(( فصل لربك وأنحر )) قول تفصيلي عن الاضحيه لابن عثيمين

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

(( فصل لربك وأنحر ))
خطبة الجمعة لفضيلة العلامة الشيخ محمد بن عثيمين- رحمة الله -


قال في خطبة الجمعة ..

ايها المسلمون فان التقرب إلى الله تعالى بذبح الاضاحي من أفضل الاعمال المقربة إلى الله قد قرن الله النحر له بالصلاة له فقال تعالى: ( فصل لربك وانحر ) وقال تعالى: ( قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) فذبح الاضاحي قربة إلى الله تعالى بنفسه يقصد بها التعبد لله قبل كل شئ ولهذا كان لها حرمات كثيرة..
أيها المسلمون ان بعض الاخوة الذين يحبون الخير يظنون ان المقصود بالاضاحي هو نفع الفقراء بلحمها ولذلك نجدهم في هذه المناسبة يبثون اوراقا يحثون الناس على أن يأخذوا منهم الاضاحي ليضحوها في افغانستان أو في غيرها من البلاد الفقيرة ولا أظن هؤلاء إلا يريدون الخير ولكنهم ارادوا الخير واجتهدوا واخطأوا في اجتهادهم والذي ينبغي للانسان الذي يريد الخير أن يجعل ارادته مبنية على قواعد الشريعة حتى لا يضل ولا يضل ان الدين الاسلامي ليس مبنيا على العاطفة وليس مبنيا على الهوى ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والارض ومن فيهن ان الدين الاسلامي مبني على قواعد عظيمة متينة وهي ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وان هذه الدعوى بل هذه الدعاية انه يحصل بها فوات مقصود كبير في الاضاحي..
لذلك فاني أنصح اخواني المسلمين الا يقبلوا هذه الدعاية والا يبعثوا بدراهمهم ليشترى بها اضاحي في افغانستان أو في غيرها بل يضحون بانفسهم في بلادهم واذا ارادوا التبرع لهذه البلاد فان باب التبرع واسع وباب التبرع مفتوح لهم أن يتبرعوا بما شاءوا اما الشعائر الدينية فانه يجب ان تكون محترمة معظمة
أيها المسلمون ان نقل الاضاحي إلى خارج البلاد يفوت به مصالح كثيرة


الاولى


أنه يفوت به إظهار شعيرة من شعائر الله وهي الاضاحي فتصبح البلاد معطلة من هذه الشعيرة في بعض البيوت وربما أدى ذلك إلى التوسع فتعطلت كثير من البيوت من هذه الشعيرة ومن المعلوم ان الاضاحي من شعائر الله وليس المقصود منها مجرد الانتفاع باللحم قال الله عز وجل( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم )
وفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الاضحية واللحم فقال من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم فقال رجل يا رسول الله نسكت قبل ان أخرج إلى الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم تلك شاة لحم وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين.. فتأمل كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم وأصاب سنة المسلمين ليتبين لك أن هذه طريقة المسلمين أن يضحوا وان الاضاحي شعيرة من شعائر الاسلام وفي هذه الاية هذا الحديث دليل واضح على أنه ليس المقصود من الاضاحي مجردالانتفاع باللحم اذ لو كان الأمر كذلك لم يكن فرق بين المذبوح قبل الصلاة وبعدها
ويدل لذلك ايضا أن الاضحية خصت بنوع معين من البهائم وهي الابل والبقر والغنم ..
وقيدت بشروط معينة..
كبلوغ السن- والسلامة من العيوب- وكونها في ايام النحر- ولو كان المقصود مجرد الانتفاع باللحم لأجزأت بكل بهيمة حلال كالدجاج والظباء ولاجزأت بالصغير من الانعام ولاجزأت بالعضو من البهيمة..

فالاضاحي أيها المسلمون لها شأن كبير في الاسلام ولهذا جعل لها حرمات فمن أراد أن يضحي...
فانه لا يأخذ من شعره- ولا من ظفره- ولا من بشرته شيئا- لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولو كان المقصود بها مجرد التصدق باللحم لم تكن لها هذه الحرمة لان الانسان اذا اراد ان يتصدق ولو بالملايين من الدراهم ولو بالملايين من الغنم والابل والبقر فانه لا يحرم عليه أن ياخذ شيئا من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته اذاً فالاضحية عبادة مقصودة بذاتها وانني أقف عند هذه النقطة لابين حكم ذلك فاذا كان الانسان يريد أن يضحي فانه لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته يعني جلده شيئا واما أهل البيت المضحى عنهم فان لهم ان يأخذوا من ذلك ما شاءوا في الحدود الشرعية ولا ينهون عن الاخذ لان النبي صلى الله عليه وسلم انما نهى من يضحي ولانه صلى الله عليه وسلم كان يضحي عنه وعن أهل بيته ولم ينقل انه كان ينهى اهل بيته أن يأخذوا شيئا من ذلك



الثانية


أعني من المصالح التي تفوت اذا نقلت الاضاحي إلى خارج البلاد مصلحة مباشرة المضحي ذبح اضحيته فان السنة أن يذبح المضحي اضحيته بنفسه تقربا إلى الله واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يذبح اضحيته بنفسه وقد قال أهل العلم اذا كان المضحي لا يحسن الذبح بنفسه فليحضر الذبح


