بسم الله الرحمن الرحيم
س210 : بارك الله فيك يا شيخ : متى تكون النصيحة سرية ومتى تكون جهرية .. أفيدونا مأجورين ؟
ج210 : أعجبني بيتُ شعر قال فيه المتنبي :
ووضع الندى في موضعِ السيف بالعلى
مضرٌ كوضع السيفِ في موضعِ الندى
بمعنى استعمال الشدة في الموضع الذي لا يناسبه سوى اللين مضرٌ كما هو مضر استعمال اللين في موضع الشدة ، فللشدة ما يناسبها وللين ما يناسبه وإلا كانت النصيحة غير مجدية .
وكثيراً ما نرى بعض الناس إذا نصح جهر بنصيحته بنية إنكار المنكر مع أن واقع الأمر يحتاج إلى الإسرار بالنظر إلى فقه الحال ، فتنقلب نصيحته سلباً لا إيجاباً وبعضهم قد يفرط ويجعل نصيحته كلها سراً وهذا خطأ آخر .
إذاً : لابد للمسلم الناصح أن يتفطن لفقه الدعوة وأن يتتبع سيرة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ليعرف متى تكون النصيحة جهراً ومتى تكون سراً .
وعلى العموم السرية في النصيحة أنفع في مواضع عدة :
مثلاً رأيت رجلاً يشرب الخمر أو لا يصلي فعليك أن تتحسس أخبار هذا الشخص ما مقدار فجوره وما هو واقعه وأخلاقه بين الناس ، وتحاول أن تزوره في الله ، وإذا وجدت مجالاً للشفاعة شفعت له وإذا كانت لديك هدية بعد أن تتعرف عليه أهديتها له ثم تتلطف حتى تتقرب إليه بالأخلاق الحسنة ثم باشره بالصيحة باللغة والطريقة التي يفهمها ، وعليك أن تذكر له فضل الله عز وجل وما أعده للصالحين وتقول له : كل ابن آدم خطاء ، ولكن ينبغي تصحيح هذه الأخطاء بمنظور شرعي .
فإذا تدرجت معه وأحسنت إليه في المعاملة استملكت قلبه وسيأخذ بنصيحتك إن شاء الله ولو من باب الاستحياء ، وقد جاء في تاريخ الأندلس أن الدين أول ما وصلهم ودخلوا فيه كان بسبب أخلاق التجار المسلمين وحسن معاملتهم مع النصارى فلما حسنت الأخلاق قال النصارى في بلاد الأندلس هذا وهو الدين الحق فدخلوا في دين الله أفواجاً .
لذا لا بد للناصح أن يتفطن لأمور عدة :
الأول : اختيار الجو المناسب للنصيحة فلا ينصح رجلاً مشغول الفكر والبال لأن مثله لا يتقبل .
لذا أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال : حَدِّث الناسَ كل جمعة مرة ، فإن أبيت فمرتين ، فإن أكثرت فثلاث مرار ، ولا تمل الناس هذا القرآن ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملهم ، ولكن أنصت ، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب .
الثاني : حسن المخاطبة .
ومن هنا جاء الخطاب الإلهي الذي يعلمنا حسن الخطاب والمخاطبة فقال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام : " قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا"
يا سبحان الله كلمات موجزات بأسلوب بياني بديع هذه هي دعوة الإسلام كلمات تجعل المنصوح يفكر فيها لأنها صدرت من ناصح مشفق أدرك واقع المنصوح وزمان نصيحته بأسلوب مؤدب ورصين حتى دخل في قلب المنصوح – الله أكبر .
في خاطري تدور قصة مناسبة أرى أن من المصلحة أن أسوقها بطولها لنأخذ الأسلوب الحسن في النصيحة:
ذكر الطبري في" تاريخه" وابن هشام في "السيرة" : أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر .
وكان سعد بن معاذ بن النعمان ابن خالة أسعد فدخل به حائطاً من حوائط بني ظفر على بئر يقال لها: بئر مرق فجلسا في الحائط ، واجتمع إليهما رجال ممن أسلم ، وسعد بن معاذ ، و أسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل وكلاهما مشرك على دين قومه .
