فضائل المدينة والسكنى فيها
فقد تفَّرد الله سبحانه وتعالى باختيار من يختاره ويختصه من الأشخاص، والأوامر، والأزمان، والأماكن، ومما فضَّله الله سبحانه وتعالى من الأماكن مدينة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إذ جعلها حرم رسوله صلى الله عليه وسلم، ودار هجرته، ومهبط وحيه.
1- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّمها كما حرَّم سيدنا إبراهيم عليه السلام مكة
: فعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن إبراهيم حرم مكة، ودعا لها، وحرَّمت المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة، ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم عليه السلام لمكة)
رواه البخاري (2129).
2- أنه قد ورد الوعيد الشديد على من أحدث في المدينة حدثاً،
أو آوى محدثاً فيها
فعن علي رضي الله عنه قال: "ما عندنا شيء إلا كتاب الله،
وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(المدينة حرم ما بين عائر (جبل بقرب المدينة) إلى كذا، من أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين،
لا يقبل منه صرف ولا عدل...)
رواه البخاري (1870)
قال ابن بطال
"دلَّ الحديث على أن من أحدث حدثاً، أو آوى محدثاً في غير المدينة؛ أنه غير متوعد بمثل ما توعد به من فعل ذلك بالمدينة، وإن كان قد علم أن من آوى أهل المعاصي أنه يشاركهم في الإثم؛ فإن من رضي فعل قوم وعملهم؛ التحق بهم، ولكن خُصَّت المدينة بالذكر لشرفها لكونها مهبط الوحي، وموطن الرسول عليه الصلاة والسلام، ومنها انتشر الدين في أقطار الأرض، فكان لها بذلك مزيد فضل على غيرها.
وقال غيره
السر في تخصيص المدينة بالذكر أنها كانت إذ ذاك موطن النبي صلى الله عليه وسلم،ثم صارت موضع الخلفاء الراشدين".
3- أن من أراد أهلها بسوء أذابه الله في النار كما يذوب الملح
فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء)
رواه مسلم (1363)
وفي لفظ عند البخاري:
(لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع (أي ذاب) كما ينماع الملح في الماء)
رواه البخاري (1877).
4- أن الله تعالى جعلها مدخل صدق
فقال تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم:
{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً}(الإسراء:80)
قال قتادة: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} يعني: المدينة،
{وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} يعني: مكة،
وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهذا القول هو أشهر الأقوال.
5- أنها لا يدخلها الدجال ولا الطاعون
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون، ولا الدجال)
رواه البخاري (1880).
6- أن المدينة ترتجف بأهلها آخر الزمان فيخرج الله منها كل كافر ومنافق
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس من بلد إلا سيطؤه (يدوسه ويدخله ويفسده) الدجال، إلا مكة والمدينة ليس له من نقابها (طُرق) نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات؛ فيخرج الله كل كافر ومنافق).
رواه البخاري (1881).
7- أن المدينة لا يدخلها رعب المسيح الدجال
فعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب،
على كل باب ملكان)
رواه البخاري (1879)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" الجمع بين قوله ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات- كما في الحديث السابق - وبين هذا الحديث: أن الرعب المنفي هو الخوف والفزع حتى لا يحصل لأحد فيها بسبب نزوله قربها شيء منه، أو هو عبارة عن غايته وهو غلبته عليها، والمراد بالرجفة الإرفاق، وهو إشاعة مجيئه، وأنه لا طاقة لأحد به، فيسارع حينئذ إليه من كان يتصف بالنفاق، أو الفسق، فيظهر حينئذ تمام أنها تنفى خبثها ".
8- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(اللهم حبِّب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة، أو أشد،
وانقل حماها إلى الجحفة، اللهم بارك لنا في مدِّنا وصاعنا)
رواه البخاري (6372) ومسلم (1376)
وعن أنس رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة)
رواه البخاري (1885)، ومسلم (1369)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " أي من بركة الدنيا بقرينة قوله في الحديث الآخر: (اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا)،
ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك، لكن يستثنى من ذلك ما خرج بدليل كتضعيف الصلاة بمكة على المدينة،
واستدل به عن تفضيل المدينة على مكة وهو ظاهر من هذه الجهة،
لكن لا يلزم من حصول أفضلية المفضول في شيء من الأشياء ثبوت الأفضلية له على الإطلاق ".
