أي شخص كان قد رآني متسلقاًسور المقبرةفي هذه الساعة من الليل، كان سيقول: أكيد مجنون، أو أن لديه مصيبة. والحق أن لديَّمصيبة، كانت البداية عندما قرأت عن سفيان الثوري - رحمه الله: أنه كان لديه قبراًفي منـزله يرقد فيه وإذا ما رقد فيه نادى(رب ارجعون .. رب ارجعون )
ثم يقوم منتفضاًويقول : ها أنت قد رجعت فماذا أنت فاعل؟
حدث أن فاتتني صلاةالفجر، وهي صلاة من كان يحافظ عليها، ثم فاتـته فسيحس بضيقة شديدة طوالاليوم
عند ذلك.
تكررمعي نفس الأمر في اليوم الثاني، فقلت لابد وأن في الأمر شيء، ثم تكررت للمرةالثالثة على التوالي؛ هنا كان لابد من الوقوف مع النفس وقفة حازمة لتأديبها حتى لاتركن لمثل هذه الأمور فتروح بي إلى النارقررت أنأدخل القبر حتى أؤدبها
ولابد أن ترتدع وأن تعلم أن هذا هو منـزلها ومسكنها إلى ما يشاء الله. وكل يوم أقول لنفسي دع هذا الأمر غداً وجلست أسوف في هذا الأمر حتى فاتـتني صلاةالفجر مرة أخرى.
حينها قلت: كفى . وأقسمت أن يكون الأمر هذه الليلة.
ذهبت بعد منتصف الليل،حتى لا يراني أحد، وتفكرت: هل أدخل من الباب ؟ حينها سأوقظ حارس المقبرة! أو لعلهغير موجود! أم أتسور السور ؟
إن أوقظته لعلهيقول لي تعال في الغد، أو حتى يمنعني ، وحينها يضيع قسمي، فقررت أن أتسور السور ..
رفعت ثوبي وتلثمت بشماغي واستعنت باللهوصعدت، برغم أنني دخلت هذه المقبرة كثيراً كمشيع، إلا أنني أحسست أنني أراها لأولمرة.
ورغم أنها كانت ليلةمقمرة، إلا أنني أكاد أقسم أنني ما رأيت أشد منها سواداً تلك الليلة، كانت ظلمةحالكة، سكون رهيب.
هذا هو صمت القبور بحق،تأملتها كثيراً من أعلى السور، واستـنشقت هوائها، نعم إنهارائحة القبور، أميزها عن ألفرائحة،رائحة الحنوط،رائحة بها طعم الموتالصافي.
وجلست أتفكر للحظات مرتكالسنين ..
إيه أيتها القبور، ما أشد صمتكوما أشد ما تخفينه، ضحك ونعيم، وصراخ وعذاب أليم، ماذا سيقول لي أهلك لو حدثتهم؟
لعلهمسيقولون قولة الحبيب صلى الله عليه وسلم(الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)
قررت أن أهبط حتى لا يراني أحدفي هذه الحالة، فلو رآني أحد فإما سيقول أنني مجنون وإما أن يقول لديه مصيبة، وأيمصيبة بعد ضياع صلاة الفجر عدة مرات.
هبطت داخل المقبرة،وأحسست حينها برجفة في القلب، والتصقت بالجدار ولا أدري لأحتمي من ماذا؟
عللت ذلكلنفسي بأنه خشية من المرور فوق القبور وانتهاكها، أنا لست جباناً، لكنني شعرتبالخوف حقا !
نظرت إلى الناحية الشرقية والتيبها القبور المفتوحة والتي تنتظر ساكنيها. إنها أشد بقع المقبرة سواداً ، وكأنهاتناديني، مشتاقة إليَّ : متى ستكون فيَّ؟
أمشي محاذراً بين القبور، وكلما تجاوزتقبراً تساءلتأشقي أم سعيد؟شقي بسبب ماذا؟أضيّع الصلاة ؟أم كان من أهلالغناء والطرب؟أم كان من أهل الزنى؟
لعل من تجاوزت قبره الآن كان يظن أنه أشدأهل الأرض قوة، وأن شبابه لن يفنى؟ وأنه لن يموت كمن مات قبله؟
: أم أنه كان يقول
ما زال في العمر بقية،
سبحان منقهر الخلق بالموت
أبصرت الممر، حتىإذا وصلت إليه، ووضعت قدمي عليه، أسرعت نبضات قلبي فالقبور يميني ويساري، وأنا ارفعنظري إلى الناحية الشرقية، ثم بدأت أولى خطواتي، بدت وكأنها دهر، أين سرعة قدمي؟ما أثقلهما الآن، تمنيت أن تطول المسافة ولا تنتهي ابداً، لأنني أعلم ما ينتظرنيهناك.