فلما سمعا به قال : سعد بن معاذ لأسيد بن حضير لا أبالك انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما و انههما أن يأتيا دارنا فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما .
فلما رآه أسعد بن زرارة .
قال: لمصعب هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه .
قال مصعب : إن يجلس أكلمه .
قال : فوقف عليهما مُتَشَتِّمَاً .
فقال : ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلانا إن كانت لكما في أنفسكما حاجة .
فقال له مصعب : أو تجلس فتسمع ، فإن رضيت أمراً قبلته ، وإن كرهته كف عنك ما تكره .
قال : أنصفت ثم ركز حربته ، وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام ، وقرأ عليه القرآن .
فقالا فيما يذكر عنهما : والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله .
ثم قال : ما أحسن هذا ، وأجمله !!
كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟
قالا له : تغتسل فتطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين .
قال : فقام فاغتسل ، وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق ، ثم قام فركع ركعتين .
ثم قال لهما : إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه ، وسأرسله إليكما الآن سعد بن معاذ - أي هو سعد بن معاذ سيد الأنصار-، ثم أخذ حربته ، وانصرف إلى سعد وقومه ، وهم جلوس في ناديهم فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً .
قال : أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ، فلما وقف على النادي قال له سعد : ما فعلت ؟
قال : كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأساً ، وقد نهيتهما ، فقالا :نفعل ما أحببت .
وقد حُدِّثتُ أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك .
قال : فقام سعد مغضباً مبادراً ، تخوفاً للذي ذُكِرَ له من بني حارثة ، فأخذ الحربة من يده ، ثم قال : والله ما أراك أغنيت شيئاً ، ثم خرج إليهما .
فلما رآهما سعد مطمئنين عرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما ، فوقف عليهما مُتَشَتِّمَاً .
ثم قال لأسعد بن زرارة : يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني تغشانا في دارنا بما نكره - وقد قال أسعد : لمصعب أي مصعب جاءك والله سيد من وراءه من قومه إن يتبعك لم يخالف عليك منهم اثنان- .
فقال له مصعب : أو تقعد فتسمع ، فإن رضيت أمراً ، ورغبت فيه قبلته ، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره .
قال سعد : أنصفت ، ثم ركز الحربة ، وعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن .
قالا : فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم به في إشراقه وتسهله .
ثم قال لهما : كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين ؟
قالا : تغتسل ، فتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ركعتين .
قال : فقام فاغتسل ، وطهر ثوبيه ، وشهد شهادة الحق ،وركع ركعتين .
ثم أخذ حربته فأقبل عامداً إلى نادي قومه ، ومعه أسيد بن حضير .
قال : فلما رآه قومه مقبلاً قالوا نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم .
فلما وقف عليهم ، قال : يا بَنِي عبد الأشهل كيف تعملون ؟
قالوا : سيدنا ، وأفضلنا رأياً و أيمننا نقيبة .
قال : فإن كلام رجالكم ، ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله .
قالا : فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً ومسلمةً .
هذه هي القصة .
فانظروا حفظكم الله إلى فطنة مصعب بن عمير كيف أحسن الخطاب حتى دخل في دين الإسلام أمم كثيرة نصر الله بهم الإسلام .
إذن لا بد من ضع مكان الداء العضال دواء مناسباً فأدب المخاطب عامل مؤثر في النصيحة .
الثالث : الإيجاز في النصيحة بكلمات موجزات جامعات وهكذا كانت خطب النبي عليه الصلاة والسلام ونصائحه.
ومن إيجازه وحسن سياقه عليه الصلاة والسلام ما أخرجه الترمذي وأحمد وغيرهما من حديث العرباض بن سارية – رضي الله عنه - قال : وعظنا رسول الله عليه الصلاة والسلام موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب .
فقال قائل : يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟
فقال :" أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ".