9- أن الإيمان يأرز إلى مدينة رسول الله
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الإيمان ليأرز (يعنى ينضم إليها، ويجتمع بعضه إلى بعض) إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها)
رواه البخاري (1876)، ومسلم (147)
قال المهلب
"فيه أن المدينة لا يأتيها إلا المؤمن، وإنما يسوقه إليها إيمانه ومحبته في النبي صلى الله عليه وسلم، فكأن الإيمان يرجع إليها كما خرج منها أولاً،
ومنها ينتشر كانتشار الحية من جحرها،
ثم إذا راعها شيء رجعت إلى جحرها،
فكذلك الإيمان لما دخلته الدواخل لم يقصد المدينة إلا مؤمن صحيح الإيمان ".
10- أن المدينة قرية تأكل القرى
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون "يثرب" وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد)
رواه البخاري (1871)، ومسلم (1382) .
قال الإمام النووي رحمه الله
"معناه أمرت بالهجرة إليها واستيطانها، وذكروا في معنى أكلها القرى وجهين:
أحدهما أنها مركز جيوش الإسلام في أول الأمر، فمنها فتحت القرى، وغنمت أموالها وسباياها،
والثاني معناه أن أكلها وميرتها تكون من القرى المفتتحة، وإليها تساق غنائمها ".
11- أن الله تعالى سماها طابة
فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إن الله تعالى سمى المدينة طابة)
رواه مسلم (1385)
و"فيه استحباب تسميتها طابة، وليس فيه أنها لا تسمى بغيره فقد سماها الله تعالى المدينة في مواضع من القرآن، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة...".
12- استحباب الموت في المدينة
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها؛ فإني أشفع لمن يموت بها)
رواه الترمذي (3917)، وأحمد (5414)، وصححه الألباني
قال الإمام المناوي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم:
(من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها)
أي من قدر أن يقيم فيها حتى يدركه الموت فليقم بها حتى يموت، فهو تحريض على لزوم الإقامة بها ليتأتى له أن يموت بها، إطلاقاً للمسبب على سببه كما في {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
(آل عمران: من ا، لآية102)
وقوله صلى الله عليه وسلم:
(فإني أشفع لمن يموت بها)
أي أخصُّه بشفاعة غير العامة زيادة في الكرامة.
13- أن من مات فيها صابراً على لأوائها كان النبي صلى الله عليه وسلم شفيعاً له أو شهيداً
فعن أبى سعيد مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة، فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها، وكثرة عياله، وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها،
فقال له: ويحك لا آمرك بذلك،
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة
إذا كان مسلماً)
رواه مسلم (1374)
ومعنى اللأواء: الشدة والجوع، وأما الجهد فهو المشقة،
ومعنى قوله: (شفيعاً أو شهيداً) إما أن يكون أعلم بهذه الجملة هكذا،
وإما أن يكون أو للتقسيم، ويكون شهيداً لبعض أهل المدينة، وشفيعاً لبقيتهم، إما شفيعاً للعاصين، وشهيداً للمطيعين، وإما شهيداً لمن مات في حياته، وشفيعاً لمن مات بعده، أو غير ذلك،
قال القاضي: "وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة للمذنبين، أو للعالمين في القيمة، وعلى شهادته على جميع الأمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد: (أنا شهيد على هؤلاء)
فيكون لتخصيصهم بهذا كله مزيد أو زيادة منزلة وحظوة، قال: وقد يكون أو بمعنى الواو فيكون لأهل المدينة شفيعاً وشهيداً..".
14- أن المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون
فعن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم، ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم، ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) رواه البخاري (1875)، ومسلم (1388)
قال الإمام النووي رحمه الله:
"معناه الإخبار عمن خرج من المدينة متحملاً بأهله، باساً في سيره، مسرعاً إلى الرخاء في الأمصار التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتحها،
قال العلماء
في هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛
لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم،
وأن الناس يتحملون بأهليهم إليها، ويتركون المدينة
وأن هذه الأقاليم تفتح على هذا الترتيب
ووجد جميع ذلك كذلك بحمد الله وفضله
وفيه فضيلة سكنى المدينة، والصبر على شدتها، وضيق العيش بها،
والله أعلم"
قال ابن بطال رحمه الله
"وقوله: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) يعنى: لفضل الصلاة في مسجده التي هي خير من ألف صلاة فيما سواه، ولما في سكنى المدينة والصبر على لأوائها وشدتها، فهو خير لهم مما يصيبون من الدنيا في غيرها
والمراد بالحديث: الخارجون عن المدينة رغبة عنها، كارهين لها، فهؤلاء المدينةُ خير لهم، وهم الذين جاء فيهم الحديث (أنها تنفى خبثها)،
وأما من خرج من المدينة لحاجة، أو طلب معيشة، أو ضرورة ونيته الرجوع إليها؛ فليس بداخل في معنى الحديث، والله أعلم".
15- أنه لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها
فقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء،
هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه،
ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد)
رواه مسلم (1381).
16- ومن فضائلها أن فيها مسجده صلى الله عليه وسلم وبه الروضة الشريفة
وقد وردت في فضله أحاديث كثيرة منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)رواه البخاري (1133)، ومسلم (1394)
وقال عن الروضة
(ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي)
رواه البخاري (1138) ومسلم (1391).
17- ومن فضائلها دفن أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم
وأفضل هذه الأمة، وكثير من خير سلفها من الصحابة، ومن بعدهم.
__________________
زيارة المسجد النبوي
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم هو ثاني ثلاثة مساجد يشرع شدُّ الرحال إليها للصلاة والعبادة كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلّم قال: (لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد:
المسجد الحرام،
ومسجدي هذا،
والمسجد الأقصى)
رواه البخاري (1132) ومسلم (1397)
لذا فإنه يسنُّ للحاج أن يزور مسجد النبي صلى الله عليه وسلّم، ويصلي فيه قبل الحج أو بعده، مع العلم أن هذه الزيارة ليست من شروط الحج، ولا أركانه، ولا واجباته، ولا تعلُّق لها به ولكن ما دام أنه قد قطع المسافات الطويلة، وتكبد المصاعب؛ فقد استُحب له ذلك، وكذا الصلاة فيه، إذ ربما لا يتسنى له المجيء مرة أخرى.
وينبغي على الحاج إذا ما أراد أن يزور المدينة أن ينوي زيارة المسجد النبوي لا زيارة القبر النبوي
لأن شد الرحال على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور،
وإنما يكون للمساجد الثلاثة.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:
( لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيداً
وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم )
فإذا ما وصل إلى المسجد النبوي قدَّم رجله اليمنى لدخوله، وقال:
(بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي
وافتح لي أبواب رحمتك)
(أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم)
ثم إذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين
لقول النبي صلى الله عليه وسلّم:
(وإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يُصلي ركعتين)
رواه البخاري (1110)، ومسلم (714).
وليتحرَّ العبدُ الصلاةَ في الروضة التي هي ما بين منبره صلى لله عليه وسلم وحجرته التي فيها قبره إن تيسر له ذلك من أجل الفضيلة الواردة في حديث عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)
رواه البخاري (1137)، ومسلم (3434)
فإن لم يتيسر له صلى في أي جهةٍ تتيسر له من المسجد، وهذا في غير صلاةِ الجماعة، أما في صلاة الجماعة فليُحافظ على الصف الأول الذي يلي الإمام لأنه أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلّم:
(خير صفوف الرجال أولها)
رواه مسلم (440)
وقوله صلى الله عليه وسلم:
(لو يعلمُ الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)
رواه البخاري (590)، ومسلم (437).