اعلم، فقد رأيت القبركثيرا، ولكن هذه المرة مختلفة تماماً أفكار عجيبة، أكاد أسمع همهمة خلف أذني، نعم،أسمع همهمة جليّة، وكأن شخصاً يتنفس خلف أذني، خفت أن أنظر خلفي، خفت أن أرىأشخاصاً يلوحون إليّ من بعيد، خيالات سوداء تعجب من القادم في هذا الوقت، بالتأكيدأنها وسوسة من الشيطان، لا يهمني شيء طالما أنني قد صليت العشاء فيجماعه.
أخيراً، أبصرت القبور المفتوحة، أقسمللمرة الثانية أنني ما رأيت أشد منها سواداً، كيف أتتني الجرأة حتى أصل بخطواتيإلى هنا ؟ بل كيف سأنزل في هذا القبر ؟ وأي شئ ينتظرني في الأسفل ؟ فكرتبالإكتفاء بالوقوف و أن أصوم ثلاثة أيام تكفيراً لقسمي .
ولكن لا
لن أصل إلى هنا ثم أقف،يجب أن أكمل، ولكن لن أنزل إلى القبر مباشرة، بل سأجلس خارجه قليلاً حتى تأنسنفسي.
ما أشد ظلمته، وما أشد ضيقه، كيف لهذهالحفرة الصغيرة أن تكون حفرة من حفر النار أو روضة من رياضالجنة؟
سبحان الله
يبدو أن الجو قد إزداد برودة، أم هي قشعريرة في جسدي من هذاالمنظر؟ هل هذا صوت الريح ؟ ليس ريحاً، لا أرى ذرة غبار في الهواء، هل هي وسوسةأخرى؟
استعذت بالله من الشيطان الرجيم، ثمأنزلت الشماغ ووضعته على الأرض ثم جلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري أتأمل هذا المشهدالعجيب،إنه المكان الذي لا مفر منهأبداً،سبحان الله،نسعى لكي نحصل على كل شيء، وهذه هيالنهاية: لاشئ .
كم تنازعنا فيالدنيا، اغتبنا، تركنا الصلاة، آثرنا الغناء على القرآن، والكارثة أننا نعلم أن هذامصيرنا، وقد حذّرنا الله منه ورغم ذلك نتجاهل.
أشحت بوجهي ناحية القبور وناديتهم بصوت خافت،وكأني خفت أن يرد عليّ أحدهم: يا أهل القبور ، مالكم ؟ أين أصواتكم ؟أين أبناؤكم عنكم اليوم ؟ أين أموالكم؟ أين وأين؟ كيف هو الحساب ؟ أخبروني عنضمة القبر، أتكسر الأضلاع ؟ أخبروني عن منكر و نكير، أخبروني عن حالكم مع الدود
سبحان الله، نستاء إذا قدم لنا أهلنا طعامبارد أو لا يوافق شهيتنا، واليوم .. نحن الطعام، لابد من النزول إلىالقبر .
قمت وتوكلت على الله، ونزلت برجلياليمين، وافترشت شماغي، ووضعت رأسي وأنا أفكر، ماذا لو انهال عليَّ التراب فجأة ؟ماذا لو ضُم القبر عليَّ مرة واحدة؟
نمت علىظهري وأغلقت عينيَّ حتى تهدأ ضربات قلبي، حتى تخف هذه الرجفة التي في الجسد، ماأشده من موقف وأنا حي . فكيف سيكون عند الموت ؟
فكرت أن أنظر إلى اللحد، هو بجانبي، والله لا أعلم شيئاً أشد منه ظلمة،ياللعجب! رغم أنه مسدود من الداخل إلا أنني أشعر بتيار من الهواء البارد يأتي منه! فهل هو هواء بارد أم هي برودة الخوف ؟ خفت أن أنظر إليه فأرى عينان تلمعان فيالظلام وتنظران إليَّ بقسوة. أو أن أرى وجهاً شاحباً لرجل تكسوه علامات الموتناظراً إلى الأعلى متجاهلني تماماً، حينها قررت أن لا أنظر إلىاللحد .