وأخرج أحمد بإسناد لا بأس به عن بريدة – رضي الله عنه - قال : خرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم يوما فنادى ثلاث مرار ، فقال :" يا أيها الناس تدرون ما مثلي ومثلكم ؟"، قالوا : الله ورسوله أعلم .
قال :" إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا يأتيهم فبعثوا رجلاً يترايا لهم فبينما هم كذلك أبصر العدو فأقبل لينذرهم ، وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه أيها الناس أتيتم أيها الناس أتيتم ثلاث مرار ".
هنا أوجز وما أخذ في التفصيل وكثرة الكلام لأن المقام لا يناسب إلا الإيجاز هكذا بارك الله فيكم ينبغي أن تتفطنوا لمثل ذلك .
وضد الإيجاز الإطالة التي يمل منها الناس ، وهي غير مستأنسة ولا مألوفة للنفوس .
وقد أخرج البيهقي في المدخل إلى السنن عن ابن أبي مليكة أن عبيد بن عمير دخل على عائشة رضي الله عنها فقالت : من هذا ؟ فقالوا : عبيد بن عمير .
فقالت : عمير بن قتادة ؟ قالوا : نعم .
قالت : ألم أحدث أنك تجلس ويجلس إليك ؟
قال : بلى يا أم المؤمنين .
قالت : فإياك وإملال الناس و تقنيطهم .
وكذا أخرج رحمه الله عن عاصم الأحول قال قال عبد الله : حدث القوم إذا أقبلت عليك قلوبهم ، فإذا انصرفت عنك فلا تحدثهم .
فقال له : وما علامة ذلك ؟ ، قال : إذا أحدقوا إليك أبصارهم فقد أقبلت عليك قلوبهم ، فإذا اتكأ بعضهم على بعض ، فقد انصرفت عنك قلوبهم فلا تحدثهم .
الرابع : أن يتلطف الناصح في عباراته وإليكم هذين المثالين من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام :
أخرج الشيخان عن أنس بن مالك– رضي الله عنه - قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد .
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه مه .
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تزرموه ، دعوه" فتركوه حتى بال .
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له :" إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه .
وأخرج مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي – رضي الله عنه - قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم .
فقلت : يرحمك الله . فرماني القوم بأبصارهم .
فقلت : وا ثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي ؟ ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فعرفت أنهم يصمتوني .
فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت .
قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي ما ضربني ولا كهرني ولا سبني ولكن قال :" إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ".
هكذا يعلمنا النبي عليه الصلاة والسلام في أن نتلطف مع العامة وأن نحسن توجيه النصيحة حتى تكون مقبولة لدى الغير .
الخامس : أن يدلل على كلامه من الكتاب والسنة ، وهذا يعني أنه ينبغي للمتكلم أن يتكلم بعلم حتى تكون نصيحته سليمة وهذا ما سلكه نبينا عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام قال تعالى : " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ"
فهذه أمور خمسة مهمة للداعية الذي يريد أن ينصح غيره بنصيحة مسددة صحيحة .
فلا بد من الأخذ بهذه الأمور في النصيحة السرية ، فتقديم النصيحة في السر مطلوب في المواضع التي تناسب وكذا النصيحة الجهرية في المواضع التي تناسب .
لكن أقول : هنالك مسائل يجدر بالأمة الإسلامية وأبنائها أن يتعرفوا عليها وذلك لأهميتها في هذا الباب :
الأولى : أن نصيحة السر أزين وأوقع ونصيحة الجهر أهتك وأعير في غالب المواضع .
لذا جاء عن الشافعي رحمه الله أنه قال : من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه ومن وعظ أخاه علانية فقد فضحه وشانه .