ثم بعد ذلك يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويقف أمام قبره بأدب ووقار، وخفض صوت، ثم يسلم عليه صلى الله عليه وسلم قائلاً:
(السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)
رواه البخاري (797)، ومسلم (402)
أو يقول: "السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته"
لقوله صلى الله عليه وسلم:
(ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام)
وإن قال:
"أشهد أنك رسول الله حقّاً، وأنك قد بلّغت الرسالة، وأدّيت الأمانة، وجاهدت في الله حق جهاده، ونصحت الأمة، فجزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبياً عن أمته"
فلا بأس؛ لأن هذا كله من أوصافه صلى الله عليه وسلم.
ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً فيسلم على أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه، ويدعو له بما يناسبه، ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً أيضاً فيسلم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويترضى عنه، ويدعو له ،
فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلَّمَ على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لا يزيد غالباً على قوله: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه، ثم ينصرف.
ولا يجوز لأحد أن يتقرب إلى الله بمسح الحجرة، أو الطواف بها، ولا أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء حاجته، أو شفاء مريضه، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يُطلَب إلا من الله وحده.
ولا تزور المرأة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لعن زوَّارات القبور، لكن تزور المسجد، وتتعبد لله فيه رغبة فيما فيه من مضاعفة الصلاة، وتسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهي في مكانها؛ فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهي في أي مكان كانت؛
لقوله صلى الله عليه وسلم:
(لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ
فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)
وقال صلى الله عليه وسلم:
(إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام)
فضل مسجد قباء وزيارته
"لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وصل إلى قرية قباء في بني عمرو بن عوف قبل أن يصل إلى المدينة في شهر ربيع الأول؛ على كلثوم بن الهدم، وكان له مربد، فأخذه منه، وأسس مسجد قباء؛ وهو أول مسجد أسس على التقوى".
خصائص مسجد قباء
- أنه أول مسجد بُني في الإسلام.
- أن فيه وفي أهله نزلت الآية
{لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}
(سورة التوبة:108)
وهذه الآية تشهد لهذا المسجد العظيم بالعظمة والخير والبركات، فهو المسجد الذي أسس على التقوى، وإن كان قد رُوي عن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه قال:
"دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه
فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟
قال: فأخذ كفاً من حصاء فضرب به الأرض،
ثم قال :
(هو مسجدكم هذا) لمسجد المدينة"
رواه مسلم (1398)
وفي رواية
"تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم،
فقال رجل: هو مسجد قباء،
وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(هو مسجدي هذا) .
وفي رواية أخرى قال:
(وفي ذاك خير كثير) ؛ غير أنه قد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(نزلت هذه الآية في أهل قباء {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}
قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت هذه الآية فيهم)
وليس بين الحديثين تعارض،
فالمسجدان: المسجد النبوي ومسجد قباء
كلاهما أسس على التقوى
من أول يوم،
"فمسجد قباء أسس من أول يوم نزل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم
تلك القرية، وكذلك مسجد المدينة أسس من أول يوم
وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة،
فكلاهما أسس من أول يوم" .
- أنه قد ثبت عن الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أن الصلاة في مسجد قباء كعمرة إلى بيت الله الحرام
فعن أسيد بن ظهير الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الصلاة في مسجد قباء كعمرة)
وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة
كان له كأجر عمرة).
- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي إلى قباء تارة راكباً،
وتارة ماشياً؛
فيصلي فيه ركعتين،
وكان يفعل ذلك كل يوم سبت
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكباً وماشياً، زاد ابن نمير فيصلي فيه ركعتين)
رواه البخاري (1194)، ومسلم (1399)
وعند البخاري
أن النبي صلى الله عليه وسلم:
(كان يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً وراكباً،
وكان عبد الله رضي الله عنه يفعله)
رواه البخاري (1193).