ليس بي من الشجاعه أن أخاطر وأرى أياًمن هذه المناظر رغم علمي أن اللحد خالياً، ولكن تكفي هذه المخاوف حتى أمتنع تماماًعن النظر إليه .تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهويحتضر(لا إلهإلا الله .. إن للموت سكرات) تخيلتجسدي عند نزول الموت يرتجف بقوة وأنا أرفع يدي محاولاً إرجاع روحي. وتخيلت صراخأهلي عالياً من حولي : أين الطبيب؟ أين الطبيب ؟
)فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين )
تخيلت الأصحاب يحملوننيويقولون : لا إله إلا الله، تخيلتهم يمشون بي سريعاً إلى القبر، وتخيلت أحب أصدقائيإلي وهو يسارع لأن يكون أول من ينـزل إلى القبر، تخيلته يضع يديه تحت رأسي ويطالبهمبالرفق حتى لا أقع، يصرخ فيهم: جهزوا الطوب.
وتخيلت أحمد يجري ممسكاًإبريقاً من الماء يناولهم إياه بعدما حثوا عليَّ التراب، تخيلت الكل يرش الماء علىقبري، تخيلت شيخنا يصيح فيهم : ادعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل، ادعوا لأخيكم فإنهالآن يسأل .
ثم رحلوا، وتركوني فرداً وحيداً،تذكرت قول الله تعالى(ولقد جئتمونا فرادى كماخلقناكم أول مرة، وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم )نعم صدق الله، تركت زوجتي، فارقت أبنائي، تخلـيّت عن مالي، أو هو تخلىعني .تخيّلت كأن ملائكة العذاب حين رأوا النعش قادماً، ظهروا بأصوات مفزعة، وأشكالمخيفة، ينادي بعضهم بعضاً: أهو العبد العاصي؟
فيقول الآخر: نعم. فيقال: أمشيع متروك أم محمول ليس له مفر؟فيجيبه الآخر: بل محمول إلينا ليس له مفر. فينادى : هلموا إليه حتى يعلم أن اللهعزيز ذو انتقام .
رأيتهم يمسكون بكتفيويهزونني بعنف قائلين:ما غرك بربك الكريم ؟ ما غركبربك الكريم حتى تنام عن الفريضة .. ما الذي خدعك حتى عصيت الواحد القهار؟ أهيالدنيا؟ أما كنت تعلم أنها دار فناء؟ وقد فنيت! أهي الشهوات؟ أما تعلم أنها إلىزوال؟ وقد زالت! أم هو الشيطان؟ أما علمت أنه لك عدو مبين؟ أمثلك يعصى الجبار،والرعد يسبح بحمده والملائكة من خيفته، لا نجاة لك منَّا اليوم، اصرخ ليس لصراخكمجيب
فجلست اصرخ رب ارجعون، رب ارجعون. وكأنيبصوت يهز القبر والفضاء، يملأني يئساً يقول : (كلاّ إنها كلمة هو قائلهاومن ورائهمبرزخ
إلى يوم يبعثون )
بكيت ماشاء الله أن أبكي،ثم قلت: الحمدلله رب العالمين،مازال هناك وقتللتوبة،استغفر الله العظيم وأتوب إليه ثم قمتمكسوراً، وقد عرفت قدري، وبان لي ضعفي، أخذت شماغي وأزلت عنه ما بقى من تراب القبر، وعدت وأنا أردد قول جبريل للحبيب صلى الله عليه وسلم :
عش ما شئت فإنك ميت ، و أحبب من شئت فإنك مفارقه، و اعمل ما شئت فإنكمجزي به
...