وأنشد يوماً فقال :
تَعَمَّدني بِنُصحكَ في انفـرادٍ
وجَنبني النصيحةَ في الجماعةْ
فإنَّ النصحَ بين الناسِ نـوعٌ
من التوبيخِ لا أرضى استماعهْ
فإنْ خَالفتني وعصيتَ أمري
فلا تَجزعْ إذا لم تُعطَ طاعة
والنفوس مجبولة على الصفاء ولا ترغب العيب والنقائص وخصوصاً أن يشهرها الخلق على الملأ بقصد النصيحة لأنها صارت في حق المنصوح حينئذٍ فضيحة مشهورة يتناقلها القاصي والداني .
والأسلم و الأحكم أن يختلي المسلم بأخيه ويحسن أسلوب الأدب معه وينبهه على العيب أو يرشده بما هو أولى وأجدر به شرعاً بأسلوب مقبول سائغ التداول، حتى يتم المقصود الذي لأجله قام دافع النصح.
قال تعالى : "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ " ].
قال ابن قيم الجوزية في" الروح "ص232 : ولذلك على الداعية عند النصح أن يحسن إلى المنصوح ، فيتلطف في بذلها غاية التلطف ،ويحتمل أذى المنصوح و لئامته ويعامله معاملة الطبيب المشفق على المريض المشبع مرضاً .
وهو يحتمل سوء خلقه وشراسته ونفرته ويتلطف في وصول الدواء إليه بكل ممكن فذا شأن الناصح .أ.هـ
الثانية : أن الكلام في المبتدعة ونشره بين الملأ جهراً يعتبر من النصيحة لعامة الناس بل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وذلك لثلاثة أمور :
الأول : أن المبتدعة غيروا وبدلوا وخرجوا عن منهج السلف الصالح الذي ارتضاه لنا الشرع فكان لزاماً على أئمة الدين أعلام الهدى ومصابيح الدجى أن ينصحوا عامة الناس ويحذروهم من الوقوع فيما وقع فيه المبتدعة بتعريف حالهم وبيان ضلالهم للابتعاد عنهم وترك مجالستهم 0
حتى لا يصيبوا غيرهم من عامة الناس بداء الابتداع و الانحرافات الشرعية .
قال ابن تيمية في الفتاوى 28/235: وليس هذا الباب مخالفاً لقوله عليه الصلاة والسلام :" الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ".
فإن الأخ هو المؤمن، والأخ المؤمن إن كان صادقا في إيمانه لم يكره ما قلته من الحق الذي يحبه الله ورسوله وإن كان فيه شهادة عليه وعلى ذويه أ . هـ
وقال الإمام أحمد كما في الإبانة 2/475 : أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأمنهم .أ.هـ
فالمبتدع من أهل الشر .
ومن كان كذلك لزم الناس اتقاء شره .
وفي الحديث : أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه؛
قال :" بئس أخو العشيرة و بئس ابن العشيرة ".
فلما جلس تطلَّق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه ،فلما انطلق الرجل ،قالت له عائشة : يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا عائشة متى عهدتني فحَّاشاً؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره ".
الثاني : أنه يغلب على المبتدعة نصرة ضلالهم وتقويته ولو بالكذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام .
فهؤلاء المتصوفة الأحناف المنتشرون ببلاد المشرق نصروا مذهبهم بطرق شتى غير مشروعة، حتى كذب بعضهم على رسول الله عليه الصلاة والسلام لنصرة مذهبه .
ومن ذلك ما افتراه الكذاب الأشر مأمون بن أحمد الهروي الحنفي على رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: يكون في أمتي رجل يقال له : محمد بن إدريس يكون أضر على أمتي من إبليس، ويأتي آخر الزمان رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي .
فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟.
قيل ليحيى بن سعيد القطان : أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خُصماؤك عند الله تعالى ؟
قال : لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول : لِمَ حدثت عني حديثاً ترى أنه كَذِب .
الثالث : أن أفعالهم المخالفة للمنهج السلفي توحي بلسان الحال أن الدين ناقص وأنهم استحسنوا أموراً أرادوا بها إتمامه وهذا منافٍ لقوله تعالى : "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً "
ونحوها من الأدلة فكان لزاماً على أئمة الدين أن يحذروا المجتمعات الإسلامية من الجلوس مع المبتدعة الذين حاولوا طمس معالم الدين ومحاسنه والعبث بتراثه النبوي الشريف .