- وقد جاء عن الصحابة رضوان الله عليهم ما يدل على اهتمامهم بالصلاة فيه، والحث عليها
فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:
(لَأَنْ أصلي في مسجد قباء أحب إلي من أن أصلي في بيت المقدس)
وسُئِل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
عن حكم الذهاب إلى مسجد قباء كل يوم سبت مشياً على الأقدام، أو راكباً أحياناً، هل يشرع هذا أم لا؟
فأجاب:
"الذهاب إلى مسجد قباء في المدينة كل يوم سبت من السنَّة؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله، وهذا من حكمته؛
لأن الله تعالى قال له:
{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}
(التوبة:108)،
والمسجدان:
النبوي والقبائي كلاهما أسس على التقوى من أول يوم، مسجد قباء من أول يوم نزل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم قباء،
ومسجد المدينة من أول يوم وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فكلاهما أسس من أول يوم،
لكن لا شك أن المسجد النبوي أفضل،
لهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يجعل يوم الجمعة للمسجد النبوي، ويوم السبت لمسجد قباء،
فإذا تيسر لك أن تزور قباء كل يوم سبت راكباً أو راجلاً بحسب ما تيسر لك، وتخرج من بيتك متطهراً، وتصلي فيه ما شاء الله؛ فهو خير" .
وبناء على هذا فمن أكرمه الحق جل وعلا من المسلمين بزيارة المسجد النبوي، وشرَّفه بالسلام من قرب على نبيه صلى الله عليه وسلم،
وحلَّ بالمدينة الفاضلة يتمتع ببركاتها، وينعم بالجوار فيها؛
فلا يحرمن نفسه من زيارة هذا المسجد الفاضل للحصول على الأجر الموعود على زيارته، والصلاة فيه بقوله صلى الله عليه وسلم:
(كان له كأجر عمرة)
في الحديث الآنف الذكر.
أما أن يأتيه استقلالاً، ويشدَّ لزيارته من بلده رحالاً فليس بالأمر المشروع،
بل هو من الممنوع
بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى)
رواه البخاري (1189)، ومسلم (1397)
ولم يكن مسجد قباء من بينها، فليسعنا ما شرع.
معالم المدينة المنورة
1. المسجد النبوي
وكان بناء هذا المسجد بعدما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً من مكة،فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
"قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم "بنو عمرو بن عوف"، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا متقلدي السيوف، كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله،
حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، وأنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ من بني النجار فقال:(يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا)،قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، فقال أنس: فكان فيه ما أقول لكم: قبور المشركين، وفيه خَرِبٌ، وفيه نخل، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنشبت، ثم بالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، فصفوا النخل قِبْلَةَ المسجد، وجعلوا عِضَادَتَيْهِ الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم،وهو يقول:اللهم لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة"
رواه البخاري (418) ومسلم (524).
وهذا المسجد له فضائل كثيرة، فهو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه الروضة الشريفة، وفيه تضاعف الصلاة إلى ألف صلاة، إلى غير ذلك من الفضائل الكثيرة.
2. مسجد قباء
ومسجد قباء هو أول مسجد بُني في الإسلام عندما وصل النبي
صلى الله عليه وسلم إلى قباء مهاجراً من مكة، وقد شارك في وضع أحجاره الأولى، وبناه مع الصحابة رضي الله عنهم،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصده بين الحين والآخر ليصلى فيه، فكان يأتيه تارة راكباً، وتارة ماشياً فيصلي فيه ركعتين،فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكباً وماشياً،- زاد ابن نمير - فيصلي فيه ركعتين"
رواه البخاري (1194)، ومسلم (1399)
وعند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً وراكباً، وكان عبد الله رضي الله عنه يفعله"
البخاري (1193).
وكان يحضُّ على زيارته
فعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
(من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة)
وهذا المسجد يقع في الجنوب الغربي للمدينة، ويبعد عن المسجد النبوي قرابة خمسة كيلو مترات.
3. البقيع
وهو مقبرة المدينة تقع شرقي المسجد النبوي، دفن فيها كثير من الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم أجمعين، ودفنت فيه أمهات المؤمنين وبناته رضي الله عنهن، ومن أجلِّ الصحابة المدفونين به الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه.وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من الليل إلى البقيع فيستغفر لأهل البقيع ويدعو لهم.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كانت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في آخر الليل إلى البقيع فيقول:(السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا وإياكم متواعدون غداً أو مواكلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)
4. جبل أحد
وجبل أحد يقع شمال المدينة، ويبعد عن المسجد النبويّ خمسة ونصف كيلو متر، وطوله ستة كيلومترات، وارتفاعه ثلاثمائة وخمسين متراً.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً، وبدا له أحد قال:
(هذا جبل يحبنا ونحبه)
رواه البخاري (2732)، ومسلم (3387).
وهو الجبل الذي وقعت عنده معركة أحد في السنة الثالثة من الهجرة،
ويوجد بجانبه قبور الشهداء الذين استشهدوا في تلك المعركة
ومنهم حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم أسد الله ورسوله.
5. جبل عَيْنَيْن، أو جبل الرماة
هو جبل صغير بجانب مقبرة الشهداء، ويفصل بينهما وادي قناة، وهذا الجبل هو الذي وضع النبي صلى الله عليه وسلم عليه خمسين رامياً في معركة أحد.
6. مقبرة شهداء أحد
.
وتقع شمال المسجد النبوي على بعد خمسة كيلومترات عند قاعدة جبل أحد، وسميت بهذا الاسم لأنها تضم سبعين من الصحابة الذين استشهدوا في غزوة أحد، ومنهم عم النبي صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب
رضي الله عنهم أجمعين.
7. جبل سلع
جبل عظيم شامخ وهو أحد جبال المدينة المنورة،
ويقع غربي المسجد النبوي على بعد خمسمائة متر أو أقل،ويبلغ طول الجبل ألف متر تقريباً وارتفاعه ثمانين متراً، ويمتد من الشمال إلى الجنوب
وتتفرع منه أجزاء في وسطه على شكل أجنحة قصيرة باتجاه الشرق والغرب
وقد كانت وقعة الخندق عنده حيث جعله النبي صلى الله عليه وسلم خلف ظهره يحتمي به.
8. عَيْر وثور
وهما اسما جبلين من جبال المدينة،
أولهما:عظيم شامخ يقع جنوبي المدينة على بعد حوالي ثمانية كيلومترات، شرقي وادي العقيق قرب ذي الحليفة آبارعلي ويحدُّ المدينة من جهة الجنوب.
وثانيهما: جبل أحمر صغير يقع خلف جبل أحد من جهة الشمال كأنه ثور رابض، ورأسه متجه صوب الجنوب الغربي، وهو حدُّ المدينة المنورة من الجهة الشمالية.وهذان الجبلان يحدَّان حرم المدينة جنوباً وشمالاً كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور)
رواه البخاري (6374)، ومسلم (1370).
9. وادي العقيق
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول:(أتاني الليلة آت من ربي فقال:صل في هذا الوادي المبارك،وقل عمرة في حجة)
رواه البخاري (1461)، ومسلم (1346)
وعن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رؤي وهو في معرس - المعرس موضع النزول - بذي الحليفة ببطن الوادي قيل له: (إنك ببطحاء مباركة)
رواه البخاري (1462) ومسلم (1346).
والعقيق: الوادي الذي شقه السيل قديماً، وهو في بلاد العرب عدة مواضع منها العقيق الأعلى عند مدينة النبي صلى الله عليه وسلم مما يلي الحرَّة إلى منتهى البقيع، ومنها العقيق الأسفل وهو أسفل من ذلك، ومنها العقيق الذي يجري ماؤه من غوري تهامة وأوسطه بحذاء ذات عرق.
مايسن زيارته
فقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتاوى الحج:
" نحن ذكرنا أنه لا يزار سوى هذه الخمسة التي هي:
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
وقبره، وقبر صاحبيه، وهذه القبور الثلاثة في مكان واحد
والبقيع وفيه قبر عثمان رضي الله عنه
وشهداء أحد وفيهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه
ومسجد قباء
وما عدا ذلك فإنه لا يزار.
أما غيرها مما لم تذكر، فكل هذا لا أصل لزيارته
وزيارته بقصد التعبد لله تعالى بدعة
لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم
ولا يجوز لأحد أن يثبت لزمان أو مكان أو عمل، أن فعله أو قصده قربه إلا بدليل من الشرع"
✿عذبة الروح✿ @aathb_alroh_56
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
،،،،