يقول كاتبالقصة
أي شخص كان قد رآني متسلقاًسور المقبرةفي هذه الساعة من الليل، كان سيقول: أكيد مجنون، أو أن لديه مصيبة. والحق أن لديَّمصيبة، كانت البداية عندما قرأت عن سفيان الثوري - رحمه الله: أنه كان لديه قبراًفي منـزله يرقد فيه وإذا ما رقد فيه نادى(رب ارجعون .. رب ارجعون )
ثم يقوم منتفضاًويقول : ها أنت قد رجعت فماذا أنت فاعل؟
حدث أن فاتتني صلاةالفجر، وهي صلاة من كان يحافظ عليها، ثم فاتـته فسيحس بضيقة شديدة طوالاليوم
عند ذلك.
تكررمعي نفس الأمر في اليوم الثاني، فقلت لابد وأن في الأمر شيء، ثم تكررت للمرةالثالثة على التوالي؛ هنا كان لابد من الوقوف مع النفس وقفة حازمة لتأديبها حتى لاتركن لمثل هذه الأمور فتروح بي إلى النارقررت أنأدخل القبر حتى أؤدبها
ولابد أن ترتدع وأن تعلم أن هذا هو منـزلها ومسكنها إلى ما يشاء الله. وكل يوم أقول لنفسي دع هذا الأمر غداً وجلست أسوف في هذا الأمر حتى فاتـتني صلاةالفجر مرة أخرى.
حينها قلت: كفى . وأقسمت أن يكون الأمر هذه الليلة.
ذهبت بعد منتصف الليل،حتى لا يراني أحد، وتفكرت: هل أدخل من الباب ؟ حينها سأوقظ حارس المقبرة! أو لعلهغير موجود! أم أتسور السور ؟
إن أوقظته لعلهيقول لي تعال في الغد، أو حتى يمنعني ، وحينها يضيع قسمي، فقررت أن أتسور السور ..
رفعت ثوبي وتلثمت بشماغي واستعنت باللهوصعدت، برغم أنني دخلت هذه المقبرة كثيراً كمشيع، إلا أنني أحسست أنني أراها لأولمرة.
ورغم أنها كانت ليلةمقمرة، إلا أنني أكاد أقسم أنني ما رأيت أشد منها سواداً تلك الليلة، كانت ظلمةحالكة، سكون رهيب.
هذا هو صمت القبور بحق،تأملتها كثيراً من أعلى السور، واستـنشقت هوائها، نعم إنهارائحة القبور، أميزها عن ألفرائحة،رائحة الحنوط،رائحة بها طعم الموتالصافي.
وجلست أتفكر للحظات مرتكالسنين ..
إيه أيتها القبور، ما أشد صمتكوما أشد ما تخفينه، ضحك ونعيم، وصراخ وعذاب أليم، ماذا سيقول لي أهلك لو حدثتهم؟
لعلهمسيقولون قولة الحبيب صلى الله عليه وسلم(الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)
قررت أن أهبط حتى لا يراني أحدفي هذه الحالة، فلو رآني أحد فإما سيقول أنني مجنون وإما أن يقول لديه مصيبة، وأيمصيبة بعد ضياع صلاة الفجر عدة مرات.
هبطت داخل المقبرة،وأحسست حينها برجفة في القلب، والتصقت بالجدار ولا أدري لأحتمي من ماذا؟
عللت ذلكلنفسي بأنه خشية من المرور فوق القبور وانتهاكها، أنا لست جباناً، لكنني شعرتبالخوف حقا !
نظرت إلى الناحية الشرقية والتيبها القبور المفتوحة والتي تنتظر ساكنيها. إنها أشد بقع المقبرة سواداً ، وكأنهاتناديني، مشتاقة إليَّ : متى ستكون فيَّ؟
أمشي محاذراً بين القبور، وكلما تجاوزتقبراً تساءلتأشقي أم سعيد؟شقي بسبب ماذا؟أضيّع الصلاة ؟أم كان من أهلالغناء والطرب؟أم كان من أهل الزنى؟
لعل من تجاوزت قبره الآن كان يظن أنه أشدأهل الأرض قوة، وأن شبابه لن يفنى؟ وأنه لن يموت كمن مات قبله؟
: أم أنه كان يقول
ما زال في العمر بقية،
سبحان منقهر الخلق بالموت
أبصرت الممر، حتىإذا وصلت إليه، ووضعت قدمي عليه، أسرعت نبضات قلبي فالقبور يميني ويساري، وأنا ارفعنظري إلى الناحية الشرقية، ثم بدأت أولى خطواتي، بدت وكأنها دهر، أين سرعة قدمي؟ما أثقلهما الآن، تمنيت أن تطول المسافة ولا تنتهي ابداً، لأنني أعلم ما ينتظرنيهناك.
اعلم، فقد رأيت القبركثيرا، ولكن هذه المرة مختلفة تماماً أفكار عجيبة، أكاد أسمع همهمة خلف أذني، نعم،أسمع همهمة جليّة، وكأن شخصاً يتنفس خلف أذني، خفت أن أنظر خلفي، خفت أن أرىأشخاصاً يلوحون إليّ من بعيد، خيالات سوداء تعجب من القادم في هذا الوقت، بالتأكيدأنها وسوسة من الشيطان، لا يهمني شيء طالما أنني قد صليت العشاء فيجماعه.
أخيراً، أبصرت القبور المفتوحة، أقسمللمرة الثانية أنني ما رأيت أشد منها سواداً، كيف أتتني الجرأة حتى أصل بخطواتيإلى هنا ؟ بل كيف سأنزل في هذا القبر ؟ وأي شئ ينتظرني في الأسفل ؟ فكرتبالإكتفاء بالوقوف و أن أصوم ثلاثة أيام تكفيراً لقسمي .
ولكن لا
لن أصل إلى هنا ثم أقف،يجب أن أكمل، ولكن لن أنزل إلى القبر مباشرة، بل سأجلس خارجه قليلاً حتى تأنسنفسي.
ما أشد ظلمته، وما أشد ضيقه، كيف لهذهالحفرة الصغيرة أن تكون حفرة من حفر النار أو روضة من رياضالجنة؟
سبحان الله
يبدو أن الجو قد إزداد برودة، أم هي قشعريرة في جسدي من هذاالمنظر؟ هل هذا صوت الريح ؟ ليس ريحاً، لا أرى ذرة غبار في الهواء، هل هي وسوسةأخرى؟
استعذت بالله من الشيطان الرجيم، ثمأنزلت الشماغ ووضعته على الأرض ثم جلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري أتأمل هذا المشهدالعجيب،إنه المكان الذي لا مفر منهأبداً،سبحان الله،نسعى لكي نحصل على كل شيء، وهذه هيالنهاية: لاشئ .
كم تنازعنا فيالدنيا، اغتبنا، تركنا الصلاة، آثرنا الغناء على القرآن، والكارثة أننا نعلم أن هذامصيرنا، وقد حذّرنا الله منه ورغم ذلك نتجاهل.
أشحت بوجهي ناحية القبور وناديتهم بصوت خافت،وكأني خفت أن يرد عليّ أحدهم: يا أهل القبور ، مالكم ؟ أين أصواتكم ؟أين أبناؤكم عنكم اليوم ؟ أين أموالكم؟ أين وأين؟ كيف هو الحساب ؟ أخبروني عنضمة القبر، أتكسر الأضلاع ؟ أخبروني عن منكر و نكير، أخبروني عن حالكم مع الدود
سبحان الله، نستاء إذا قدم لنا أهلنا طعامبارد أو لا يوافق شهيتنا، واليوم .. نحن الطعام، لابد من النزول إلىالقبر .
قمت وتوكلت على الله، ونزلت برجلياليمين، وافترشت شماغي، ووضعت رأسي وأنا أفكر، ماذا لو انهال عليَّ التراب فجأة ؟ماذا لو ضُم القبر عليَّ مرة واحدة؟
نمت علىظهري وأغلقت عينيَّ حتى تهدأ ضربات قلبي، حتى تخف هذه الرجفة التي في الجسد، ماأشده من موقف وأنا حي . فكيف سيكون عند الموت ؟
فكرت أن أنظر إلى اللحد، هو بجانبي، والله لا أعلم شيئاً أشد منه ظلمة،ياللعجب! رغم أنه مسدود من الداخل إلا أنني أشعر بتيار من الهواء البارد يأتي منه! فهل هو هواء بارد أم هي برودة الخوف ؟ خفت أن أنظر إليه فأرى عينان تلمعان فيالظلام وتنظران إليَّ بقسوة. أو أن أرى وجهاً شاحباً لرجل تكسوه علامات الموتناظراً إلى الأعلى متجاهلني تماماً، حينها قررت أن لا أنظر إلىاللحد .
ليس بي من الشجاعه أن أخاطر وأرى أياًمن هذه المناظر رغم علمي أن اللحد خالياً، ولكن تكفي هذه المخاوف حتى أمتنع تماماًعن النظر إليه .تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهويحتضر(لا إلهإلا الله .. إن للموت سكرات) تخيلتجسدي عند نزول الموت يرتجف بقوة وأنا أرفع يدي محاولاً إرجاع روحي. وتخيلت صراخأهلي عالياً من حولي : أين الطبيب؟ أين الطبيب ؟
)فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين )
تخيلت الأصحاب يحملوننيويقولون : لا إله إلا الله، تخيلتهم يمشون بي سريعاً إلى القبر، وتخيلت أحب أصدقائيإلي وهو يسارع لأن يكون أول من ينـزل إلى القبر، تخيلته يضع يديه تحت رأسي ويطالبهمبالرفق حتى لا أقع، يصرخ فيهم: جهزوا الطوب.
وتخيلت أحمد يجري ممسكاًإبريقاً من الماء يناولهم إياه بعدما حثوا عليَّ التراب، تخيلت الكل يرش الماء علىقبري، تخيلت شيخنا يصيح فيهم : ادعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل، ادعوا لأخيكم فإنهالآن يسأل .
ثم رحلوا، وتركوني فرداً وحيداً،تذكرت قول الله تعالى(ولقد جئتمونا فرادى كماخلقناكم أول مرة، وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم )نعم صدق الله، تركت زوجتي، فارقت أبنائي، تخلـيّت عن مالي، أو هو تخلىعني .تخيّلت كأن ملائكة العذاب حين رأوا النعش قادماً، ظهروا بأصوات مفزعة، وأشكالمخيفة، ينادي بعضهم بعضاً: أهو العبد العاصي؟
فيقول الآخر: نعم. فيقال: أمشيع متروك أم محمول ليس له مفر؟فيجيبه الآخر: بل محمول إلينا ليس له مفر. فينادى : هلموا إليه حتى يعلم أن اللهعزيز ذو انتقام .
رأيتهم يمسكون بكتفيويهزونني بعنف قائلين:ما غرك بربك الكريم ؟ ما غركبربك الكريم حتى تنام عن الفريضة .. ما الذي خدعك حتى عصيت الواحد القهار؟ أهيالدنيا؟ أما كنت تعلم أنها دار فناء؟ وقد فنيت! أهي الشهوات؟ أما تعلم أنها إلىزوال؟ وقد زالت! أم هو الشيطان؟ أما علمت أنه لك عدو مبين؟ أمثلك يعصى الجبار،والرعد يسبح بحمده والملائكة من خيفته، لا نجاة لك منَّا اليوم، اصرخ ليس لصراخكمجيب
فجلست اصرخ رب ارجعون، رب ارجعون. وكأنيبصوت يهز القبر والفضاء، يملأني يئساً يقول : (كلاّ إنها كلمة هو قائلهاومن ورائهمبرزخ
إلى يوم يبعثون )
بكيت ماشاء الله أن أبكي،ثم قلت: الحمدلله رب العالمين،مازال هناك وقتللتوبة،استغفر الله العظيم وأتوب إليه ثم قمتمكسوراً، وقد عرفت قدري، وبان لي ضعفي، أخذت شماغي وأزلت عنه ما بقى من تراب القبر، وعدت وأنا أردد قول جبريل للحبيب صلى الله عليه وسلم :
عش ما شئت فإنك ميت ، و أحبب من شئت فإنك مفارقه، و اعمل ما شئت فإنكمجزي به
:26::26::26::26:

بشاير الخير*** @bshayr_alkhyr_6
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

مرة عبدالرحمن
•
جزااك ربي الجنه

جزاك الله خير حبيبتي انتي ناسختها مرتين امسحي الجزء الثاني علشان البنات مايثاقلون قرأتها

الصفحة الأخيرة