الثالثة


من المصالح التي تفوت بنقل الاضاحي إلى خارج البلاد شعور المضحي بالتعبد لله تعالى بالذبح نفسه فان الذبح نفسه عبادة عظيمة قرنها الله عز وجل بالصلاة في قوله تعالى( فصل لربك وانحر)وفي قوله( قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) فأين التعبد للإنسان الذي أخرج أضحيته عن بلاده ولم يشهدها ولم يباشرها بنفسه اين التعبد الذي يحصل للقلب اذا كانت اضحيتك تذبح في المشرق أو في المغرب

الرابعة


من المصالح التي تفوت بنقل الاضاحي إلى خارج البلاد مصلحة ذكر المضحي اسم الله على أضحيته وقد أمر الله عز وجل بذكر اسمه عليه فقال ( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف) وقال تعالى ( ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام فالهكم اله واحد فله أسلموا ) وفي هذا دليل على أن ذبح الاضحية وذكر اسم الله عليها عبادة مقصودة بذاتها وأنها من توحيد الله وتمام الاستسلام له وربما كان هذا المقصود اعظم بكثير من مجرد انتفاع الفقير بها ومن المعلوم ان من نقلها إلى خارج البلاد لم يحصل له هذا الشعور العظيم الذي به تمام التوحيد والاستسلام لله عز وجل

الخامسة


من المصالح التي تفوت بنقل الاضاحي إلى خارج البلاد مصلحة الاكل من الاضحية فان المضحي مأمور بالاكل من أضحيته اما وجوبا واما استحبابا على خلاف في ذلك بين العلماء بل ان الله عز وجل قدم الاكل منها على إطعام الفقير فقال تعالى ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) وقال تعالى(فاذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) ومن المعلوم أن نقلها إلى خارج البلاد يؤدي إلى عدم الاكل منها فيكون الناقل لها مخالفا لامر الله ويكون آثما على قول من قال بوجوب الاكل منها من أهل العلم

واذا كانت الاضاحي وصاية فان نقلها قد يفوت به مصلحة سادسة وهي


مقصود الموصين لان الموصين لم يكن في بالهم حين أوصوا بالاضاحي الا أن تتمتع ذريتهم وأقاربهم بهذه الاضاحي وأن يباشروا بانفسهم تنفيذها ولم يخطر ببالهم ابدا أن اضاحيهم ستنقل إلى بلاد أخرى قريبة أو بعيدة فيكون في نقل أضاحي الوصايا مخالفة لما يظهرمن مقصود الموصين ومع فوات هذه المصالح بنقل الاضاحي إلى خارج البلاد فان فيه


مفسدة قد تكون كبيرة جدا لدى الناظر المتأمل


الا وهي ان الناس ينظرون إلى العبادات المالية نظرة اقتصادية محضة أو نظرة تعبدية قاصرة بحيث يشعر أنه استفاد منها مجرد الاحسان إلى الغير مع أن الفائدة الكبرى من هذه العبادات المالية هي التعبد لله وابتغاء مرضاته والتقرب اليه بحيث يشعر الانسان أنه بهذا الفعل متعبد لله متقرب اليه لا مجرد انه محسن إلى اخيه ونافع له لان العبادات المالية المتعدية للغير لها جهتان جهة تعبد لله تعالى وجهة احسان إلى الغير والجهة الاولى أعظم وأحق بالمراعاة من الجهة الثانية



اذاً فنقل الاضاحي إلى افغانستان أو إلى غيرها من البلاد المحتاجة تفوت به ست مصالح تفوت به اظهار شعيرة الاضحية ويفوت به ذبح المضحي اضحيته بنفسه أو حضوره ذبحها ويفوت به شعور المضحي بالتعبد لله بالذبح نفسه ويفوت به ذكر المضحي اسم الله على اضحيته ويفوت به الاكل من الاضحية الذي قدمه الله على اطعام الفقير وقال بعض العلماء بوجوبه ويفوت به ان كانت الاضحية وصية ما يظهر من مقصود الموصين وبالاضافة إلى فوات هذه المصالح يحصل به مفسدة نظر الناس إلى العبادات المالية المتعدية للغير نظرة اقتصادية محضة وهذا بلا شك يخل بجانب التعبد.



فيا عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل والا نقدم على أمر الا اذا وزناه بميزان الكتاب والسنة حتى نكون بذلك على بصيرة من الله وعلى بينة وبرهان واني اقول اخيرا كما قلت أولا لا تبذلوا دراهم لتضحوا في أفغانستان ولا غيرها ولكن ضحوا في بلادكم وعلى مشهد من أهليكم ضحوا لانفسكم وضحوا لاهليكم أما أفغانستان غيرها من البلاد الاخرى المحتاجة إلى معونتكم فاني أحثكم على معونتهم بقدر ما تستطيعون فالمعونة شئ والعبادات شئ آخر والاضحية عبادة لا ينبغي للانسان أن يخل بها أسأل الله تعالى أن يجعلني واياكم مِمن يعبد الله على بصيرة ومٍمن يدعو اليه على بصيرة اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا اجتنابه اللهم وفقنا لما تحب وترضى انك جواد كريم عباد الله ان الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ان الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم وأشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .


هذا والله اعلم
3
628

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

نعم أحبكم
نعم أحبكم
الله يعطيك العافية


بارك الله فيك



ويعجبني نشاطك إلى الأمام
الفجر الصادق الاتي
الله يخليك ان شاء الله ويعطيج العافية
سيدةحب
سيدةحب
الله يخليك ان شاء الله ويعطيج العافية
الله يخليك ان شاء الله ويعطيج العافية
جزاك الله ألف خير