المسألة الثالثة : ليس من النصيحة أن يتولى الناشئة التشهير بمثالب وزلات أئمة الملة الحنفية السمحة بحجة أن كبار العلماء وقعوا فيما يخالف الشرع .
ويغلب على أمثال هؤلاء الناشئة أنهم لم يرتضوا طريقة علماء أهل السنة والأثر لضعف إيمانهم وقلة بصائرهم أو لكونهم ارتضوا فكرةً استأنست بها نفوسهم وشغفت بها قلوبهم فاعتقدوا صحتها لأنها صادفت ذهناً خالياً وقلباً صافياً فَعَلِقَتْ به حتى حملهم واقعهم على رد ما خالف ما هم عليه وإن كان حقاً كما قال القديم:
عرفتُ هواها قُبلَ أنْ أَعرفَ الهوى فصادفَ قَلْباً خالياً فَتَمَكَّنــا
ومتى استحكم صغار القوم بألفاظهم القبيحة على كبارهم من أهل العلم والفضل وسعوا في تضليلهم وتحذير الناس منهم ؛ظهرت المفاسد وعمت البلوى التي يجمهر شررها في أوساط أبناء الأمة الإسلامية وحينها يُطعنُ في الشهود أئمة الدين ليكون سُبْلَةً للطعن في الدين وهذه طريقة المبتدعة وأهل الأهواء لتتأخر الأمة الإسلامية ردحاً من الزمن عن تحقيق وحدة صفها ونصرة دينها الإسلامي الحنيف ولإبعاد المسلمين عن علماءهم حفظة الشريعة .
والأصل : متى تبين للأمة الإسلامية الرجل العالم العامل السلفي الذي ينصر مذهب السلف ويَذُبُ عنه ويحارب أهل البدع والأهواء لزم عامة الناس ألا ينتقصوه لزلةٍ زلها أو غلط وقع فيه أو قول تأوله طالما ظاهره الحق والمدافعة عنه.
قال الخطيب البغدادي في "الكفاية "ص79 : ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل غير الأنبياء إلا وفيه عيب ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه فمتى كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله أ. هـ
وقال السخاوي في" فتح المغيث ": وكذا يتجنب التعرض للوقائع المنقصة الصادرة في شيبوبية من صيره الله تعالى بعد ذلك مقتدي به فمن ذا سلم و الاعتبار بحاله الآن أ . هـ.
ويستثنى من ذلك أننا لا نوافق من وقع في زلةٍ أو خطأ أو بدعة مهما بلغ علمه حتى وإن كان من أجل علماءنا إلا أننا نناصحه بالحسنى على علم وبصيرة ملتزمين الأدب ، معترفين بالتقصير أمام من علا فضله وشرف قدره .
قال الإمام الذهبي رحمه الله " في سِير أعلام النبلاء" 5/279 : إن الكبير من أئمة العلم ، إذا كثر صوابه وعلم تحريمه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه و اتباعه يغفر له زلـله ولا نُضلله ونطرحه وننسى محاسنه .
نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك 0 أ 0 هـ
ولا يدخل في ذلك أصحاب الأهواء والبدع فإن التحذير منهم واجب بإجماع المسلمين .
وإن خلطوا بين الحسنات والسيئات فهم أعداء السنة ولا كرامة لهم ولا منزلة ولو لم يكن الأمر كذلك لما وقع الإجماع في التحذير منهم كما نقله النووي وغير واحد من أهل العلم .
إلا أنا لا نشهد لهم بنار ونرجو لهم التوبة والعفو ونحب أن يعودوا إلى رشدهم وأن يُحَكِّمُوا الكتاب والسنة في عامة أمورهم - وأظن في الجواب كفاية للسائل ، وبالله التوفيق .
منقول من منتديات المنبر الاسلاميه
http://www.menbar.net/vb/showthread...=&threadid=1061
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
:26: